لمن الـولاء
1993/04/08م
المقالات
2,304 زيارة
كان الفرد من العرب قبل الإسلام، ينشأ في قبيلة تحميه وتدافع عنه، وتمنع ماله ودمه وعرضه من سطو الغير عليه، فيعتز بهذه القبيلة، ويفتخر بالانتماء إليها، ويباهي بأمجادها ومآثرها، ويعلن عن ولائه وتقديره لأعرافها وتقاليدها، ويتمسك بهذه الأعراف والتقاليد، حتى لو ظهر له مُجانَبتُها للخير وبُعدُها عن الصواب، وفي هذا يقول الشاعر:
أمرتهمو أمري بمنعرج اللوى
.
|
|
فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغدِ
.
|
وهلْ أنا إلا من غزيّةَ إنْ غَوَتْ
.
|
|
غَويْتُ وإنْ ترشُدْ غزيّهُ أَرشُدِ
.
|
وكان أفراد القبيلة والواحدة، يعرفون مراكزهم الاجتماعية في قبيلتهم، ويُعطون الشرف والسيادة لبعض بطون القبيلة على بقية بطونها، ويعطون الشرف والسيادة والولاء في البطن الواحد لأسرة من الأسر على سواها، ويعطون الابن الأكبر السيادة على أسرته وقبيلته، وكان العرب يرون لهم الشرف على غيرهم من الفرس والروم والأحباش، ويرون الشرف لقريش على سائر العرب. ويرون الشرف لبني هاشم على سائر قريش.
وقد تمكنت هذه المفاهيم واضرابُها من نفوس العرب، وأصبحت قناعات لهم، يحبونها، ويعظمونها، ويعطونها ولاءهم. والولاء هو الاتباع مع الرضا، جاء في لسان العرب: توليت فلاناً اتبعته ورضيت به، ووالى فلان فلاناً إذا أحبه، ولكلٍ وجهة هو موليها أي متبعها وراضيها، ومن يتولهم منكم أي يتبعهم وينصرهم.
وعندما جاء الإسلام، جعل الولاء له وحده، وجعل العقيدة الإسلامية هي الأساس والأصل، وجعل المفاهيم والقناعات في الحياة ثمرة للعقيدة وفرعاً لها، والإسلام وحده هو الذي حدد أيَّ العلاقات تُصان وتُحترم، وأي العلاقات تُهدم وتُحتقر، وهو وحده الذي يحدد للمسلمين أيَّ الناس يوالون، ومتى يوالون، ومن يخلعون ولاءه، ومتى يخلعون ذلك الولاء.
وقد دلت عشرات الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، ومن السيرة النبوية، على أن الولاء معياره الإيمان بالله تعالى، وأن الحب ينبغي أن يكون في الله، والنصرة في الله والمودة في الله، وأن كل صلة لم تتصل بالإيمان بالله تعالى، هي صلة منبتَّة، لا قيمة لها ولا احترام، ولا ينبغي أن يكون لها أي ولاء أو اعتبار، ولا ينبغي للمسلمين أن يقيموا أي وزن للأبوَّة أو الأمومة أو العشيرة أو الوطن، أو الدولة أو الحاكم، أو الأمة أو الحزب أو أية جماعة من الجماعات إلا على أساس الشرع، وبناء على حكمنه، وعلى موقف هؤلاء جميعاً من الإيمان بالله تعالى. وقد نهى الشرع نهياً جازماً عن اتخاذ الأولياء على غير أساس الإيمان بالله تعالى، وتوعّد على ذلك أشد الوعيد، وجعل من يفعل ذلك ظالماً وضالاً، بعيداً عن الهدي ومآله إلى النار، قال تعالى في سورة التوبة (آية 23): (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) وقال تعالى في سورة الممتحنة: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ). (الآية: 1)
وقال تعالى في سورة المجادلة (الآية 22): (لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ). وقال في سورة الممتحنة (الآية 4): (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ). وقال تعالى في سورة الممتحنة (الآية 9): (إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ). وقال تعالى في سورة المائدة (الآية 51): (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ). وقال تعالى في سورة النساء (الآية 139): (بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا @ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا).
وروى الإمام أحمد في مسنده عم عمرو بن الجموح رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحق للعبد حبٌ صريح الإيمان حتى يحب لله تعالى ويبعض لله، فإذا أحب لله تبارك وتعالى وأبغض لله تبارك وتعالى فقد استحق الولاء من الله» ج3 ص430 ومن مسنده أيضاً ج4 ص363. قال صلى الله عليه وسلم: «المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخر» وروى البخاري في صحيحه: قال صلى الله عليه وسلم: «ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، أقرأوا إن شئتم: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ). وروى ابن هشام في سيرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار ومما جاء فيه: «إن المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أُمّة واحدة من دون الناس، وإن ذمة المؤمنين واحدة يُجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس وإن سلم المؤمنين واحدة: لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم».
وبهذا جعل الإسلام المسلمين من عرب وفرس وروم وأحباش أمةً واحدة، ذمتهم واحدة، وسلمهم واحدة، ولم يلتفت إلى أحسابهم أو أنسابهم أو ألوانهم أو قوميّاتهم، وإنما نظر إلى الإيمان بالله تعالى وجعله هو المعيار في الحب والمودة والولاء.
وقد فهم المسلمون ذلك وآمنوا به والتزموه في سلوكهم، وجعلوا ولاءهم للاسم وحده، وخلعوا ولاءَهم لأسرهم وقبائلهم، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أسرى بد (هل تمكنني من فلان ـ قريب لعمر ـ فأقتله، وتمكن علياً من عقيل فيقتله، وتمكن فلاناً من فلان ليعلم اله أنْ ليس في قلوبنا موادة للمشركين).
وقد قتل أبو عبيدة عامر بن الجراح أباه، وقتل مصعب بن عمير أخاه عبيد بن عمير في معركة بدر، وهذه بعض أعمال الصحابة الكرام، ومن يقرأ سيرتهم يجد مئات الشواهد والأدلة على خلعهم لكل ولاء لا يقوم على الإيمان بالله تعالى. وخلعوا ولاءَهم لأحلافهم التي كانت لهم قبل الإسلام، فعندما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، تشبّث بأمرهم رأسُ المنافقين عبد الله بن أُبيّ بن سَلول وقام دونهم. أما عبادة بن الصامت رضي الله عنه فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله أبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وأتولى اللهَ ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم، ففيه وفي عبد الله بن أُبيّ نزلت الآية: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) إلى قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ).
وخلعوا ولاءهم للوطن، فهاجروا في سبيل الله فراراً بدينهم إلى الحبشة، وهاجروا إلى المدينة، وجعلوها دار إقامة ووطناً لهم، حتى بعد فتح مكة لم يأذن لهم عليه الصلاة والسلام بالعودة إلى مكة، وقد نعت القرآن الكريم مَنْ بقي من المسلمين تحت سلطان الكفار بمكة بأنه ظالم لنفسه: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأََرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).
وليس صحيحاً ما يَستدِل به بعض الناس في المناسبات الوطنية من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وطنياً وأن حب الوطن من الإيمان، لأنه دمعت عيناه عندما غادر مكة وقال: «إنكِ لأحب أرض الله إليّ» متناسين قوله عيه الصلاة والسلام: «لأنكِ أحب أرض الله لله» فحب مكة من الإيمان لكونها أقدس بقاع الأرض، وفيها بيت الله الحرام، أول بيت وضع للناس لعبادة الله تعالى، وحبها فرض على المسلمين في كل الأزمنة سواء أكانت وطنهم أم لم تكن.
والمحافظة على أوطان المسلمين وحمايتها من الكفار فريضة شرعية، ولا خلاف في ذلكن واستنفار المسلمين لرد الكفار وإخراجهم من ديار المسلمين فريضة شرعية كذلك، قال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ).
فالذود عن أوطان المسلمين إنما يكون تنفيذاً لأمر الله وإعزازاً لدينه وإعلاءً لكلمته. وقد قاتل الفرسُ المسلمون والبربرُ المسلمين والتركُ المسلمون والأكرادُ المسلمون تحت إمرة الخلفاء المسلمين من العرب، وقاتل العربُ المسلمون تحت إمرة الخلفاء والسلاطين من الترك والمماليك والأكراد، ولم يقيموا لغير الإسلام أية قيمة أو أي اعتبار، ولم يجدوا جميعاً أية غضاضة في طاعة الخليفة والسلطان أياً كان موطنه أو جنسه أو لونه، وتعليمها أبناءهم، لا لشيء إلا لأنها لغة دينهم، ولم يخطر على بال أحد من هؤلاء جميعاً أن ينظر لنفسه أو لغيره بتميّز، بل الجميع مسلمون وإخوة، لا فرق بين المغربي والأفغاني ولا بين السوداني والبخاري، ولا بين الحجازي والهندي، كل ذلك لسبب واحد هو تمكن الإسلام من النفوس، وسيطرة مفاهيمه على غيرها وإعطاؤه وحده الولاء المطلق. بل لقد أظهر غير العرب حرصاً منقطع النظير في العناية بالقرآن الكريم والسنة النبوية، حتى بَرَعَ منهم الأعلام في تبويب الحديث وتصنيفه وتخريجه وتأليف أُمهات كتب الفقه باللغة العربية، بل ألَّفوا في علوم العربية ذاتها ما بَذّوا به إخوانهم العرب، لأنها لغة القرآن.
وكان العرب والعجم يتنقلون متى شاءوا ويقيمون أنّى شاءوا، دون أُذون إقامة، ودون جوازات سفر، وكانوا يتملكون الأراضي والمساكن والمتاجر، دون قيود، ويتزوج العربي من الأعجمية والأعجمي من العربية دون اعتبار لأي أمر إلا الإسلام.
وعندما هبط المسلمون وضعفت مفاهيم الإسلام لديهم، وتجرأ عليهم الكفار، وعزوْهم في عقر دارهم، وفرضوا عليهم مفاهيمهم في الحياة استبدلوا بالولاء للإسلام الولاءَ للقومية، واسقطوا دولة الخلافة التي تجمع شمل المسلمين، وأقاموا دولاً شتى، وجعلوا لكل دولة نظاماً خاصاً للحكم، بدل نظام الإسلام الواحد، وعملوا كل جهدهم لتكريس هذه النزعة الانفصالية، فجعلوا لكل دولة دستوراً خاصاً وعلَماً ونشيداً وطنياً خاصاً، وأحاطوا كل ما يكرّس الفُرقة والانفصال بهالة من القداسة، تحت شعارات زائفة كالاستقلال، وحب الوطن والموت في سبيل حماية الحدود والمحافظة عليها، ودسّوا للمسلمين السُم في الدسم فجعلوا لأبناء القطر الواحد بعض المزايا والمنافع المادية، ومنعوها عن المسلمين الآخرين، فنمت الأحقاد والقطرية، بدل أن تنمو المحبة والوحدة، فالأردني مثلاً أو السوداني، لا يستطيع دخول دول الخليج إلا بإذن خاص، ولا يُسمح له بالإقامة إلا وَفقاً لشروط معينة، ولا يمنح أبناؤه حق التعليم في المدارس الحكومية لأنهم ليسوا من رعايا هذه الدول، وحرَّموا على غير أبناء القطر ممارسة التجارة أو تملك الأراضي والمساكن. وما ينطبق على الأردني أو السوداني في الخليج ينطبق على اليمني أو السوري في ليبيا أو تركيا. وهكذا حلت مفاهيم الكفر هذه محل مفاهيم الإسلام، وروَّج لها الحكام، والكتّاب والشعراء والمفكرون ممن أعمى الله بصيرتهم، وراحوا ينقبون عن كل ما يبرز القطرية والقومية، وينفخونه ويعظمونه، ويطمسون كل ما يقرّب الأمة من ولائها لدينها ويشعرها بوحدتها، وتلقّف سواد الناس هذه السموم، ولم يعد المسلم يرى بأساً أن يقف الساعات الطوال أمام مكتب القنصلية السعودية مثلاً من أجل الحصول على إذن لأداء فريضة الحج، أو تأدية مناسك العمرة، ولا يرى حرجاً في دفع الرسوم مقابل هذا الإذن، وتولى كِبْرَ هذه المصيبة بعض أدعياء العمل من علماء السوء، بإعطاء الفتاوى بجواز حرمان الناس من دخول الأراضي المقدسة بحجج داحضة كالمحافظة على الأمن وتنظيم الناس، بدل أن يطلبوا من حكام السعودية أن يخلّوا بين الناس وبين ما يريدون من زيارة وإقامة وتجارة وتأدية مناسك، مع أن الحكم الشرعي واضح كل الوضوح وهو معلوم من الدين بالضرورة، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) ويقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
وبعد، فهذه بعض النماذج لِما كرَّسه الكافر وأعوانُه من مفاهيم الكفر، من قومية ووطنية وعشائرية، وسلكوا كل سبيل ممكنة لغرسها في قلوب المسلمين وتعظيمها وإعطائها الولاء والاحترام والتقديس. وانساق سواد المسلمين وراءهم ولم يلتفتوا إلى تحريم هذه المفاهيم وعظيم ضررها على الأمة الإسلامية وفداحة خطرها.
أيها المسلمون:
إنَّ أمتكم أمة عزيزة، أعزها الله بالإسلام، وحمّلها أمانة وشرف حمله للعالم، لتنقذه من ظلمات الجاهلية، وتنير له السبيل، ولن تفعل ذلك حتى تعتز بدينها وتعطيه وتعطي كل أفكاره ومفاهيمه خالص ولائها وتنزع عن نفسها كل مفاهيم الكفر، وتخلع عنها ولاءَها لكل ما جاء به الكافر، حتى تعود كما وصفها ربها خيرَ أمة أُخرجت للناس، وما ذلك على الله بعزيز c
1993-04-08