بين إعلان تونس وإعلان القاهرة
1993/01/08م
المقالات
1,987 زيارة
في تونس عُقدتْ الدورة العاشرة «لمجلس وزراء الداخلية العرب» خلال الفترة (4 ـ 6/01/93)، وكان أبرز موضوع في المناقشات هو «التطرف أو الإرهاب الذي تمارسه الحركات الإسلامية» وقد حاولت مصر والجزائر وتونس وضع خطة لجميع الدول العربية للتعاون على صد هذا الخطر الذي يتوسع ويهدد الجميع. وقد تم وضع خطة خمسية (لخمس السنوات القادمة) لم ينشروها.
وفي القاهرة عُقد المؤتمر العام الخامس «للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية» خلال الفترة (19 ـ 21/01/93)، وقد شارك في المؤتمر وفود من حوالي مائة دولة بما فيهم 35 وزيراً للأوقاف ورجال الفتوى والعلماء. وكان أبرز موضوع في المناقشات هو «التطرف أو الإرهاب الذي تمارسه الحركات الإسلامية». أي هو الموضوع نفسه الذي ناقشه وزراء الداخلية.
وزراء الداخلية يتصدون (للإهاب الإسلامي!) بالعقوبة. أما وزراء الأوقاف والمفُتون والعلماء أي فيتصدون (للإهاب الإسلامي!) بالتوجيه والتفهيم والموعظة والإقناع!
وفي بعض جلسات مجلس الشعب (النواب) المصري حمّل النواب كل المسؤولية للأوقاف والأزهر وعلماء الأزهر. إذ كيف تستطيع مجموعات من الشباب الصغار الذين لم يدرسوا الشريعة، ولم يتخصصوا في علوم الدين، وليسوا موظفين يتقاضون رواتب ولا متفرغين للوعظ، وليسوا مدعومين من الدولة أو وسائل الإعلام، كيف يستطيع هؤلاء أن يؤثروا في طلاب الجامعات وفي الرأي العام، وكيف يستطيعون إقناع الناس أنهم على حق وأن الدولة على باطل، في حين أن الأوقاف والأزهر والعلماء بما لديهم من العلم والإعلام والرواتب ودعم السلطة… عاجزون عن التأثير والتفهيم والإقناع؟.
ونريد نحن هنا أن نقدم خدمة لهؤلاء النواب ومن يهمهم الأمر من الحكام والعلماء والعلمانيين ونبيّن لهم أن القضية الظالمة المفضوحة لن تربح ولو وكلت بها أقدر المحامين، وأن القضية العادلة الواضحة ستربح ولو كانت بدون محامين.
وزراء الداخلية العرب حاولوا أن يصوروا الحركات الإسلامية التي تدعو إلى إلغاء أنظمة الكفر وإلى الحكم بما أنزل الله بأنها متطرفة وإرهابية. وجاء العلماء والمُفتون ليصادقوا على زعم وزراء الداخلية. العلماء يعرفون أنهم يدافعون عن قضية ظالمة وخاسرة، وبذلك يخسرون احترامهم عند الناس ويسخطون عليهم ربهم فيكونون كمن باع دينه بدنيا غيره.
معلوم من الدين بالضرورة أن الربا حرام، وأن الخمور حرام، وأن الميسر حرام، وأن كشف العورات حرام، وأن الارتداد عن الإسلام حرام، وأن نشر أفكار الإلحاد والإباحية حرام، وأن تعطيل الحدود الشرعية حرام، وتعطيل أحكام الشريعة الإسلامية حرام، وتعطيل الجهاد حرام، والحكم بغير ما أنزل الله حرام، وتمزيق بلاد المسلمين حرام، وموالاة الكفار دون المسلمين حرام…
وكل هذه الأمور موجودة علناً جهاراً نهاراً، وهل يستطيع عالم أن يقول للناس: كَذِّبوا حواسَّكم فأمور الدين على خير ما يُرام، وحكامكم يطبقون الشريعة على أحسن وجه؟ لا يستطيع، وإذا قالها فهو مُتَّهَمٌ، وقولُه مردود.
لماذا الجهاد معطلٌ الآن؟ أليست فلسطين مغتصبة، وأهلها مشردون، وكلَّ يوم يعتدي اليهود على من بقي منهم؟
أليس أهل البوسنة يستصرخون ويستغيثون والكفار يمعنون فيهم قتلاً وتدميراً وتهجيراً؟
ونساء البوسنة يُعتدى على أعراضهن ويغتصبهنّ الكفار… ثلاثون ألفاً، خمسون ألفاً، ستون ألفاً من النساء المسلمات يحبسهنّ الصرب للزنا بهنّ. وحولهن خمسون بلداً إسلامياً يحكمها خمسون حاكماً وفيها ألف مليون من المسلمين، وكلهم يرون ويسمعون ولا تتحرك عندهم نخوة!
ويجتمع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ويكتفي بإبداء الأسف والعتب لأن العالم لم يتحرك ولأن الأمم المتحدة لا تتدخل! أي عالم وأية أمم؟ إذا كنتم أنتم أيها العلماء لم تتحركوا، وأنتم جئتم من مائة دولة، يحكمها مائة حاكم، من بينها خمسون دولة تزعم أنها إسلامية. بدل أن تبدوا أسفكم يمكنكم أن تضغطوا على حكامكم: إما أن يعتدلوا وإما أن يعتزلوا. يمكنكم أن تحرضوا شعوبكم لتضغط معكم على هؤلاء الحكام الذين أشبعونا ذلاً ومهانة وانتهاك أعراض. فإذا فعلتم هذا، وهو ما يوجبه عليكم الدين والحق والكرامة، إذا فعلتم ذلك فسيتهمكم الحكام بالتطرف والإرهاب.
ولو كنتم حقاً من العلماء لوقفتم مع الحق ضد الباطل ولأخلصتم النصح الصريح لحكامكم بدل الخوف والتملق. ونحن لم نقطع الأمل منكم. فاتقوا الله واصدعوا بالحق وكونوا مع الصادقين.
1993-01-08