عمت عواصم دول الحلفاء احتفالات كبيرة بذكرى انتصارهم على ألمانيا ودخولهم برلين في الثامن من مايو سنة 1945م، ذلك التاريخ الذي يعتبر نهاية للحرب التي أوقعت بين صفوف العسكريين أكثر من 27 مليون قتيل، ومن المدنيين 23 مليوناً أما الجرحى فقد زاد عددهم عن الـ 90 مليوناً، ولم تدمر هذه الحرب اقتصاد الدول المشاركة فيها فحسب، بل اقتصاد العالم وخاصة بلاد المسلمين التي استنزفت بريطانيا كل مواردها، بل وسخرت الملايين في الهند والبلاد العربية لنصرتها، وحتى القتال معها، وهي حرب لم تعْدُ كونها صراعاً على السيطرة والنفوذ وتوازن القوى ونهب الثروات، كما هي الحال مع الحروب التي قامت وتقوم بها الدول الغربية.
وقد تبارى الحكام والسياسيون والمفكرون وأهل الصحافة في الحديث عن السلام وحقوق الإنسان، وكيف أن تضحياتهم في الحرب أثمرت الاستقرار والسلام والأمن والقضاء على العنصرية وتحقيق الرفاهية لشعوب أوروبا والعالم.
إن الناظر في أقوالهم لا بد له أن يتصور أنهم قد أتوا من عالم آخر، أو أنهم يعيشون على كوكب آخر، هذا إذا لم يكن المرء يدرك مدلول كلمات “العالم” و”والسلام العالمي” و”حقوق الإنسان” في قاموس الغربيين، فهم يعنون بالعالم الدول الرأسمالية الكبرى، والسلام العالمي هو سلام شعوبهم واستمرار سيطرتها على بقية شعوب الأرض دون مقاومة من هؤلاء، أما حقوق الإنسان فهي حقوق أجناس بعينها كالجنس الأنجلوسكسوني أو الجنس الآري.
على ضوء هذه المعاني يمكن أن يفهم المرء تصرفات تلك الدول وهؤلاء الحكام، ولذلك فهم عندما يتعلق الأمر بغيرهم تعمى أبصارهم وبصائرهم وتخرس ألسنتهم وتصم آذانهم، فها هي حرب الإبادة يمارسها الروس ضد أبناء الأمة الإسلامية في الشيشان، فيقومون ليل نهار بإهلاك الحرث والنسل وحرق الأخضر واليابس وسفك دماء المستضعفين من الأطفال والشيوخ والنساء، وفي قلب أوروبا تقع مذابح “التطهير” العرقي في البوسنة والهرسك تحت سمعهم وبصرهم بل بتواطئي مع الصرب على مدى أكثر من ثلاثة أعوام، وفرنسا التي قتلت يوم 8 مايو سنة 1945م أكثر من 45 ألف مسلم في الجزائر، تقف اليوم وبعد خمسين عاماً مرة أخرى خلف المذابح التي يقوم بها عملاؤها في الجزائر.
والحروب التي قاربت المائتين منذ عام 1945، وراح ضحيتها عشرات الملايين في بقاع الأرض، والتي وقف خلفها الجشع الرأسمالي والغباء الشيوعي أصبحت لديهم في طي النسيان، فأين هو السلام؟
أما العنصرية التي حاربوها آنذاك، وكانت محدودة في ألمانيا، فهي اليوم تسود أرجاء أوروبا وأميركا وروسيا، وهي موجهة لكل من خالفهم في الدين أو اللون أو اللغة أو حتى العادات والتقاليد فعدم الإحساس بالأمن والأمان، والجشع والأنانية التي ولدها المبدأ الرأسمالي لدى شعوب أوروبا وأميركا، إضافة إلى الميراث الكنسي المتخلف، كل هذا أوجد أرضية خصبة للعنصرية بكل أشكالها في جميع بلاد الحلفاء، ويكفي أن نرى زعيم الحزب العنصري في فرنسا يحصل على 15% من أصواب الناخبين في الانتخابات الأخيرة، ونرى في أميركا الجماعات العنصرية تمارس الإرهاب في أبشع صورة، وحادثة أوكلاهوما وما جرى بعدها من اعتداءات على المسلمين، تكفي لتوضيح عمق الأزمة التي تعيشها تلك المجتمعات.
أما هيئة الأمم المتحدة التي أُنشئت عقب الحرب العالمية الثانية (للحفاظ على السلام والأمن)!! فيه ناد لهم لاقتسام النفوذ وإبقاء السيطرة على العالم وإضفاء الشرعية الدولية على ذلك، ويكفي موقفها من البوسنة والهرسك دليلاً على توطئ جنودها وأمينها ومبعوثيها مع الصرب، وخدمتهم لهم، ويأبى الصرب إلا أن يجعلوها موضع السخرية والازدراء من العالم.
فبماذا يحتفل الحلفاء إذن؟!
… بالحروب التي يمارسونها ويوقدون نارها في أرجاء المعمورة؟!
… أم بتنامي التيار العنصري في بلاهم؟!
… أم بالهيئة التي سخروها للمساعدة على قتل الأطفال واغتصاب النساء، ولاستصدار قرارات منع الشعوب من ممارسة حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس؟!