نصيحة للبنديكتوس حول الإسلام والصراع الدائر في سوريا
2012/10/29م
المقالات
1,901 زيارة
نصيحة للبنديكتوس حول الإسلام والصراع الدائر في سوريا
في سياق زيارة بابا روما (البنديكتوس السادس عشر) للبنان سبتمبر 2012م، سطر الكاتب السوري المعروف ميشيل كيلو رسالة نصيحة مطولة للبنديكتوس، نشرتها جريدة السفير اللبنانية، طالبه فيها بأن يحمل رسالة رحمة لمسيحيي الشرق في ظل أجواء الفتن المحمومة المتفشية راجياً إياه «أن لا يسهم ولا يوافق على هدم الهيكل فوق رؤوس المسيحيين العرب»، مؤكداً على حقائق تمنى أن يتوقف البنديكتوس أمامها حول حقيقةموقف الإسلام من المسيحية والمسيحيين، وحول طبيعة الصراع القائم في سوريا، نورد أهمها باختصار:
– أنا سوري وعربي و… مسيحي، مواطن ينتمي إلى منطقة عرفت خلال تاريخها الطويل والمتقلب كيف تجعل مكوناتها البشرية والدينية والثقافية والسياسية تتعايش بعضها مع بعض. صحيح أنها لم تعرف نظرية التسامح، لكنها عاشت التسامح نفسه ومارسته قبل أن يضع «جون لوك» كتابه بمئات السنين.
– إن الإسلام آخر الأديان السماوية الذي يرى في رسالته صحيحة كل الأديان السابقة له، لذلك تراه يكن لها أصدق الاحترام. ويكفي أن تقرأ ما يقوله القرآن عن المسيح، «روح الله»، وأمه مريم العذراء، «أطهر نساء العالمين»، حتى ترى الفارق بين نصه وأي نص آخر كتب عنهما في أي تاريخ. ويكفي أن تذكر اسم المسيح أمام أي مسلم حتى يسميه بخشوع: «سيدنا عيسى عليه السلام»، واسم أمه حتى يقول بإجلال (سيدتنا) مريم البتول عليها السلام.
– إن المسيحية تعيش في هذا الشرق: موطنها الأصلي، منذ نيف وألفي عام مع أديان ورسالات أهمها الإسلام، الذي لم يأت كي يلغي ما قبله، بل ليستوعب صحيحه ويجعله جزءاً تكوينياً منه: لذلك ترانا، مسلمين بهذا البعد الروحي والفكري العميق. وقد احترموا وجودنا التاريخي بينهم، مع أن دينهم تبشيري، وتذكروا دوماً أن رحمة الله تلزم المسلمين بالرحمة تجاه مخلوقاته. صحيح أن الأمر لم يكن دوماً على هذه الصورة، لكنه كان هكذا أو قريباً منه في القسم الأعظم من التاريخ.
– ظلت المسيحية في الشرق قائمة بعد الحروب الصليبية، التي أسماها المسلمون حروب الفرنجة كي لا يدنس ذكرها اسم الصليب؟ وقد حمى المسلمون المسيحية والمسيحيين بعد هزيمة الفرنجة الساحقة على يد جيوش مسلمة شارك المسيحيون فيها؟ أقول بكل صراحة: إن انتماءهم إلى المسلمين وانتماء هؤلاء إليهم هو الذي حماهم: فقد فتح مسيحيو المدن السورية أبواب مدنهم أمام جيش أبناء عمومتهم المسلمين، كي يزيحوا عن كاهلهم عبء مسيحيي بيزنظة الروم؟ ثم، ألم يصرخ مقاتل مسيحي في جيش المسلمين خلال معركة القادسية: قتلتُ رستم ورب الكعبة، حين أردى قائد جيش الفرس؟
– هناك محاولات كثيرة لفصم هذه الشراكة التاريخية، تقوم بها جهات متنوعة تنتمي إلى الجانبين المسيحي والمسلم، فضلاً عن مؤسسات وتنظيمات متشددة متعصبة، بما فيها كنائس مسيحية متطرفة ترى المسلم بعين العدو الذي أجبرت على العيش مكرهة معه، ولا تراه بعين الشريك والقريب، الذي لطالما تفاعلت معه في رحاب رحمانية الله ورحمته. وهناك أحبار يعتبرون أنفسهم مقاتلين يخوضون معركة متأخرة كان يجب أن تحسم منذ زمن طويل، هم اليوم طلائع ورواد فيها، يسعرون نارها التي تحرق المؤمنين من الجانبين، وتعانق النار التي يشعلها أمثالهم من المسلمين. والمشكلة أن هؤلاء يسندون ظهورهم إليكم ويخوضون معركتهم تحت رايات يزعمون أنكم ترفعونها بدوركم.
– لا بد من أن تتوجهوا بكلمات لا لبس فيها، تعيد هؤلاء إلى صوابهم، وتذكرهم أنه ليس هناك ولن يكون هناك حرب مسيحية إسلامية، وأن على المسيحية أن لا تدعم أية حرب ضد أي كان، وخاصة منها الحرب التي يشنها النظام السوري ضد شعبه باسم مكافحة الإرهاب، لطالما رعاه واحتضنه ودرب عناصره وتحالف مع قواه واستخدمها داخل سوريا وعلى مستوى المنطقة العربية والإسلامية، أو بأي اسم آخر.
– لا يخوض النظام السوري معركة الدفاع عن المسيحية، كي يحظى بتعاطف كنائس وكهنة مسيحيين، بل يقاتل دفاعاً عن استبداده وامتيازاته وقدرته على امتهان كرامة الإنسان، متذرعاً بعلمانية، هي في حقيقتها دين سلطة، يرغمك على عبادة قادته ورموزه، باعتبارهم آلهة سياسيين تفرضهم الشمولية، كآلهة تعبد على رعاياهم، الذين لا يجوز أن يشركوا بهم معهم، بما في ذلك الرحمن الرحيم، وإلا كانت الدبابات والمدافع والطائرات لهم بالمرصاد، وتعرضوا لعنف يحصد أرواحهم كل يوم، دون أن يترك متراً مربعاً واحداً خارج قبضته في طول سوريا وعرضها.
– لا يخوض النظام معركة الدفاع عن المسيحيين الذين لا يهددهم أي خطر أعظم من حماقة بعض كنائسهم وكهنتهم، التي وصلت إلى حد جعلهم يباركون قتل الأطفال والنساء والشيوخ وينظمون حفلات راقصة احتفالاً به، ويرون فيه حرباً إنقاذية على الإرهاب والتطرف، كأن العنف الرسمي المفتوح ليس إرهاباً وليس تطرفاً، أو كأن انتصار النظام يبرر قبول التضحية بإنسان واحد على يد نظام رفض ما قدم إليه من حلول سياسية كثيرة، واختار طريق العنف والإبادة الجماعية، فأيدته كنيسة تدعي انتماءها إلى يسوع الناصري، عدو العنف الأكبر في التاريخ الإنساني.
– أعد الكنيسة إلى رشدها، وذكرها بأن ما أبقى على المسيحية في المشرق بعد حروب الفرنجة، كان وقوف المسيحيين إلى جانب الحق، ومع أبناء عمومتهم ضد من أرادوا قهرهم، وأن كنيستهم تبدد اليوم رصيدهم التاريخي، وتضعهم أمام مجاهيل من المؤكد أنها ستكون شديدة الخطورة عليهم، إن هم انحازوا إلى نظم زائلة لا تعرف كيف تبقى في الحكم دون مدافع وطائرات ودبابات تدمر مدن وقرى بلادها المطالبة بالحرية.
– إن المسيحية المشرقية في خطر عظيم، ليس لأنها مهددة بالأصولية الإسلامية، بل لأنها تدار بيد أصولية مسيحية وعقليتها، يمارسها ويتبناها أحبار يقودون بعضها، تضع سياساتهم ومواقفهم اللاإنسانية واللاأخلاقية السكين على عنق يسوع الناصري، لأنها تضعها لأول مرة في التاريخ ضد أبناء عمومتها المظلومين، الذين لا ذنب لهم غير أنهم يحاولون إنقاذ أنفسهم من موت بطيء، مستعينين بالحرية، التي يعتبر فيلسوف من وزن هيغل أن المسيحية هي التي أدخلتها إلى التاريخ، وأنها إنجازها الأعظم والأبقى .
– ستكون زيارتك مهمة، بل إنها يمكن أن تمثل تحولاً في تاريخ المسيحية والإسلام، فلا تسهم ولا توافق على هدم الهيكل فوق رؤوس المسيحيين العرب، ومد يدك لأنقاذهم من حماقات تقترفها كنائسهم وأحبارهم، وإلا جاء يوم ندم ستقولون فيه: لم يصارحنا أحد بالحقائق، وستتساءلون ببراءة: لماذا سكتم على جريمة كان يرتكبها كهنة باسم يسوع الناصري، الذي أراد الهيكل نظيفاً وطاهراً، لكن هؤلاء كانوا يلوثونه بآثام ستتسبب في سفك دماء بشر افتداهم بحياته، بينما كان أحبارهم يسوقونهم إلى الهلاك!
2012-10-29