فقه الواقع وفقه الموازنات مكر لتحريف الإسلام
2016/10/29م
المقالات
3,144 زيارة
فقه الواقع وفقه الموازنات مكر لتحريف الإسلام
بقلم: محمود عبد الكريم حسن
الفقيه يلزمه أن يعرف واقع المشكلة التي يعالجها ويلزمه أن يعرف النصوص الشرعية المتعلقة بهذه المشكلة. واقع المشكلة هو ما يسمّى بالمناط، وحين نقول (فقه الواقع) نقصد معرفة الواقع والإحاطة به والتفقه فيه. وهذا يعتمد على العقل والخبرة بالواقع، وهو لا يقل أهمية عن التفقه في النصوص الشرعية المتعلقة بالواقع. ويمكن للفقيه أن يعتمد على أهل الاختصاص في معرفة الواقع.
أما ما يقصده المحرفون من عبارة (فقه الواقع) فهو شيء آخر. إنهم يقصدون التلاعب بالنصوص الشرعية وتحريفها وتجديدها لتصبح موافقة للأفكار الغربية والأذواق الغربية الطاغية في العالم الآن.
من أسلحة الكفار ضد الأمة الإسلامية:
إن الأخطار والمصائب والفتن التي أصابت الأمة الإسلامية في هذا القرن كبيرة وكثيرة، بدءاً بهدم الخلافة وإنهاءِ الوجود السياسي للمسلمين كأمة واحدة ذات كيان سياسي واحد يقوم على عقيدة ينبثق عنها نظام شامل للحياة والناس، مروراً بتفتيت وتقطيع أوصال الأمة إلى كيانات هزيلة مرتبطة بالغرب سياسياً وبعقيدة فصل الدين عن الحياة والعلمنة فكرياً، وما ينبثق عنها من أفكار كفر كالديمقراطية وحرية العقيدة وسائر الحريات العامة، كإطار عام لتشريع الأنظمة وقوانين الحياة والعلاقات، ومروراً بزرع الحركات والأحزاب الشيوعية والاشتراكية والقومية والوطنية والعلمانية في سائر شعوب الأمة الإسلامية لتكون بديلاً عن عودة المسلمين إلى عقيدتهم وشريعتهم ولتكون سداً منيعاً في وجه الدعوة الإسلامية وحملتها. وإلى جانب هذا، الحملات المسعورة التي شنها الكفار وعملاؤهم وأذنابهم على عقيدة الإسلام وتشريعاته. أضف إلى ذلك حملات التشويه والتنكيل والتقتيل، والإعلام الكاذب، والدجل والتلفيق…التي ارتكبت وما تزال، في حق الإسلام وحَمَلَته المخلصين الذين لا يرجون إلا الله ولا يطمعون إلا برضاه. ولسنا بصدد تفصيل مثل هذا الأمر، وإنما أردنا الإشارة إلى أن كل هذه الفتن والأخطار لا تبلغ عُشْرَ مِعشار الخطر الداهم الذي صارت خطواته ومنعطفاته ومفاصله واضحة لمن تتبع وضع هذه الأمة، ليس فقط لأنها أمته، وإنما لأنها خير أمة أخرجت للناس، هكذا كانت وهكذا ينبغي أن تكون، ولأنها الأمة الوحيدة التي نجحت في أن تتلقى الأمانة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تبلغتها وحملتها وأدتها: (وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً). هذه الأمة التي عصمها الله – كأمة – بالقرآن الكريم إن هي تمسكت به، تخلَّت عن هذا الموقع ردحاً من الزمن، وتكالبت عليها الأمم تنهشها وتذلها وتقطع أوصالها. وما أن استفاقت لحظة وأدركت ولمست أن كل ما حل بها من هدم لدولتها وقضاء مبرم على سلطانها، ومن تفتيت لها للإبقاء على ضعفها وتبعيّتها لعدوها الكافر، وكل ما أصابها من تضييع لكرامتها وتمريغ أنفها بالتراب على أيدي أحقر الناس وأذلهم: يهود، وأشياعهم من أمريكان وروس وبريطانيين وفرنسيين وغيرهم، ومن احتلال وتدنيس لمقدساتها: الأقصى والقدس وما حولها، والبلاد والأراضي المقدسة التي هبط فيها وحي الإسلام وبزغ فيها فجره وشعَّ فيها نوره، بعد أن أدركت أمتنا ولمست كل هذا تنبَّهت وتلفَّتت يمنةً ويسرةً فلم تجد إلا حاكماً فاجراً هنا ورئيساً كافراً هناك، وكُفْرَ وطنيةٍ هنا، وكفرَ قوميةٍ هناك، وأنظمةً طاغوتيةً مُزَيَّنةً مجَمَّلةً بألفاظ العزة والكرامة والوحدة والتقدم، بل وأكثر وجدت أن الذوق صار فاسداً والمزاج موبوءاً، وألفاظ الكفر صارت من زينة الأفكار كالديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان، وما إلى ذلك من شعارات الدجالين.
الأمّـة والصحوة:
وما أن تنبهت الأمة حتى لفظت وتخلت عن كل ما يمكنها التخلّي عنه، وإذا الحركات الوطنية والقومية والاشتراكية شيء من التاريخ، لم يبق فيها أثر إلا بمقدار ما تنفخ فيها أنظمة الطواغيت. ولم يبق لها من تأييد حقيقي في الأمة إلا بمقدار ما يبقى من الشيء بعد استعماله واستهلاكه، فإما أن يُلقى في القمامة وإما أن يعاد صهره أو تشكيله لإعادة امتهانه في وظيفة دنيئة أخرى.
هذا ما حصل، وإذا الأمة تبدأ بالتفتح على حكمة الله سبحانه : (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) وعلى سنته في خلقه: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً…)، وتبدأ بتلمس طريقها للخروج من هذه الفتنة (أَوَلا يَرَوْن أنهم يُفتنون في كل عامٍ مرةً أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكرون). فبدأت التوبة وبدأ التذكر، وبدأت العودة وبدأت الصحوة، واستشعر الكافر المستعمر خطراً محدقاً به؛ ماذا يريد المسلمون؟ دولة إسلامية واحدة؟!، أمة إسلامية واحدة؟!، نظام حياة يقوم على: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؟!
وماذا يحل بالكفر وشعوبه؟ وكيف يبسط الكافر المستعمر سيطرته الاقتصادية؟ وكيف يجعل نظامه الرأسمالي نظاماً عالمياً وحيداً لا منافس له؟ وكيف يكفي نفسه ويسد حاجاته من خيرات هذه الأرض وهذه الأمة؟
خوف الكفار من عودة الخلافة:
إن وجود الكيان الإسلامي المتمثل بالخلافة الإسلامية الحقيقية فعلاً لا اسماً فقط، إن هذا الوجود نذير خطر للرأسمالية الكافرة ولهيمنة أمريكا والدول الكبرى. لقد سقطت الشيوعية كدولة، وسقطت كعقيدة وأفكار، ولقد هُدِمَت الدولة الإسلامية منذ حوالي ثلاثة أرباع القرن، كدولة وسلطان، ولكن الإسلام لم يسقط كعقيدة وشريعة، لقد ابتعد المسلمون كثيراً عن الإسلام فترة من الزمن. ولكن، ها هم بدل تركه كلية وتبني الرأسمالية يعودون إلى الإسلام ويتطلعون إليه كنظام سياسي وكسلطان وخلافة، ها هم يعودون إلى القرآن والسنة يستنطقونهما حكمهما على الرأسمالية والديمقراطية، ويستنبطون منهما حكم الردة، وحكم تعدد الدول الإسلامية، وحكم قوانين الأمم المتحدة، وحكم الجهاد، وشتى أحكام الفقه الدستوري. إن المسلمين بدأوا يتلمسون الطريق والطريقة، وشرعوا يسعون لاستعادة هويتهم وبدأوا يعلنون: هُويَّتي عقيدتي. ونظام حياتنا ينبثق من عقيدتنا.
أفيترك الكافر المهيمن هذه الصحوة تسير صُعُداً حتى يستعيد المسلمون خلافتهم وسلطانهم، وتكون بداية غيض الكفر؟ كلا، ليس هذا شأن الكفار، ليس هذا شأن شياطين الجن والإنس، إبليس وذريته وأتباعه وأمريكا واليهود وحلفائهم، ليس هذا شأن الطواغيت.
خطة لصرف المسلمين عن الخلافة:
هذا الطاغوت فكّر وقدّر، وخطط ومكر، وبدأ بتنفيذ خطته التي هي أخطر من كل ما سبق. عنوانها القضاء على الإسلام.
لقد وجد الطاغوت أنه على الرغم من كل ما فعله بالمسلمين، ومن كل ما كاد لهم، فما زال الإسلام يشكل خطراً عليه، ووجد أنه ليس من المجدي ولا من حسن التأتي للأمور، أن يهاجم الإسلام ليقضي عليه في مواجهة صريحة يتمايز فيها أهل الإسلام وأهل الكفر ونهج الإسلام ونهج الكفر، لئلا تتمسك الأمة بدينها وتعرف الكفر وتتعرف عليه فتحذر منه. لقد كان المخطط، أو لنكن أكثر دقة، بعض هذا المخطط وأخطر ما فيه، أن تُخْدَعَ الأمة فتُعطى الكفر بعينه، الرأسمالية بعينها وببعض تفاصيلها، بعد أن يسمى كل ذلك إسلاماً. فتسعى الأمة بيديها لتقضي على الإسلام ولتناضل لإحلال الكفر، واهمة أن هذا هو الإسلام، تفعل كل ذلك مسرورة منتشية بالانتصار. ومن هذا المكر الخطير لأجل كل ذلك أن تقاد الأمة ببعض الباطنيين والعلمانيين واليائسين والضالين، بعد أن تُشْهِرَهم وتُبْرِزَهم وتُلَمِّعَهم أجهزةُ الطواغيت وأدوات إعلامه. فتعمل على إبرازهم كعلماء وقادة للأمة الإسلامية، وكمفكرين ومجتهدين يستحقون من الأمة السمع والطاعة. وبعد أن تتوفر لهم هذه الصفة، تؤيدهم الأمة وتسمع لهم وتصدق أقوالهم وفتاويهم وتضفي عليها الشرعية الإسلامية. فإذا نجح هذا يطلع علينا هؤلاء بأقوال وتصريحات وفتاوى ومؤلفات تغير أحكام الإسلام، وتستبيح محرماته لتتفق أحكام هذا (الإسلام الجديد) مع أفكار وقوانين الفكر الغربي ومع مفاهيم الغرب عن الإنسان والحياة.
ويترافق هذا المكر والكيد مع خنق كل صوت للحق ومهاجمته وتصويره بأبشع الصور، وبملاحقته وضربه بصمت مطبق، وإذا اضطروا إلى إظهار شيء من ذلك مهدوا لفعلهم بأنهم يريدون السلام والقضاء على الإرهاب.
هكذا يخططون وينفذون ليدوي صوت الباطل، وتنتشر كلمة الكفر، بعد أن يسمى الباطل حقاً والكفر إسلاماً، وليغيض صوت الحق ولا يجد من يسمعه بل يقاوَم ويلاحق حتى يُقضى عليه. وإذا ما آمنت الأمة لهذا الكفر، ووثقت به أنه حق ومشروع، وَوُضِعَتْ على سكة الردة، يهنأ الشيطان وأتباعه، ويقودون الأمة بسهولة ويسر إلى لجة الكفر.
هذا هو مكرهم أو بعض مكرهم فهل ينجح؟ إن المؤمن بوعد الله وبنصر الله وبسنة الله في خلقه يعلم أن هذا المكر ليس له إلى نجاح من سبيل، ولطالما مكروا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالمؤمنين، فحاق بهم مكرهم السيء وحل بهم ما يمكرون. قال تعالى: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكِرين). وقال أيضاً: (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون* وأُمْلي لهم إنّ كيدي متين).
مكمن الخطر في الخطة:
وقد يتساءل القارئ: ما هي الوقائع الدالة على هكذا خطة وكيف يكون هذا المخطط أخطر من كل ما سبقه؟ فأقول وأؤكد أن الخطر كل الخطر في أن تتمسك الأمة بأفكار الكفر، بل بأفكار كلية من الكفر، واهمة أن هذا هو الإسلام، وواهمة أن الإسلام قد سبق كل التشريعات الحديثة إلى هذه الأصول والفروع، فتصبح قواعد التشريع الغربي الكافر وأصوله ثوابت ومفاهيم مُسَلّمة عند المسلمين، يتم بناءً عليها تأويل النصوص الشرعية والأحاديث وتخصيصها وتقييدها، بل وإلغاؤها وتجاهلها أحياناً والحكم عليها بالرد والضعف، لأنها تتناقض مع أصول أقوى منها وأثبت، وما تلك الأصول إلا أفكار غربية أي كفر، تم تسويقه وتعميمه على العالم ليكون من أسس وقواعد التفكير. ويقوم بعض الـمُلَمَّعين والـمُبْرَزين كمفكرين إسلاميين بتسويق قواعد الكفر هذه عن طريق زعمهم أن هذه القواعد إسلاميةٌ أصيلةٌ في الإسلام، سبق الإسلامُ كلَّ التشريعات الغربية بالإعلان عنها. فتنطلي الخدعة على المسلمين وتتناول الأمة الكفر وتَرُدُّ أحكام الإسلام، ويكون هذا طريق إلغاء الوجود السياسي والتشريعي للإسلام في الحياة باسم الإسلام نفسه وبالفتاوي المسماة إسلامية وبأيدي المسلمين أنفسهم.
فمثلاً بإقناع المسلمين أن الإسلام سبق غيره من الشرائع بإقرار حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة في كثير من المجالات، يتم الخداع بتعميم الأمر حتى يتناول المساواة في كل المجالات، ثم تطبيقه على حق المرأة في الحكم ويُزعم أن هذا حق أصلي ثابت. فإذا ما تعارض هذا القول مع النص الشرعي الصحيح: «لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة» انبرت أقلام علماء السلاطين والعلمانيين المتسترين بالإسلام والملمَّعين، لتأويل هذا الحديث، أو لتعليله بعلةٍ لا وجود لها اليوم، أو للقول إنه خاص بقوم مُعَيَّنين ولا يصح تعميمه. وإذا لم يتمكن علماء الطواغيت من أيٍ من هذا زعموا أن المصلحة تقتضي ترك هذا النص. وما ذلك إلا لأن هذا الحكم الشرعي المتَّفَقَ عليه يتناقض مع قواعد حقوق الإنسان في الفكر الغربي.
وبإقناع المسلمين مسبقاً بإن التشريعات الغربية والقوانين الدولية المتعلقة بحسن الجوار وعدم التدخل بشؤون الدول الأخرى، وحق تقرير المصير وسواها، قد جاء بها الإسلام وأقرها. يصبح الجهاد الذي نادى به الإسلام، وحَمْلُ الإسلامِ إلى الشعوب والأمم الأخرى ودعوتُها إلى الإسلام، والجهاد في سبيل ذلك، يصبح اعتداءً، ويصبح محرماً في عصرنا، ويتم تأويل آيات القرآن الكثيرة في هذا الموضوع، ويتم إنكار كثير من الحقائق الساطعة والأحكام الشرعية القطعية في هذا الأمر.
ولأن الديمقراطية الكافرة والحريات العامة تقتضي حرية العقيدة وحرية الرأي والحرية الشخصية وحرية الملكية، يتم تأويل وتحريف الأحكام الشرعية الإسلامية، فيطلع علينا نابتة هذا الزمان الملمَّعون المبرَزون بأن المرتد لا يُقتل. وإذا صفع وجوههم الحديث الصحيح: «من بدل دينه فاقتلوه» وإجماع الصحابة والعلماء والأمة على وجوب قتل المرتد إن لم يرجع، رأيتهم يصولون ويجولون ويحرفون ويكذبون ويقتطعون من كتب الفقه ما يغير معاني ما فيها، فإذا ما كذبتهم الحجة والدليل زعموا أن المصلحة تقتضي ترك هذا الحكم، وتنادَوْا فيما بينهم إلى ما يسمونه فقه الواقع وفقه الموازنات وفقه المصالح وفقه الضروريات، وقالوا إن الفقه القديم قوالب عتيقة لا تلائم عصرنا ولا تنفع له. وما كل ذلك إلا لأن أفكار الحضارة الغربية صارت لديهم بمثابة أسس ومفاهيم قطعية لا عدول عنها، حتى ولو تجاوزوا نصوص القرآن والسنة والأحكام الشرعية القطعية، وبنفس الطريقة يطلعون علينا بإباحة الربا، وإباحة تولي الكافر حكم المسلمين، وحق الشيوعيين والعلمانيين وسائر الكفار بنشر أفكارهم ودعاويهم.
إن الأمثلة على هذا الأمر كثيرة ولن نستقصيها في هذا البحث الموجز. وإنما قصدنا من خلال هذه الأمثلة بيان أن المقصود من تحريف الدين هو إسباغ صفة الإسلام على الأفكار الغربية التي يريد الكافر المستعمر تعميمها على العالم وحكمه بها.
إن هذا دجل لا ينادي به إلا ضالٌّ مُضِلٌّ، ولا يتم تسويقه إلا بسلطان الكفر وأنظمته وأجهزته، وبالاعتماد على هذه الأنظمة لتقوم بخنق صوت الحق المنادي بتحكيم القرآن والسنة، والمنادي بتحكيم الدليل الشرعي لا بتحكيم الهوى والمصلحة.
ولأن هذه الأفكار سرعان ما يتنبه المسلمون إلى أنها كفر فيلفظونها، بعد أن يتبين لهم أن نصوص القرآن والسنة تردها، وأن اجتهادات الصحابة والعلماء وتطبيقات الأمة الإسلامية عبر العصور تردها وتنقضها، فلا بد لعلماء الطواغيت ومفتيهم وأعضاء المعاهد ذات التبعية الغربية للنشر والبحث وللعلمانيين المتسترين بالإسلام وللعملاء من ذوي العلم الشرعي، لا بد لهم من إيجاد الأساليب وإشاعة الأفكار والآراء التي من خلالها يعطلون النصوص، بل والتي من خلالها يزعمون أن من يستدل بهذه الآيات وبهذه الأحاديث الشريفة هو جاهل بالشريعة ، وجاهل ليس عنده شيء مما يسمونه فقه الواقع وفقه الموازنات، وهو أيضاً لا يفهم بالمصالح وبالضرورات. وفي هذا المقام أشير إلى مقالات نشرتها مجلة الوعي تحت عنوان (تحريف الإسلام) في الأعداد: (العدد (88) رد افتراءات على الإمام الشاطبي، العدد (91) الإسلام أمام مذهب التحريف باسم التجديد والعصرنة، العدد (93) تحريف الإسلام باسم التجديد والعصرنة).
ما يسمونه فقه الواقع وفقه الموازنات:
وأذكّر هنا بفقه الموازنات والأولويات وفقه الواقع الذي تحت عنوانه يغيرون أحكام الله الثابتة بالدليل الشرعي، ولا يأتون على ذلك بأي دليل سوى قولهم: إن النص يقول كذا ولكن الموازنة تقتضي كذا، أو فقه الواقع يقتضي كذا، ويزعمون بهذا أنهم علماء بالواقع، وليس لفعلهم هذا أي تأييد من نص أو عالم أو فقيه خلال عصور أمتنا. فضلاً عن أن النصوص تصفع وجوههم. فمثلاً عند حديثهم عن جواز تولي المرأة للحكم، علماً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، فإنهم يشرعون رخصة بأهوائهم ولا يأتون بأي دليل شرعي، ولكن يقولون: الموازنة تقتضي الجواز. وكأن الله الذي شرع الحكم لم يأمرهم بتحكيم شرعه والتسليم به، بل كأنه قال لهم: هذا أمري وإن وجدتم أنه لا يصلح لكم فاتبعوا عقولكم وأهواءكم . ولقد أجمع القائلون بالمصالح المرسلة، أن كل أمر أو فعل وإن كان فيه مصلحة، إذا عارض نصاً من قرآن أو سنة فإنه يكون غير مشروع وتكون المصلحة لاغية لا يؤخذ بها ولا تتبع، بل هي مفسدة. والذين ردوا القول بالمصالح المرسلة، ردوا فكرة اتباع المصالح أصلاً. ولهذا الأمر تفصيل فقهي وأصولي لسنا بصدده، وإنما أشير هنا إلى أن مثل هذه الآراء وهذا النهج في التفكير والاستنباط رده الفقهاء المعتبرون والأصوليون جميعاً واعتبروه تشريعاً من خارج الإسلام واتباعاً للطاغوت.
هل أقرّ موسى وهارون (ع) عبادة العجل:
ويزداد الأمر استغراباً، بل خطراً عندما نجد من هؤلاء الـمُبْرَزين والملمَّعين من يطبق الموازنات العقلية على الرضا بترك العقيدة، ويزعم أن هرون أخا موسى عليهما السلام قد رضي من القوم الذين استخلفه عليهم موسى عبادةَ العجل. ويضلل ويمرر افتراءاته في هذا الأمر ليزعم تطبيق الموازنة هنا، وأن الموازنة بزعمه اقتضت أن يرضى هرون من القوم أن يعبدوا العجل وذلك كي لا يفرق جماعة المؤمنين. وهل أرسل الله الرسل وأنزل الكتب إلا ليُعْبَدَ وحده، ولتكون الرسل والكتب فرقاناً بين الحق والباطل، بين الإيمان والكفر، وهل هناك ذنب وإثم بل كفر أعظم من أن يُعبد غير الله وأن يُصلَّى ويسجد لغير الله سبحانه؟ وهل يكون مؤمناً من يرضى بعبادة العجل. أي وحدة هذه التي يضحي الأنبياء بعقيدة التوحيد لأجلها، والله تعالى يقول على لسان موسى: (قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين). وهل يجهل من عنده قليل من علوم الشريعة ومن فهم العقيدة أن كل دعوات الأنبياء تقتضي أن يتفرق الناس فرقتين أو فئتين: فئة المؤمنين وفئة الكافرين. ألا نجد هذا المعنى في عشرات بل مئات آيات القرآن الكريم. قال تعالى: (ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير)، إذن هم أمتان المؤمنون يدخلون في رحمة الله، والكافرون ظالمون خارجون عن هذه الأمة. وكيف تكون عند أصحاب فقه الموازنات الوحدة مقدمة على الإيمان ولو على أساس الكفر، والله سبحانه وتعالى يقول: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سُقُفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون* ولبيوتهم أبواباً وسرراً عليها يتكئون). أو لم يفرق القرآن بين الأب وابنه على أساس العقيدة (قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألنِ ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين). ويقول: (وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
إنه إن كان مثل هذا الفقه المزعوم، فقه الموازنات، يطال العقيدة ويسمح بالتنازل عنها أو تغييرها في سبيل مصالح الأهواء التي ناقضت عشرات الآيات، بل ناقضت أسساً قام عليها صرح العقيدة، فما هو الأمر الذي سَيَتَحَرَّجُ من تغييره أو التنازل عنه صاحب هذا الفهم أو هذا القول؟
وحدة الأديان السماوية:
ومثل هذه التحريفات للإسلام ليست إلا أصداءً بعضها لبعض، أليس نبع هذه الطروحات وغايتها هو نفسه نبع وغاية القول بأن المسلم والنصراني واليهودي كلهم أهل ديانة سماوية، ويجب أن يلتقوا ويتحاوروا، إذ أديانهم تخرج من مشكاةٍ واحدة وكلهم مؤمنون، ولا يوجد بينهم صراع فكري أو عقائدي أو سياسي فكلهم أهل أديان سماوية، وإنما الصراع بين الدين واللادين.
تجديد الدين وأصول الفقه:
وما هي غاية دعوة هؤلاء جميعاً إلى تجديد الدين والفقه؟ بل ذهب بعضهم إلى المطالبة بتجديد أصول الفقه، زاعماً أن فقهنا الموروث وأصوله لا يفيان بالغرض وهما متأثران بالإغريق. ومن أشنع ما طلع به علينا هذا القائل زعمه أنه لا يجد أي نص يحرِّم زواج المسلمة من الكتابي. وماذا تراه فعل بقوله تعالى: (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) ويزعم بعض السفهاء أن هذا الرجل قد أقام دولة إسلامية. فما هو السبب ،يا ترى، في كل هذه المزاعم التي تصادم العقيدة والأحكام القطعية والظنية على السواء سوى تحريف الإسلام واستباحة محرماته، ليتوافق مع الأفكار الغربية؟ وما مؤَدَّى ذلك إلا أن يقال لمسلمي الصحوة الجديدة: تريدون إسلاماً؟ خذوا هذا هو الإسلام الحقيقي، وقد طورناه لكم، لأن الإسلام نفسه مرن ويدعو إلى التطور ويرفض الجمود! ولو قال الكفار والطواغيت هذه الأقوال لتنبه المسلمون لها ولحاربوها مباشرة، ولكنهم أخرجوا هذه الفتاوى الكافرة سعياً إلى ردة الأمة عن طريق أشخاص أبرزوهم على مدى سنوات ولَمّعوهم كعلماء ومفكرين ودعاة لتأتي أقوالهم وفتاويهم مؤثرة، وليأتونا بعد ذلك بدين جديد حقيقته الحضارة الغربية: الديمقراطية والحريات العامة والأفكار والمفاهيم الغربية عن الإنسان والحياة والعلاقات ووحدة الأديان، كل ذلك تحت اسم الإسلام بغية القضاء على الإسلام قضاءً مبرماً. ولكن هيهات هيهات فـ (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضلَّ أعمالهم).
مضى زمن الجهاد:
وتتجاوب لأصداء هؤلاء الداعين إلى التكيف مع حضارة الغرب ومعهم اليائسون من رَوْح الله، ليزعموا أن فكرة الجهاد ملغاةٌ اليوم في الإسلام، أو أن الجهاد ليس إلا جهاد الكلمة والدعوة بالكلمة. ويعمد مثل هؤلاء إلى تجاهل النصوص لتضليل عامة الناس، ويعتمدون فقط على ما يوافق ما يريدون الوصول إليه، وإذا جهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته من بعده والأمة كلها ليس إلا دفاعاً عن النفس، أو على الأصح دفاعاً عن النظام السلطوي القائم أو عن الأرض التي متَّع الله بها المسلمين حينذاك. ويسدر صاحب الدعوة في غيه ليزعم أن الدعاة الذين تقتلهم الأنظمة اليوم بحجة الإرهاب ما هم إلا صُـيَّـال قاموا يحاربون لأجل مكاسب شخصية وحركية لا علاقة لها بالإسلام، أما الطاغوت الذي يحكم بالكفر ويقتل الدعاة وينكل بهم، فيستشهد بأقواله ليدلل على صحة مزاعمه.
العلمانية:
بل وصل الحال ببعض هذه الرؤوس الباطنية أن ينادوا علناً بالعلمانية وبالمحافظة عليها، وأن هذا لا يتناقض مع الإسلام، ووجدت مثل هذه الدعوة رؤوساً من هؤلاء المبرزين الملمعين، وحفنة من السفهاء وبعض السذَّج يدافعون عن هذه العلمانية و يبررونها، ويقولون لمن يقول إن العلمانية كفر: فقه الواقع وفقه الموازنات.
ترى أخي المسلم كيف تقوم الحجة على الذين يواجهون دعوات الأنبياء بالكفر والصد عن سبيل الله، وكيف يستحقون عذاب الله في الآخرة والشقاء والضنك في الدنيا؟ أليس بأن تأتيهم الدلائل الواضحات والآيات البينات التي تميز بين الحق والباطل، ثم بعد ذلك يكفرون بالحق والإيمان وبالرسل والأنبياء، ويتبعون شهواتهم وما تهوى الأنفس، وإذا كان هذا هو الميزان عبر العصور، ومع الأنبياء الذين قصَّ علينا القرآن أنباءهم، فلماذا يدعونا هؤلاء الملمَّعون إلى ميزان غيره، ميزان الواقع والموازنات وكأنه آلة سحرية تجعل كل حرامٍ حلالاً بمجرد أن ينطق بها الملمَّع.
المنادي بالعلمانية:
عندما يأتينا أحد هؤلاء المصنوعين على عين الغرب الكافر وبيده وله، وينكشف خطه الفكري والعقائدي والسياسي عبر مواقفه وأعماله بأنه خط يتستر بالإسلام ويتخذه شعاراً، قد ينخدع بعض العوام وغير العوام بهذه الشعارات، وقد يكون لهم عذر إلى حين من الزمن، ولكن عندما يأتي هذا الصنيعة ويعلن للملأ بالفم الملآن إنه علماني يؤمن بفصل الدين عن الحياة، وأنه سيعمل جاهداً لتكريس هذه الفكرة. وعندما يذهب إلى قبر الذي هدم الخلافة وقضى على كل شيء له علاقة بالإسلام في الحياة ويعلن للملأ أنه مملوء حباً وإيماناً واعتزازاً بهذا الزعيم. فبأي حق وبأي دليل يجد البعض مبرراً لتأييده سوى التضليل من الباطنيين المخادعين وأتباعهم من الجهلاء والسفهاء. وهل هناك اكثر من أن يقول الرجل عن نفسه إنه كافر، عندما يقول هذا الرجل إنه لو كان مصطفى كمال أتاتورك حياً لما مشى ولما عمل إلا مع حزبه، ألا يفهم الفاهمون والمهتمون وأيضاً فقهاء الواقع والموازنات والمصالح والضرورات، أنه إذا كان اتاتورك هدم الخلافة ومنع الإسلام بالقانون، فهو سيقلع الإسلام قلعاً من النفوس، وأنه أبرع من أتاتورك في هذه المهمة بحيث يستحق أن يكون مسؤوله وقائده. ألا يفهم هؤلاء أن أتاتورك نفسه سيكون معجباً به وبقدرته على التستر بالإسلام وعلى السير لتنفيذ خطط جهنمية أخطر من هدم الخلافة نفسها. ألا يفهم هؤلاء أنه إذا كان أتاتورك فرض العلمانية فرضاً بالقانون وطبقها بالقوة فهذا سيجعل الناس يشربونها شرباً بأيديهم، ليقضوا على الإسلام فرحين منتشين بسكرهم. وإذا كان ذلك الذي تحدثنا عنه سابقاً قد دعا إلى الرضا من الذين عبدوا العجل وقال فيهم تعالى: (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين) فبماذا يختلف عنه توجهه الفكري هذا الذي يريد أن يُشرب الناس العلمانية، أَلَيْسا هما من شبكة واحدة؟ (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
لكم دينكم ولي دين:
والآن أخي المسلم ، هل ترى أن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فعل مثل هذا؟ لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم في شدة وضيق وضعف وألم وتكذيب، أشد مما نحن فيه، بله أن يكون أشد مما فيه هؤلاء المستوزرون أصحاب العلاقات والثروات والأملاك، ومع ذلك عندما طلب منه الكفار أصحاب السطوة والقوة أن يعبد إلههم سنة ويعبدوا إلهه سنة، لم يقبل. بل إنه رفض رفضاً شديداً وأنزل الله في هذا قولاً قاطعاً لا تستطيع أن تطاله تحريفات الباطنيين إلا بأن يعلنوا ردّتهم، أنزل تعالى سورة ستظل شعاراً لنا بإذن الله (قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون…)، لقد خاطبهم وسماهم بأسوأ الأسماء لهم: الكافرون. وسن لنا قانوناً سارياً إلى يوم القيامة (لا أعبد ما تعبدون)، (لكم دينكم ولي دين).
الوضوح والصلابة في الدين:
إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، رغم كل ما واجهه من ضغط الواقع ومن أذى وعذاب وشدة وضيق هو وصحابته الكرام ظل يخاطب الكفار: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون)، ولم يمتدح أفكارهم أو عقائدهم يوماً من الأيام ولا لحظة من اللحظات. لم يستنبط أحد من العلماء ولا يوجد شيء في نصوص الشريعة وأفعال النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يدل على مثل هذا الذي يسمونه اليوم فقه الواقع.
إنه يومَ قام رؤوس الكفر وبينهم الوليد بن المغيرة يخططون ويمكرون لمواجهة محمد ودعوته صلى الله عليه وآله وسلم، كما يخطط رؤوس الكفر اليوم، يوم حصل هذا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل: نقبل منهم أو نتنازل لهم عن شيء من ديننا علَّهم يخففون هذا الضغط والأذى عـنّـا، ولم يغير أو يبدل مقدار شعرة من دعوته بموازاة عقلية مصلحية، ولم يقل: نفرحهم بأقوالنا ونشرح صدورهم بكفر لفظي أو بتنازل بسيط عن الدين والدعوة في سبيل مصلحة الدين والدعوة، وإنما خاطبهم بوحي قطعي أنزله الله تعالى متلوّاً ومحفوظاً إلى يوم القيامة، كي لا يجد الباطنيون والمحرفون سبيلاً أو حجة إلى تحريفهم، وكي تقوم الحجة على من يجيبهم إلى دعوتهم الكافرة، فتكون هذه الآيات، آيات بينات ودلائل واضحات علينا وعلى أمتنا اليوم، فيستحق من أضله الله على علم عذاب الله تعالى. قال تعالى في الزمرة من أهل السلطة التي اجتمعت تمكر وتكيد للدعوة الإسلامية والتي اتفقت على الخروج لتنفيذ رأي الوليد بن المغيرة: (ذرني ومن خلقت وحيداً* وجعلت له مالاً ممدوداً* وبنين شهوداً* ومهدت له تمهيداً* ثم يطمع أن أزيد* كلا إنه كان لآياتنا عنيداً* سأرهقه صعودا* إنه فكر وقدَّر* فقتل كيف قدَّر* ثم قتل كيف قدَّر* ثم نظر وبسر* ثم أدبر واستكبر* فقال إن هذا إلا قول البشر* سأصليه صقر).
نعم لم يكن في نهج النبي القدوة والأسوة أن يتنازل، لقد فضحهم وكشف أمرهم كما نفعل امتثالاً لهذا النهج، ولم يتخاذل ويبدل ويغير ولكنه فضحه كيف فكر وخطط ومكر ثم توعده وهدده وأعلمه بعاقبة أمره.
هذا هو النهج الذي يجب التأسي به شرعاً وليس هو نهج الموازنات التي تشتري بآيات الله ثمناً قليلاً، وتستبدل الكفر بالإسلام، هذا هو النهج لمن كان يرجو الله وليس الطواغيت: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده…).
التمسك بالحق رغم الشدائد:
نعم هذا هو طريق النبي والأنبياء جميعاً صلى الله عليهم وسلم، رغم كل الشدائد، شدة في الأمن وشدة في السلامة، وضيق في الرزق وفي الأرض ولكن هذا هو طريق الإسلام. لقد كان شعاره واضحاً مهما كانت الشدائد والتهديدات ومهما كانت المغريات، وسيكون نفسه شعارنا إن شاء الله: «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه» وفي رواية «حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة» أي حتى لو قطعت عنقه الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم. وموقفه في عدم التنازل، واضح صريح، فعندما توقفت سبل الدعوة وصدّه القريب والبعيد، وتجمدت مكة وما حولها في وجهه، وآذته مكة وجوارها واستهزأت به وتبعه السفهاء بالحجارة، لم يقل: موازنات، وإنما التجأ إلى حائط بعيد مصدوداً مصدوماً دامِيَ القدمين، بعد أن لجأ إلى أناس لينصروه فسبّوه وأغروا به غلمانهم. فماذا فعل؟ التجأ إلى الله يقول: «أنت رب المستضعفين وأنت ربي» ويقول: «إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري»، ثم يقول «إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي» «لك العتبى حتى ترضى».
هذا نهج محمد لمن أراد أن يَتَّبع محمداً صلى الله عليه وسلم وذاك نهج الموازنات لمن أراد أن يتبع الهوى والشهوات وأن يستر باطنيته. فاحذر يا أخي المسلم، وليكن شعارك: «والله يا عم…».
هذا فقه الإسلام وفقه سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. وأي واقع هذا الذي أخذتم منه فقه تبديل الدين وتحريفه؟! إنه الهوى ليس غير. (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمْعه وقلبه وجعل على بصره غِشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا يتذكرون).
والله الذي لا إله إلا هو إن هذا المخطط لفتنة نسأل الله تعالى أن يعيذنا ويعيذ أمتنا منها وأن يؤول أمرها إلى ما آل إليه أمر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم عندما انتصر وأقام الدولة الإسلامية في المدينة، وما ذاك على الله بعزيز. (ولا يحسبَنَّ الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين * ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم عل الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم) صدق الله العظيم.
2016-10-29