السلطات السعودية تلاحق العلماء
1992/03/31م
المقالات
2,046 زيارة
كان من المفروض أن ينشر الملك فهد دستوراً لنظام الحكم وقوانين لمجلس الشورى والمناطق في الذكرى العاشرة لتسلمه الحكم ولا شك أنه سينقل ممارسات النظام نقلة كبيرة باتجاه العلمنة وتقليص نفوذ علماء الدين. وهو مهد لذلك باعتقال عدد منهم ومنع عدد آخر من التدريس والخطب والكلام والكتابة. وقد شكلوا لجنة خماسية لتعطي الأوامر بشأن العلماء الذين تقع عليهم العقوبات. وقد جعلت السلطات السعودية من الشيخ عبد العزيز بن باز أداة لأخذ الفتوى منه باعتقال العلماء أو كمّ أفواههم. وابن باز يستند في فتاويه ضد العلماء إلى شيخ الفتنة فهو يعطي الأمر للعلماء أن لا يتكلموا ضد السلطة منكراتها لأن الكلام في هذا يؤدي إلى فتنة. فإن سكتوا وإلا فالاعتقال والعقوبات. وفيما يلي رسالة احتجاج من أحد هؤلاء العلماء على هذه الممارسات.
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة والله وبركاته وبعد:
فقد تلقيت الخطاب المبني على قرار اللجنة الخماسية والقاضي بإيقافي عن الخطابة والمحاضرات والندوات. وبعد تأملي لهذا القرار وإمعاني النظر فيه رأيت لزاماً على أن أبين لسماحتكم رأيي فيه وموقفي منه:
أولاً: أن الدعوة إلى الله فريضة محكمة ليست عرضة لأي نوع من الحجر أو المنح أو التقييد ولا يستثنى من ذلك كون الذي أصدر الأمر عالماً أو أميراً.
ثانياً: أن إصداركم هذا القرار نابع عن اجتهاد أنتم مأجورون عليه إن شاء الله. والاجتهاد في مثل هذه المواضع ملزم لمن ترجح عنده هذا الاجتهاد. أما من فهم من الأدلة الشرعية خلال ذلك فقواعد الشريعة لا تلزمه إلا بما ترجح لديه لأن الله أمر بالرد إليه وإلى رسوله ولم يأمر بالرد إلى مجتهد بعينه.
ثالثاً: أن الفتنة التي تسعون جاهدين ومخلصين لإطفائها إنما تردك بميزان الشرع لا بإيحاء وضغط أهل السلطة. والفتنة إنما تقع بترك المنكر يتفاقم والباطل ينتعش، بل أعظم من ذلك فتنة أن تمنع الدعوة إلى الله والصدع بالحق والنهي عن المنكر، بل الفتنة كل الفتنة أن يصدر هذا من علماء أجلاء ومشايخ أفاضل فيوقعوا المسلمين في بلبلة وفوضى لا يعلمها إلا الله.
رابعاً: إن من المفارقات العجيبة أن تكون التجاوزات التي اتهم بها الدعاة لها الأولوية عند اللجنة على المنكرات العظيمة التي ضربت أطنابها وتدخل في كل تفاصيل حياة الأمة. ويصدر القرار تلو القرار ضد الدعاة وينفذ فوراً ولا يصدر قرار واحد بخصوص هذه المنكرات وأصحابها والمسؤولين عنها.
خامساً: إن مما يخشى أن يكون فيما اتخذت اللجنة من إجراء فتح باب فسيح لأهل الباطل ليصفوا أهل العلم بالفرقة والنزاع والخلاف، بل يخشى أن يكون تنفيذاً غير مقصود وعن حسن نية لمخططات أعداء الإسلام الذين صرحوا في وسائل إعلامهم أن أفضل وسيلة لضرب الصحوة أن يتم من خلال بعض علمائها، والمخزن المؤسف لو تمكن أعداء الدعوة من التلاعب بها من خلال بعض أهلها.
سماحة الشيخ:
لقد ترجح لدي بعد كل هذا التأمل أن الاستجابة لذلك المنع مخالفة للنصوص القاضية بفرضية الدعوة إلى الله، وإشعال للفتنة بدلاً من إطفائها، ولا أجد مفراً من الامتثال لأمر الله وعهده وميثاقه علينا جميعاً في قوله: (وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ) وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ). وأشهدكم بعد الله أني سأحتسب عند الله عزّ وجلّ الصبر على ما يترتب على استمراري في الدعوة إلى الله والصدع بالحق. وأسألكم بالله الذي لا إله إلا هو أن تراجعوا أنفسكم وتسعوا إلى إلغاء هذا القرار حتى لا توقعوا الدعوة كلها في حرج وبلبلة. وفقني الله وإياكم للصواب ورزقنا الإخلاص في القول والعمل.
عبدالمحسن بن ناصر العبيكان
1992-03-31