البنك الإسلامي في ميزان الإسلام
2012/12/29م
المقالات
5,728 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
البنك الإسلامي في ميزان الإسلام
حمد طبيب-بيت المقدس
لقد ظهرت في حياة المسلمين في العصر الحديث بعض المصطلحات والمسمّيات الغربية، وألبست الّلباس الإسلامي ليكون شكلها الخارجي مقبولاً عند عامة المسلمين، وحتى تلقى قبولاً وترحيباً في حياتهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم العامة والخاصة… وزُينت فوق هذا اللباس الإسلامي ببعض الفتاوى -من بعض المفتين- في هذا الزمان- حتى تزداد ثقة الناس بها، ويُقدمون على التعامل معها أو الانضمام إليها بنفسٍ راضيةٍ مطمئنة..
ومن هذه المسميات التي ظهرت (البنوك الإسلامية، البورصات الإسلامية، الشركات المساهمة الإسلامية، الديمقراطية الإسلامية، …) .
وكان من أخطر هذه المفاهيم التي ظهرت ما يُسمّى (بالبنك الإسلامي)، فما هي حقيقة هذه البنوك، وما هو الهدف الحقيقي من إنشائها، وهل صحيح أنها قائمة على أحكام الإسلام كما يدّعي أصحابها؟! ..
وقبل أن نذكر حقيقة هذه البنوك، وحكم الإسلام في طريقة تأسيسها ومعاملاتها، نريد أن نقف على الخطّ المستقيم، أي على المعاملات الشرعية المتعلقة بالأموال بشكل عام.. فالإسلام – كما نعلم – قد بين الأحكام الشرعية المتعلقة بالمعاملات المالية سواء أكانت مؤسسات لهذه الأموال، أم أحكاماً تتم بين أفراد المجتمع، ومن هذه المعاملات الجامعة لشؤون المال والأعمال: معاملات الصرف، ومعاملات القروض، ومعاملات البيوع بأنواعها والإجارة، ومعاملات الشركات والهبات والعطايا، ومعاملات الرهن والودائع..
فهذه المعاملات الشرعية المتعلقة بشؤون المال، قد فُصلت تفصيلاً دقيقاً، وتحدثت الأحكام الشرعية عن كل جزئية من جزئياتها، وبينت الطرق المعوجة التي تحيد عن الخط المستقيم فيها، وبالتالي فهذه الأحكام تضبط سلوك المسلم، بحيث تكون معاملاته ضمن دائرة الشرع، ويكسب مالاً حلالاً، ويكون بعيداً عن المعاملات الرأسمالية التي يدخلها الخطأ في طريقة المعاملة، ويداخلها الربا من أبواب عديدة..
والأصل الشرعي في المسلم التقيّ الذي يبتغي مرضاة ربه عز وجل، ويتحرّى الحلال في الكسب، والدقة في المعاملات المالية هو أن يسأل عن حكم الإسلام في معاملته، وأن يؤصّل هذه المعاملة على أصول شرعية صحيحة، لا أن يأتي بمصطلحات غربية قد أسّست على غير تقوى من الله عز وجل، ثم يريد أن يوفق بينها وبين الإسلام..!!
فهذه الطريقة هي سقيمة في أصولها وفروعها، لأن أصلها خبيث فاسد، ولن يثمر إلا الفساد والخبائث.
وإذا نظرنا في واقع البنك الإسلامي فإننا نرى أن أصل التسمية ليست من حضارة المسلمين، ولا من طريقة عيشهم، ولا من الأصول الشرعية المتعلقة بشؤون المال والأعمال..
فكلمة بنك أصلاً في المصطلح الغربي معناها وواقعها مؤسسة ربوية، ولا يوجد أي تجانس بين الواقعين أو بين المفهومين؛ أي بين كلمة بنك وكلمة إسلامي- وعملية المزج بينهما هي عملية تضليلية من أجل تحسين صورة هذا المفهوم في نظر الناس، ومن أجل كسر الحاجز بين المسلمين وبين هذا المفهوم الذي وردت آيات صريحة صحيحة تدل على جرمه العظيم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) ومفهوم الربا والبنوك أصله في النظم الغربية نابع من فكرة الحريات الاقتصادية؛ أي من حرية التملك، وتنمية الملك، والانتفاع والتصرف بهذا الملك بكامل الحرية، فلا مانع عند الغربي إن نمّى أمواله بطريقة الربا، ولا مانع إن أسّس مؤسسات تقوم على فكرة الربا، لأن هذا حرية اقتصادية، أمّا الإسلام فلا يوجد فيه أيّ حرية بهذه المفاهيم السقيمة.
وإلباس هذه الكلمة اللباس الإسلامي لا يجعلها إسلامية؛ لأن حقيقة الجوهر هي فاسدة ابتداءً، هذا عدا عن المعاملات التي تتمّ داخل هذه البنوك؛ سواء المتعلقة بالربا أم بغيره من معاملات فاسدة..
والحقيقة أن البنوك المسماة إسلامية مخالفة للإسلام في عدة أحكام، نحاول حصرها في الأمور التالية:
1- طريقة التأسيس 2- المعاملات الداخلية 3- المعاملات الخارجية 4- فتاوى وأقوال لعلماء معاصرين تتعلق بحرمة هذه البنوك والتعامل معها…
أما ما يتعلق بالجانب الأول: فإن طريقة تأسيس البنوك الإسلامية قائم على أساس طريقة تأسيس الشركة المساهمة الرأسمالية، وهذه الشركات تخالف – كما نعلم – الطريقة الشرعيّة في تأسيس الشركة في الإسلام، حيث إنها عبارة عن شركة أموال خالية من عنصر البدن(شركات رأسمالية مساهمة)، والمساهمون في هذه الشركة غير منضبطين، وغير معروفين لدى المساهمين الآخرين، أما التحكم بهذه الشركة فإنه مرهون بالهيئة التأسيسية للشركة، ولا قيمة للمساهمين في قرارات هذه الشركة إلا بقدر رأس المال الموجود باسم المساهم..
أما بالنسبة لرأس مال هذه الشركة والأعمال التي ستقوم بها مستقبلاً فإنها مفتوحة غير محدّدة، وهي رهن بعدد المساهمين الجدد، ورهن بقرارات اللجنة التأسيسية؛ فأحياناً تقبل ودائع المساهمين أو المودعين، وأحياناً تقترض من البنوك الربوية، وأحياناً تقترض من البورصة، وأحياناً أخرى تقترض من شركات برباً مركب.. وهكذا فان رأس مالها ليس منضبطاً ولا معروفاً معرفة تنفي عنه الجهالة أو الشبهة ..
هذا من حيث طريقة التأسيس لهذه الشركات المسماة بالبنوك، أما أعمالها فإنها تنقسم إلى قسمين، الأول: يقوم به البنك مع زبائنه، والثاني: يقوم به البنك مع مؤسسات وهيئات مالية خارجية كالبنوك والبورصات والشركات الأخرى..
أما المعاملات الداخلية لهذه البنوك فهي كثيرة أبرزها: البيع والشراء، الإقراض، الشراكة، الإيداع من أجل تشغيل الأموال، الكفالات والتأمينات بأنواعها…
أما بالنسبة للبيع والشراء بواسطة البنك، أو عن طريقة مباشرة فإنها معاملات باطلة سواء أسميت بعقود البيع للآمر بالشراء، أم سميت مرابحة أم غير ذلك، وسواء أصدرت فتاوى تُضفي اللباس الشرعي على مثل هذه المعاملات أم لم تصدر..
فعقود البيع والشراء التي تتم عن طريق البنك الإسلامي ينقصها أركان وشروط البيع الصحيح، وهي الإيجاب من قبل البائع أو المشتري، والقبول من قبل البائع أو المشتري، وأن يكون محل المعاملة (العقد) جائزاً شرعاً، وأن يستوفي هذا العقد الشروط الشرعية..
فالبيع الذي يتم عن طريق البنك الإسلامي لم يحصل فيه إيجاب وقبول صحيح؛ لأنه أولاً صادر عن هيئة اعتبارية تُجري العقود، وليس صادراً عن شخصية حقيقية أو وكيل عنها، ولأنه أيضاً معلّق على إحضار السلعة، أو قد يكون وعداً بالبيع، رغم أن البنك يُجري هذا العقد ويتمّ كتابته والإشهاد عليه وغير ذلك من إجراءات كتابة العقود، ولا يوجد هناك عقد صحيح ..لأن السلعة غير مملوكة أصلاً لدى البنك، وبالتالي فالإيجاب والقبول تم على معدوم أو مجهول، وهذا خلل في شروط العقد..
والصورة في عملية الشراء عن طريق البنك أن يذكر المشتري حاجته من السلعة للبنك، ثم يوقّع عقد الشراء ويحدد المبلغ لقيمة السلعة، وكلّ إجراءات البيع القانونية، وتكون السلعة غير مملوكة لدى البنك، حيث يقوم البنك بعد ذلك بشراء السلعة بناءً على طلب المشتري بعد استكمال كل إجراءات العقد، وهذا يجعل الإيجاب والقبول في أصله باطلاً شرعاً، لأن عقد البيع بين المشتري وبين البنك قد تمّ على موصوف ليس مملوكاً في اليد .
أما بالنسبة لإجراءات البيع وتوابعه فهي أيضاً باطلة ولا تجوز، حيث يتمّ رهن المبيع لدى البنك، بحيث يكون صاحب السلعة (المشتري) عاجزاً عن إجراء أية معاملة تتعلق بهذه السلعة حتى يتم تسديد كامل الأقساط، وهذا خللٌ كبير في عملية التملك للمبيع، وهو شرط دخل في عملية البيع نفسها جعلها خالية من حقيقة منفعة التملك والتصرف في المملوك، وهذا باطل شرعاً ..
وهناك شرط آخر يشترطه البنك ويدخل في معاملة البيع وهو أيضاً باطل لأنه يجعل العقد الواحد عقدين أو أكثر في آن واحد، وهو زيادة المبلغ في حال العجز عن السداد في المدة المحددة، أو أخذ السلعة من قبل البنك بسبب عقد الرهن، وهذا كله يخالف الشرع في معاملات البيع جملة وتفصيلاً …
فعقد البيع لا يجوز تغييره بعد الانعقاد، فإن أُجري إلى سنة فهو إلى سنة، وإن أجري إلى شهر فهو إلى شهر، أما القول: هذه سلعة بعشرين إلى سنة، وإذا زادت المدة فإن كل شهر بعشرة، فهذا باطل ولا يجوز لأنه تعدّد للعقود في عقد واحد إلى عدة عقود، ولأن فيه جهالة في مدة العقد وقيمة السلعة .. والله سبحانه يقول بحق من يعجز عن السداد ] وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[ لا أن تزيد عليه المبلغ والمدة..
فالعقد الصحيح للمرابحة هو أن يتم اتفاق بين راغب الشراء وبين تاجر (بائع) فيبلّغ الراغب بالشراء( الآمر بالشراء) التاجر عن سلعة موصوفة يرغب بشرائها، ويتم الاتفاق بين الراغب بالشراء وبين التاجر على شراء السلعة -بعد أن يمتلكها التاجر تملكاً تاماً، وتصبح في ذمته- بربح معين يتفق عليه الطرفان ..
فالضوابط الشرعية لهذا العقد غير موجودة عند البنوك المسماة إسلاميّة وهي : –
1-وجود راغب بالشراء (آمر بالشراء) ووجود تاجر (آمر بالبيع) .
2-وصف السلعة من قبل الآمر بالشراء .
3-الوعد من قبل الآمر بالشراء بالمرابحة للتاجر بقدر معين من المال ولا يدخل هذا الأمر في عقد ملزم وإنما هو وعد فقط .
4-أن يقوم التاجر بتملك السلعة تملكاً تاماً قبل إجراء أي عقد بينه وبين الآمر بالشراء.
5-يجري العقد بين الآمر بالشراء وبين التاجر (الآمر بالبيع) بعد تملك السلعة ملكاً تاماً ووجودها بحوزته، ويجب أن يستوفي هذا العقدُ الشروط الشرعية الكاملة من حيث نفي الجهالة عن الثمن، ونفي الجهالة عن المدّة في السداد، بحيث لا تكون المدة قابلة للتمديد في نفس العقد.
6-يشترط أن يتملك المشتري السلعة ملكاً تاماً بعد إجراء عقد الشراء، ويتصرف بالسلعة تصرف المالك في ملكه، ولا يجوز رهنها ولا تعليق شروط بحقها سوى عقد الشراء .
7-لا يجوز زيادة السعر إذا زادت المدة على الأجل المعقود عليه لأن هذا يعتبر اتفاقاً جديداً يخالف الاتفاق الأول، فلا يجوز أن يقال هذه السلعة بعشرة دنانير إلى ستة أشهر، وإذا زادت فكل شهر بدينار، فهذا مخالف لعقود البيع ويعتبر عقدين في عقد واحد، وهو باطل عند جميع الفقهاء.
جاء في كتاب “المعايير الشرعية” الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعات للمؤسسات المالية الإسلامية :” … يجب أن يكون كل من ثمن السلعة في بيع المرابحة للآمر بالشراء وربحها محدداً ومعلوماً للطرفين عند التوقيع على عقد البيع، ولا يجوز أن يتردّد تحديد الثمن أو الربح لمتغيرات مجهولة أو قابلة للتحديد في المستقبل..
وجاء كذلك: “.. أن يشتري البنك السلعة -محل العقد- شراء حقيقياً تترتب عليه آثاره الشرعية، كدخول السلعة في ملك البنك… ويحرم على المؤسسة أن تبيع سلعة بالمرابحة قبل تملّكها، فلا يصح توقيع عقد المرابحة مع العميل قبل التعاقد مع البائع الأول لشراء السلعة موضوع المرابحة، وقبضها حقيقة بالتمكّن أو التسليم .
وقد ذكر الإمام الشافعي في كتاب الأم (3/33) «… وإذا رأى الرجل السلعة فقال: اشترِ هذه وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل، فالشراء جائز، والذي قال: أربحك فيها بالخيار، إن شاء أحدث فيها بيعاً وإن شاء تركه، وهكذا إن قال: اشترِ لي متاعاً وأنا أربحك فيه، -فكل هذه سواء-، يجوز البيع الأول، ويكون هذا فيما أعطى من نفسه بالخيار، -وسواء هذا ما وصفت- إن كان قال: ابتعه وأشتريه منك بنقد أو دين، يجوز البيع الأول ويكونان بالخيار في البيع الآخر، فإن حدَّدَاه جاز، وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول- أي قبل التملك- فهذا مفسوخ من قبل شيئين: أحدهما: تبايعاه قبل أن يملكه البائع، والثاني: أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا وأربحك فيها..»؛ أي يمكن أن يشتريه ويمكن أن يتركه وهذا مخاطرة للبائع ..
وورد أيضاً فتوى للشيخ (ابن باز) رحمه الله قال: «…إذا رغب عميل البنك الإسلامي شراء بضاعة ما تكلفتها كذا، ووصفها للبنك، ووعده بشرائها منه مرابحةً بالأجل لمدة سنة بربح قدره مائة ريال مثلاً، وذلك بعد أن يشتريها البنك من مالكها بدون إلزام العميل بتنفيذ وعده المذكور أو المكتوب فهذه الصورة جائزة .. وهذا الرأي أيضاً هو عند (ابن عثيمين) رحمه الله، حيث اعتبر أي شرط مسبق هو إلزام في البيع وهو باطل…
ومن الشروط الشرعية أيضاً حيازة السلعة أو الوقوف عليها، ومعاينتها وتحديدها تحديداً ينفي الجهالة في المكيل والمعدود والموزون .. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (9/132): “مذهب مالك والشافعية والحنابلة أن قبض كل شيء بحبسه، فإن كان مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً أو مزروعاً قبضه؛ بالكيل أو الوزن أو العقد..”
هذه بعض المعاملات التي تتم بخصوص البيوع، أما ما يتعلق ببعض معاملات الإقراض عن طريق البنك مباشرة أو أن يكون البنك وسيطاً في ذلك فإنه يدخل فيها موضوع الربا، ومن أمور الربا ما يسمّى بأجرة خدمات الدين من قبل البنك أو من قبل الهيئة المقرضة، فهذه تسمية ليس لها أصل شرعي، ويمكن أن تكون آلاف الدنانير إذا جعلت نسبة معينة على القرض مثل 2% أو 3% أو غير ذلك حسبما يضع البنك من قانون للإقراض.
وهناك أمر آخر تفعله البنوك الإسلامية وهو ما يسمى بضمان مخاطر الدين، وهذه أيضاً تسمية جديدة في الفقه الإسلامي ليس لها أي وجود، لأن الدين يمكن شراؤه من قبل طرف ثالث أو تحويله، أما ضمان مخاطرة فهذه معاملة باطلة شرعا،ً ولا تجوز، ويكتنفها موضوع الجهالة ويدخل فيها الربا على المبلغ الأصلي بطريقة ملتوية…
أما ما يتعلق بالشراكات التي يجريها البنك الإسلامي مع شركائه من المدينين أو مع الشركات الأخرى فهي أيضاً باطلة ولا تجوز، حيث يشترط البنك في أغلب الشراكات أن تكون متناقصة ؛ أي يقوم البنك باستيفاء قيمة أسهمه في الشركة خلال مدة معينة، ويسمي هذه الشركة المتناقصة، وهذا الأمر في مفهوم الشركة الشرعية لا يجوز، لأن عقد الشركة قد تم ابتداءً على قدر معلوم من المال، فإذا زاد هذا المال فإنه يضاف إلى رأس مال الشركة الأصلي، ويكون من الأرباح عند تصفية الشركة، أما في حال استيفاء أحد الشريكين لجزء من رأسماله من هذه الشراكة فإن هذا ينافي العقد الأول في الشركة، ويحتاج إلى عقد جديد على رأس المال الجديد، وينافي أيضاً مفهوم الربح والخسارة في الشركة الشرعية، لأن الشركة إذا خسرت في نهاية المطاف لا يلحق أي خسارة بصاحب رأس المال لأنه يكون قد استوفى رأسماله من أرباح الشركة، والذي يخسر هو فقط صاحب الجهد فيخسر جهده …
والبنك الإسلامي يقوم بشراكات مع شركات استثمارية عديدة على مربح معلوم، أي بنسبة مقطوعة، وهذا ينافي الشركة الصحيحة في الربح والخسارة، كما أنه يساهم في شركات مساهمة عديدة داخل حدود الدولة التابع لها وخارجها، ويقوم أيضاً بالتعامل مع البورصات في عمليات صرف دون تقابض مباشر، وعمليات بيع وشراء لسلع غير موجودة؛ أي سلع وهمية أو اسمية..
ويقوم البنك أيضاً بإجراء معاملات عديدة في مجال التأمينات سواء أكانت عن الحياة، أم عن العقارات أم غير ذلك من أنواع التأمين المحرم..
والحقيقة أن معاملات البنك الإسلامي متنوعة ومتعدّدة ولا يتسع المجال هنا لاستيفاء جميع أنواع المعاملات، ونكتفي بعرض هذه النماذج في التعاملات الداخلية..
أما بالنسبة لتعاملات البنك الخارجية أي مع المؤسسات الأخرى مثل البنوك والشركات والبورصات، فإن المتابع لهذه المعاملات لا يكاد يرى كبير فرق بين هذه التعاملات وباقي تعاملات البنوك الأخرى؛ أي المسماة ربوية، حيث تقوم هذه البنوك –الإسلامية- بوضع أموالها في البنوك المركزية، وتقوم بعمليات استثمار متعددة عن طريق هذه البنوك، وقد استصدرت فتاوى تخص الأموال الربوية العائدة عليها عن طريق البنوك الاستثمارية؛ بأن توزع هذه الأموال في وجوه الخير كصدقات، ولا ينتفع منها البنك مباشرة أو لزبائنه .. ويقوم البنك الإسلامي أيضاً بإجراء كافة أنواع البيع والشراء مع البورصات دون تحرّز ولا تحوّط، فيبيع النقد بطريقة البورصة أي حاضر بغائب، ويبيع ويشتري سلعاً وهمية كما ذكرنا، ويضع أموالاً في البورصات للاستثمار ولا يدري أين تُستثمر هذه الأموال، وربما استثمرت في شراء الخمرة أو الخنزير أو السلاح للدول المحاربة كاليهود أو غير ذلك من معاملات محرمة.. ويأخذ أرباحاً معلومة على هذه الأموال بنفس الطريقة الربوية…
ويمكن القول: أن هذه البنوك هي عبارة عن شركات مساهمة هدفها الربح، وليس إنقاذ الناس من مصائب الربا والمعاملات المحرمة، وأما الفتاوى التي استصدروها لتغطية هذه المؤسسات الربحية ومعاملاتها فهي فتاوى تخالف الصواب في فهم الأحكام الشرعية في الشركات وطريقة تأسيسها، وفي طبيعة معاملات الشركة، وذلك في فهم واقع البيوع وشروطها، والتأمينات وأنواعها، وأيضاً في فهم واقع تعاملات البورصة والشركات الاستثمارية على اختلاف مسمياتها .. وفي فهم موضوع الإقراض، أو ضمان القروض من المؤسسات الربوية الأخرى بحجة الضرورة أو إنزال الحاجة منزلة الضرورة .. وغير ذلك من مسمّيات ليس لها أي اعتبار شرعي..
وأما بالنسبة للمسمّيات الفقهية التي ألبسوها ثوب الإسلام وهي منه براء؛ مثل بيع المرابحة، والبيع بالمرابحة للآمر بالشراء، والشراكة المتناقصة، وضمان القرض..، وغير ذلك من مسميات ومصطلحات فإنها كلها تخالف الإسلام جملة وتفصيلاً، وليس لها أي مكان في الفقه الإسلامي بالصورة الموجودة عندهم؛ أي في البنوك الإسلامية .. وإنما هي مسميات لإلباس الأعمال المحرمة لباس الإسلام لتكون مقبولة عند ذوي الورع والتقوى من الناس ممّن يتحرَّزون من الوقوع في الحرام …
ونصل إلى النقطة قبل الأخيرة، وهي ما صدر من فتاوى متعددة لعلماء معاصرين تحرم هذه البنوك ومعاملاتها، فنذكر بعض النماذج من هذه الفتاوى:-
(من هذه الفتاوى) ما ذكره المجمع الفقهي في مدينة كراتشي الباكستانية حيث قال : «.. إن (الصيرفة –البنوك الإسلامية) بشكلها الحالي مخالفة للشريعة ومحرمة، وإن هذه الصيرفة لا تختلف عن البنوك الأخرى، وإن التعامل معها لا يجوز شرعاً .
ويقول الشيخ عبدا لرحمن العدني: «..أصل إيجاد البنوك التي تبتعد عن الربا والقروض الربوية شيء طيّب، لكن الواقع أن البنوك الإسلامية الموجودة في الساحة لم تفِ بما وعدت به المسلمين، بل انجرّوا إلى معاملات فاسدة ومحرمة، وأكثر ما تدور معاملات البنوك الإسلامية اليوم على ما يسمى (ببيع المرابحة)، والحق أنها أخطر من البنوك الربوية الظاهرة، لأن الإنسان يدخل في التعامل مع البنوك الربوية وهو يعلم علم اليقين أنه عاصٍ لله ولرسوله، أما المتعاملون مع البنوك المسماة إسلامية فهم يتقربون إلى الله بالتعامل مع هذه البنوك، ويتعاملون بالربا والبيوع المحرمة والفاسدة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً …”.
وأيضاً ما ذكره الشيخ الألباني رحمه الله «… أنه لا فرق بين هذه البنوك التي ترفع شعارها الإسلامي؛ فلا فرق بين بنك إسلامي وبنك بريطاني أو أميركي إطلاقاً لأن النظام واحد، لكن مع الأسف قد يكون البنك الذي أعلن بأنه بنك إسلامي أخطر من البنوك الأخرى، سواء أكان في بريطانيا أم أميركا؛ ذلك لأن هذه البنوك تتستّر بستار الإسلام ؛ فهي تفعل فعل اليهود الذين حُذِّرنا كتاباً وسنة من اتباع سننهم..».
وورد في كتاب فتاوى الألباني قال: «…بديهي أنه لا يجوز للمسلم أن يتعامل مع البنك الذي يتعاطى الربا، ثم ذكر أدلة تحريم ذلك… إلى أن قال: أما ما جاء في آخر السؤال: هل يجوز إيداع المال في البنك الإسلامي مع عدم أخذ الفائدة؟ قال الشيخ: أستغفر الله، لا أريد أن أدعوها فائدة لأنه يدخل فيما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم: ليكونن في أمتي أقوام يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها.. هذه إشارة إلى الاحتيال على أحكام الله بتسمية هذه الأمور المحرمة بغير اسمها».
أما الشيخ ابن عثيمين فقد ورد في كتاب مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة جمع وترتيب (محمد بن سعيد الشويعر)- كتاب البيوع “… السؤال : ما حكم التدين و الأخذ من البنك الأهلي سيارة بالتقسيط ، مع العلم أنه لا يملكها، ويدفع قيمتها ويشتريها من الشركة ويقوم بتقسيط عليهم بأقساط ميسرة، مع العلم أنّي بأمس الحاجة للتقسيط، فهل تنطبق عليّ أحكام الربا ؟
جواب الشيخ العثيمين رحمه الله : نعم هذا حرام، هذا التقسيط حرام؛ يعني مثلاً : يأتي الإنسان إلى التاجر – البنك أو غير البنك – يقول أنا أحتاج سيارة صفتها كذا وكذا ، فيقول اذهب إلى المعرض واختر السيارة التي تريد، ثم يأتي فيقول أريد السيارة الفلانية، فيذهب التاجر أو البنك إلى المعرض فيقول: بع لي هذه السيارة ، فيشتريها منه نقداً بخمسين ألفاً ثم يبيعها على الأول الذي طلبها -يبيعها – مقسطة بستين ألفاً، هذا حرام ولا يحل، وهو حيلة واضحة على الربا، لأن هذا البنك الذي اشترى له ثم باع عليه كأنما أقرضه قيمتها بزيادة وهذا حرام، والعقد هنا صوري، ولولا أن هذا طلب السيارة ما اشتراها البنك؛ فلذلك يجب الحذر من هذا وإن كان بعض الناس يفتي بذلك، ولكنه لم يتأمل المسألة، ولو تأملها لوجدها خديعة واضحة، وهي أخبث من خديعة اليهود الذين لما حرّم الله عليهم الشحم أذابوه، فصار ودكاً ثم باعوه وأكلوا ثمنه، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاتلهم الله عز وجل!!…”
وورد في جوب سؤال آخر لابن عثيمين في نفس الكتاب: السؤال: إحدى الشركات تقوم بشراء الأثاث ومواد البناء لمن يريد، فيذهب الزبون إلى الشركة ويحدد الأثاث الذي يريده أو مواد البناء، ويدفع الزبون دفعة أولى – مثل تقسيط السيارات – وبقية المبلغ المؤجل يتم تسديده على أقساط شهرية، مع نسبة زيادة تصل إلى 10 % للشركة، فتعطي الشركة للزبون أمر استلام؛ ليذهب إلى محل الأثاث فيستلم أثاثه بنفسه، وتسديد المبلغ المؤجل يكون للشركة التي قامت بالتقسيط، فما الحكم؟
جواب: ليس للشركة أن تبيع الأثاث ولا غيره من المنقولات، إلا بعد أن يتم البيع، وتقبض المبيع إلى حوزتها، وتنقله من ملك البائع إلى مكان آخر، ثم يتم البيع بعد ذلك، أما دفع العربون للشركة قبل ذلك فلا يجوز، وليس لها أن تبيع شيئاً إلا بعد أن تحوزه، وتنقله من مكان البائع إلى مكان آخر، والله ولي التوفيق».
وورد في فتاوى ابن باز رحمه الله (سؤال رقم 9): «ما هي الضوابط – في رأي سماحتكم – التي تحفظ حقوق طرفي البيع بالتقسيط، ومن ثم حقوق ونظام وسلامة المجتمع؟ [ورد هذا في رسالة جوابية من سماحته إلى رئيس تحرير جريدة (الجزيرة)، أجاب فيها سماحته عن ثلاثة أسئلة، وهذا أحدها].
جواب: البيع إلى أجل معلوم جائز؛ لعموم قوله تعالى: (ا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ). والزيادة في القيمة مقابل الأجل لا مانع منها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جواز ذلك؛ وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يجهز جيشاً، فكان يشتري البعير بالبعيرين إلى أجل. وينبغي معرفة ما يقتضيه الشرع في هذه المعاملة؛ حتى لا يقع المتبايعان في العقود المحرمة، إذ إن بعضهم يبيع ما لا يملك، ثم يشتري السلعة بعد ذلك ويسلمها للمشتري، وبعضهم إذا اشتراها يبيعها وهي في محل البائع، قبل أن يقبضها القبض الشرعي، وكلا الأمرين غير جائز؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك»رواه أحمد والترمذي وابن ماجة، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك» رواه أحمد والترمذي والنسائي. وقال عليه الصلاة والسلام: «من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه»متفق عليه. وقال ابن عمر رضي الله عنهما : «كنا نشتري الطعام جزافاً، فيبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينهانا أن نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا» رواه مسلم.، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أيضاً: «أنه نهى أن تباع السلعة حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم» رواه أبو داود.
ومن هذه الأحاديث وما جاء في معناها، يتضح لطالب الحق أنه لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة ليست في ملكه، ثم يذهب فيشتريها، بل الواجب تأخير بيعها حتى يشتريها ويحوزها إلى ملكه، ويتضح – أيضاً – أن ما يفعله كثير من الناس؛ من بيع السلع وهي في محل البائع قبل نقلها إلى حوزة المشتري أمر لا يجوز؛ لما فيه من مخالفة سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم – ولما فيه من التلاعب بالمعاملات، وعدم التقيد فيها بالشرع المطهر…»
والحقيقة أن الشروط التي اشترطها الشيخان ابن باز وابن عثيمين- وهما أشهر علماء الحجاز- لا تتحقّق في البنوك الإسلامية اليوم وهي- أي المعاملات في البيع والشراء- حسب فتواهما لا تجوز وباطلة.
وفي نهاية هذا الموضوع نقول: إن وجود مؤسسات أو هيئات لرعاية شؤون المال للمسلمين يجب أن تلتزم الناحية الشرعية في كونها مؤتمنة على هذه الأموال أولاً، وكونها تقوم بصفة الوكالة لاستثمار هذا المال في الطرق الشرعية المباحة، والتي تعود بالفائدة على صاحب المال وعلى المجتمع بشكل عام، فيمكن أن يُنشئ مجموعة أشخاص مؤسسة تقوم بدور الوكيل لإيداع أموال الناس وتشغيلها في المجالات المباحة؛ مثل إنشاء شركات وفق أحكام الشرع، أو عن طريق الإرشاد، أو عن طريق حراسة هذه الأموال كودائع في هذه المؤسسات الخدماتية، أو غير ذلك من وجوه الاستثمار الشرعي، فلا تتعامل مع البنوك الربوية، ولا تسير على طريق الشركات الرأسمالية، ولا تقوم بأية أعمال محرمة من بيع أو شراء أو إقراض أو غيره ..وهذه المؤسسات تتقاضى أجرة معلومة من صاحب المال يتفق عليها الطرفان مقابل الإرشاد والمساعدة في استثمار المال بالطرق الشرعية، وليس لها أية علاقة بموضوع الربح والخسارة إلا إذا دخل قسمٌ من أعضائها أو دخلت هي كشريك مضارب أو غيره حسب مواصفات الشركة الشرعية …
المهم في الموضوع أن تكون طريقة تأسيس هذه الهيئات طريقة شرعية، بعيدة عن طرق الشركات الرأسمالية، وأن تسير في طرق استثمار المال على الطريقة الشرعية أيضاً… وأن لا تنفتح بالتعامل مع المؤسسات المحرمة كالبنوك والبورصات وغير ذلك…
والحقيقة أن مثل هذه الأمور تكون موجودة بشكل عادي في ظل النظام الشرعي المتكامل- في ظلّ دولة تحكم بالإسلام وتخُضع كامل المعاملات المالية والمؤسسات للأحكام الشرعية، ولا يسمح النظام الشرعي بالتحايل على الناس وسرقة أموالهم وإيقاعهم في الحرام -من حيث يدرون أو لا يدرون-، ثم يضللهم ويخدعهم أن ما يقومون به هو شرعي ولا يخالف الإسلام!!..
وفي هذا دافعٌ للمسلمين كي يعملوا على إقامة الدولة التي تسيّر حياتهم وشؤونهم وفق ما يرضي الله ورسوله .. نسأله تعالى أن يكرم أمة الإسلام بحكم الإسلام في ظل دولة إسلامية ترفع راية الإسلام، وتسيِّر كل شؤون المسلمين بدين الإسلام… آمين يا رب العالمين… والحمد لله رب العالمين.
2012-12-29