تلاعب مؤسسات الدفاع والمخابرات الأميركية بالاعلام العالمي
1992/05/28م
المقالات
1,917 زيارة
هناك دعاوى عظيمة حول «انفتاح» المجتمع الأميركي وقدرة أجهزته الاعلامية ومؤسساته على التصدي للفضائح والفساد السياسين رغم وجود عقبات كبيرة.
والمعجبون في العالم الثالث بالنظام السياسي الأميركي مولعون بقانون حرية المعلومات والمحكمة العليا وجلسات الكونغرس، وهميرون أنها دعامة لاعلام حر وشجاع يتمكن من ابلاغ الرأي العام بحقيقة ما يجري في البلاد.
ولكن نظرة عابرة على الوضع الحقيقي تظهر أن مؤسسات الدفاع والمخابرات تتحكم في غالبية الأجهزة الاعلامية وأعضاء الكونغرس وأن الأميركيين يستغلون امتلاكهم لهذه الأجهزة للتستر على الفضائح ونشر الدعايات الكاذبة. وهذا يسمح للحكومة الأميركية بالتحكم في تدفق المعلومات وبالتالي التلاعب بالرأي العام. ومن الواضح أن الكونغرس والمحكمة العليا قد فشلا في كبح جماح المؤسسات الدفاعية والمخابراتية الضخمة.
وهناك اعتقاد بين كثير من المسلمين في العالم بأن الاعلام الغربي والنظام السياسي الغربي حر ومنفتح على عكس نظامهم وأن عليهم النظر إلى النظام الغربي كمثل ينبغي احتذاؤه.. إنه اعتقاد لا تصدقه الحقائق، وهو ناتج عن التعليم الاستعماري والدعاية الغربية. وقد خلق هذا الانطباع نفس الاعلام الذي هم معجبون به.
والعلاقة التكافلية بين الاعلام الأميركي ومؤسسات الدفاع والمخابرات ناتجة عن امتلاك مؤسسات الدفاع الكبيرة لكبريات الصحف، كما هو ناتج عن التوجهات الايديولوجية للناشرين النافذين الذين يؤمنون بأن مصلحة الأمن القومي الأميركي فوق كل المصالح. والأمن القومي هو المبرر الذي تستخدمه الولايات المتحدة لتبرير جرائمها ضد كثير من البلاد ومجموعات سياسية في العالم كما أنه مبرر للسرية وتستر الاعلام والكونغرس على الحروب السرية التي تخوضها المخابرات المركزية وحملاتها لتضليل الرأي العام.
وأعضاء مجالس ادارة كبيرات الصحف ومحطات التلفزيون مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست وشبكة سي بي إس C.B.S على سبيل المثال، هم أنفسهم أعضاء بمجالس ادارة مؤسسات دفاعية أو لهم مصالح ضخمة في شركات الدفاع والشركات المتعددة الجنسيات، ومن أمثلته ان شركة إن بي سي N.B.C التلفزيونية تملكها شركة جنرال الكتريك التي هي أكبر شركة مقاولات أميركية في مجال الدفاع.
والمدافعون عن النظام الأميركي دفاعاً أعمى يقولون أن رؤساء التحرير المستقلين يقفون بحزم أمام ملاك الصحف الذين لا يتحكمون فيما يجري داخل صحفهم ولا يتدخلون فيها، إلا ان الحقيقة المعروفة هي ان الناشرين يستأجرون رؤساء التحرير ويطردونهم كلما شاءوا، وهم يستخدمون رؤساء تحرير لا يحتاجون إلى توجهات مفصلة عن ايديولوجية الصحف والشبكات التلفزيونية واستراتيجياتها.
وهناك أمثلة كثيرة لكبار الناشرين الذين أيدوا الحرب السرية لوكالة المخابرات المركزية بحجة دعم الأمن القومي. وكانت كلير بوث لوس Clare Booth Luce صاحبة شركة لوس بريس Luce Press الصحيفة المتعددة الجنسيات مؤيدة متحمسة لأنشطة المخابرات المركزية لزعزعة حكومة فيدل كاسترو بكوبا في الستينات. وقد دعت إلى ببيتها جهاراً نهاراً المتغربين الكوبيين الذي استأجرتهم المخابرات المركزية لعملية النمس Operation Mongoose التي خططت لها الوكالة لاسقاط كاسترو.
وكانت كاترين غراهام مالكة الواشنطن بوست والنيوزويك قد قالت علناً سنة 1981 بأن رؤساء تحريرها «سيتعاونون مع مصالح الأمن القومي»، وهي كناية عن التعاون مع المخابرات المركزية. والحقيقة هي أنه كلما حصل رؤساء التحرير أو مراسلو «الواشنطن بوست» على قصة ما حول عمليات المخابرات المركزية كانوا يتصلون بالوكالة لتوافق لهم بالنشر. ويقول بوب وودوارد في كتابه («القناع: الحروب السرية لوكالة المخابرات المركزية» Wars of the C.I.A. Bob Woodward, the secret).
إنه كلما نقب عن قصة من فضائح المخابرات المركزية كان هو ورؤساء تحرير «الواشنطن بوست» يتصلون بمدير المخابرات المركزية وليام كاسي يستشيرونه حول رأيه في نشرها.
وعمل الاعلام الأميركي لمصلحة المخابرات المركزية ليس محصوراً داخل الولايات المتحدة، وكانت نيويورك تايمز قد اضطرت سنة 1984 للاعتراف بأن مراسلتها ليزلي غيلب Leslie Gelb قد تعاونت مع المخابرات المركزية في عهد الرئيس كارتر سنة 1978 لتجنيد الصحفيين في أوروبا. وكانت مهمة هؤلاء الصحفيين هي نشر أخبار وتقارير تشجع القراء على التعاطف مع تطوير قنبلة النيوترون التي كان مشروعاً متنازعاً عليه آنذاك.
وعملاء المخابرات المركزية في العالم الثالث ينقلون أخباراً ملفقة إلى الصحف الأوروبية والأميركية وذلك بعد «زرعها» في صحف العالم الثالث. ومن أساليب عملها في هذا الشأن الحصول على موافقة حكام بعض البلاد لزرع الأخبار في صحيفة قومية بها ثم ينقلها مراسل محلي إلى عملاء المخابرات المركزية في صحف أوروبا والولايات المتحدة. هؤلاء بالتالي ينقلون الخبر بعد هذا عن ذلك «المصدر» الذي نشره أول الأمر في بلد من بلاد العالم الثالث.
ومن أمثلته ما جرى في انغولا خلال السبعينات والثمانينات، وقد شرح جون ستكويل الذي كان المسؤول عم عمليات المخابرات الأميركية في انغولا، الأسلوب المتبع في كتابه «الحرس البريتوري: دور الولايات المتحدة في النظام العالمي الجديد».
John Stockwell: The Praetorian Guard The US role in World. Order.
على النحو التالي: خلقنا أسلوباً يمكننا من تغذية الأخبار إلى الصحافة مثل ابرة الوريد المثبتة في ذراع المريض لنقل الدواء بصورة مستمرة آليه، ولم نكن نحد صعوبة في العثور على الصحفيين المتعاونيين. وكانت المشكلة هي تبرير الأخبار التي ينشرونها عن انغولا أمام زملائهم المتسابقين معهم بينما هم يعيشون في باريس ونيويورك. ولحل هذه المشكلة وضعنا ضباط المخابرات المركزية من أصحاب الخبرة الاعلامية في أماكن رئيسية حول انغولا. وحصلنا على موافقة رئيسي دولتتين لكي نزرع الأخبار بمساعدة حركات فدائية مثل يونيتا وFNLA في الصحف الرئيسية بالبلدين ثم استأجرنا مراسلين محليين ليرسلوا الأخبار المنشورة فوراً بواسطة التلكس إلى عملائنا الصحفيين في أوروبا وغيرها من الأماكن وبالتالي كان لدى هؤلاء دليل صلب ومشهود كمصدر لمقالاتنا الدعائية.
ومن الأخبار المزيفة من هذا النوع التي ظهرت على صدر صفحات الصحف الغربية قصة اغتصاب الجنود الكوبيين للنساء في انغولا التي ذهبوا للدفاع عنها ضد هجمات حركة «يونيتا» التي كانت تسلحها وتمولها الولايات المتحدة وأفريقيا الجنوبية. وكانت هذه الأخبار مزيفة مائة في المائة وكان هدفها تشويه الوجود الكوبي في انغولا.
والاعلام ليس هو السلاح الوحيد الذي تستخدمه وكالة المخابرات المركزية والحكومات الأميركية للتلاعب الاعلامي بل هناك مئات من الاساتذة في الجامعات الأميركية الذين يتقاضون المرتبات من وكالة المخابرات المركزية ومهمتهم هي تأليف الكتب لصالح المخابرات المركزية تهتم بها وكالة المخابرات المركزية. وهذه الكتب تتخفى كأعمال «علمية» بينما هي في أصلها جزء من حملة التشويش التي تشنها الوكالة المركزية لتبرير أعمالها السرية. وكان قد كشف سنة 1984 أن وكالة المخابرات المركزية دفعت 105 آلاف دولار لاستاذ بجامعة هارفارد لتأليف كتاب عن الشرق الأوسط وكانت الجامعة ذاتها قد حاولت سنة 1980 أن تمنع وكالة المخابرات المركزية من دفع المبالغ السرية إلى الاساتذة فوضعت لائحة تلزم الاساتذة باعلام الجامعة بصلاتهم بوكالة المخابرات المركزية وهنا رفعت الوكالة دعوى قضائية ضد الجامعة بحجة أن هذا الاجراء يحد من «حرية تعبير» هؤلاء الاساتذة عن آرائهم وقضت المحكمة العليا الأميركية ـ التي يعجب بها كثيرون من مثقفي العالم الثالث ـ لصالح المخابرات المركزية، والنتيجة هي أن الوكالة تستمر إلى اليوم في استئجار الأساتذة لتلويث الرأي العام.
وكانت لجنة تشرش hurch committee بمجلس الشيوخ الأميركي في السبعينات قد فشلت في اجبار وكالة المخابرات المركزية على ابراز قائمة بالكتب التي ألفها اساتذة الجامعات لحسابها. واعترضت الوكالة بأن هذا سيكشف أساليبها في العمل. ونجحت الوكالة في نهاية الأمر في مساعيها لعدم الانصياع لطلب لجنة مجلس الشيوخ، والنتيجة هي أن مكتبات العالم مليئة بآلاف الكتب «الموضوعية والعلمية» التي تحمل القارئ على الإيمان بما تريد له وكالة المخابرات الأميركية أن يؤمن به □
عن: الهلال الدولي 1 ـ 15 شباط 92
1992-05-28