سؤال وجواب
1992/08/01م
المقالات
1,867 زيارة
السؤال:
بمناسبة الانتخابات النيابية في لبنان هناك من يقترح جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، واتفاق الطائف (دستور لبنان الجديد) قرر المحافظة، والدستور السابق كان يعتبر القضاء دائرة انتخابية. فهل هذا الأمر من المباحات التي تركها الشرع للناس ينظمونها حسب رغبتهم، أو أن هناك أحكاماً شرعية تنظم هذا الأمر؟
الجواب:
عملية الانتخاب هي توكيل، أي هي عقد فيه إيجاب وقبول: إيجاب من قِبَلِ المرشح الذي يطلب من الناس انتخابه أي توكيله عنهم، وقَبول ممن ينتخبه أي يوكله. وفي حالة الانتخابات النيابية الوكالة المعطاة هي وكالة في الرأي وهي وكالة خاصة.
والوكالة من الأحكام الشرعية فلها أركان ولها شروط. وأركانها أربعة: الموكِّل، والموكَّل، والموكّل فيه، والصيغة (أي نص التوكيل). وكل منها له شروط. وما يهمنا الآن أمران: الأول هو الوارد في السؤال أي مدى سعة الدائرة وضيقها. الثاني هو مدى مشروعية الانتخاب النيابي في دار الكفر.
أما الأول، أي الدائرة الانتخابية فالبحث لا يتركز على كبرها أو صغرها، بل يتركز على صحة التوكيل وصدق التمثيل. بما أن الانتخاب توكيل في الرأي إذاً يجب أن يتسنى للمرء أن يوكل عنه الشخص الذي يختاره هو، وبناء على هذا يجري تقسيم المناطق.
الذين عدّلوا القانون وجعلوا المحافظة بدل القضاء كان يسيطر في أذهانهم ليس صحة التوكيل وصدق التمثيل بل كانوا يهدفون إلى جعل الطوائف والمناطق تنصهر مع بعضها. فهم أرادوا أن يجعلوا من عملية الانتخاب وسيلة لتقريب الطوائف من بعضها وصهرها فيما بينهما. وقد يكون هذا الغرض جيداً ولكنه مسألة أخرى غير صحة التوكيل. والذي يريد أن يصهر الناس عليه أن لا يقوم بهذه العملية على حساب صحة التمثيل. وهذا ما جعل وليد جنبلاط مثلاً يرفض الانتخابات على أساس المحافظة وأصرّ على القضاء، لأنها لو أجريت على أساس المحافظة فإن عدد النصارى في محافظة جبل لبنان حوالي ثلاثة أضعاف عدد الدروز، وهذا يعني أن النصارى هم الذي سيختارون نواب الدورز، أي أن الدور لا يستطيعون أن يوصلوا إلى المجلس من يختارون لتمثيلهم. وهكذا فإن الفئة الأكثر عدداً ستتحكم في كل محافظة باختيار نوابها ونواب الفئات الأقل عدداً. وهذا طعنة لصحة التوكيل وصدق التمثيل، والذين يقولون بجعل لبنان كله دائرة واحدة يريدون معالجة مرض معيّن على حساب التمثيل والتوكيل الحقيقي.
إذاً كانت هناك أمراض يراد علاجها فلا بأس ولكن ليس على حساب صحة الانتخاب، ولا على حساب اطمئنان المرء أنه أتيح له أن يوكل عنه من يشاء.
في بيعة العقبة قال الرسول صلى الله عليه وسلم للأوس والخزرج: «أخرجوا لي من بينكم اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم بما فيهم كفلاء» أي طلب منهم أن يختاروا هم ممثليهم. وجين كان صلى الله عليه وسلم يستشير ليقف على رأي مختلف فئات المسلمين كان يعرف وجهاء كل فئة الذين يكون بقية الناس تبعاً لهم في الرأي وكان يستشيرهم، وهؤلاء هم أهل الحل والعقد الذين إذا اجتمعت كلمتهم اجتمعت كلمة الأمة.
إذاً عندما تريد انتخاب مجلس للشورى لا بد أن يكون فيه ممثلون لجميع الفئات، وكل فئة تختار ممثليها بملء حريتها. وقانون الانتخاب لا بد أن يلحظ عند تقسيم الدوائر الانتخابية هذا الأمر. ولا يجوز إهمال هذا الأمر وتضييعه من أجل علاج أمراض معينة. فالأمراض تعالج ليس على حساب صحة التوكيل والتمثيل.
وأما الأمر الثاني وهو مدى مشروعية اشتراك المسلم في الانتخابات النيابية في دار الكفر، فإننا نعود إلى مسألة التوكيل وشروطها الشرعية. الركن الثالث من أركان الوكالة هو الموكَّل فيه (أي موضوع الوكالة). هذا الموضوع هو عضوية مجلس النواب بما له من صلاحيات وما عليه من واجبات حسب قوانين البلد. عضو مجلس النواب يشارك في سن التشريع، ويشارك في انتخاب رئيس الجمهورية، ويشارك في منح الحكومة الثقة، ويشارك في المصادقة على المعاهدات والاتفاقات والمشاريع، وله حق محاسبة ونقد الأعمال والقوانين والأوضاع.
الأعمال الأولى كلها حرام أن يقوم بها المسلم، إذاً حرام عليه أن يوكل غيره أن يقوم بها نيابة عنه. التشريع الذي يُسَنْ في دار الكفر ليس مأخوذاً من كتاب الله وسنة رسوله فيحرم على المسلم الاشتراك فيه. وكذلك يحرم على المسلم أن ينتخب رئيساً فاسقاً أو كافراً ويحرم عليه أن يمنح الثقة لحكومة تحكم بأنظمة الكفر أو يصادق على أي شيء مخالف للإسلام. ولا يحل للمسلم من أعمال مجلس النواب إلا المحاسبة والعمل على كشف عيوب النظام لهدمه وإحلال نظام الإسلام مكانه.
فمن البديهي أنه يحرم على المسلم أن يوكل عنه نائباً كافراً أو فاسقاً وإذا وكّل عنه نائباً مسلماً تقياً عليه أن يتأكد إذا كان هذا المسلم تقياً فعلاً، عليه أن يتأكد منه أنه لن يشارك في الحكم ولا أي عمل مما ذكرناه أعلاه. لأن النائب حين يمارس صلاحيات مجلس النواب وينغمس في نظام الكفر فإن الذين انتخبوه ووكلوه يتحملون الأوزار التي يتحملها
1992-08-01