«الائتلاف الوطني» يسلم سوريا للأعداء قبل استلامها
2012/12/29م
المقالات, كلمات الأعداد
2,258 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
«الائتلاف الوطني» يسلم سوريا للأعداء قبل استلامها
ثورة الشام
ساد سوريا سكونٌ لعقود. سكون هو أقرب إلى الموت،لا للهدوء والاستقرار كما يشيع البعض. فقد صنع نظام الأسد بيئة تمتاز بالفقر والذل والظلم والرعب، مع حالة تجهيل وتضليل مكثفة، بثقافة قومية خَرِبَة، ودعاية كذوبة تضفي على النظام مسحة سمجة من الممانعة والمقاومة الزائفتين، لفرض وصاية نظام فاسد متوحش على ربوع الشام.
عندما هبت رياح الثورة في المنطقة، شك كثيرون بإمكان وصولها إلى سوريا، إذ ظنوا أن شعبها قد مات أو كاد، وأنه قد فُقِد منه الرجاء. إلا أنه ما إن وصلت نسمة من تلك الرياح إلى أهل الشام، حتى أخذت مدنها تنتفض واحدة تلو أخرى بغية إسقاط نظام بائس بشع.
أخفق نظام الأسد في قمع الثورة رغم كل القسوة والوحشية والغطاء الدولي له، لذلك دفعت أميركا -التي اختبأت طويلاً وراء الفيتو الروسي والصيني – بعملائها (الدابي، كوفي عنان، الإبراهيمي) لتبني مبادرات مشبوهة، وذلك لقطع الطريق على من ينافسها من الدول الكبرى على سوريا، ولتطويع الثورة واحتوائها، وليس لوقف نزيف الدماء كما يدعي ممثلو تلك المبادرات، التي فشلت في إنجاز أي تقدم بأي اتجاه حتى الآن.
غضت أميركا وكل من تواطأ معها البصر عن ارتكاب نظام الأسد جرائم حرب موثقة بالصوت والصورة، والتي يستعمل فيها الطائرات والدبابات وبراميل ال تي إن تي(TNT) والقنابل العنقودية لارتكاب المجازر المقززة بحق النساء والأطفال والشبان والشيوخ. وفيما تغض أميركا الطرف عن مدِّ النظام بكافة أنواع الدعم الروسي والإيراني فإنها تفرض حظراً على دعم الثائرين بأي سلاح فعال، مما حال دون قدرتهم على حسم الصراع سريعاً. رغم هذا، سيطر المقاومون للنظام على أغلب الأرياف والمدن الصغيرة نسبياً، فيما يحتدم الصراع على حلب ودمشق.
المبادرة الأميركية
بعدما يئست أميركا من قدرة النظام على إخماد الثورة، جاءت دعوة المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي لإرساء هدنة مؤقتة بمناسبة عيد الأضحى المبارك، والتي قبل بها نظام الأسد وقيادة الجيش الحر في تركيا، والذي يضم تحت مظلته المجالس العسكرية الثورية. فقد كانت الهدنة بمثابة محاولة لتمييز وجس نبض صاحب الأثر الأكبر في سير المعارك، والقادر على ضبط المجموعات المسلحة في ميادين القتال.
سادت الهدنة (لوقت قصير) أكثر مناطق القتال، رغم إعلان بعض الجماعات الإسلامية المقاتلة بأنها (أي الهدنة) لا تعنيها في شيء. لقد كان هذا الانضباط المؤقت مؤشراً حفَّز أميركا للتقدم خطوة للأمام في طريق التسوية التي طرحت معادلتها منذ الأيام الأولى للثورة تحت عنوان «إن السيناريو الليبي لن يتكرر في سوريا»، وبأنه لا بد من إجراء حل سياسي يجلس فيه طرفا الصراع ليصلا إلى توافق على تشكيل حكومة انتقالية تمثل خطوة على طريق «انتقال سلمي للسلطة».
لذلك أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، أنها تنتظر من المعارضة السورية أن «تقاوم، بشكل أقوى، محاولات «المتطرفين» لتحويل مسار الثورة» في سوريا مشيرة إلى «أن الوقت قد حان لتجاوز دور المجلس الوطني السوري، وجلب أولئك الذين هم في الخطوط الأمامية للقتال للمقدمة». أعقب ذلك طرح مبادرة السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد ورئيس الوفد الأميركي إلى مؤتمر الدوحة تحت مسمى “مبادرة رياض سيف” لمنحها صبغة سورية.
الائتلاف الوطني
وقّعت في الدوحة أطياف واسعة من المعارضة السورية رسمياً على اتفاق لتوحيد صفوفها وانتخبت الداعية الإسلامي وإمام المسجد الأموي في دمشق سابقاً، أحمد معاذ الخطيب رئيساً له.جاء تشكيل هذا الائتلاف تجاوباً مع الدعوات الأميركية المتكررة بضرورة توحيد المعارضة، لتكون مهمته لاحقاً – بحسب التصور الأميركي – الدخول في عملية مفاوضات سياسية مع نظام الأسد، فتحول بالتالي دون انهياره تحت وطأة ضربات الثائرين، لتحافظ بذلك على مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية الموالية لها، فتفرض هيمنتها على النظام الجديد، كما كان حالها مع النظام القديم.
هكذا نرى بجلاء عدم اكتراث الدول الكبرى بعدد الضحايا وبتدمير القرى والمدن، طالما أن ذلك هو الطريق بنظرهم لكسر شوكة الثورة في سوريا، سيما أن تلك الثورة بدأت تتوجه نحو المشروع الحضاري الخاص بالأمة، والذي يعبر عن آمال وتطلعات الشريحة الساحقة منها في تطبيق الإسلام والوحدة والتحرر من النفوذ الأجنبي بأسره من المنطقة. فهذا خط أحمر لدى صنَّاع القرار في العالم الغربي، يقلب تجاوزه معادلة الصراع الدولي رأساً على عقب، ولذلك فإنهم يحاربونه بكل وسيلة ممكنة.
لقد كانت حلقات الصراع والتآمر على ثورة الشام من قبل القوى الخمس الكبرى (صاحبة حق الفيتو في مجلس الأمن) واضحة للعيان، وهذا أمر مفهوم ومتوقع، وهو شر يجب التصدي له من قبل كل مخلص لأمته. يقابل هذا حالة سعار ملتهبة يتسابق فيها المحسوبون على الأمة من أطراف متباينة، سيما “الإسلاميون المعتدلون” منهم، للاصطفاف في خط المؤامرات الدولية على الثورة في سوريا، متذرعين بحجج مختلفة أبرزها “وجوب وقف سفك الدماء، ووضع حد لحملة تخريب وتدمير البلد، ومنع تجزئتها، والعمل على عدم تطور المواجهة العسكرية فيها إلى حرب أهلية بأي ثمن”.
وفيما تدغدغ هذه الحجة مشاعر كثيرين، إلا أنها لا تعدو في حقيقة الأمر كونها مجرد ذريعة للسير في مختلف طرق الخراب التي ترسمها الدول الكبرى وتعبِّدُها لها دول إقليمية، تلك التي تستضيف وتموِّل وتلمِّع وترعى كل من يخدم أجندة ومشروع القطب السياسي المرتبطة به. فقد تبنى الغرب عن قصد دفع الأحداث في سوريا في هذا الاتجاه الدموي ليحقق إلى جانب التخريب والتدمير، تثبيط همم الثوار ورفع كلفة الانتصار الذي يسعون لتحقيقه عسكرياً إلى حدّ يشعرون بالعجز على إنجازه، فيقبلون بالحلول السياسية التي تتوافق عليها أو تفرضها الدول الكبرى.
بل أشاع الغرب فوق ذلك أيضاً، احتمال تقسيم سوريا إذا ما تطوَّر الاقتتال فيها إلى حرب أهلية، طائفية وعرقية. وهو ما يعرضون بعض شواهد له أحياناً في إعلامهم (لا يستبعد أن تكون أناملهم وراء فبركته أو تحريكه وتأجيجه) لوضع مزيد من الضغوط على الثائرين ولفرض الخيارين كأمر واقع، أي إما القبول بالحلول الدولية أو الخراب الشامل.
إن الغرب يعمل بانتظام ومهارة لفرض بيئة تصوِّر أن حله وحده هو الذي يمكن أن يكتب له النجاح في سوريا، وأن كل شيء سواه عبث. وهذا ما تحاول كل من الإدارة الأميركية والروسية تذكير الرأي العام العالمي به كلما تطرق كل منهم إلى موضوع سوريا، ولذلك نرى الإعلام الغربي وتوابعه من الأعلام العربي يقدم مبررات تلك الدول بشكل مضطرد كأنها حقائق لا يمكن القفز فوقها وتجاهلها، مما يغذي أجندة “الإسلاميين الواقعيين” (الانتهازيين أو قل البراغماتيين) لتبرير انضمامهم بل ودعوتهم لهذه الحلول وتبنيها.
الشيخ الخطيب
تصدَّر الشيخ أحمد معاذ الخطيب المشهد الإعلامي بعد أن تم اختياره بعناية ليرأس الائتلاف الموسع للمعارضة، ولم يحصل جدل حول اختياره بين المتنافسين على المناصب –وهم كثر- لأنه الأنسب لأداء الدور المنوط بالائتلاف في هذه المرحلة، فقد أُتي به لاحتواء التيار الإسلامي المتنامي داخل الثورة، وليتمكن بشخصيته المحببة وفصاحته ومنطقه ومهاراته العالية من تسويق الخطة الدولية للرأي العام وبخاصة للشريحة الواسعة من أصحاب التوجه الإسلامي التي بدأت تتصاعد مطالبها باتجاه الخلاص من النظام وإقامة الإسلام على أنقاضه. وهو ما لا يستطيع فعله علماني مثل برهان غليون ولا شيوعي مثل جورج صبرا.
لهذا كان الشيخ الخطيب منسجماً مع دوره حين أصدر بياناً – حتى قبل انتخابه رئيساً للائتلاف – يخلص منه إلى ضرورة تفهم أن «سورية بلد ذو موقع هام جداً في العالم، لذا لا بد من التحكم الدائم فيه من القوى الكبرى»! بمعنى أنه لا يمكن تصوُّر حل لا ترضى عنه تلك الدول، ولذلك لا بد من مراعاتها وأخذ مصالحها بعين الاعتبار، مستشهداً بقصة « رئيس جمهورية ما، زار الصين ليعقد اتفاقات اقتصادية، سأله الصينيون: هل أخبرتم الولايات المتحدة بذلك؟ دهش الرئيس وقال: لا، لم نخبرهم. قال له الصينيون: إن بلادك في منطقة النفوذ الأميركي، ولا يمكن تجاوز ذلك!”.
بأسف شديد نقول، إنه بدلاً من أن ينأى الشيخ أحمد معاذ الخطيب وأمثاله بأنفسهم عن أن يكونوا جزءاً من مخطط الغرب لاحتواء ثورة سوريا أو حرفها عن مسارها، قرر هو وغيره أن يكونوا أدوات ذلك المخطط. وليصدَّ السهام عن نفسه وعن ائتلافه الموسع المشبوه، طالب الناس في بيانه ألا يسارعوا باتهام من يخالفهم بالرأي بالجهل أو الخيانة أو العمالة أو المصلحة الشخصية،بل باستخدام اللباقة، وذكر بالخلق الإسلامي في غير موطنه بالطبع.
لقد كان حرياً بالشيخ أحمد معاذ الخطيب حين التحدث عن أهمية سوريا أن ينظر إلى الموضوع من زاوية أخرى، فبغض النظر عن سبب هذه الأهمية، ثروة ما تختص بها، أو موقع، أو علم تتميَّز به، هو أنه لا بدَّ أن توظَّف أهميتها لما فيه مصلحة الأمة صاحبة الحق في سلطان هذه الدولة. أما تلك السلطة التي تسمح بأن تكون مؤثرات خارجية تطغى على مصلحة شعبها فهي سلطة شاذة لأنها تحكم شعباً وتقوده لتحقيق مصالح غير شعوبها. إن سلطة كهذه قد تعارَفَ الناس على تسميتها بسلطةٍ خائنة لأن واقع الخيانة هو في خيانة الدور المنوط بها.
إلا أن ثالثة الأثافي، هي توسل الشيخ أحمد الخطيب للثوار في بيان له بعد لقائه مع الرئيس الفرنسي، بعدم رفع شعارات أو إطلاق تصريحات تزعج الغرب أو تتناقض مع توجهه، مطالباً الثائرين أن يرفعوا شعارات شكر فرنسا وأميركا، وطمأنة أوباما بلافتات مكتوب عليها “يا أوباما لا تخاف كلنا مع الائتلاف”، ورفع شعارات :”لا تطرف ولا إرهاب”. ما هذا؟ إنها جرأة في وقاحة قل نظيرها.
نسي خطيب المسجد الأموي، أن الولاء كان ويجب أن يبقى لله وحده، وشعارنا الحق في الأوقات العصيبة يجب أن يكون: (حسبنا الله ونعم الوكيل) و(نعم المولى ونعم النصير). ويجب أن يبقى مقياسنا الشرع، فالحق من عند الله وحده، والمسلم مأمور أن يحب في الله وأن يبغض في الله، وأن يتمسك بدينه وحكم ربه، وإذا اشتدت الأمور وابتُلي المسلمون بالخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات والذخائر فإنما هو ابتلاء من الله تعالى، وعليهم أن يبرهنوا حينئذ على صدق إيمانهم بتشبثهم بشرع ربهم لا بإلقاء ثورتهم في أحضان أعدائهم، عندها يستحق المسلمون نصر الله وعطاءه الذي لاحدود له، قال تعالى: [مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ]
تسليم البلاد للأعداء خيانة
إن الحاكم الذي يرتضي بأن يكون بيدقاً بيد أعدائه ويقبل بضمان مصالحهم على حساب عقيدته وشعبه وأمته، ويسقط راياته وشعاراته ويرفع ما يرضي أعداءه، يستحق بل يجب أن يوصف بأنه خائن لشعبه ومجتمعه وأمته. ولن يغير التهويل بأن أميركا وغيرها من الدول الكبرى لن تقبل ولن ترضى بأن تخرج سوريا من دائرة نفوذها، ولذلك لا بد من مجاراتها… فهذا تبرير معيب وعبث وتجهيل، فالأمم الحية تنتزع حقوقها انتزاعاً ولا تنتظر أن يقبل أعداؤها بالانعتاق من براثنها.
من الشائن حقاً أن يعلن رئيس «الائتلاف الوطني» وهو لم يتسلم الحكم بعد، قبوله بأن تتحكم في سوريا قوى خارجية من غير قوى أمته، بل يصعب حقاً أن يجد المرء في التاريخ رجلاً يبرر نكثه لأمانة رعاية شؤون شعبه قبل أن يستلم هذه الأمانة! وأي تحرُّر و انعتاق سيكون هذا، إذا ما أزيل نظام الأسد الذي يعترف الشيخ معاذ بأنه كان تابعاً لأميركا في بيانه، ليحل مكانه من يلعب نفس دور التبعية. إن هذا السلوك المشين هو الخيانة بعينها ومن أوسع أبوابها، ولن يجد المرء وصفاً في التاريخ كله لمثل تصرف كهذا سوى الخيانة، فمن يبني سلطته على قبوله بأن يكون ذليلاً في خضوعه لغيره، ويتعهد بإخضاع شعبه لمصالح أعدائه، ويسلم البلاد لهم قبل استلامها، إنما هو الخيانة بعينها.
قال تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ].
2012-12-29