بريد الوعي
1996/05/30م
المقالات
1,632 زيارة
بقلم.د. توفيق الحاج
قرأت في العدد الماضي موضوع عبرة من الأندلس للكاتب طالب نصر الله وأود توضيح بعض الأمور.
الموضوع من حيث هو جيد وفيه عبر ودروس للمستقبل إنشاء الله ولكن أحببت تصحيح بعض ما ورد بها في شأن المعتمد بن عباد. فإن ما ورد بالمقال تجاوز وتحامل كبير على ابن عباد. ونظن أن السيد طالب قد اطلع على مصادر غربية كتبها الأوروبيون والمستشرقون، فإن الكثير من المؤرخين المسلمين الذين أرخوا للأندلس أثنوا على المعتمد بن عباد خيراً.
إذا ورد في مقال السيد طالب مثلاً: بالإضافة إلى ذلك أي عمولة ابن عباد للأسبان كان المعتمد حاكماً مستبدّاً امتاز بالقسوة المفرطة على مخالفيه. وكانت أجهزة الأمن الوقائي لديه تمارس القمع والبطش ضد الجماهير في مكان يدعى حديقة الرؤوس.
ويقول كذلك كانت علاقة المعتمد بن عباد بغيره من ملوك الطوائف مليئة بالخيانة والغدر وتدبير المكائد. ولكن ما ورد عنه في المراجع الإسلامية يخالف ذلك واضرب أمثلة لذلك:
1- أورد ابن كثير في كتابه البداية والنهاية (وفي هذه السنة أي سنة 484 هجرية ملك أمير المسلمين يوسف بن تاشفين صاحب بلاد المغرب كثيراً من بلاد الأندلس وأسر صاحبها المعتمد بن عباد وسجنه وأهله, وقد كان المعتمد هذا موصوفاً بالكرم والأدب والحلم وحسن السيرة والعشرة والإحسان إلى الرعية والرفق بهم فحزن الناس عليه, وقال الشعراء في مصابه فأكثروا).
ويقول الدكتور حسن إبراهيم حسن في كتابه تاريخ الإسلام الجزء الرابع وقد ولي المعتمد على حكم أشبيلية ويشبهه المؤرخون بالخليفة الواثق العباسي في سعة إطلاعه وغزارة أدبه، وكان شعره –كما وصفه المراكشي “كأنه الحلل المنشرة”, واجتمع له من الشعراء وأهل الأدب ما لم يجتمع لملك قبله من ملوك الأندلس”. عبر المعتمد البحر قاصداً مدينة مراكش حاضرة الدولة المرابطية مستنجداً بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وطلب إليه الحضور لنجدة المسلمين والجهاد ضد المسيحيين في الأندلس. ثم يقول: وفي سهل الزلاقة على مقربة من بطليوس وقف جيش المعتمد في المقدمة وعسكر جيش ابن تاشفين خلف أكمة عالية من الجبل. ويقول: وكان من خلال زياراته أي يوسف بن تاشفين يظهر إعجابه بمواهب المعتمد العبادي ويشيد بكرم ضيافته. ثم يذكر بعد موقعة الزلاقة: وقد رأى بن تاشفين أن يوحد جهود المسلمين في جهاد النصارى، فكتب إلى ملوك الأندلس يدعوهم إلى منازلة النصارى, وطلب أن يكون اجتماع الجيوش المشتركة في حصن ليبط. ولما وصلت جيوش يوسف بن تاشفين إلى هذا الحصن ساءه عدم استجابة أمراء الأندلس إلى دعوته، إذا لم يستجب لها سوى ابن عبد العزيز صاحب مرسية والمعتمد بن عباد).
ويذكر الدكتور عبد الرحمن علي في كتابه تاريخ الأندلس صفحة 390:
وخلفه ابنه أبو القاسم محمد بن عباد الملقب بالمعتمد على الله الذي يبدو رغم ما – يؤخذ عليه- أقرب أفراد هذه الأسرة شبهاً بمؤسسها القاضي أبي الوليد إسماعيل بن عباد المذكور بحسن السيرة والعفة عن القسوة, ووُصف المعتمد بأنه من الملوك الفضلاء والشجعان العقلاء والأمراء الأسخياء المأمونين عفيف السيف والذيل.
ثم يذكر عن استدعاء المعتمد لابن تاشفين قال: أرسل الفونس سفارة إلى المعتمد لتسلم الأموال التي تعهد المعتمد بتأديتها إلى ملك قشتالة، وأن يسمح لزوجة الفونس أن تلد في مسجد قرطبة الجامع حسب إشارة القسيسين والأساقفة، كما سأله أن تنزل الزوجة في حديقة الزهراء حسب إشارة الأطباء، وكان بن شاليب اليهودي وزير الفونس رئيس هذه السفارة وبصحبته عدد من الفرسان القشتاليين. جرت المفاوضات…… واشتط في مطالبه – أي وفد الفونسو- وانتهى الأمر بقتل هذا السفير واعتقال الوفد.
ثم يستطرد فيقول: كتب الفونس حينما كان محاصراً أشبيلية إلى ابن عباد يقول: “كثر لطول مقام في مجلس الذبان واشتد علي الحر فاكفني من قصرك بمروحة أروح بها على نفسي وأطرد بها الذباب عني” فوقع له ابن عباد على ظهر الرقعة: قرأت كتابك وفهمت خيلاءك وإعجابك، وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية في أيدي الجيوش المرابطية تروح منك لا تروح عليك إن شاء الله. فلو كان ابن عباد عميلاً لملك قشتالة لما حصل منه ما حصل. إن المعتمد كان من المشجعين على استدعاء المرابطين للجهاد في الأندلس وكان ابن عباد في مقدمة الجيش في معركة الزلاقة، يقول الدكتور حسن إبراهيم نقلاً عن عبد الواحد المراكشي “ثم جاء يوم الجمعة وخرج يوسف بن تاشفين للصلاة, وأوجس المعتمد بن عباد خفية من ناحية المسيحيين وظل في جنده شاكي السلاح، وحمل المسيحيون على المسلمين، ففاجأهم جند المعتمد وحمل المرابطون السلاح واستووا على ظهور خيلهم، واختلط الفريقان. “ويقول أيضاً “لقد أثارت هزيمة الفونس السادس في موقعة الزلاقة التي جرح فيها وقتل معظم جنده عوامل الحقد والضغينة على المعتمد بن عباد، لأنه هو الذي دعا يوسف بن تاشفين إلى قتال نصارى الأندلس، لذلك عول الفونس على أخذ الثأر من المعتمد- فهل يحصل ذلك من عميل؟
1996-05-30