الكفر الصراح في شروط انتخابات الرئاسة الجزائرية
1995/10/31م
المقالات
1,971 زيارة
بقلم: م. حمادي
في إطار المحاولات الفاشلة لإلصاق الشرعية على اغتصاب السلطة في الجزائر يقوم المتسلطون على الحكم هناك بإجراء انتخابات رئاسية لتلك الدويلة الكرتونية، في السادس عشر من شهر نوفمبر عام 1995م، وقد وضعوا لخوض هذه الانتخابات تسعة شروط، نبحث منها في هذا المقال الشرط المتعلق بالتعهد الكتابي الذي يقطعه كل مرشح على نفسه، ويتضمن عشرة التزامات وهي:
احترام الدستور ونبذ العنف واحترام الحريات الفردية والجماعية والتمسك بالديمقراطية وتبني التعددية واحترام التداول على السلطة واحترام الإسلام وعدم استعماله لأغراض حزبية ورفض الجهوية وترقية الهوية الوطنية في أبعادها الثلاثة العربية والإسلامية والامازيغية.
ونخن هنا سنقتصر على بيان بعض أفكار الكفر والزيغ فيها:
1- احترام الدستور
إن هذا الدستور لم يؤخذ على أساس الإسلام، ولا على أساس غيره من المبادئ، فهو دستور غير مبدئي ودستور غير إسلامية، فهو خاطئ من وجهين:
الأول أنه لا يبنى على فكر أساسي من شأنه أن تبنى عليه أفكار، حتى ترجع أحكامه إلى أصل معين فتقاس عليه لتعلم صحتها من فسادها.
والثاني أن الذين يُحكَمون به هم جزء من الأمة الإسلامية، وهم مسلمون مبدئياً، والدستور غير إسلامي، فهو يناقض مبدأ الأمة، فكيف يتعهد من يريد أن يكون حاكماً للمسلمين، باحترام دستور كفر وضلال؟
2- أما احترام الحريات الفردية والجماعية والتمسك بالديمقراطية وتبني التعددية.
فهي فرض للمبدأ الرأسمالي على شعب مسلم لم ينسلخ يوماً ولا حتى لحظة من أمته ولا من إسلامه، وقدم ما يربوا على المليون شهيد لا ليطرد كافر فرنسا فحسب، ثم بعد سيل الدماء وقوافل الشهداء يتبنى هو كفرها المتمثل في أنظمتها وقوانينها وأفكارها، ومجمل حضارتها اللاإنسانية، وإنما قدم ذلك ليعض بنواجذه على حضارته الإسلامية الراقية وليؤكد ارتباطه بأمته. ولذا فهو ينظر إلى الديمقراطية باعتبارها كفر، وإلى الحريات على اعتبار أنها خرافة لا وجود لها وأن ما يروج له الغرب وعملائه من قول بحرية التدين أو حرية التملك أو حرية الرأي أو الحرية الشخصية، يصطدم وأحكام الإسلام، فهي أفكار كفر وأحكام ضلال.
فالديمقراطية التي تمنح حق التشريع للبشر، والحريات التي تبيح ما حرم الله، وتعطل حدود الله وتشجع على انتهاك حرماته، لا مكان لها في ديار المسلمين فنحن المسلمين نؤمن بقوله تعالى: (وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)، فاستحلال الحرام وتحريم الحلال بغير إذن من الله كذب وافتراء على الله، بل كفرٌ وجاهلية، قال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ)، يقول الإمام ابن كثير عند تفسيره هذه الآية: [ينكر تعلى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسيات الملكية المأخوذة عن ملكنهم جنكيز خان الذي وضع لهم “الياسق” وهو عبارة عن كتاب مجموعة من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنية شرعاً متبعاً، يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك منهم فهو كافر… (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) أي يبتغون ويريدون وعن حكم الله يعدلون… ] تفسير ابن كثير 2/68.
وقال الإمام الشاطبي: [إن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة، ولا النقصان لأن الله تعالى قال فيها: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا)، ثم قال الشاطبي: وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أتى ببيان جميع ما يحتاج إليه في أمر الدين والدنيا وهذا لا مخالف عليه من أهل السنة. فإذا كان كذلك، فالمبتدع إنما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله أن الشريعة لم تتم، وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها لأنه لو كان معتقداً لكمالها وتمامها من كل وجه لم يبتدع ولا استدرك عليها وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم] الاعتصام 1/49.
ونقل الإمام الشاطبي قول الإمام مالك رحمه الله: [من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة] الاعتصام 1/49.
ويضيف الشاطبي أن الشارع قد انفرد بالتشريع للناس ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه وألزمهم الجري على سننها، ومنعهم من حق التشريع لأن عقولهم لا تدركه، ولو كانت تدركه عقولهم لما بعث الله لهم الرسل عليهم السلام، فمن أراد أن يكون له من هذا الحق شيء فإنما أراد أن يكون معانداً للشرع ونظيراً له ومضاهياً، وراداً لقصد الشارع في الانفراد بالتشريع الاعتصام 1/ 50 – 51.
وهذا هو عين الدستور الذي يراد احترامه، والديمقراطية، والحريات، معاندة للشرع، وإقصاءٌ له من حياة الأفراد والمجتمع والدولة، وجعل الإسلام ديناً كهنوتياً لا حياة فيه.
وأما التعددية فهي أيضاً كفر وضلال فكيف نسمح بأن يتخذ أبناء المسلمين لهم مبدأ غير الإسلام، يتثقفون به ويدعون له ويسعون لأن نُحْكَم به، والله تعالى يقول: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي ليسود كل المبادئ والأديان، فالمسلمون هم الذين يحملون الإسلام لغيرهم والهداية ونور الإيمان للبشرية، ولا يَدَعون أحداً بحمل إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ومن يتبنى من أبنائهم غير الإسلام مبدأ له، يؤمن به ويدعو له، فقد ارتد ووجب على الحاكم أن يستتيبه وإلا طبق عليه الحد كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه».
وأما القول بوجوب “احترام الإسلام وعدم استعماله لأغراض حزبية” فهو تعبير خبيث المراد به رفض أن يكون الإسلام أساساً للأحزاب للسياسية، بل وأساساً للعمل السياسي، وهو قول مرادف في معناه لقول بقية الحكام المنطقة “أن الإسلام أساس غير مشروع للأحزاب السياسية”. إذن فهذا الشرط طعنٌ في الإسلام واستهزاءٌ بالمسلمين وليس احتراماً للإسلام أو تقديراً له، وهو أيضاً إبعادٌ للأمة عن الأحزاب السياسية التي تتخذ الإسلام مبدءاً لها والتي تمثل الطريق الصحيح المؤدي لنهضة الأمة والمحافظة على كيانها، والكفيل بعدم انتكاس المجتمع إلى حضيض الجاهلية.
وأما الأغراض الحزبية كما يقولون، فإن حكام المسلمين وقطاعاً كبيراً من السياسيين لم يألفوا إلا دناءة أحزابهم الإسمية وخسَّتها التي أنشأها لهم الكافر المستعمر، لتكون وسيلة لهم لخداع الأمة وتضليلها وهي جميعها لا ترقى لأن توصف بكلمة حزب، بل الأنسب وصفها بعصابات الإفساد السياسي، والنهب والتخريب الاقتصادي، ولذا فهم يستملون هذا التعبير لتنفير الأمة من المنقذ الوحيد لها أي من العمل السياسي على أساس الإسلام بشكل تكتلي.
3- أما ترقية الهوية الوطنية في أبعادها الثلاثة العربية والإسلامية والأمازيغية.
ففي هذا الشرط خداع وتضليل فوق ما فيه من دعوة جاهلية ذميمة: فمنذ متى كان لأهل الجزائر انتماء وهوية غير الإسلام؟
فالقاصي والداني يعلم علم اليقين أنه منذ أن أكرم الله تلك البلاد بالإسلام، وهي لم تعرف لها هوية غيره، ولم تنظر لانتماء سواه، والغرب الكافر نفسه الذي يعمل جاهداً لإحياء جثة الجاهلية النتنة، لا يفرق بين كلمة مسلم وجزائري فهو يعمل أن أهل الجزائر ليسو إلا جزءاً من الأمة الإسلامية.
ثم ماذا تملك القومية العربية أو الامازيغية من مقومات النهضة؟
إن القومية رباط عاطفي يربط بين أبناء قوم معينين، فهي رابطة قبلية ضيقة، لا تصلح لأن تربط بين بني البشر، ولا أن توحدهم على فكر، لأنها خالية من الفكر، وبالتالي لا تستطيع أن تنظم العلاقة بينهم، وتعطي المفاهيم الصادقة عن الحياة لتحدد سلوك الفرد والجماعة فيها، وبالتالي فهي لا تصلح لإنهاض الأمة، ودعاة القومية وروادها الأوائل الذين كانوا من غير المسلمين يدركون ذلك، ولذا فهم على امتداد تاريخهم المشين الذي بدأ بزرع الكافر المستعمر لهم ولفكرتهم الخبيثة، يمدون أيديهم لاستجداء الأنظمة والأفكار تارة من الاشتراكية وأخرى من الرأسمالية، والآن يتمسحون في الإسلام ليجعلوا منه ورقة التوت التي تواري سوءاتهم.
ونظرة واحدة إلى الحروب التي أوجدتها القومية بين أبناء المسلمين من عرب وترك وأكراد وفرس وبربر تُري أنها قضت على مئات الآلاف وربما الملايين من زهرة شباب الأمة الإسلامية، واستنزفت ثرواتها، ودمرت أسلحتها ومرافقها الحيوية، وأوصلتها إلى حال من التمزق والخزي لم يسبق لها مثيل.
إن الإسلام قد حرم الدعوة إلى القومية وذمها وعمل وأدها، والقضاء عليها، وجعل من يدعو لها ليس من المسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى عصبية فليس منا» وجعل من يموت وهو يقاتل عنها يموت ميتة جاهلية عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعوا إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقتل فقتلته جاهلية».
هذه نماذج للكفر البواح الذي يحويه التعهد الكتابي الذي يجب أن يعطيه كل مرشح للرئاسة.
فأي رئاسة تلك؟ وأي مسلم هذا الذي يقبل بهذا الكفر البواح؟ ولمصلحة من؟ ومن هم هؤلاء الذين أعطو لأنفسهم حق فرض هذا الكفر وذلك الضياع على أهل الجهاد، أهل الإيمان، وحماة الإسلام، ألا يعلم هؤلاء إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب.
1995-10-31