حزب البعث الإسلامي
1995/03/31م
المقالات
1,687 زيارة
دراسة عن الإسلام في دول الكومنولث الروسي
ف. ميكولسكي
«الوعي» يشهد الغرب منذ عام 1991م نشاطاً مكثفاً لمعاهد الأبحاث والكتاب المهتمين بالعالم الإسلامي والراصدين لكل حركة فيه، وتذكر هذه الموجة باهتمام المستشرقين بدراسة أحوال العالم الإسلامي بعد فشل الحملات الصليبية فيه. حتى تمكنوا من وضع الخطط التي يسرت لهم فيما بعد القضاء على الدولة الإسلامية. ودور هذه الدراسات اليوم هو توفير المعلومات اللازمة لوضع الخطط لمنع قيام هذه الدولة مرة أخرى.
و«الوعي» تريد أن تضع بين يدي قرائها نماذج لهذه الكتابات سواء لمقالات أو لكتيبات. ليرى المسلمون كيف ينظر الغرب إليهم. وكيف يسلط الضوء على مجتمعاتهم وعلى ما يقع فيها من أحداث.
ونعرض – على حلقات – ابتداء من هذا العدد كتاب: حزب البعث الإسلامي – دراسة عن الإسلام في دول الكومنولث الروسي والذي كتب عام 1993 من قبل مستشرق روسي.
مقدمة الناشر: يعتبر الاستقلال الذي حصلت عليه البلاد الإسلامية التي كانت خاضعة فيما سبق للاتحاد السوفيتي، بالإضافة إلى المطالبة بالحصول على السيادة من قبل الجمهوريات القومية ذات الطابع الإسلامي الموجودة في روسيا الاتحادية، دافعاً لإعطاء التطورات الدينية والسياسية في هذه المناطق الشرقية قدراً كبيراً من الاهتمام، لقد نقلت أحدث التطورات الأيديولوجية من العالم العربي – قلب العالم الإسلامي – إلى المسلمين المنسيين في الاتحاد السوفيتي المنهار دون أدنى تفحص، واصبح التحول إلى الإسلام في أوساط آسيا، ومناطق أخرى يوازي ما يسمى بـ (الثورة الإسلامية) في الفكر الأصولي.
ولأجل مجابهة مثل هذه التوقعات المستقبلية فإنه لا بد من دراسة وتقييم الحركة الإسلامية في الاتحاد السوفيتي سابقاً. وأمامنا دراسة مستفيضة حول حزب البعث الإسلامي أعدت من قبل مستشرق يقيم في موسكو.
إن هذه الحركة التي تأسست سنة 1990م كمنظمة على المستوى الاتحادي – إذ وجهت خطابها لكافة مسلمي الاتحاد السوفيتي – تعبر عن المنطلق الأهم للتوجهات الأيديولوجية، والتي يمكن وصفها من خلال مصطلح “الأصولية” المختلف عليه، في دول الكومنولث الروسي.
نص الكتاب:
1- البنية التنظيمية والتركيبة القومية الاجتماعية:
على الرغم من أن هذه الدراسة معنية أساساً بأيديولوجية حزب البعث الإسلامي، إلا أنه لا بد لها أن تعرض في البدء لبنيته وتركيبته القومية والاجتماعية.
إن المبادئ التنظيمية للحزب مقررة بصورة واضحة في برنامجه وفي لوائحه، أما تطبيق هذه المبادئ على ارض الواقع فليس بمعروف بالضبط. أيضاً فإن المعلومات الخاصة بالتركيبة القومية والاجتماعية للحزب مبتورة بصورة لا تمكننا إلا من وضع تكهنات، لكنها تستحق الذكر على الرغم من ذلك.
يعرف حزب البعث الإسلامي نفسه في برنامجه بأنه تنظيم ديني وسياسي، وفي لقاء مع الصحفيين الروس الغربيين في 19 مايو 1992 يعرف المتحدث الصحفي للحزب ورئيس مجلس العلماء [ف.ج.سادور] مل الحزب كالآتي: (إنه حزب للإرشاد الديني أكثر منه حزباً سياسياً). إنه أمر نمطي لأناس أمثال سادور أن يعطوا الإرشاد أولوية على العمل السياسي. وفي نداء لمسلمي الاتحاد السوفيتي يصف الحزب نفسه بأنه تنظيم يعم الاتحاد كله – قاصداً الاتحاد السوفيتي الذي كان ما زال قائماً آنذاك – ويسمى نفسه في إحدى اللوائح (تنظيم ديني سياسي للمسلمين في أنحاء الاتحاد).
ينبني حزب البعث الإسلام على وحدات أساسية، مثله في ذلك مثل الحزب الشيوعي سابقاً، والذي أثرت بنيته على هذا الحزب وعلى غيره من التنظيمات السياسية الجديدة في مناطق الاتحاد السوفيتي سابقاً، يرأس كل وحدة من هذه الوحدات الأساسية عارف (أو شيخ) يتم انتخابه، وتشكل مجموعة الوحدات الأساسية داخل منطقة مجلساً للشيوخ (العارفين) الذي يختار سكرتيراً (أميناً) له. أما رأس الحزب فيشغله مجلس الحزب الذي يجب أن يجتمع على الأقل مرة كل سنتين، ويكون لمجلس الحزب صلاحية اتخاذ القرار في حضور ثلثي النواب المختارين على الأقل، وتصدر القرارات بموافقة ثلثي الحاضرين. ولا نجد في لائحة الحزب أي ذكر لكيفية انتخاب مجلس الحزب. تشمل واجبات مجلس الحزب اختيار الأمير، واختيار مجلس العلماء، الذي كون أعضاؤه خبراء في الإسلاميات، ويأتون من تشكيلات الحزب الإقليمية، وفي الحقيقة فإن مجلس العلماء يماثل في بنيته اللجنة المركزية التابعة للحزب الشيوعي السوفيتي. ويتولى مجلس العلماء قيادة الحزب في فترات انتخاب مجلس للحزب، وله حق اختيار الأمير وممثليه، كما له الحق في فصل الأعضاء غير الملائمين من الحزب، وفي إقرار لجنة النظام المنتخبة من قبل الأمير. وتتشكل اللجنة من القطاعات الآتية: الاستعلامات، التعليم، الاقتصاد والمالية، التحرير ونشر المطبوعات، وأخيراً مجموعات العمل (التي لا يعرف بوضوح ماهية مهامها)، وتمثل لجنة المراجعة والمراقبة أحد عناصر بنية الحزب الهامة. يقوم الحزب – حسب اللائحة – بأنشطة تجارية ينشئ لها بنيات اقتصادية ملائمة، ذات هيئة قانونية، وتشمل مصادر تمويل الحزب اشتراكات الأعضاء والتبرعات العامة وأرباح المطبوعات والصدقات وأرباح الأنشطة الاقتصادية.
إن أهم ما تعرض له وثائق الحزب هي مسألة عضوية الحزب، وحسب اللائحة يمكن لكل مسلم أن يكون عضواً في الحزب عند بلوغه سن الخامسة عشر، وهي سن البلوغ في الإسلام (هنالك آراء أخرى تقول إن سن البلوغ هو الثانية عشر)، ولا بد لعضو الحزب من أن يراعي الحلال والحرام في الإسلام وأن يلتزم بمبادئه الأخلاقية، وأن يؤدي ما تنص عليه لوائح الحزب من مطالب. كما يجب عليه أيضاً أن يدعم الحزب مادياً، ولا يوجد تحديد لمقدار التبرع، إلا انه يجب ألا يقل عن روبلين شهرياً (يراعي أن لائحة الحزب وضعت قبل الإصلاحات المالية في الاتحاد السوفيتي). ويفصل العضو من الحزب إذا ثبت أنه عضو في حزب آخر، أو إذا أساء سلوكه إلى صورة الحزب أو إذا عارض مطالب وبرنامج الحزب ولوائحه. في المقابل تضمن اللائحة لكل عضو دعماً مادياً من خلال الحزب وسنداً في حالة الملاحقة غير القانونية، وينظم هذا الضمان علاقة العضو ببيئته، التي يعتبرها مؤسسو الحزب أساساً بيئة معادية، وتمثل الروح العدائية للمحيط الاجتماعي نقطة أساسية في تصورات الحزب الأيديولوجية.
وعلى النقيض من ذلك يعتبر الحزب نفسه عائلة أو مجموعة من الأقارب أو أسرة، لهذا – وفي تصور القيادة – فإن كل عضو محمي من أي ملاحقة داخل الحزب، فالحزب عائلة ليس لها على هذا الأساس أن تؤذي أبناءها، وهي بنفس الدرجة مكلفة بصون أعضائها من المحيط الخارجي العدائي. ولذلك لا نجد في لوائح الحزب أي إشارة إلى صون الأعضاء من الملاحقة داخل الحزب، لاختلاف في الرأي على سبيل المثال، وذلك على خلاف لوائح الحزب الشيوعي السوفيتي، فالظاهر وحسب رأي قيادة الحزب أن هذا الاختلاف في الرأي غير متصور وجوده.
هذا التصور للتنظيم السياسي على أنه عائلة واحدة أو أقارب أو أسرة، يوجد أيضاً لدى التنظيمات السياسية الإسلامية في الشرق الأوسط، ويرتبط بتمسك قوي بالتقاليد في المجتمعات التي ينتشر فيها الإسلام. إنه يحمل بصورة غير واعية أكثر منه بصورة واعية.
تعتبر التشكيلات الإقليمية للحزب على درجة كبيرة من الأهمية، تلك التشكيلات التي تربط الأعضاء في المناطق – السوفيتية سابقاً – ذات الكثافة السكانية المسلمة. كان هناك أساساً ثلاث تشكيلات إقليمية: التشكيل الوسط آسيوي (ذو أغلبية طاجيكية)، والتشكيل الشمال قوقازي (ويلعب فيه الداغستانيون الشيشان والانجوشيون الدور الرئيسي)،وتشكيل الجزء الأوروبي من روسيا وسيبريا (حيث غالبية الأعضاء من التتار). ولم يتم بناء تشكيل مترابط واحد للحزب في وسط آسيا. أساساً يسبب الخلافات بين الطاجيك والترك. إذ لم يرض قادة الطاجيك أن ينضووا في تشكيل حزبي يجمعهم مع أتراك وسط آسيا، ومع الأوزبك بصفة أساسية. ووجدت مع نهاية عام 91 تشكيلات مستقلة في طاجيسكتان وأوزبكستان وبلاد الشركس، كما وجدت في تركمانستان خلية حزبية سرية للغاية ملاحقة من السلطات الحكومية. ولا يوجد في قازاخستان تمثيل للحزب. في حديث له مع المؤلف في يناير 92 قال ممثل الحزب عن طاجيكستان دولت أسمون “إن فرع الحزب الإقليمي سابقاً في الجمهورية أصبح اليوم تنظيماً مستقلاً قائماً بذاته، يسمى [حزب طاجيكستان الإسلامي للبعث]،ولا علاقة له بالحزب الأم على المستوى التنظيمي بالرغم من وجود الاتصال على المستوى الأيديولوجي” وحسب تصريحات أسمون فإن الحزب الأم تشكل بصفة أساسية من أصولي طاجيكستان الذين كانوا في الاجتماع التأسيسي للحزب في أستراخان يشكلون أكبر مجموعة بين النواب، وأضاف أسمون إن هذه الجماعات ذات التوجه الأصولي بدأت تتشكل من الشباب في النصف الثاني من السبعينات. وصدرت جريدة (الهداية) الغير رسمية بدءاً من عام 1983، وكانت الجماعات المختلفة في أنحاء الجمهورية على اتصال ببعضها البعض.
يمكن للمرء أن يفترض أن الجماعات الأصولية الأولى في طاجيكستان تشكلت من الفائت المهمشة من الفقراء، ومن الطبقات التي ليس لها حقوق اجتماعية، ومن القطاعات التي لم يكن لها علاقة ثابتة بالمؤسسات الإسلامية التقليدية. ممثل نمطي لهذه الفئات هو رئيس الحزب الحالي بالتمثيل دولت أسمون.
ولد دولت أسمون عام 1957 في كابوديان بجنوب طاجيكستان، وأتم دارسته بمعهدين غربيين: المدرسة التقنية العليا في دوشنان، وكلية الحقوق بجامعة طاجيكستان العامة. ويعتبر – من بين قيادات الحزب الأخرى – ملماً باللغة الروسية وبالثقافة الغربية الحديثة، وفي نفس الوقت يوصف بقلة معرفته بالعلوم الإسلامية واللغة العربية. ويميز التوجه نحو الثقافة الحديثة أيضاً أنشطته الاجتماعية، ويتردد اسمه في الصحف أكثر من أسماء قادة الحزب الآخرين بما فيها اسم الرئيس محمد شريف خيمازودا. وإلى جانب نشاطه السياسي يصدر أوسمان جريدة تسمى (صوت الحق) والتي تعلب – مع البوق الرسمي للحزب جريدة (الإنقاذ) الأسبوعية – دوراً أساسياً في نشر أفكار الأصولية الإسلامية في طاجيكستان اليوم. ومن الواضح للعيان أن اتباع الأسر المقدمة في مجتمع وسط آسيا التقليدي، وبالأخص أتباع أسرة غيشان – أي أسر شيوخ الطريق الصوفية القادرية والنقشبندية – بدأوا منذ النصف الثاني من الثمانينات بأخذون دوراً قيادياً في الجماعات الأصولية. لقد أظهرت استطلاعات للرأي قام بها دكتور ف.إ. يوشكوف معي في يناير 1992 أن حزب البعث الإسلامي الحالي يميزه لدرجة كبيرة أتباع أسرة إيشان من منطة (جارم) بجنوب طاجيكستان، وإليهم أيضاً ينتمي أمير الحزب عن منطقة طاجيكستان محمد شريف خيمازودا، الذي كان لوالده مكانته – غير الرسمية – بين الصوفيين. ويحتل أتباع أسرة إيشان مراكز مرموقة في الحزب في المحافظة الشمالية لينين آبد/ خودشنت، والتي لها عداء تقليدي مع المناطق الجنوبية لطاجيكستان. أيضاً فإن المسؤول المعني لمسجد خودشنت ينتمي إلى طائفة الايشانين. ويتميز ممثلة أسرة إيشان عن أعضاء الجماعات المهمشة بأنهم يجوزون قدراً من التعليم الإسلامي الأساسي في إطار الأسرة، كما يتحدثون العربية بطلاقة، وهم على معرفة جيدة بالمؤلفات الإسلامية.
إن التباري بين ممثلي طائفتين اجتماعيتين مختلفتين قد يؤدي إلى انشقاق الحزب إلى حزبين مستقلين: حزب المهمشين، الذي قد يقوده أوسمان، ويشغل مناصب الراديكاليون توجههم مؤلفات سيد قطب وغيره من قادة الأخوان المسلمين، ثم حزب التقاليديين والذي يقوده خيما زوده ويغلب عليه الاعتدال.
(يتبع العدد القادم)
قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: «ألا لا يمنعنَّ رجلاً هيبةُ الناس أن يقول بحقَّ إذا علمه»
1995-03-31