خرافة الحق التاريخي
2016/10/29م
المقالات
2,390 زيارة
خرافة الحق التاريخي
إن ما يذاع ويشاع عن الحق التاريخي في فلسطين للفلسطينيين خاصة وللعرب والمسلمين عامة، حتى يثبتوا لليهود بأننا أصحاب حق في فلسطين، ما هو إلا خرافةٌ وأُلهية اخترعها الاستعمار لإبعاد المسلمين في فلسطين وفي غيرها عن التفكير في حقهم المبدئي فيها المبني على أساس العقيدة الإسلامية.
إن فكرة الحق التاريخي واحدةٌ من سلسلة المؤامرات على بلاد المسلمين وتمثل كفاحاً رخيصاً، يكون صاحبه إما غبياً جداً أو عميلاً محترفاً، حيث أن معناه وواقعه إثبات من الذي سكن هذه الأرض قبل الآخر، فإن ثبت أن اليهود سكنوها قبلنا فمعنى ذلك أن الأرض ملكٌ لهم، وإن ثبت أن النصارى سكنوها قبل غيرهم فهم إذن أحق بها وهكذا.
ثم يبرز رخص هذا الكفاح في إثبات الأرض، إنهم يبحثون عن حق الفلسطينيين التاريخي في القدس والخليل ونابلس ولا يبحثونه في تل الربيع وعسقلان عروس الجنة، وصفد وعكا وحيفا واللد والرملة ويافا ودير ياسين والولجة ولفتة وسائر مدن فلسطين وقراها. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل قطعاً على أن الفكرة استعمارية خبيثة توضع حيث يريدها الاستعمار وعملاؤه.
إن فكرة الحق التاريخي في تحرير واسترداد البلاد طريقة وفكرة باطلة ليس عليها دليل من الشرع يجيزها لا في الكتاب ولا في السنة ولا في إجماع الصحابة، فوق كونها تخالف الطريقة الشرعية في تحرير المغتصب من بلاد المسلمين وطرد الغاصب.
فالطريقة الشرعية لاسترداد البلاد المغتصبة هي الجهاد في سبيل الله، ولذلك اصطُلح عند فقهاء المسلمين على مرّ العصور أنه: (إذا هجم العدو أو داهم أو نزل بلاد المسلمين، أو اغتصبها أصبح الجهاد فرض عين على المسلمين الأقرب، فالأقرب حتى يتحقق طرد ذلك الكافر منها). وهذا الفهم مأخوذ من قوله تعالى: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) ومن قوله: (إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار) ومأخوذ من قوله: (انفروا خفافاً وثقالاً) ومن قوله: (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) ومن قوله: (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تَولّوْهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) ومأخوذ من مفهوم الرباط في سبيل الله، وأنه لا يكون إلا على ثغور بلاد المسلمين للدفاع عنها ورد الطامع من الكفار فيها وكفى به دليلاً. ومأخوذ من دفع النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام لقريش عن المدينة المنورة يوم بدر وأُحد، ومأخوذ من أحكام إغاثة الملهوف والمظلوم، ومأخوذ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أحمد والثلاثة عن سعيد بن زيد أنه قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد… ومن قتل دون أهله فهو شهيد» والبلاد فيها المال والأهل، إلى غير ذلك من الأدلة.
فإذا كان هذا في شأن ما اغتصب من بلاد المسلمين عموماً، فكيف إذا كان الحديث عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وما حوله، فهو بلا شك يجب أن يأخذ الأولوية عند الأمة الإسلامية في تحريره واسترداده من مغتصبيه اليهود.
والجدير بالذكر هنا أن البلاد أو الأرض تنسب للمسلمين بإحدى طريقتين:
أما أولاهما فأن يسلم أهل البلاد من تلقاء أنفسهم فتصبح البلاد إسلامية بإسلام أهلها عليها.
وأما ثانيتهما، فعن طريق الفتوحات الإسلامية سواء فتحت عَنْوة أو صلحاً، فالأرض التي نزلها المسلمون فتحاً أو صلحاً فهي أرض إسلامية، كمصر والعراق وبيت المقدس وسائر بلاد الشام.
قال أبو عبيد بن سلام في كتابه «الأموال»: وجدنا الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده قد جاءت في افتتاح الأرضين بثلاثة أحكام: أرض أسلم عليها أهلها فهي لهم ملك أيمانهم وهي أرض العشر، وأرض افتتحت صلحاً على خراج معلوم، وأرض أخذت عَنْوةً. ثم سرد الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك: فتحه صلى الله عليه وسلم لخيبر عنوة وتقسيمها بين المسلمين. ومنها: ما قاله الزبير بن العوام لعمرو بن العاص لما فتحت مصر: أقسمها كما قسم رسول الله خيبر. ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: «أيما قرية أتيتموها وأقمتم فيها فسهمكم فيها، وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسهالله ولرسوله، ثم هي لكم» الأموال ص57.
ثم نعود فنقول بأن مجرد التفكير في حق المسلمين في بيت المقدس وفي فلسطين عن طريق الحق التاريخي يعتبر مخالفة شرعية وتعدياً على مصادر المسلمين الشرعية في إثبات أحقيتهم، ففلسطين فوق كونها فتحت على يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإن القرآن قد ذكرها وربطها بمكة المكرمة، قال الله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير).
وأما قول دعاة الحق التاريخي من أن أهل فلسطين اليوم من أصل كنعاني، فإنه اعتبار لرابطة القومية بدلاً من رابطة العقيدة الإسلام، وقد ذمها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث أحمد وابن حبان «من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تَكْنوا» وروى أحمد وأبو داود من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزاً وكرماً كان عاشرهم في النار» وعند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث مطول عن دعوى الجاهلية بقوله «دعوها فإنها منتنة».
ثم إن فكرة الحق التاريخي تصطدم مع كثير من الأحكام والأمور التي سار عليها المسلمون جيلاً بعد جيل منذ القرون الأولى للإسلام مما يدل على أنها دعوة باطلة خبيثة مستوردة. ومن هذه الأحكام والأمور:
-
إن فكرة الحق التاريخي لا تعطي بلالاً الحبشي وصهيباً الرومي وسلمان الفارسي وأبناءهم الحق في فلسطين لأنهم ليسوا من أصل عربي أو كنعاني، وهذا مناقض لأحكام الإسلام القاضية بأن العالم الإسلامي كله موطن لكل المسلمين أياً كان لونهم وجنسهم، فلا وطنية ولا قومية في الإسلام.
-
ومنها: عدم المطالبة باسترداد الأندلس التي فتحها المسلمون ووطئوها قروناً وحكموا أهلها بالإسلام، وعدم المطالبة كذلك باليونان وقبرص وصقلية من المدن والبلاد التي فتحها المسلمون وطردهم الكفار منها لمجرد أن المسلمين ليسوا أول من سكنها، وهذا مخالف لفرضية استرجاع كل أرض إسلامية غصبها الكفار.
-
ومنها: أن فكرة الحق التاريخي تعني إعطاء خيبر في البلاد الحجازية لليهود لأن الحق التاريخي فيها لهم قبل المسلمين، ولا (…) أولاً، فقال: «مدينة هرقل تفتح أولاً يعني القسطنطينية» فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم للحق التاريخي أي اعتبار، ونحن كذلك، وسنفتح روما إن شاء الله ولو بعد حين.
لذا فإن الناظر في النصوص الشرعية وأفعال صاحب الشريعة وأقواله يجد أن فكرة الحق التاريخي فكرة باطلة ليس عليها دليل من الشرع وتخالف ما درج عليه المسلمون جيلاً بعد جيل في فتح البلدان وتحريرها منذ دولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى آخر دولة للمسلمين، وإن اللجوء إلى هذه الفكرة يدل دلالة واضحة على ضعف المسلمين فكرياً وعقائدياً ومادياً، فاسترداد ما اغتصب من بلاد المسلمين لا يكون إلا كما فعل نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي وأمثالهما من أبطال الأمة عندما حرروا بلاد الشام وبيت المقدس من أيدي الصليبيين.
فعلى المسلمين جميعاً أن يعملوا بمستوى أمتهم المبدئية التي كانت خير أمة أخرجت للناس وأن يعملوا على إيجاد دولة كدولة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي من جديد، وعلى إيجاد رجال كأمثال خالد وشرحبيل وصلاح الدين من جديد كي يعدوا العدة كما أمر الله ليرهبوا بها عدو الله وعدوهم كما طلب الله سبحانه: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)، وبهذا فقط تُسترجع البلاد ويُحرر العباد، وليس بخرافة الحق التاريخي.
بيت المقدس – محمد الشويكي
1417ه – 1996م
2016-10-29