أميركا تريد أن تبدل دين الله (3)
1995/06/30م
المقالات
1,785 زيارة
هذه هي أميركا التي تتصرف وكأنها السيدة المالكة لإرادة الدول الأخرى. وبما أن فكرها لا يقوم على الحق، ولا يقنع العقل، ولا يوافق الفطرة، فإنها تحاول أن تفرضه بوسائلها الملتوية المعتمدة على السلاح المادي، وسلاح الدعاية وسلاح شراء الذمم، وسلاح التشهير والإشاعات الكاذبة… وهي تخطط لفرض سيطرتها الفكرية والمادية على المنطقة، فما هي خطتها في ذلك؟
إن أميركا، لما وجدت أن فكرها قد أفلس، وأن المسلمين يشهدون عودة إلى دينهم، أخذت تخطط لفرض ما تريده من خلال التعامل مع الأمر الواقع. فإذا كان الإسلام هو المطلوب، والمسلمون يلتفون حول حركات إسلامية لتحقيق التغيير المنشود، فإنه لا مانع عندها من الوصول إلى الحكم عن طريق المسلمين أنفسهم، عن طريق حركات تطرح ما تسميه بالإسلام المعتدل، أي أنه لا مانع عندها من الوصل إلى الحكم على مركبة تقودها حركات إسلامية.
من هنا نرى أن أميركا تعمل لاستغلال الإسلام عن طريق إيجاد حركات إسلامي ابتداء، أو استيعابها تحت الضغوط فيما بعد.
أميركا تخطط لإيصال حركات إسلامية إلى الحكم دون الإسلام
إن أميركا تخطط لإيصال حركات إسلامية إلى الحكم دون الإسلام، حركات تفرض عليها أن تسير في الحكم بحسب مفاهيمها ووجهة نظرها ولا يهمها بعد ذلك أن تضع من الشعارات ما تشاء، ومن الادعاءات ما تريد. إنها تريد إيصال إسلام وطني أو إقليمي لا يتجاوز الحدود الحالية التي تفرق الأمة وتقسمها، وتريد أن توجد لها المشاكل الداخلية المستعصية، أو توجد لها مشاكل فيما بينها. إنها تريد أن يعطي المسلمون حينما يحكمون المثل السيئ في حكمهم، وما واقع أفغانستان وإيران عنا ببعيد، إنها تريد من وراء كل ذلك أن يرتد المسلمون أنفسهم عن اعتبار أن الإسلام صالح للحكم. إنها تريد أن تفرض على المنطقة صياغتها الخاصة بعد أن يتحقق للمسلمين أن دينهم لا يعالج شؤون حياتهم. إنها بعبارة موجزة تريد أن تسقط الإسلام من النفوس لتفريغ المنطقة من أي طرح حتى يخلو لها الجو لتفرض بعد ذلك ما تريد، وحتى تصوغ المنطقة صياغة جديدة يكتب لها العمر والاستمرار والاستقرار… هذا ما تخطط له أميركا.
إن المسلمين جميعهم مدعوون إلى مزيد من الوعي، ومن الاهتمام بأمر دينهم، فالدين هو دين الله تعالى، ولهم فيه سعادة الدارين، والمسلمون يتشرفون به، وهو أغلى ما يملكونه، وعليهم أن يحافظوا عليه بكليتهم، وأن يكون حب الله ورسوله ودينه لا يتقدم عليه حب النفس ولا حب مال ولا أي حظ من حظوظ الدنيا.
فأميركا التي أعلنت أنها تريد أن تحلل لنا وتحرم، والتي تريد أن تفرض حلالها وحرامها علينا تنصب نفسها إلهاً، وهذا الادعاء يجب أن يحث المسلمين على معاداتها ومحاربتها حتى يكسروا شوكتها. إنها عدوة للمسلمين أولاً لأنها تعادي دين الله تعالى وتدعي الإلوهية. كبرت كلمة تخرج من أفواه مسؤوليها إن يقولون إلا كذبا.
إن أميركا تعيش على مص دماء الدول الأخرى واستغلالها لثرواتها. وما قامت به في الخليج، وما تقوم به في العالم ليشهد على فساد فكرها وظلم ممارساتها، فنجاح خطتها هو نجاح للظلم والباطل.
إن أكبر شاهد يشهد على انكشاف سوءة الحضارة الغربية هو ما أفرزته على ارض الواقع من ضياع فكري وانحطاط خلقي وتفكك اجتماعي في عقر دارهم وتأزم اقتصادي، وهذا ما لم يعد خافياً على أحد، فعلى الأمة جميعها بحكامها وعملائها وحركاتها الإسلامية والمسلمين جميعاً أن يعوا ذلك الواقع ويعملوا على عدم تمكين أميركا من تنفيذ مخططها.
أيها الحكام:
إننا نتوجه إلى الحكام لنقول لهم: أما آن لكم أن تخشع قلوبكم لما نزل من الحق، أما آن لكم أن تعتبروا أنفسكم جزءاً من الأمة تخافون عليها بدل أن تعادوها وتخافوا منها.
أيها الحكام: إذا كنتم تؤمنون بالديمقراطية الزائفة كما تدعون، فإن شعوبكم ترفضكم وتبغضكم وتلعنكم لأنكم لم تجلبوا لها إلا الذل والعار والشنار، ولأنكم عملتم على تمكين الدول الغربية الكافرة من رقابهم، ولأنهم لم يروا منكم يوماً واحداً أبيض. إننا حين نفكر بكم يتمثل في رؤوسنا قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا)، ويحس الواحد منا عندما يفكر بأي واحد منكم بصدق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنكم شرار الخلق، وأن جثمانكم جثمان إنس وقلوبكم قلوب شياطين. إلى هؤلاء الحكام أسوق القول إنه لم يبق أمامكم إلا فرصة قصيرة لتراجعوا حساباتكم وترجعوا إلى دينكم وإلى أمتكم لأن الأمور أوشكت أن تصل إلى درجة الغليان، وستكون ضحية أنفسكم وأيديكم.
إن العبرة ليست بما هو كائن الآن، فإن زعامتكم هشة وسرعان ما ستزول، وصورية وسرعان ما ستتكشف الحقيقة لتظهر أنكم لم تكونوا تسودون إلا بالقوة والتخويف، وهذا لم يدم لأحد غيركم فيكف يدوم لكم،، أمل تنظروا إلى مصارع الطغاة قبلكم، أو لم تفكروا أنكم ستصبحون لعنة تاريخ شعوبكم متى تغيرت هذه الأوضاع، ومن عجيب انخداعكم بأنفسكم أن الواحد منكم يفكر بابنه أو بأخيه لكي يستلم الحكم من بعده، وكأنها كتبت لكم تدنسوها أباً عن جد، وابنا عن أب. ألا تنظرون إلى حركة التاريخ التي تدور دورتها باتجاه تغيير جذري لا يبقي لكم أثراً.
إن الدول التي تستخدمكم قد تفكر هي بنفسها أن تغيركم متى تحققت أن أمور تسير باتجاه عودة ثابتة للإسلام، لأنكم لن تستطيعوا أن تحافظوا على مصالحها كما كنتم سابقاً.
انظروا ألم يحدث سابقاً أن تخلت الدول الاستعمارية عن رجالاتها لأسباب لا ذنب لهم فيها إلا أنهم لم يعودوا يستطيعون أن يلعبوا الدور المرسوم لهم كما يجب. إن من لا ينظر لا يعتبر. وككلمة أخيرة لكم عودوا إلى ربكم إلى دينكم إلى أمتكم، فإن في ذلك قوتكم الحقيقية، وإلا فإن الكأس المرة التي سقيتم الناس منها ستشربون منها وستتجرعون الغصص منهم والموت الزؤام، وإنه ليحضرنا قول الشاعر في أمثالكم:
فارْحَلْ بِحمدِ اللهِ جلَّ صنيعُهُ
مُسْتعفياً إنْ شئتَ أو معْزولا
أيا ورثة الأنبياء:
وإننا لنتوجه إلى علماء المسلمين لنطلب منهم أن لا ينقضوا العهد الذي أخذه الله على العلماء بعهد آخر أخذه الحكام عليهم، فإنكم بهذا تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، أو الجحيم بالنعيم.
إننا نتوجه إليهم لنطلب منهم أن لا يقبلوا على أنفسهم أن يكونوا مطية تصل أميركا والغرب الكافر عبرها إلى مسك رقاب الأمة.
إننا نتوجه إليهم لنقول لهم إن الله قد جعل فتنتكم في علمكم، وإن المطلوب منكم استحضار عِظَم الحالق وقدرته في كل كلمة تقولونَها أو فتوى تصدرونها، وأخلصوا النية فإن الناقد بصير. استحضروا عظم الخالق وقدرته أمام حقارة المخلوق ولو كان حاكماً، ولا تكونوا للظالمين نصيرا ولا للخائنين خصيما، فتجعلوا لله عليكم سلطانا.
إننا نتوجه إليهم لنطلب منهم أن لا يجعلوا من صوتهم صدى لمنكر أصوات الحكام، وأن لا يطيعوهم فإن في طاعتهم طاعة لأميركا والغرب، وفي معصيتهم طاعة لله رب العالمين. نطلب منهم أن يبيعوا دينهم بِعَرَض من الدنيا، ولا آخرتهم بدنيا غيرهم. إننا نتوجه إلى العلماء لنطلب منهم أن يقارنوا بين ما يحصلونه من حطام الدنيا جراء مظاهرتهم للحكام، وبين ما يخسرونه من نعيم الآخرة. ونقول ارجعوا إلى تاريخ أمتكم الملئ بالبطولات القائمة على الإيمان وخذوا من علماء الحق مواقف القوة والجرأة والصراحة، واستحضروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لموتة في طاعة الله خير من حياة في معصيته» وما يمنعكم أن تقولوا مثل قولة الصحابي “بخ بخ، أما بيني وبين الجنة إلا أن أقول كلمة الحق، والله إنها لموتة كريمة” فإنكم في مقام سيد الشهداء وفعلكم هو أفضل الجهاد. وإن ذلك يورثكم سيرة عطرة وخيراً رشيدا. فإننا ما زلنا حتى الآن نردد مع الإمام أحمد بن حنبل t ما قاله في فتنة خلق القرآن “إذا أجاب العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق”.
إننا نتوجه إلى العلماء لنقول لهم: إن صراع الأمة الإسلامية قد وصل مع عدوها إلى مفترق طريق: إما دين الله وإما دين الملك ومن ورائه أميركا والغرب، وبعبارة أخرى إما دين الله وإما دين أميركا والغرب. فلا تهينوا كرامة العلم وعزة العلماء فينطبق عليكم قول أحد الخلفاء مستخفاً بأمثالكم: “كلهم طالبو صيد إلا عمرو بن عبيد”. إن المفروض على العلماء أن يكونوا أئمة رحمة وهدى، ويحضرني قول يحيى بن معاذ: “العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم” قيل وكيف ذلك؟ قال: “لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا وهم يحفظونهم من نار الآخرة”.
نداء إلى الحركات الإسلامية:
ثم إننا نتوجه إلى الحركات الإسلامية لنضيف إلى علمائها ومسؤوليها ما قلناه للعلماء ونزيد: إن الطريق وإن طالت وإن السبل وإن فسدت فليس لنا إلا الله يفرج همنا وينصرنا، ونحذر الحركات التي تواجه صعوبات شاقة في عملها من أن ينشأ عندها تساهل، فتقبل أن تغير في طروحاتها وتحت مطارق الضرب والملاحقة والمحاصرة والإشاعات تقبل في منتصف الطريق أو آخره ما لم تكن تقبله في أوله.
كذلك نحذر الحركات التي تدعى أنها إسلامية، وقامت من أول نشأتها تعُبُّ من معين الغرب، وتحاول أن توفق بين إلحاق والباطل بأحكام هي بدورها من الباطل لأن الحق واحد لا يتعدد، وهو ما أنزله الله على رسوله، نحذرهم ونقول لهم إنه ينطبق عليهم ما ذكره الله بحق المنافقين، الذين يلبسون على الناس الباطل ويظهرونه بمظهر الحق. إننا نعلم أن الحركات الإسلامية بمسؤوليها وشبابها هي عصب العمل للتغيير، وهي الدم المتدفق الذي يدلل على وجود الحيوية في الأمة، لذلك يشغل واقعها أهمية كبرى،ولذلك يتخذ علماؤها عبئاً زائداً عن العلماء العاديين، وشبابها عبئاً زائداً عن الناس العاديين، من هنا يجب على هذه الحركات بمسؤوليها وشبابها أن يكونوا أخشى لله وأتقى له.
والحركات الإسلامية إن أخلصت النية، وتحرت الصواب وأحسنت العمل كان لها الأجر العميم، وإن لم تفعل فإن وراء عملها هدماً وليس بناء، وتمكيناً للكافر لا إلغاء له، ويكون لها على ذلك الوزر الكبير.
والحركة الإسلامية لا تقاس بالعمر الزمني، وإنما بحس التقيد ودقة الالتزام وعدم الحيد عن التأسي المنضبط بطريق الرسول صلى الله عليه وسلم قيد شعره، وإن كان طول الطريق يكسبها إلى جانب التزامها خبرة العمل وتعلم الصبر. وهو أي طول الطريق إنما هو من فتن الطريق.
وإننا لندعو الحركات الإسلامية إلى مراجعة هادئة ليس لطريقة العمل فحسب بل لطريقة التفكير، ولطريقة تقييمها للواقع وفهمها للشرع وتعاملها مع الآخرين، وإني لأسوقها نصيحة خالصة إنه لا يُعبد الله إلا كما يريد الله.
ففي حساب الحركات الإسلامية الصحيحة أنها:
– يجب أن يكون عملها قائماً على الدليل الشرعي والاستمساك به مهما ظهر في الاستمساك به من صعوبة. فإنه بالصبر والمصابرة والجهد والمجاهدة تذلل كل صعوبة، وتمهد كل عقبة، لأن من طبيعة الحكم الشرعي أن يتحقق وإلا فإن الله يكلفنا ما لا نطيقه وهذا غير صحيح.
– يجب أن يكون عملها قائماً على الدليل الشرعي بفهم منضبط والاستمساك به، مهما أعطى لهذا الاستمساك من نعوت التطرف والأصولية والتشدد والإرهاب. فإن الإرجاف والإشاعة ورمي أصحاب الحق بمختلف النعوت ليست أساليب جديدة في مواجهة الحق، فإن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم قد قيل فيه وأشيع عليه. إنها محاربة للإسلام عبر محاربتهم لما يسمونه الأصولية.
– يجب أن لا تختصر أو تغير الطريق الشرعية بتبريرات يدْعى أنها شرعية فإن في ذلك خروج عن جادة الحق، وفيه خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.
إن الطريق شرعية محددة المعالم واضحة الخطوات، ولكنها صعبة وشاقة لا يقدر عليها إلا من نذر نفسه للدعوة الحقة، والجماعات الإسلامية إما أن تسلك سبيل ربها على بصيرة هي ومن اتبعها، وإما أن تتوقف إذا لم تقدر. أما أن تغير أحكام الطريق وتضيع المسلمين فإن الإثم والله أعلم سيصبح مضاعفاً.
وإننا نتوجه إلى علماء الجماعات ومسؤوليها لنطلب منهم أن يتقوا ربهم ما استطاعوا، أي أن يبذلوا كامل جهدهم في إخلاص النية وتحري الصواب وإحسان العمل. وإلى شبابها أن يغمضوا أعينهم عن أي فعل من أفعال المسلمين، فإن كان حسناً أطاعوا وإن كان غير ذلك نصحوا، فإن الجماعة بحاجة لأن تُنصح عندما تخطئ، وشبابها هن أولى من يقوم بهذا، ولو رجعنا إلى ما فيها من مواقف لرأينا أن الصحابة لم يكونوا يسكتون على أمر لا يرونه شرعياً حتى ولو صدر من الخلفاء الراشدين المهديين المشهود لهم بالجنة. إن الجميع كما أن عليهم واجب النصيحة فإن عليهم واجب الانتصاح، قيل لعبد الله بن المبارك أحد كبار تابعي التابعين بعد أن نصح أحدهم: “بقي من ينصح” فأجاب: “وهل بقي من ينتصح”.
وانطلاقاً من هذا فإنه عند ورود أي خبر يتعلق بموقف أية جماعة أو تصريح لأي عالم يجب أن لا يمر بسهولة، بل يجب أن يُتوقف عليه ويُناقش صاحبه، وأن ينبري أتباع هذه الجماعة أو هذا العالم قبل غيرهم لمساءلته ومحاسبته محاسبة شرعية قائمة على طلب رضي الله سبحانه، فليس من الشرع أن يسكت عنه أو أن يدافع عنه على غير علم، بناء على محبته وظن الخير به فإن إتباع الحق أحق، ونصيحته ليست إلا من باب حب الحق والقيام به.
مثلاً: توجه الترابي في 04/05/92 إلى الولايات المتحدة الأميركية، وتقلت الحياة في 05/05/92 عن مرافقيه أنه سيُدلي بشهادة أمام اللجنة الفرعية لشؤون أفريقيا التابعة للكونغرس الأميركي عن الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فمثل هذا الخبر لا يجوز أن يمر هكذا من غير مساءلة ولا محاسبة.
وكمثل آخر: نشرت جريدة الحياة في 30/07/91 أن واشنطن عبرت عن تأييدها إجازة العمل القانوني لحزب النهضة التونسي. ولمَّا سألت مجلة الشراع في العدد 651 الصادر في 24/10/94 الغنوشي مسؤول حزب النهضة التونسي: يقال إنكم تفتحون خطوطاً مع الأميركيين. ما رأيكم في هذا؟ لم ينكر تهمة السؤال، ولكنه أجاب: نحن من أنصار الحوار في داخل أمتنا وخارجها، نحن نطالب ونسعى إلى الحوار بين الإسلام والغرب، لأن العالم أصبح قرية صغيرة لا مجال فيها لاستمرار التنافي، واستمراره لن يفضي إلى هلاك العالم كله.
فإذا تساهل المسلمون في المحاسبة والمساءلة فإن ذلك سيؤدي إلى التفريط بالدعوة، وإذا انبرى الأتباع يدافعون عنه في كل ما يقوم به العالم أو الجماعة من غير مراجعة فإن ذلك ليس من الدين في شيء.
وإن بقي لنا من كلمة نوجهها للعلماء وللحركات الإسلامية هي أن يكونوا متنبهين لما تحيكه أميركا والغرب، وتنفذه الأنظمة التابعة لها، أو يفكروا أن يمدوا أيديهم للتعامل المباشر ظناً منهم أنهم يختصرون الطريق ويفيدون الدين فإن ذلك الهلاك ونسأل الله أن يحفظ المسلمين والعمل الإسلامي من هكذا تفكير.
نداء إلى المسلمين:
وأخيراً نتوجه إلى المسلمين ليستفيقوا من سباتهم لقد ملهم القعود والنوم إن لم يكونوا قد ملوه، نتوجه إليهم ليتخلصوا من أي ولاء إلا الولاء لله ورسوله والمؤمنين، وليخلصوا من أن يجعلوا من أنفسهم مكان تجارب للدول الكافرة وخديعة الحكام، وأن يخلعوا السطحية من حياتهم وأن ينفذوا بنظرهم إلى الحق.
نتوجه إليهم لنقول لهم إن الدول الكافرة تعلن وعلى رأسها أميركا أنها تحترم الإسلام، ولكنها في الحقيقة تحاربه، وكذلك الحكام يعتمدون على ما يظنونه أنه سطحية فيكم ليطلعوا عليكم بين الفينة والأخرى على شاشات التلفزيون وفي المناسبات الدينية في المساجد يقيمون شعائر هذه المناسبات بتواضع، وكذلك يتسَمَّوْن بألقاب إسلامية وهم أبعد الخَلق عنها طلباً لرضاكم، فيدعي هذا أنه الرئيس المؤمن وذاك أنه ابن السلالة، وذلك أنه أمير المؤمنين، والآخر أنه خادم الحرمين الشريفين، وكلهم يدعون أنهم الحريصون على مصالح الأمة ولكننا نراهم يسيرون في التيار المعاكس لمصالح الأمة ويرتمون في أحضان الغرب ويحتمون به.
إن الأمة اليوم تحتاج إلى أن تحزم أمرها وتعقد عزمها على إعادة دورها الذي يريد لها الله أن تقوم به، ولا يكون ذلك إلا:
– بالتطلع إلى السماء من جديد والانعتاق من أسر التثاقل إلى الأرض.
– باستمداد العون من الله وحده وترك استمداده من الآخرين.
– بحصر همها بالجنة والشوق إلى نعيمها وعدم حصره في متاع الدنيا.
– بأن يكون الخوف من الله وعذابه غالباً على الخوف من بطش الحكام ومحاربتهم لهم فالله سبحانه أحق بالخشية.
– بأن تجعل غايتها إرضاء الله لا تحقيق الرغبات المادية.
– بأن تتناول عبادتها طاعة لله في جميع أوامره، لا حصرها في العبادات، فلا تنصرف إلى الدنيا بنظرة تقوم على استمداد تصورها من غير الإسلام بل بما يخالف الإسلام.
– بأن تتحلى بإخلاص خالص لله ولدينه وأن يرتفع ولاءها له على كل ولاء.
– بأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
– بأن تسوس أمرها عن طريق خلافة راشدة، أمر الله المسلمين بإيجادها.
فالله سبحانه يريد من الأمة الإسلامية أن تكون خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، أن تكون أمة وسطا تشهد على الناس بما عندها من حق تعتقد به وتحمله رسالة إلى العالم لتخرج الناس به من الظلمات إلى النور، أن تخرج الناس من جشع المادة وقلق المادية إلى راحة التقوى وطمأنينة الإيمان، أن تبيع أنفس والأموال صادقة في سبيل الله، أن تدوي بـ “الله أكبر” وتقرع بها الأسماع وتجلجل بها القلوب.
بقلم: أحمد المحمود
كتب عمر بن الخطاب t إلى أمراء الأجناد: تفقهوا في الدين فإنه لا يعذر أحد بإتباع باطل وهو يرى أنه حق، ولا بترك حق وهو يرى أنه باطل.
1995-06-30