الموقف الأميركي وأزمة الوحدة اليمنية
1994/12/31م
المقالات
1,959 زيارة
أحمد علي الجهراني
الموقف الأميركي كان مثل جدل واجتهاد من قبل المحللين السياسيين وعامة الشعب، بالذات وأن خبرة الشعب اليمني بالموقف الأميركي تجاه ثورة 26 سبتمبر كان مهزوزاً لسبب أن الموقف الأميركي تجاه ثورة سبتمبر كان يثير التساؤل والاستغراب.
حيث كانت أميركا من أوائل الدول التي اعترفت بالنظام الجمهوري بتاريخ 19 ديسمبر 62م حتى قبل قبول الجمعية العامة للأمم المتحدة أوراق اعتماد مندوب ثورة سبتمبر من قبل قائدها المشير المرحوم عبد الله السلال، في حين كانت أميركا تمارس دوراً آخر في دعم (الثورة المضادة) الملكيين بالمال والسلاح والمرتزقة متعددي الجنسية.
وهذه النقلة السياسية الأميركية من الموقف (المزدوج) من ثورة سبتمبر إلى الموقف (الصريح) من أزمة الوحدة اليمنية، ملف للنظر بالذات وأن ثورة سبتمبر اتبعت نظاماً جمهورياً كان يعتبر أول نظام جمهوري في أنظمة شبه الجزيرة العربية.
وقد ظهر الموقف الأميركي (الصريح) تجاه أزمة الوحدة اليمنية في البيان الأميركي بهذا الخصوص.
البيان الأميركي:
قامت الولايات المتحدة الأميركية بإصدار بيان من وزارة خارجيتها حول أزمة الوحدة اليمنية بتاريخ 10/11/93م.
وبهذا البيان أصبحت أميركا أول دولة من دول العالم تصدر بياناً رسمياً عن أزمة الوحدة اليمنية.. وهذه الزيادة لها مدلولات سياسية على مستوى العلاقات الدولية، بالذات وأنه توالت بيانات مؤيدة للوحدة الديمقراطية في اليمن إبتداءاً من:
1) بيان الخارجية الأميركية بتاريخ 10/11/93م.
2) بيان الخارجية الروسية بتاريخ 11/11/93م.
3) البيان الفرنسي بتاريخ 17/11/93م.
4) البيان الياباني بتاريخ 28/11/93م.
5) البيان الإيطالي بتاريخ 29/11/93م.
6) بيان المجموعة الأوروبية بتاريخ 28/11/93م.
7) بيان السفارة الألمانية بصنعاء بتاريخ 18/11/93م.
9) وغير ذلك من البيانات المؤيدة للوحدة والديمقراطية.
ومن النقاط المهمة التي تطرق لها بيان الخارجية الأميركية بهذا الخصوص ما يلي.
1- إن الولايات المتحدة تود أن تطرح وجهة نظرها (بوضوح).
2- اليمن هي أول دولة اتخذت خطوة هامة نحو (الديمقراطية).
3- إن الانتخابات اليمنية هي أول انتخابات تنسجم مع مبادئ نظام التعددية السياسية في (المنطقة)… وشكلت تطوراً في (تاريخ المنطقة).
4- وهي أيضاً انتخابات تنسجم مع مبادئ الولايات المتحدة في دعم الديمقراطية.
5- كما تدعم الولايات المتحدة أيضاً التقدم نحو (مشاركة شعبية أوسع) في الحومة.
6- ودعم الديمقراطية والإصلاح الاقتصادي الذي يؤدي غلى (نظام السوق الحر) في اليمن.
7- لا بد أن يكون هناك (حل سلمي) لكل القضايا السياسية من خلال الحوار بين كل الأطراف المعنية.
8- هذا سيدفع بعملية التقدم في الاستمرار في (بناء المؤسسات ومزيد من الديمقراطية والجهود) وسترحب بها الولايات المتحدة.
وسأترك للقارئ الكريم المتمعن في فقرات هذا البيان وتحليله، بالذات الكلمات التي تعمدت أن نضعها بين قوسين.
بيان المندوب الأميركي في الأمم المتحدة:
تطرق المندوب الأميركي في الجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء كلمته إلى أزمة الوحدة اليمنية في نهاية شهر نوفمبر 93م، بدعوته دول العالم إلى سرعة تقديم المساعدات المالية لليمن، وذلك من أجل إنجاح البرامج الاقتصادية لإرساء الديمقراطية وفي هذه المناسبة جددت أميركا عبر مندوبها دعمها القوى للوحدة والديمقراطية في اليمن.
وهذه الدعوة الأميركية الموجهة إلى جميع دول العالم ومن منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة له دلالة سياسية كبيرة تتمناه أغلب الدول التي تمر بأزمات سياسية، وحتى الدول التي لا تمر بأزمات سياسية.
وأعتقد أن هذا البيان كانت تهدف أميركا من ورائه التأكيد لجميع دول العالم بصفة عامة، ودول معينة، تأييدها الوضاح للوحدة اليمنية لاعتبار ذلك من ثوابت السياسة الأميركية (لخلق نظام دولي جديد)، بالإضافة غلى محاولة إثبات أميركا أن صورتها وسمعتها ومصداقيتها لم تهتز في اختيار أزمة الوحدة والديمقراطية في اليمن بالذات وأن (الديمقراطية) في اليمن كانت (أداة) استعادة الوحدة اليمنية بالإضافة إلى أنها تعتبر (صمام أمان) للوحدة الوطنية اليمنية، أي أن الديمقراطية تعتبر توأم الوحدة وملازمتها، ولا يمكن أن نتحدث عن الديمقراطية في اليمن دون أن نتحدث عن الوحدة، ولا يمكننا أيضاً أن نتحدث عن الوحدة دون أن نتحدث عن الديمقراطية في اليمن.
رسائل الإدارة الأميركية للقيادة:
قامت الإدارة الأميركية بإرسال عدة رسائل إلى جميع أطراف أزمة الوحدة اليمنية سابقاً، كمحاولة منها لتهيئة الأزمة السياسية اليمنية، التي كادت أن تشكل ضرراً في الوحدة والديمقراطية اليمنية. (لا سمح الله).
وقد كانت هذه الرسائل الأميركية تأتي ضمن نشاط الديبلوماسية الأميركية التي كان على رأسها السيد/ آرثر هيوز السفير الأميركي بصنعاء الذي كان ينقل أغلب هذه الرسائل الأميركية إلى القيادة اليمنية.
ومن ضمن هذه الرسائل الأميركية رسالة إلى الأخ الرئيس بتاريخ 20/11/93م. التي نشر فقرات منها في وسائل الإعلام المختلفة حيث تضمنت هذه الرسالة:
1) قلق الولايات المتحدة من استمرار الخلافات السياسية وتأثيرها على مسيرة الاستقرار في اليمن.
2) التأكيد مجدداً أن أميركا تؤيد (تأييداً قوياً) الوحدة والديمقراطية والإصلاح الاقتصادي في بلادنا.
3) حرص الإدارة الأميركية في حل الخلافات السياسية على أساس (الحوار السلمي).
4) وأشارت الرسالة بأن أي فشل لتجربة الوحدة والديمقراطية في اليمن سيكون له نتائج وأبعاد سلبية على المنطقة وعلى الشعب اليمني بوجه خاص.
بالإضافة إلى الرسائل الأميركية، قامت الخارجية الأميركية بإرسال مدير دائرة الجزيرة العربية بوزارة الخارجية الأميركية السيدة مارجريت دين بتاريخ 15/11/93م. بزيارة رسمية لبلادنا. قابلت خلالها شخصيات يمنية مسؤولية في الحكومة والدولة، وقابلت أيضاً مسؤولي الأحزاب السياسية.
وهذا الاهتمام الأميركي على مختلف المستويات له دلالات واضحة جوهرياً التأكيد للجميع أن الوحدة والديمقراطية في اليمن تعتبر من ثوابت السياسية الأميركية.
وفي الأخير:
كان الموقف الأميركي واضحاً ولكن التكتيكات التي اتبعها الأميركان كانت هي السبب في خلق هذه الحيرة والتساؤل، بالذات وأن بعض التصريحات الصادرة من الخارجية الأميركية بخصوص وقف إطلاق النار وانزعاج الأميركان من قصف عدن وضرب الأهداف (المدنية كما جاء في تصريحات الخارجية الأميركية).
واعتقد أن هذه التكتيكات كانت تهدف إلى محاولة الجمع بين المتناقضات في السياسة الأميركية، وذلك من حيث الجمع بين المبادئ والشعارات التي ترفعها وبين الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة (استراتيجية المصالح النفطية) بالذات وأن المبادئ والشعارات التي ترفعها (الديمقراطية وحقوق الإنسان) مرتبطة ارتباطاً قوياً في مصداقيتها لخلق نظام دولي جديد خاصة وأن اليمن تعتبر أول دولة في المنطقة تتبع النظام الديمقراطي والتعددية الحزبية (جوهر الديمقراطية) بالإضافة غلى احترام اليمن لحقوق الإنسان قولاً وعملاً.
وأعتقد أن 7 يوليو 94 (يوم الانتصار للوحدة والديمقراطية اليمنية)، كان يعتبر خطوة نجاح لمصداقية السياسة الأميركية تجاه المبادئ التي ترفعها لخلق نظام دولي جديد.
جريدة «الشورى» اليمنية 04/12/94
1994-12-31