بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [سورة التوبة: 38 – 40]
الآيتان الأوليان تتعلقان بالنفير للخروج إلى غزوة تَبُوك… والآية الثالثة تتعلق بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بصحبة أبي بكر رضي الله عنه من مكة إلى المدينة وهي نزلت مع آيات تبوك.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ) فيه عتاب من الله لمن تخلّف عن رسول الله في غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر وحَمَارّةِ القيظ. والتثاقل إلى الأرض هو التكاسل والميل إلى الراحة. وهذا يرينا أن المؤمنين قد ينحرفون ويميلون عن الصراط السوي.
(أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ) أي فضلتم نعيم الدنيا على نعيم الآخرة.
(فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) يبيّن الله سبحانه قيمة الحياة الدنيا وأنها زهيدة حين تقارن بالحياة الآخرة. روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليوم فلينظر بما ترجع؟» وأشار بالسبابة.
(إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً) أي يعذبهم في الدنيا أولاً بتسلط عدوهم عليهم وفي الآخرة لمخالفتهم أمر ربهم ونبيهم. وهذا حين يكون الاستنفار عينياً، أي فرض عين.
(وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) أي لنصرة نبيه وإقامة دينه، كما قال تعالى في سورة القتال: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).
(وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً) أي ولا تضروا الله شيئاً بتخلفكم وتثاقلكم عن الجهاد.
(وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم.
(إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) الخطاب هو استمرار العتاب من الله للمؤمنين الذين تخلفوا يوم تبوك، يقول الله لهم: إذا كنتم تقصّرون في نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الله يستغني عنكم وينصره كما نصره حين الهجرة حين أخرجه الذين كفرو.
(ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) في هذه الحالة لم ين له جيش يحميه من الكفار ولم يكن معه إلا صاحبه أبو بكر الذي خاف حين رأى الكفار عند باب الغار يبحثون عن الرسول صلى الله عليه وسلم. ويطمئنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تحزن إن الله معنا».
(فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا) والضمير في (عليه) يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد يعود على صاحبه لأن الذي كان بحاجة إلى السكينة ليس النبي بل صاحبه. والضمير في (أيّده) يعود على الرسول صلى الله عليه وسلم. ويصح العطف لغة مع اختلاف الضمير كما هو الحال في قوله تعالى: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) فالضمير في (دنا) و(تدلى) و(كان) يعود على جبريل عليه السلام، والضمير في (أوحى) و(عبده) يعود على الله سبحانه وتعالى.
(وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى) كلمة الذين كفروا هي الشرك حسب تفسير ابن عباس، وتشمل كل كفر.
(وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا) كلمة الله هي: لا إله إلا الله: قاله ابن عباس، وتشمل كل الدين الإسلامي.
(وَاللّهُ عَزِيزٌ) أي في انتقامه وانتصاره، لا يضام من لاذ به.
(حَكِيمٌ) في أقواله وأفعاله