هناك من يرى أن أميركا أرادت أن تهزّ العصا لإسرائيل وتذكرها بوجود وسائل ضغط (منها القرار 194 والقرار 237) وأنها ستلجأ إلى هذه الوسائل إذا استمرت إسرائيل في المماطلة والعناد.
وهناك من يرى أن المسافة لا تعدو أن تكون عثرة في التصريح أو زلّة لسان أثارت زوبعة في فنجان ما لبثت أن تلاشت.
وإذا أردنا فهم المسألة التي بدأت في 12/05/92 عشية انعقاد المباحثات المتعددة للجنة اللاجئين في أوتاوا في 13/05/92 وانتهت 18/05/92، إذا أردنا فهمها فما علينا إلا أن نعرض مسلسلها على مدى الأسبوع الذي استمرت خلاله.
لم تبادر أميركا بإثارة القرار 194 بل الذي حصل هو أن أوساط المؤيدين لإسرائيل هم الذين ألـحّوا على الناطقة باسم الخارجية (تاتوايلر) أن تعطي رأياً في شأن هذا القرار بمناسبة انعقاد لجنة اللاجئين، وكانت تاتوايلر تتجنب الإجابة لأكثر من أسبوع. وأخيراً في 12/5 قالت بأنها تؤيده وامتنعت عن الدخول في أية تفاصيل، وقالت بأن التفاصيل من اختصاص المتفاوضين ويفضل تركها للنهاية.
وما أن قالت تاتوايلر بأن أميركا تؤيد القرار 194 حتى تحركت سفارة إسرائيل في واشنطن، وتحرك رئيس الوزراء شامير، وتحرك وزير الخارجية ليفي، وتحرك حزب العمل وأصدر بياناً، وتحرك كثير من اليهود والمتعاطفين معهم، وكلهم رفضوا بشكل قاطع القرار 194 وهاجموا أميركا وقالوا بأن حق العودة إلى فلسطين هو لليهود فقط.
وفي اليوم التالي، أي 13/05/92 استغربت الخارجية الأميركية الحملة اليهودية، وقالت تاتوايلر بأن طرح القرار لم يكن بياناً أميركياً بل كان مجرد جواب على سؤال سائل، وهو مثل القرار 237 الذي يدعو إلى حسن المعاملة لسكان الأرض المحتلة ويدعو إلى تسهيل عودة الذين خرجوا.
وقد طلب شامير توضيحاً رسمياً لكلام تاتوايلر ليعرف هل هو زلّة لسان أو أنه موقف جديد في السياسة الأميركية.
وفي 16/05/92 قرأ شوفال سفير إسرائيل في واشنطن بأنه تلقى تطمينات من الخارجية الأميركية بأن الولايات المتحدة لا تؤيد حق العودة (للفلسطينيين). ويبدو أن هذه التطمينات لم تُرض شامير.
وفي يوم الاثنين 18/05/92 قرأت تاتوايلر بياناً بأن المسائل المتعلقة بعملية السلام هي في غاية الدقة ويمكن تشويهها بسهولة. وقالت المهم هو “عملية المفاوضات المباشرة” بين الأطراف العربية والإسرائيلية نفسها. “وهذان القراران 242 و 338” وليس القرارات الأخرى الكثيرة التي صوتت عليها الأمم المتحدة عبر السنين يشكلان الشروط والقواعد المتفق عليها لعملية السلام، وأوضحت أنها لن ترد بعد الآن عن الأسئلة حول هذا الموضوع.
وأصدر ليفي وزير خارجية إسرائيل بياناً يرحب فيه ببيان الخارجية الأميركية الأخير وقال: “إن إسرائيل حصلت على الإيضاحات المطلوبة”.
إن متابعة هذا الشريط الذي استمر أسبوعاً تُرى أن إسرائيل هي التي أثارت القرار 194 عن طريق مؤيديها الذين أصروا في الإلحاح لمعرفة رأي أميركا في القرار. وتورطت الخارجية الأميركية في الإجابة وتلقف اليهود هذه العثرة الأميركية واستغلوها للحصول على بيان أميركا رسمي بإغفال جميع قرارات الأمم المتحدة والاقتصار على قراري 242 و 338.
فهل يتدبّر ذلك قادة العرب وقادة الفلسطينيين الذين سَكِروا فرحاً من مجرد ذكر القرار 194.