جريمةُ إقصاء الإسلامِ من ثورات الشعوبِ المسلمة عاقبةُ الارتماء في أحضان الأعداءِ والعملاء!
2016/11/27م
المقالات
3,382 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
جريمةُ إقصاء الإسلامِ من ثورات الشعوبِ المسلمة
عاقبةُ الارتماء في أحضان الأعداءِ والعملاء!
صالح عبد الرحيم – الجزائر
بعدما تمكنت أميركا المنتصِرة في الحرب العالمية الثانية من تجميع شتاتِ القوى السياسية «الحية» الثائرةِ في شعب الجزائر المسلمِ في أواخر أربعينات القرن الماضي (مستغلةً تراجع كل من بريطانيا وفرنسا في الموقف الدولي)، وهو الشعب المسلم الذي لم يتخلَّ يومًا عن مقارعة الاستعمار الفرنسي عسكريًا منذ نزول جيوشِه ووحوشِه على شواطئ وسط شمال أفريقيا في 1830م، ثم جمعِ تلك القوى – رغم تباين مواقفها – وتوحيدِ مطالبها مع مطلع الخمسينات تحت عباءة جبهة التحرير الوطني بوساطة جمهورية مصر العربية، وتحت إشراف فرعِ جهازِ المخابرات المصرية (برئاسة محـمد فتحي الديب) في نظام القاهرة أيام العميل الأميركي عبد الناصر منذ نجاح ثورة الضباط الأحرار في 1952م، بدا للعالم حينها أن فرنسا الاستعمارية بدأت تواجه متاعب حقيقيةً في مستعمراتها في شمال أفريقيا، وخاصةً في الجزائر، وهي المستعمَرة الفرنسية الثمينة!! وذلك فيما ظهر وقتها أنه محطة حاسمةٌ أو يقظة نهائيةٌ من أهل الجزائرِ المسلمينِ باتجاه إنهاء نفوذ العدو المستعمِر الفرنسي وطرده نهائيًا من البلاد، وتقرير المصير عبر استرجاع هويةِ الشعب ضمن ثوابتِ الأمةِ التي ينتمي إليها، المتمثلةِ في الإسلام ولا شيء سواه. وذلك بعد عقود طويلةٍ من الهيمنة الاستعمارية الغاشمة، أي منذ أن سلخت الإيالة (ولاية الجزائر) في 1830م عن دولة الخلافةِ العثمانية.
إلا أن تلك القوى السياسية الثائرة في الجزائر كانت في الحقيقة متأثرةً إلى حد بعيد بأفكار المستعمِر الغربي، ولم تكن تمتلك وعيًا سياسيًا مبدئيًا يمكنها من مواجهة مخططاتِ الأعداء الغربيين بوصفهم دولًا وكفارًا مستعمرين!! ولكي نفهمَ ما حدث، وكيف جرى إقصاءُ الإسلام عن الحكم في الدولة الناشئةِ بعد الثورة نرى أنه لابد من أن نستعرض ولو بإيجاز أهم التكتلاتِ والتشكيلات السياسية والقوى المؤثرة التي كانت موجودةً في الساحة في تلك الفترة أي قبل الثورة، ولابد أيضًا من التعريف بالشخص الذي كان يُشرف على علاقة مصر عبد الناصر مع ثورة التحرير الجزائرية من أولها إلى آخرها؛ لذا يجب أن نفتح هنا قوسًا لنعرِّف أولًا بشخصية رجل المخابرات المصري محـمد فتحي الديب، وما كان له من دورٍ هو ورفاقه في إذكاء وتوجيه ثورةِ الجزائر وإمدادها ماديًا ومعنويًا بكل ما كانت تحتاجه من مالٍ وسلاحٍ وتموين وغيره، ودعمِها على جميع الأصعدة سياسيًا وأمنيًا وإعلاميًا، كل ذلك بتدبير ودعمٍ وتوجيهٍ أميركي!
يُعتبر محـمد فتحي مبروك إبراهيم الديب المعروف بـفتحي الديب مهندسَ علاقات ثورة 23 يوليو (تموز) في مصر مع العالم العربي، ورجلَ المهام الخاصة لعميل أميركا عبد الناصر. بدأت علاقتُه بثورة يوليو عندما جنده محركُها الرئيسي جمال عبد الناصر ضمن تنظيم الضباط الأحرار، الذي قضى فجر الثالث والعشرين من يوليو عام 1952م على نظام حكمِ الملك فاروق، آخر سلالة الضابط الألباني محـمد علي. كان فتحي الديب (1923-2003م – القاهرة) ضابطًا مصريًا في سلاح المظلات قبل الثورة، وقد اختير بعد مشاركته في الانقلاب على عميل الإنجليز فاروق ملك مصر آنذاك ضمن مجموعةٍ مكونة من عشرة ضباط لإنشاء أولِ جهاز مخابراتٍ في مصر تأسس عقب الانقلاب، برئاسة زكريا محيي الدين. وذلك بعد زوال أجهزةِ الأمن السرية التابعة للعهد الملكي البائد. وضم على سبيل المثال من ضباط الجيش محـمد فائق، حافظ إسماعيل، عبد القادر حاتم وغيرَهم… لكن وقع الاختيار على الديب للإشراف على الشؤون العربية ومتابعتِها في ذلك الجهاز. فكان هو الرجل الذي كان مسؤولًا لعقدين كاملين من الزمن عن الاتصالات والعلاقات بين مصر والعالم العربي في مجال الأمن والاستخبارات. وكان صاحبَ اقتراح (وتنفيذ) إنشاءِ إذاعة «صوت العرب» الشهيرة التي استخدمها عبد الناصر في مخاطبة الرأي العام العربي بشكل موسع، والتي انطلقت من القاهرة يوم 4 يوليو 1953م بصوت أحمد سعيد، محـمد عروق وسواهما.. وارتبط بها وجدان المواطن العربي في زمن الهياج القومي من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر. بدأ الديب نشاطَه الاستخباراتي بالاتصال باللاجئين العرب الموجودين في القاهرة وتجميعِ المعلومات عنهم ومنهم، وكانت له علاقات وطيدة مع الجامعة العربية واليمن والجزائر وغيرها في تلك الفترة. وكان هو أول من قدّم أحمد بن بلا ورفاقَه إلى عبد الناصر في بداية الدعم المصري اللاَّمحدود للثورة الجزائرية، ونضالِ الشعب الجزائري لنيل الاستقلال عن فرنسا. كما عرفته سلطاتُ المملكة الليبية (أيام الملك إدريس السنوسي) جيدًا، وهي التي ساندت حربَ التحرير في الجزائر من خلال تهريبِ المعدات والمؤن ونقلِ الأسلحة والتجهيزات إلى ثوارها عبر الأراضي الليبية حتى استقلالها في يوليو عام 1962م. وفي كل الأحوال ظل فتحي الديب رجلَ استخباراتٍ في المقام الأول، وقام بوضع عدةِ كتبٍ عن تجاربه وعملِه في الاستخبارات كان من بينها كتابه «عبد الناصر وتحرير المشرق العربي» الذي تناول فيه بالتفاصيل دورَ عبد الناصر في دعم حركات التحرر الوطني في شرق الوطن العربي، وكتاب «عبد الناصر وثورة ليبيا» الذي صدر في القاهرة عام 1986م، وكذلك كتاب «عبد الناصر وثورة الجزائر» الذي أوضح فيه علاقةَ الثورة الجزائرية الوطيدة بجهاز المخابرات المصرية من خلال أحمد بن بلا ورفاقِـه. وبالمجمل فقد كان فتحي الديب من مؤسسي جهاز المخابرات العامة المصرية في 1953م وإذاعة صوت العرب (المؤثرة في ذلك الوقت) ومهندس حركات التحرر. كما يعد أحد أبرز معاوني الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في قضايا الشؤون العربية مكلفًا كما أسلفنا برئاسة دائرةِ الشؤون العربية في جهاز الاستخبارات، حيث أوكل إليه إعداد خطةٍ لتحرير دولِ الوطن العربي من الاستعمار (القديم)، كل ذلك لصالح أميركا! وقام الديب بانجاز هذه المهمة، التي من خلالها تأسست الإذاعةُ المذكورة كأداة إعلاميةٍ لثورة يوليو 1952م في معاركها ضد الاستعمار. وبعد وفاة عبد الناصر ومجيء أنور السادات إلى الرئاسة في مصر، استقال فتحي الديب من منصبه الذي كان يشغله لدى رئاسةِ الجمهورية. وقبيل موتِ عبد الناصر في سبتمبر عام 1970م كُلف الديب برئاسة الأمانة العامة للقيادة السياسية الموحدة بين مصر وسورية وليبيا والسودان. وهو مشروع كان قد بدأه عبدُ الناصر ولم يستكمله بسبب وفاتِه التي لم تكن نهايةَ المشروع فحسب، بل كانت أيضًا ابتعادَ الديب عن مراكز القرار بسبب خلافاته مع الرئيس الراحل أنور السادات، الذي كانت أميركا هيأته في ذلك الوقت ليقود مرحلةً جديدةً مختلفةً تمامًا تمثلت في ما لعِبتْه الجمهوريةُ المصرية في عهده من أدوار مهمةٍ لصالح الغرب في «الشرق الأوسط» وفي البلاد العربية، وتحديدًا في مسألة التطبيع مع كيان الصهاينة وتثبيت وجوده على أرض فلسطين. ولا يفوتنا أن نذكر أن فتحي الديب نفسَه لعب أيضًا دورًا مؤثرًا قبل ذلك في فتح قنواتِ اتصالٍ سريةٍ بين عبد الناصر وآية الله الخميني، الذي سيقوم لاحقًا بقيادة الثورةِ على شاه إيران عميل الإنجليز عام 1979م لتدخل بذلك إيران (الجمهورية الإسلامية) في دائرة النفوذ الأميركي منذ ذلك التاريخ!!
أما الأحزاب السياسيةُ والقوى المؤثرة التي كانت حاضرةً وكان لها وزن في الساحة الجزائرية قبل اندلاع الثورة على المستعمِر الفرنسي وإعلانها يوم الفاتح من شهر نوفمبر/تشرين2 1954م، فقد كانت تتمثل أساسًا في كل من:
ـ «حزب الشعب الجزائري» (PPA) الذي نشأ في سنة 1937م ويعتبر امتدادًا لحزب أو منظمة «نجم شمال أفريقيا» التي تأسست في فرنسا في 1926م من نقابات العمالِ المهاجرين إلى أوروبا من الجزائر ومراكش وتونس، على صدى ما راج في جميع أنحاء العالم آنذاك وبين العمال خاصةً من أفكار ومشاعر العداء للرأسمالية والإمبريالية الاستعمارية الغربية بعد انتصار الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917م. ثم بعد حله من طرف السلطة الاستعمارية الفرنسية، انبثقت عنه لاحقًا في الجزائر منذ 1947م كل من «حركة انتصار الحريات الديمقراطية» (MTLD) بمثابة جناح سياسي، و»المنظمة الخاصة» (OS) بمثابة جناح عسكري مسلح لنفس التيار، وهم أتباع مصالي الحاج مؤسس حزب الشعب. حدث ذلك تحديدًا عقب ظهور همجية المحتل الفرنسي مجددًا في مجاز 8 مايو (أيار) 1945م التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية الحاقدة، والتي راح ضحيتها في مظاهراتٍ كان دعا إليها حزبُ الشعب بمناسبة اليوم العالمي للعمال (الأول من مايو-أيار) ما يناهز 45 ألف شهيد في غمرة انتصار الحلفاء على النازية الألمانية! يذكر أن حزب الشعب – رغم حله رسميًا – إلا أنه بقي نشيطًا في السر بهذا الاسم كما كان، وباسم الحركة المذكورة أعلاه في العلن، وذلك رغم الخلاف الذي نشب بين مناصري اللجنة المركزية في الحركة (وهم من أُطلق عليهم اسم «المركزيون») وبين وقيادةِ الحركة وخاصةً رئيسها ومؤسسِها! ثم بعد حل الحركة مجددًا قي 1954م تحول اسم نفس تيار «المصاليين» إلى «الحركة الوطنية الجزائرية» (MNA) التي أسسوها يوم 22 ديسمبر 1954م. وقد أعلن هؤلاء صراحةً رفضَهم للثورة التحريرية منذ بدايتها، بل وناصبوا العداءَ لكل من جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني، لتصبح هذه الحركةُ تنظيمًا معاديًا لهما سياسيًا وعسكريًا.
ـ «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» (AUMA) التي نشأت في 1931م على يد عبد الحميد بن باديس ورفاقه، وكانت امتدادًا للحركة الإصلاحية التي تبنت أفكارَ محـمد عبده ورشيد رضا وتلامذتِهم واعتمدت منهجيةَ الإخوان المسلمين في التعاطي مع الواقع ومع الشأن السياسي في الجزائر. وتُعرِّف نفسَها بأنها [جمعية إسلامية جزائرية أسسها مجموعة من العلماء الجزائريين خلال النصف الأول من القرن العشرين متأثرة بأفكار النهضة والإصلاح التي نادى بها مجموعة من المصلحين من أمثال جمال الدين الأفغاني ومحـمد عبده والعالم الجزائري عبد القادر المجاوي وغيرِهم من المصلحين في أقطار العالم الإسلامي، وسطرت أهدافًا لها وهي إحياء الشعب الجزائري والنهوض به وإصلاح مجتمعه وزرع القيم والأخلاق الإسلامية الرفيعة والمحافظة على هويته من أجل أن يتبوأ مكانة رائدةً بين الأمم وفق هويته الإسلامية والعربية. واتخذت الجمعيةُ «الإسلام دينُنا، والعربية لغتُنا، والجزائر وطنُنا» شعارًا لها]. والمهم هنا هو أن جمعيةَ العلماء المسلمين الجزائريين لم يتحدد موقفُها من الثورة عند اندلاعها بصفة رسمية وعلنية، وذلك رغم دفاعها المستميت عن مقومات الشعبِ الجزائري منذ تأسيسها. فقد اتسم موقفُها في البداية بالتردد والتذبذب وانقسمت إلى تيارين، وكان الشيخ العربي التبسي من أبرز علمائها وأعضائها المتحمسين للثورة المسلحة. ومع أن بيانًا للجمعية وقعه رئيسُها آنذاك الشيخ البشير الإبراهيمي في القاهرة بتاريخ 14 نوفمبر 1954م (أي في بداية الثورة) دعا فيه إلى الالتفاف حول الثورة والكفاح المسلح، إلا أن الإعلان الرسمي عن مساندة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للثورة والتحاق مناصريها بجبهة التحرير الوطني لم يأت إلا في 12 فبراير (شباط) 1956م!
ـ “الحزب الشيوعي الجزائري” (PCA) الذي هو في الحقيقة امتداد للحزب الشيوعي الفرنسي يستلهم منه (أي من فرنسا!!) ومن الحركة العمالية في أوروبا، ومن نجاح الثورةِ الشيوعيةِ البلشفية في 1917م في روسيا، ومن قادة الاتحادِ السوفياتي البائد بعد ذلك كلَّ توجهاته ومواقفه الفكرية والسياسية. وكان أعلن معارضتَه للثورة منذ اندلاعها وأظهر موقفًا سلبيًا منها، حيث أصدر بيانًا في 2 نوفمبر 1954م (أي بعد يوم واحد من اندلاعها) أعلن فيه المكتب السياسي للحزب إدانـتَه للثورة ورفضَه الالتحاق بها، مشككًا حتى في «مبادئ» وأطروحات جبهة التحرير الوطني!!
ـ قوى سياسية أخرى ثانوية تحمل خليطًا عجيبًا من الديمقراطية والوطنية والإسلام، أو تتبنى أفكار الحرية والعلمانية واللائكية، أو تحمل شعارَ القومية والاشتراكية الثورية، أو غيرَ ذلك، كـ”الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري” المعروف بـ”حزب البيان” (UDMA) الذي تأسس في 1946م على يد فرحات عباس (الذي صار لاحقًا رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة في أواخر الثورة)، والذي اعتبر إشعالَ الثورة المسلحة في 1954م مغامرةً و»عملًا فوضويًا وتصرفًا يائسًا» غيرَ مضمون العواقب! ثم ما لبث أن وصل مؤسسُه يوم 25 أفريل (نيسان) 1956م إلى القاهرة حيث عقد ندوةً صحفيةً أعلن فيها عن الحل الرسمي للاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري وانضمامَه إلى جبهة التحرير الوطني!
وواضح من اسم الجبهة المذكورة، أي جبهة التحرير الوطني التي فُرضت (في القاهرة) منذ نشأتها في 1954م كممثل شرعي ووحيد لشعب الجزائر، وكإطار وحيد للعمل الثوري منذ 1956م، أن الهدفَ حينها كان التحرر من سطوة الاستعمار، وأن سقف مطالب الثوار والثورة على المستعمِر كان هو «الاستقلال الوطني» أي تحقيق الاستقلال تحت سقف «الوطنية الجزائرية» التي برزت بل فُرضت أيضًا وقتها كأهـمِّ مكوِّنٍ لهوية أهل الجزائر، فقد أُشربوا في قلوبهم حبَّ الجزائر وطنًا وأرضًا وشعبًا وأُشربوا في عقولهم أنهم جزائريون وجزائريون دائمًا وقبل كل شيء!!
وكان من تدبير بل من دهاء وخبث المستعمِر الغربي، وهو يعلم أن أهل الجزائر مسلمون، ومن تأثير العلمانية أي فكرة فصل الدين عن الحياة وعن السياسة – التي هي أصل الداء والبلاء في جميع بلاد المسلمين – أنْ جعلَ هذا المستعمِرُ (الأميركي تحديدًا) من الفكرة الوطنية سقفًا للجميع، ومن حزب جبهة التحرير الوطني قائدًا للثورة، ومن الحرية والاستقلالِ عن فرنسا مطلبًا للثائرين، ومن الإسلام عبر المنتسبين إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذين هم أتباع زعماء «الحركة الإصلاحية التوفيقية» وتلامذتهم التي نشأت في أواخر القرن التاسع عشر في المشرق (في مصر تحديدًا)، جعل منه «جناحًا روحيًا» وسندًا قويًا للثورةِ يستلهم منه الثوارُ المجاهدون القوةَ الروحية والمعنوية والتصميمَ والإقدامَ والتضحيةَ والصمودَ وطولَ النفَس وحبَّ الاستشهاد في سبيل الله، الموجودة كلها في الإسلام!!! وهو ما لا قِبل للعدو الفرنسي بوصفه كافرًا رأسماليًا مستعمِرًا به!! وقد استُخدمت بفعاليةٍ كل عواملِ الثبات والقوةِ والصلابةِ تلك – الموجودةِ في شعب الجزائر بوصفه مسلمًا – من خلال الجمعيةِ المذكورة وعلمائها وأتباعِها ومناصريها وهياكلها ومدارسها كأداةٍ في الصراع حتى نهاية الحرب.
فقد كانت جبهةُ التحرير الوطني جبهةً علمانيةً تتبنى فصلَ الدين عن السياسة رسميًا وعمليًا (بنكهة اشتراكيةٍ عند نشأتها)، وفي الوقت نفسه تُسخر الإسلامَ كعقيدة “روحية غير سياسية” (!) في خطابها وفي نضالها وكفاحها. إلا أن ذلك لم يمنع جمعيةَ العلماء ذات التأثير الكبير على الشعب المسلم آنذاك بحكم تبنيها للإسلام قبل اندلاع الثورةِ، لم يمنعها من الوقوع في زلةٍ رهيبة هي الدخول والانضواء في الجبهة. والحقيقة على أرض الواقع هي أن جبهةَ التحرير الوطني (العلمانية) اتخذت الإسلامَ مطيةً لإشعال الثورة المسلحة بتخطيطٍ من الممولين والداعمين!! كما جعلت منه خزانًا كبيرًا لوقود الثورة من أجل تحريك الشعب، ومصدرًا للطاقة الروحية والمعنوية لجناحها العسكري الذي هو جيش التحرير الوطني، وذلك طوال كل سنوات حرب التحرير ضد الفرنسيين باعتبارهم كفارًا مستعمرين!! ولكن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين رغم أنها لم تُبـدِ في البداية موقفًا صريحًا ورسميًا من الثورة المسلحة ومن الانضمام إلى جبهة التحرير الوطني (كما أسلفنا)، إلا أنها قررت مع بداية 1956م الانضمام رسميًا؛ إذ كانت بطبيعة فكرها الوطني – الإسلامي وبحكم نظرتِها الواقعية (غبرِ المبدئية) تنسجم إلى حد بعيد مع مطالب الجبهة ولو مرحليًا بنظرها؛ حيث قَبِلت في القاهرة بوصف القاهرة حاضنةَ زعماء ثورةِ التحرير ومصدرَ الدعم بجميع أنواعه ومنه التمويل، وبضغط وتوظيفٍ من جماعة عبد الناصر “حامل لواء العروبة والاشتراكية” ومن رجالِه المرتبطين في الخفاء بالأميركان، قبِلتْ أن يجري تسخيرُها والتلاعبُ بها بأن تكون أحدَ “أهم” مكوناتِ جبهةٍ أو حزبٍ علماني يفصل الدينَ عن السياسة، أي يتناقض مع الإسلامِ في أسسه ومنطلقاتِه الفكريةِ والسياسية، هو جبهة التحرير الوطني، الذي أفراده مسلمون!! مع أن الإسلام لا يقبل هذا الفصل بين الدين والسياسة مطلقًا، ولا يقبل من أتباعه ومن العلماء تحديدًا إلا دولةً على أساس الإسلام، هي دولة الخلافة!! وهنا تبرز أهميةُ الوعي السياسي المبدئي الصحيح الذي يمنع التوظيفَ والتسخير من قِبل الأعداء الماكرين، فضلًا عن الارتماء في أحضان العملاء المتربصين.
وكان هذا المنزلق فخًا مميتًا مهَّـد بل أفضى طبيعيًا بعد تحصيل الغرض المطلوبِ واستيفاء ما أُريد من الجمعية ومناصريها، أي بعد خروج فرنسا عسكريًا من الجزائر، وبعد أن استلم الحكمَ في البلاد أزلامُ الاستعمار مجددًا، أفضى إلى إقصاء هذه الجمعيةِ وأعضائها وعلمائها المؤثرين جميعًا – إذ لم يكونوا سياسيين ولا مبدئيين بالمعنى الصحيح (!!) – الواحد تلو الآخر نهائيًا عن المشهد السياسي مباشرةً بعد ما سمي “الاستقلال” في الدولةِ الناشئة، بالتضييق والاعتقال والنفي والإبعاد!! تمامًا كما حصل للإخوان المسلمين عقب الفراغ من استخدامهم وتسخيرهم في إنجاح ثورةِ الضباط الأحرار في مصر في 1952م. ولا يزال نفس المشهد يتكرر معهم ومع أمثالهم في شتى البلاد إلى يومنا هذا!! بل أفضى إلى جعلها عمليًا من توابع النظامِ القائمِ في البلاد، كما هي اليومَ في الجزائر “المستقلة” ملتصقة بالنظام ومحصورة في الزاوية الروحية، وهو ما يطلق عليه الشؤون الدينية، ليس غير!! ولا نظن أتباعَهم الآن – وقد وجدوا أنفسهم سياسيًا خارج الحلبة تمامًا – سوف يتعظون من دروس الماضي إذا لم يبتعدوا عن هذه الواقعيةِ السياسيةِ الزائفة والتبعيةِ المميتة التي جعلتهم وتجعلهم دائمًا عرضةً للتوظيف وجاهزين للتسخير فكريًا وسياسيًا (وربما عسكريًا مستقبلًا) في مآرب الأنظمة التابعةِ للأعداء، خصوصًا بعدما أصبح كثيرٌ منهم (في نهاية المطاف) جزءًا من النظام القائم في البلاد وبالتالي منتفعين من بقائه وبقاء الجمهورية والدولةِ الوطنية، وإذا لم يبتعدوا عن التنكر لمسألة وجوب إعادةِ الخلافة تحديدًا؛ إذ مطلبُ الخلافة على منهاج النبوة بناءً على وعي سياسي صحيحٍ هو الضامن الوحيد لعدم إقصاء الإسلام عن الحكم، فضلًا عن عدم إمكانيةِ تسخير المسلمين أفرادًا أو جماعاتٍ أو فصائل أو أحزابًا أو تكتلاتٍ في تنفيذ خططِ شياطين الكفارِ المستعمرين، ثم لفظهم بعد استعمالهم واستيفاء ما يريدون منهم!!
والمفارقة الملفتة هي أن الحزب الشيوعي الجزائري (PCA) الذي لم يكن ذا تأثير كبير في البلاد، وإن رفض في 1954م مبدئيًا فكرةَ الثورة على فرنسا عسكريًا بحكم الارتباط بالحزب الشيوعي الفرنسي، إلا أن بعض أعضائه لم يُفوِّتوا فرصةَ الانضمام إلى المجهود الثوري العسكري لاحقًا ضد الإمبريالية والاستعمار! وذلك ليتمكنوا من أخذ نصيبهم من «الكعكة» ولا يتم إبعادُهم نهائيًا عن جهاز الحكم وعن المشهد السياسي فيما بعد خروج المستعمِر الفرنسي ومجيء «الاستقلال»، وهذا ما كان. فقد كانوا انتهازيين بأتم معنى الكلمة، إذ أضحوا بعد 1962م كأنهم أثبتوا مشاركتَهم الفعلية (ولو كأفراد) في حرب تحريرِ البلاد من الاستعمار، بدعم وتدبير من المستعمِر الفرنسي نفسه!!! كما أن هذا الحزبَ تفطَّن – بما كان له من مبدئية جراء الالتصاق بالأحزاب الشيوعية عالميًا، وبما كان له من صلة في نفس الوقت مع فرنسا ومع المعسكر الاشتراكي، وما كان يلقى من دعمٍ سياسي وأيديولوجي من الاتحاد السوفياتي البائد – تفطَّن لذلك التسخير من قِبل «الاستعمار الجديد» أي من أميركا تحديدًا. فرغم رفضه الانضواءَ كحزبٍ تحت عباءة جبهة التحرير الوطني، إلا أن بعضَ أتباعه (كأفراد) انخرطوا في الثورة بالفعل و»قبلوا» المشاركةَ في الجهد الثوري سياسيًا وعسكريًا (ولو في الظاهر) ضد المستعمِر الفرنسي!! فقد كان ذلك الموقف منسجمًا أيضًا مع إملاءات موسكو، ومع فكرة «حق الشعوب في الاستقلال وتقرير المصير» التي استخدمها وقتذاك (على السواء) كل من الاتحاد السوفياتي المقبور والولايات المتحدة الأميركية – كلٌّ لأغراضه – في الصراع الدولي من أجل طرد الاستعمار القديم!
إلا أن أهلَ الجزائر – بفضل الإسلام الكامن فيهم – أدركوا مبكرًا، أي بعد مرور سنواتٍ قليلة على ما سمي «الاستقلال» وخروج المستعمِر الفرنسي في 1962م، أن أهداف الثورة على فرنسا جرى التلاعبُ بها من طرف زمرٍ من السياسيين من بني جلدتهم مرتبطةٍ هي الأخرى بالمستعمِر الأوروبي والأميركي، بحيث لم يتحقق في نهاية المطاف ما كان يصبو إليه الشعب المسلم الثائر!! وتبين الآن بعد ما يقرب من ستة عقود من تاريخ خروج فرنسا عسكريًا ونشوء «الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية»، أنه لم يتحقق لأهل الجزائر – بوصفهم مسلمين – شيء يذكر من ذلك التحرر المأمول! وباتوا بلسان الحال يقولون: ما العمل الآن؟؟
وقد كان الإسلام دومًا مصدرَ الوعي الصحيح والطاقة الكبيرة والقوة الرهيبة وخزانَ المشاعر العظيمة لدى الشعب في وجه الأعداء المستعمرين بوصفهم كفارًا، وفي التضحية خلال الثورةِ التحريرية والكفاح المسلح أي في الجهاد ضد المستعمِر الأوروبي خلال كل سنواتِ الثورة وما قبلها. وهو ما استغله أحسنَ استغلالٍ الاستعمارُ الجديد في ثورة 1954م لإخراج الاستعمار القديم، تحت شعار مطلب الاستقلال والحريةِ وحق تقرير المصير المغلف بالفكرة الوطنية كإطارٍ جامعٍ لكل المناوئين للهيمنة الأجنبية.
ولكن المستعمِر الفرنسي لما احتدم الصراعُ سرعان ما فهم بعد سنتين من القتال (في 1956م تحديدًا)، وخاصة بعد ما لقي من صدمة التراجع على الصعيد الدولي بعد مغامرة ما سمي «العدوان الثلاثي» على مصر، أنه لا بد من حل سياسي يُبقي على نفوذه أو بعضِ نفوذه في البلاد. فكانت المفاوضات السرية ثم الاتفاقيات المعروفة التي أفضت إلى ما سمي استقلالًا مبتورًا بل مشروطًا باستمرار التبعية!!! وهو ما أبقى على النفوذ الأوروبي في الجزائر، وأفضى إلى ما نراه اليومَ من أوضاع مزريةٍ – بسبب إقصاء الإسلام عن الحكم – ليس فيها ما يبشر بالخير سوى أن رحمةَ الله قريبة من المؤمنين والمحسنين إذا ما اتقوا وأحسنوا فيما هو آتٍ، وإذا ما أدركوا أنْ لا تحرر مطلقًا للمسلمين بدون دولةٍ على منهاج النبوة كما يأمر دينُهم، بوصفه عقيدةً سياسيةً كما هو عقيدة روحية، وهي دولة الخلافة!!
وكانت بريطانيا – التي لم تكن غائبة عن الساحة إبان الثورة التحريرية – تلعب لعبةَ الثعلب المراوغ والمتربص الذي يسعى لقطف الثمار دون مشقةٍ ولا عناء كبير، فقد كانت – كما فعلت في كل مستعمراتها في أفريقيا وفي القارة الآسيوية – تتظاهر بأنها تدعم حق الشعوبِ في التحرر من الاستعمار، إرضاءً لأميركا، بينما هي تعمل في الحقيقة – ضمن المشهد الثوري التحرري – على تثبيت نفوذها فيها تحت أسماء مختلفة، وتُعدُّ رجالَها وعملاءها في الخفاء وتمدهم بالدعم اللازم ليتمكنوا من الأخذ بزمام الأمور واستلام الحكم في لحظة «الاستقلالات الزائفة»، حيث كانت لها بالفعل وبالمكر والدهاء رِجلٌ مع أميركا ورِجلٌ مع أوروبا!! وهذا ما حدث في الجزائر أيضًا.
فكما لعبت أميركا في السابق لعبةَ تجميع القوى الوطنية الثائرة والمناوئة للأجنبي (رغم تباين مواقفها) تحت سقف جبهة التحرير الوطني العلمانية، التي فُرضت إطارًا وحيدًا للكفاح المسلح والعمل الثوري، وتمكنت من تقليص نفوذ فرنسا في الجزائر بإخراجها منها عسكريًا على الأقل، وفوَّتت على المسلمين فرصةَ إنشاء كيان سياسي على أساس الإسلام في الجزائر. وكما لعب الإنجليزُ في السابق إبان ثورة التحرير الجزائرية لعبة المتربصِ الذي سعى للاستفادة دون عناءٍ كبير ولا خسارة تذكر من خلال جيشِ التحرير وجبهةِ التحرير نفسها (!!)، وتمكنوا من أخذ الحكم في البلاد عن طريق جماعة بومدين ورفاقِه (ومنهم الرئيس الحالي بوتفليقة)، وذلك بعد الانقلاب على أحمد بن بلا منذ 1965م. ها هم الإنجليز اليومَ يعملون – بالتوافق مع فرنسا – في خضم أحداث ما سمي «الربيع العربي» وموجة التحولات الأخيرة وانتفاضات الشعوب المسلمة وثوراتها على واقعها المرير، يعملون من جديد على بلورة مسارٍ سياسي يكون مطلبًا للثائرين والساعين للتغيير في الجزائر لا يكون للإسلام فيه أي ذكر أو دور!! بحيث يتوافق فيه الجميع على مطلب الدولة المدنية ووهم الديمقراطية تحت سقف العلمانية والوطنية بما يُبقي النظامَ القائم قائمًا!!
فهل شعبُ الجزائر المسلم هو الآنَ بصدد اجترار التجربة مع سياسيين آخرين فاسدين فكرًا وشعورًا، يجري من خلالهم ترسيخُ التبعية بترقيع الوضع القائم في البلاد، ويجري أيضًا من خلالهم تثبيتُ أقدام المستعمِر الأوروبي فيها لعقود طويلةٍ أخرى آتية؟؟
فاللافت والغريب اليومَ في كل اللقاءات والمشاورات والندوات التي تنظمها هذه الأيام ما سمي «قوى المعارضة الجزائرية»، ممثَّلةً في أحزاب وحركاتٍ وشخصياتٍ من مختلف التوجهات السياسية، هو أن مع كون كل هؤلاء المجتمعين (أو معظمِهم) مسلمين، إلا أن الإسلامَ لم يكن له أي وجود أو ذكر!! لا ممن يسمون «إسلاميين» ولا من غيرهم، من حيث جعله مصدرَ أخذٍ أو محلَّ تطلعٍ فيما ينبغي أن يكون عليه نمطُ الحكم ورعاية شؤون الناس في البلاد، أو فيما ينبغي أن يكون المخرجُ مما يعانيه العبادُ وتتخبط فيه البلادُ من متاعب اقتصاديةٍ ومن فوضى وسوء الأحوال وتردي في الأوضاع. وذلك بعد ما أقر الجميعُ أن البلد يواجه اليومَ مصيرًا مجهولًا وأخطارًا داخليةً وأخرى خارجيةً تتربص بالدولة وبـ»الوطن»!! وتأتي هذه اللقاءات والندوات في سياق محاولات العديدِ من أقطاب ما سمي»المعارضة» لفتَ أنظار أهل الجزائر لما يواجهون من أخطار على خلفية الإحباط الكبيِر الذي أصاب جميعَ فئاتِ الشعب في «الجزائر المستقلة» بعدما وصل نظامُ الحكم الذي تأسس في البلاد بعد الاستقلال المغشوش إلى نهايته، وبعدما دخلت الجزائر منعرجًا خطيرًا تقول هذه «المعارضة» إنه يُعرِّض الدولةَ والوطنَ للانهيار الشامل أو التقسيم!! يذكر أن النظام القائم ظل يحكم باسم الشرعية الثورية طوال عقود، وأن الأوضاع في البلاد اليومَ، أي بعد وصول بوتفليقة إلى أعلى هرم السلطة في1999م، دخلت مرحلةً غير مسبوقةٍ من الانحلال والفساد وسوء الرعاية والفوضى والتسيبِ في كل الميادين وعلى جميع المستويات!! فضلًا عما يروج له من نذر أزمةٍ اقتصاديةٍ في 2017م هي بحسب المؤسسات المالية الدولةِ على الأبواب في بلدٍ شاسعٍ وغني بكل الموارد والخيرات والثروات!!!
بناءً على ذلك نرى اليومَ المستعمر الأوروبي – الذي لا يزال يُمسك بالبلاد – يخطط لكي يطيل عمرَ بقائه في هذا الجزء من البلاد الإسلامية، ولكن بأسلوب جديدٍ هو وهم الدولة المدنية، بعيدًا عن الإسلام! وهو ما سيضمن استمرارَ التبعية لهذا المستعمِر (البريطاني–الفرنسي)، ويُبقي أهلَ الجزائر في سجن الوطنية والقطرية الضيقة بسبب فقدان الوعي السياسي الصحيح، ويحول دون خروجهم إلى رحاب الإسلامِ الشامخ والعزةِ في كنف الشريعةِ الإسلاميةِ السمحة. كما يمكِّن الأوروبيين أيضًا من درء الخطر الخارجي الذي تمثله أميركا الاستعماريةُ على نفوذهم في شمال أفريقيا.
أما آن للمسلمين في الجزائر، وفي أقطار الدنيا جميعًا، أن يدركوا أن للوعي السياسي من زاوية الإسلام الأهمية القصوى والدور الأبرز في حسم صراع الأمةِ الإسلامية مع أعدائها، والفضل الأعظم في انتصاراتها عليهم على مر العصور والأزمنة. أوَ لا يرون أنه رغم وجود كل عناصرِ القوة (المادية) اليومَ في الأمة من مثل أعدادِ البشر وكثرةِ الثروات والأعداد الهائلة من أفراد الجيوش والثكنات وشساعةِ الأرض والجغرافيا وغير ذلك، إلا أنها في الحضيض الأسفل من حيث وجودها في الساحة السياسية الدولية، ومن حيث قدرتها على أداء أمانتها وحمل رسالتها إلى العالم وتحقيق معنى وجودها في الحياة؟! فما الذي ينقصها؟!
فمتى يتعلم المسلمون في الجزائر وفي غيرها ألا يكرروا أخطاءَ وزلات الماضي، وبالأخص خطيئة إقصاء الإسلام عن الحكم من ثوراتهم فضلًا عن «استقلالاتهم»؟؟ لاسيما وأن إقصاءَ الإسلام كان الجرم الأعظمَ والسبب الأولَ في كل المآسي التي يعاني اليومَ منها أهلُ الجزائر المسلمون وغيرُهم، وكان أيضًا – بتخطيط من الكفار – أبرزَ ما تمخضت عنه ثورةُ الجزائر تحديدًا بعد كل تلك المآسي والتضحيات الجسام؟؟!! ومتى يأتي ويحل موعدُ يقظتهم النهائية واستفاقتهم الحقيقة، لتعود لهم عزتهم كما كانت من قبلُ أيام الخلافة العثمانية وما قبلها؟؟
الجواب: لن يتحقق ذلك إلا بأن يدرك المسلمون أن الوعي السياسي المبدئي هو عنصر القوة الأهم في حياة الشعوب والأمم، وأنـه العامل الحاسم في معركة الأمة الإسلاميةِ مع الأعداء. وأن يكون مطلبُ المسلمين في الجزائر وفي غيرها: نريدها خلافةً على منهاج النبوة لا مكان فيها لفصل الدين عن السياسة، تُحق الحقَّ وتبطل الباطلَ وتقطع دابرَ الكافرين المستعمرين. فعسى أن يكون ذلك بتأييد ونصرٍ من عند الله قريبًا.
2016-11-27