تتردد هذه الأيام محلياً وإقليمياً ودولياً كلمة الشرعية. والأصل في هذه الكلمة أنها مصدر منسوب إلى الشرع، الذي هو عند المسلمين شرع الله المستمَد من دينه الذي أُرسل به محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فالشرع عندنا الأحكام المنبثقة من العقيدة الإسلامية، أي التي دلت عليها النصوص الشرعية من الكتاب والسنة. وهكذا فالشرعي هو ما كان من الشرع، وما عدا ذلك فليس بشرعي. والأصل أن كل ما هو شرعي مقبول عند الناس وعند الدولة، وما هو غير شرعي ينفر منه الناس وتعاقِب عليه الدولة. غير أنه لمّا فقد الإسلام وجوده في الحكم بزوال الخلافة لم يعد شرع الله هو المحَكّم، وحلت محله أحكام الكفر وأنظمة الكفر، فأخذت «الشرعية» مدلولاً جديداً مختلفاً كل الاختلاف عن أصلها الذي صيغت له وأصبحت كلمة «شرعي» تعني ما لا يتناقض مع القانون المطبق وإن كان هذا القانون مخالفاً للإسلام وغير شرعي بالمفهوم الإسلامي للكلمة.
واستحَّل الناس لأنفسهم ما هو من حق الله وحده، وصاروا يشرّعونه لأنفسهم القوانين الطاغوتية، ويعتبرون هذه القوانين شرعية ما دامت صادرة عن جهة مخوّلة بإصدار القوانين أي بالتشريع كمجلس الأمة أو الحكومة أو الحاكم. وصارت الدولة والنظام لا يستمدان شرعيتهما من الإسلام، وإنما مما يفرضانه من دساتير وقوانين على الناس سواء بالقوة أو الغلبة أو التضليل. كما هو شأن ما يسمونها بالديمقراطية التي تجعل حق التشريع للشعب وليس لله.
وهذا كله مخالف للإسلام. فالشرع شرع الله، وما يشرعه البشر مردود عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «كل ما ليس عليه أمرنا فهو رد»، وقول الله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، وقوله: (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) وقوله: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، وقوله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ). فهذه النصوص صريحة في أنه لا يجوز للمسلمين أن يأخذوا شرعهم من غير القرآن والسنة. فما يؤخذ منهما فهو شرعي وما أخذ من غيرهما فهو كفر وغير شرعي.
والآيات والأحاديث التي تنهى عن اتباع الهوى واتباع الكافرين كثيرة، كما أن الآيات والأحاديث التي تأمر المسلم باتباع ما أنزل الله حصراً عديدة وواضحة كل الوضوح ومعلومة من الدين بالضرورة.
وبالإضافة لما ابتُلي به المسلمون في ديارهم من اعتبار قوانين الكفر شرعية ما دامت الدولة تعتمدها، أو ما دام مجلس الأمة يصدرها، ازداد هذا البلاد بانضمام دولهم لهيئة الأمم المتحدة التي يقوم ميثاقها على الكفر وتنشر الكفر والاستعباد في الدنيا كلها باسم الشرعية الدولية. فما يصدره مجلس الأمة المنبثق عن هذه الهيئة من قرارات لا تخدم إلا مصالح الدول الكبرى الكافرة، يعتبر شرعية دولية، بل صار الغزو السلب والنهب في السياسة الدولية شرعية دولية ما دامت تقوم به الولايات المتحدة راعيةُ الشرعية الدولية والدولُ المتحالفة معها كبريطانيا وفرنسا. وصار ما هو فرض على المسلمين من توحيد بلادهم مخالفاً للشرعية الدولية، وما يقول به الإسلام من تطبيق أحكام شريعته والانعتاق من ربعة الكفار مخالفاً للشرعية الدولية. فميثاق الأمم المتحدة تفسره الدولة الكبرى على هواها ووفق مصالحها، وما دام التحرر من استعمارها وكفرها يضر بهذه المصالح بل ويهددها فإنها لا تَعدَم الوسيلة لوصف هذا التحرر بمخالفة الشرعية الدولية، وبالتالي تبرر تدخلها، ما دام حكامنا يربطون مصير البلاد والعباد بالكفار وبهيئتهم المسماة هيئة الأمم المتحدة.
فلا يحل لمسلم المطالبة بتنفيذ الشرعية الدولية لأنها شرعية كفر، بل إن أساس هذه الشرعية وُجِدَ أصلاً لمحاربة الإسلام والقضاء على الدولة الإسلامية.
فإلى متي سيظل حكامنا وزعماؤنا المسلَّطون علينا يطلبون الحق من الباطل والعدل من الكفر وقد نهاهم الله عن ذلك؟