تركي بن عبدالعزيز السعودي يغرّد خارج سربه
1992/07/31م
المقالات
1,667 زيارة
بتاريخ 24/04/92 نشرت صحيفة “العرب” الصادرة في لندن تصريحات للأمير تركي بن عبدالعزيز تلقتها منه بالتلفون. وقد نقلت صحف كثيرة هذه التصريحات لأنها لم تتعود سماع مثل هذا الكلام من مثل هذه الأسرة (الأسرة السعودية الحاكمة). ونحن بدورنا ننقل جانباً من تصريحاته دون أن نفتش عن أسباب خفية دفعته للتصريح، ونفترض أن الأسباب التي ذكرها هي الأسباب الحقيقية. وهو يهاجم حكام العرب جميعاً، ويهاجم بشكل خاص إخوانه حكام السعودية فيقول: «على من يريد البقاء (أي في الحكم) أن يصحح وضعه بالنسبة للأمة، أن يكون خادمها وليس المتسلط عليها. وإذا لم يفعل فحكم التاريخ صارم، وها قد تحركت عجلاته بأحداثه المتسارعة. وهذه الحركة لن تكون لصالح من يقفون فوق القضبان. فالتغيير يجب أن يكون فورياً وبالحجم الكافي وليس أقل من المطلوب، ولا بعد فوات الوقت كما هي العادة».
فإذا كانت تقوى الأمير تركي قد استيقظت، وإذا كانت غضبته لله ولرسوله ولكتابه ولكرامة العباد والبلاد فإنه سيستمر ولن يكتفي بتصريحات في صحيفة بل سيعمل من أجل التغيير الجذري وليس الترقيع الإصلاحي الجزئي. وليس من تغيير جذري يوحد أقطار الأمة الإسلامية ويرفع معنويات المسلمين إلى مستوى “النصر أو الشهادة” ليس من تغيير جذري يوجد ذلك إلا هدم هذه الأنظمة الكرتونية العميلة وإقامة دولة الخلافة الإسلامية الراشدة.
وفيما يلي كلام الأمير مع صحيفة “العرب”:
من أين تبدأ يا صاحب السمو، والموضوع متعدد الرؤوس وصمتكم طال والأحداث متلاحقة؟
¡ نبدأ من حيث النقطة التي نقف فيها حالياً، ليس لأن ما قبلها غير مهم، ولكن لكون الأمور تصاعدت حتى بلغت حداً لا يطاق، لا يمكن قبوله. وهذا ما دفعني للحديث والخروج على الموقف الذي ألزمت به نفسي.. اليوم تهان العروبة علناً، وكل العرب لا يتحركون، اليوم يعامل الإسلام كسُبّة يستحق المسلم من أجلها العقاب كمجرم أو مجنون.. وكأن هذه الأمة سلبت أعز خواصها وهو كبرياء الإيمان، وأنها خير أمة أخرجت للناس.
لذلك فإن الصمت لا يجوز.. إنه قبول بما لا يمكن قبوله، أن تهان رجولتنا ثم نقبل الحياة.
إن ما يحدث في ليبيا ولشعبها العربي المسلم وصل إلى الحد الذي يجعل السكوت خيانة..
بدأ المسلسل باتهام ظالم، وبلا أدلة، ثم أقام الخصم محكمة تولى فيها دور القاضي، وأعطى لنفسه حق تنفيذ هذا الحكم.. فأين يريدون الوصول بنا؟؟
وأي عالم هذا الذي يتصدون لتنظيمه، والذي اختارنا لنكون الأمثولة!! رأس الذئب الطائر، يخيفون الآخرين بما يفعلونه بنا..
إن قراراً مجنوناً قد صدر باعتبار كل عربي إرهابياً يجب مصادرة حريته وإنهاء حياته، وكل مسلم يمثل خطراً على الإنسانية يجب التخلص منه.
كيف يجيز النظام العالمي للولايات المتحدة أن تقوم بدور الشرطي والقاضي والجلاد، وتفرض هذا على المنظمات الدولية، تحولها من ساحات لإعلان الحقوق إلى أدوات لتنفيذ مخططاتها اللاانسانية؟
وإذا كان هذا هو واقع العالم بعد أن استفردت به قوة غاشمة.. فكيف نقبل به كأمة؟
كيف نترك شعب ليبيا يواجه هذا البلاد وحده.. هل ليبيا بعيدة لهذا الحد عن الرباط ودمشق والقاهرة والرياض؟؟
هل المواطن الليبي الذي تطلب أميركا القبض عليه وحمله مكبلاً ليحاكم في واشنطن، أقل قدراً من أي مواطن سعودي أو يمني أو شامي؟؟ إن السيادة كل لا يتجزأ والعروبة بكل ما تعنيه تاريخاً وتراثاً تجعل كرامة أي عربي هي كرامتي وكرامتك.. فلم الصمت؟؟ إن القيادة العربية هي التي فرضته.. وهي المطالبة بأن تتحرك ليس دفاعاً عن ليبيا، بل دفاعاً عن بقائها، فما يدور حالياً هو عملية تجريب سوف تعمم بعد تعمم بعد ذلك لتصبح سابقة معمولاً بها، فسيصبح من حق الـ F.B.I إلقاء القبض على أي عربي في عقر داره.. وعندما أقول أي عربي لا أستثني أي حاكم عربي، فالحكام ليسوا استثناء وقد حوكم ماركوس واميلده، وبعدهم يحاكم نوريجا.. والتنازل يبدأ بخطوة.
هذا المنطق يا سمو الأمير مخالف للمناخ العربي السائد، فالكل يقول يا رب نفسي؟
¡ إذن فلسنا عرباً، ولا نستحق أن ننعم بالانتماء للإسلام.. وهذا غير صحيح فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «الخير باق في أمتي إلى يوم الدين».
فإذا كان المناخ العربي السائد يمنع الأنظمة من الوقوف وقفة عربية إسلامية صحيحة، فإن هذا يلقي العبء على المنظمات الشعبية وعلى الأفراد في كل المواقع.. فالخطر فادح وكلنا مهددون حتى على مستوى الشخص.. ليتكلم كل من التزم الصمت، وليتقدم كل من أحجم أو تردد.. هكذا أمرنا، وعلى هذا تربينا، إن رصيد هذه الأمة لم ولن ينفذ.. التاريخ يقول ذلك، والقول بغيره قصر نظر.. إننا على مشارف إحدى نقاط التاريخ الفاصلة.
والأمم المتحدة وقراراتها، والإرادة الدولية التي يتحدثون عنها؟
¡ أي أمم متحدة وأي إرادة دولية؟؟ أين هذه الأمم المتحدة بمجلس أمنها ومختلف منظماتها عن عشرات القرارات والإدانات الصادرة بحق الكيان الصهيوني.. لماذا اختارت هذه الهياكل الحق العربي والكرامة العربية لتدوس فوقها، والإنسان العربي كي تدينه وتذله؟؟
إنها بهذا الموقف الازدواجي نزعت عن نفسها الشريعة، بابتعادها عن المساواة بين البشر أصبحت فوراً أحد أدوات الظلم، أدانت نفسها ولا يصح الالتزام بقراراتها.. يكفي لذلك أن أمينها العام الجديد، يعلن على العالم بأن قرارات منظمته لا تلزم إسرائيل!!! فهل نطالب بعد ذلك أنفسنا بالالتزام بها..
وما هو الحل؟؟
¡ للأسف ليس هناك خيارات أمامنا.. فأما أن نقبل مسؤولية الحياة ومواجهتها وتحملها. أو نقبل الذبح منكفئين تحت أقدام أعدائنا.. وأنا واثق بأن خيارنا سيكون خيار المؤمنين، خياراً عربياً نؤكد به حقنا في الحياة بِنِدِّية مع الآخرين لا ظالمين ولا مظلومين، إن الضغط وصل لمرحلة لا مزيد عليها والتراجع وصل بنا لحافة الهاوية، والألم العظيم الراهن هو بشارة ميلاد جديد.. وعلى كل أن يقوم بواجبه، لنرفض هذه الاهانات المتوالية وليعلن هذا الرفض بكل الوسائل فردياً وجماعياً، ولا يتأخر أحد عن نداء الحياة بمعناها الإسلامي العادل الكريم.. فالعدو لن يستطيع أن يقهر أمة تنهض بكاملها.. إنه يفتتها ويستفرد بها قطعة قطعة..
هذا هو الأسلوب الصحيح للمواجهة.. فليس هناك قوة على الأرض تتمكن من إبادة مليار مسلم يحيطون بأمة عربية تعدادها مئتا مليون عربي.. لقد رأينا مسلمي الهند يستشهدون أمام سفارة الولايات المتحدة وذلك لمؤازرة إخوانهم في ليبيا، فهزتنا صورة الهندية المسلمة تقاوم وقبضة الشرطي المسلح حول عنها، وقبلها شاهدنا تعاطف الأمة مع إخواننا في العراق.. وهم تحت القصف الوحشي، ورأينا اندفاعها للتخفيف عن أطفالنا في أرضنا المنكوبة.. نحن جسد واحد كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ومصير واحد مهما أرجف المهرطفون.. لنراهن بثقة على هذا ولن يخذلنا الله.. نحن قوة مخيفة أو هذا ما يدركه العالم كله ما عدانا..
هذا هو الحل.
هذا هو الطريق.
وبهذا نكسب على كل الأحوال نصراً أو شهادة..
هل ثمة ما يقال عن صمتكم بالأمس، وكلامكم اليوم؟
¡ شتان بين الأمس واليوم.. السكوت كان أصعب كثيراً من الكلام.. لقد طولبت بحكم الولاء والأسرة والعشيرة والمصلحة.. أن أتكلم بغير ما أؤمن به فرفضت. وقلت إذا تكلمت فلن يكون كلامي بصالح الخطأ فساعدوني على الصمت حتى لا أخرج على وقاعد التزمتُ بها وخرجتم عليها، فوافقوا بداية. ولكنهم عادوا يضغطون لأن صمتي فُسِّر ضدهم، ولكني لم أستجب. وهنا فُتحتْ عليّ جبهات غير مباشرة، وبأساليب خارجة على مسلكياتنا. فصمدت لها محتملاً كل عبئها النفسي الباهظ. وكنت أميناً بالتزام خط الصمت بكل تفسيراته ومضاعفاته حتى تبين لي أن المسألة متصاعدة ونقطة الزيت تتسع من خليج العرب إلى بقية أمة العرب. وأنها تتخطى الأمر الشخصي والروابط الأسرية لتصبح خطراً واضحاً على كل ما نؤمن به ونحبه وتعلمنا أن نموت من أجله.. لذلك أتكلم دفاعاً عن القيم التي بدونها لا بقاء لأحد ولا لأسرة أو بلد.. (فبلا عروبة ولا إسلام)، ما هي قيمة أن تكون؟
مجرد أجراء نحرس مصالح الغير في أراضينا ضد إيماننا وعلى أشلاء كبريائنا.. هل لهذا حارب الأجداد واستشهد الرجال، وانبعثت الرسالة؟؟
أنا واحد من جنود هذه الأمة أضع نفسي في الصف مدافعاً عن مصيري المندمج في مصيرها.. المؤامرة لم تعد تحتمل الحسابات الخاصة هذا هو الواقع. فلم تعد لي أي ذريعة في الابتعاد في هذه المرحلة.. وأقصد بالابتعاد هنا الابتعاد عن دور أصبح القيام به فرض عين على كل مسلم ومسلمة مهما كانت الظروف والملابسات.
من أين نبدأ؟
¡ ليفصح كل عن رأيه، ومن موقعه.. ليكون هذا الإعلام هو الخطوة الأولى لتشكيل رأي عام يدافع عن الأساسيات التي هدمت، والقيم التي دنست، والمقدسات التي ديست. لنعلن عن عدم موافقتنا وعن غضبنا حتى يدرك الآخرون أننا لم نمت بعد، وأن الرعب لم يشل تفكيرنا، وأننا نرفض العيش وفق المواصفات التي وضعوها لنا.. هذه هي النقطة التي يلتقي عندها أي عربي وكل مسلم، لا نستثني أحداً..
ردود الفعل التي يخوفون الناس بها؟
¡ عندما تصل الأمور للحد الذي وصلنا له.. عندما يصبح الموت حياة والحياة أكثر مرارة من الموت فلا كلام هنا عن ردود فعل يخاف منها الناس.. هل ننتظر حتى يفرض علينا ذل العبودية في مملكة صهيون؟؟ بعض الأصوات تعلو مرحبة بذلك ومبشرة به.. ولكنها لن تجرؤ إذا ارتفع الصوت الحقيقي للأغلبية الصامتة، والمنطوية على الإيمان بعزتها وكرامتها ودورها الذي خصها به الله تعالى.. هذه الشرارة لم تزل موجودة في كل قلب، وهذا ما يجعل المؤمن متفائلاً.. واثقاً بنصر الله في كل الظروف.. إننا أمة محصنة ضد اليأس، وإلا لما تحملنا البقاء في حالة حرب استمرت قرابة عشرة قرون..
هل هناك مؤشرات يستند إليها هذا التفاؤل؟
¡ هياج الأعداء حولنا يعني أننا ما زلنا مصدر قلق وهذا يتنافى وما يقوله المنادون بأن الأمة ماتت.. عودة الشارع إلى الإسلام إشارة على التوجه الجديد، ما حدث في الجزائر من فعل ورد فعل هو علامة حياة.. استمرار مقاومة أبطالنا في فلسطين علامة لا يمكن تجاهلها.. ما يحدث داخل الأنظمة نفسها يشي باقتراب التغيير. الانتصار الأفغاني دليل إمكانيات مستقبلية رغم كل شيء.. طعم الإسلام الزاحف وتحمس الجماهير العائدة لساحته في الجمهوريات الإسلامية الجديدة التي ظهرت بعد سقوط النظام السوفياتي، المقاومة العنيدة للمسلمين في الفلبين وبورما وجنوبي وشرقي آسيا، معالم الحزام الإسلامي حول وسط أفريقيا وما يتشكل داخلة من احتمالات، الغضب العاصف داخل ليبيا وحولها ضد المؤامرة الراهنة..
كل هذه حقائق مخيفة لأعداء الأمة، ولكن حزب القابلين للهزيمة يحاولون طمسها، والتهوين من أمرها، والدعاية للاستسلام والتسليم بالأمر الواقع، وقبول شروط تتنافى مع كرامة الإسلام وعزة العروبة.. وهذا الذي يحدث، لقد فشلوا حيث ظنوا أنهم أحرزوا النصر النهائي، وأن ضوءاً متعاظماً بدأ بزوغه في قلب هذه الظلمة.. ضوء حقيقي وليس مجرد وهم.
قوى جديدة صاعدة والظروف الدولية المتخالفة ضدنا؟
¡ حتى هنا هناك عوامل جديدة تتولد بين ركام الزلزال الذي أحدثه سقوط العالم الشيوعي. وقد تكلمنا عن النزعة الإسلامية الواضحة للجمهوريات الإسلامية الجديدة ولكن هناك ما هو أهم.. أن أميركا تريد مصادرة كل ثروات الأراضي لتعويض خسائرها الاقتصادية. ولتغطية ديونها المخيفة، وقد عمدت لمصادرة النفط العربي كخطوة أولى عقب مؤامرة حرب الكويت، ولكن هناك قوى عملاقة ستضار من جراء هذه السياسة. هناك اليابان التي تستورد 85% من احتياجاتها النفطية من الخليج العربي، واليابان لا يسعدها هذا الواقع الجديد الذي يجعل بقاءها رهناً برضى واشنطن.. وهي تتصرف حالياً بروح تختلف عن روح البلد المهزوم المضروب القنابل النووية.. إنها تطالب بدور الشريك الكامل والمتفوق. وهناك ألمانيا التي تعتمد على النفط الليبي الذي يغطي 80% من احتياجاتها للطاقة، وألمانيا هذه قفزت فوق سور برلين وحفظت وحدتها وأصبحت دولة الثمانين مليون وعملاق أوروبا الصناعي الاقتصادي بلا منازع، ولا شك أن ما يدور في أرض ليبيا يستهدف الضغط عليها، ولكنها لم تعد ذلك الكيان الذي خرج مكسوراً في حربين عالميتين، وسياستها الحالية تتسم بالاستقلالية القومية التي تدافع عن مصالحها بأسلوب مهذب.. لكنه حاسم، ولذلك رفضت تطوير مقاطعة ليبيا لتشمل النفط، واضطرت الآخرين – بما فيهم أميركا – بتخفيض هجمتها.
وهناك السوق الأوروبية المشتركة، التي ورغم كل شيء تتمخض عن مصالح حيوية لها في السوق العربية. التي تعتبرها الحديقة الخلفية للبيت الأوروبي – والنفط العربي الذي بنت عليه نهضتها بعد الحرب. هذه الكتلة الكبيرة لا يمكن أن تسلم قيادها للشرطي الأميركي، الطامع في كل شيء.
كل هذه قوى كبيرة في دور التكوين، وهي دون شك ستدخل المعادلة. وتخلق توازناً عالمياً جديداً يمكننا لو أردنا أن نحتل موقعاً كريماً فيه فلا نرتهن للخيار الأميركي الوحيد – كما نفعل حالياً – كل المطلوب هو فتح الباب للشعوب العربية للتعبير عن إرادتها الحقيقية والدفاع عن حقها في الحرية، وتوجيه ثرواتها لصالحها. فإذا أصر البعض غباءاً أو جبناً على مصادرة هذا الحق فإنه سيخسر كل مقومات النصرة: العقيدة الأسمى، والشعب الكبير القادر، والثروات الغير محدودة، والأراضي الواسعة. ولكن القادة أهدروا كل تلك الطاقات. لذا فعليهم أن يتغيروا أو يرحلوا.. وفق القانون الأزلي الثابت: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)..
وها قد اقتربت ساعة التغيير
1992-07-31