الذين يصرون على تقسيم لبنان
1989/11/10م
المقالات, كلمات الأعداد
2,419 زيارة
المطارنة الموارنة اجتمعوا في 08/11/89 وأصدروا بياناً، ومما جاء فيه: (إن الانقسام في الرأي العام حول القضايا السياسية الذي برز في شكل حاد في هذه الآونة الأخيرة قد بدأ يتخذ منحىً مأسوياً… ومما لا شك فيه أن هذا الانقسام سيفضي إلى تقسيم لبنان وبالتالي إلى قوقعه كل فريق على ذاته…).
وفي 07/11/89 وجه بوش رئيس أميركا انتقاداً إلى ميشال عون ومؤيديه، ووصف أي حديث عن تقسيم لبنان بأنه «كارثة أخرى ستحل بهذا البلد». وأضاف أنه «غير مقبول على الإطلاق لدى جميع دول العالم».
وقال غسان تويني في جريدة النهار 08/11/89: (إذا صح ما يقوله البعض، في مواقع مسؤولية، من أن ثمة مؤامرة لتقسيم لبنان فاقتسامه… وإذا صح كذلك ـ ولعله أصح ـ ما يقال عن وجود تقسيميين عن جانبي «خطوط التماس» هنا وهناك، بل هنالك، ومنهم من هو تقسيمي عن عقيدة، ومنهم من ينظر إلى التقسيم على أنه أهون شراً من توحيد لا يطيب…).
إذاً هناك خشية حقيقية من حصول التقسيم رغم حصول انتخاب لرئيس الجمهورية، لأن هذه الأقوال صدرت بعد انتخابه.
إن جورج بوش اتهم ميشال عون بأنه يسعى للتقسيم. والمطارنة قالوا بأن إصرار عون على عناده سيؤدي إلى التقسيم. والتويني اعتبر أن تصرفات عون هي المؤدية إلى التقسيم. والظاهر أن ميشال عون يسعى بكل جدية إلى التقسيم.
قسم كبير من النصارى، وخاصة الموارنة، يفضلون حصول التقسيم إذا كان ممكناً. القوات اللبنانية التي يقودها جعجع تفضل التقسيم. فرنسا تفضل التقسيم إذا حصل دون مشاكل كبيرة. الإنجليز يحرضون عون، سراً، على الاستمرار في نهجه، ليس حباً بالتقسيم ولكن حباً بإحباط خطط أميركا في لبنان والمنطقة، وعملاء الإنجليز من الدول العربية يتصرفون كالإنجليز، أي يتظاهرون بدعم اتفاقية الطائف ولكنهم في الحقيقة يتمنون إفشالها. وقد رأينا ملك المغرب الحسن كيف كاد يُفْشِل اللجنة الثلاثية وأوصلها إلى طريق مسدود حين انحاز إلى جانب عون، مما جعل أميركا تسحب اللجنة منه وتضعها بيد الملك فهد.
إذاً ميشال عون ليس وحده في نهجه التقسيمي كما يتبادر لمن يأخذ بظواهر الأمور، بل يؤيده من ذكرنا ومعهم إسرائيل.
أميركا مصرة على إزاحة عون لأنه أصبح رأس حربة ضد خططها في لبنان، وذلك يؤثر على خططها في المنطقة. والآن بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فقد سحبت من عون الشرعية التي كان يتذرع بها. ولكنه ما زال متشبثاً بالسلطة وما زال يعتبر نفسه بأنه هو الحاكم الشرعي. فكيف ستتم إزاحته؟
هناك من يسعى لإيجاد مصالحة بينه وبين رينيه معوّض رئيس الجمهورية (فرنسا، مطارنة الموارنة، شارل حلو وشاكر أبو سليمان وغيرهم) وذلك عن طريق تقديم ترضيات معينة وتعهدات معينة من معوّض لعون. ونحن لا نتوقع النجاح لهذه المساعي.
هناك من يخطط لخلخلة الركائز التي يستند غليها عون وأثارتها ضده، كأن يقوم رئيس الجمهورية بتعيين أحد قادة الألوية التابعين لعون قائداً للجيش كي ينفض الجيش من حول عون. وكأن يثيروا الصدامات المسلحة بين عون وجعجع، وبين عون والكتائب.
أمّا الكتائب فهو الآن ضد عون. وأما قوات جعجع فهم الآن في خندق واحد مع عون ضد شرعية رينيه معوّض، ورغم الحقد واحد مع عون ضد شرعية رينيه معوّض، رغم الحقد الدفين في صدر جعجع على عون. هما في خندق واحد لأن جعجع من البداية يسير مع إسرائيل وليس مع أميركا، ولطالما نادت أميركا بحل الميليشيات، وهي تقصد ميليشيا جعجع. وهناك من قال بأن جعجع فتح خطاً مع سوريا وصارت له علاقات جيدة معها (سراً) كما سبق أن فعل إيلي حبيقة. وحتى لو حصل ذلك من جعجع (أي تحسين علاقته بسوريا) فلا نظنه إلا مناورة منه. وأما الأولوية التي يقودها عون فلا ندري مدى ولائها له. وتبعاً لذلك فلا نستطيع أن نتكهن إلى أي مدى سيستخدمون هذه الطريقة في إزالة عون.
وهناك من يخطط لإزاحته عن طريق الضغوط السياسية والمالية والإدارية.
سياسياً عن طريق منع السفراء اللبنانيين في الخارج من الاتصال بعون أو تلقي أي شيء منه، ومنع السفراء الأجانب الموجودين في لبنان من الاتصال به. بالإضافة إلى ضغوط الدول والمنظمات في العالم عليه لترك السلطة.
ومالياً بعدم صرف أية أموال من البنك المركزي بناءً على طلبه.
وإدارياً بإصدار الأوامر للموظفين الموجودين عند عون مباشرة من حكومة الوفاق الوطني فإن تمردوا وتبعوا عون يعتبرون مفصولين وتمنع عنهم الرواتب، وكذلك ضباط الجيش والأمن العام والأمن الداخلي وغيرهم. وتصبح جوازات السفر وتصديقات وزارة الخارجية وغيرها الصادرة من حكومة عون غير مقبولة.
ونحن نتوقع أن يكون هذا هو الطريق الذي ستختار أميركا (أي حكومة معوّض) سلوكه تجاه حكومة عون.
ولا نتوقع أن تقوم أية قوات من خارج الشرقية بالهجوم عليها لإزاحة عون بقوة من خارجها. لأن الهجوم العسكري سيصيب المدنيين. والهجوم من الخارج يجعل النصارى يلتفون حول عون بدل أن ينفضوا عنه.
هذا تفكير الذين يحاولون إزاحة عون، فيكف يفكر عون لتثبيت نفسه؟
قلنا إن عون وجعجع في خندق واحد الآن، وهما من أهل الاختصاص بالاغتيالات، والمتفجرات والسيارات المفخخة. والدماء عندهم أرخص من الماء. وقد لاحظنا انفجار سيارة مفخخة يوم 08/11/89 بالإضافة إلى العبوات. هذا نمط من تفكيره.
نمط آخر: حين حل المجلس النيابي حدد مواعيد لإجراء انتخابات. وهو عين هذه المواعيد من أجل أن يلبي الشروط المطلوبة لجعل الحل دستورياً. وغداً عن حلول هذه المواعيد في كانون الثاني سنة 1990 فالمتوقع أن يؤجل إجراءها في المناطق التي يسميها محتلة ويجريها في المناطق التي يسميها حرة. وبذلك يصبح لديه مجلس نيابي منتخب يمثل الشرقية، وينتخبه رئيساً للجمهورية. وهذه الخطوة تكون حجر الأساس في شرعنة التقسيم.
أما تفكيره في الرد على قطع الرواتب فالأرجح أن يكون بقطعه الماء والكهرباء الآتية من الشرقية. وإذا حصلت مضايقة لمن يحمل جوازات السفر التي يصدرها فربما يلجأ إلى قطع طريق بيروت طرابلس. وربما تجر هذه الأمور إلى إقفال المطار من جديد وإلى الأعمال العسكرية. وهذا ما تشير إليه عبارة بوش حين قال في 08/11/89، خلال هجومه على عون: (أن أي حديث عن تقسيم لبنان كارثة أخرى ستحل بهذا البلد).
صحيح أن أميركا الآن لا تريد تقسيم لبنان، ولكنها أيضاً لا تريد استقرار الوضع في لبنان، لأن لبنان لا بد أن ينتظر صياغة المنطقة. وهذه مسألة ما زالت طويلة. وأميركا التي أبقت لبنان متفجراً طيلة 15 سنة لا يؤنبها ضميرها إذا أبقته مدةً مماثلة أو أكثر.
فهل يتعظ الذين صفقوا لاتفاقية الطائف، وصفقوا لانتخاب معوّض؟
هل يفهمون أن اتفاقية الطائف هي أداة للإلهاء فترة من الزمن. وأن سلطة الموارنة بموجب هذه الاتفاقية ترسخت أكثر.
هذه الاتفاقية فوق مخالفتها للشرع الإسلامي هي ضرر في جميع أهل لبنان. ولا حل جذري إلا بالعودة إلى شريعة الله التي أنزلها على سيدنا محمد ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين.
(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا).
1989-11-10