بدعة أسلمة المعرفة
1997/01/29م
المقالات
2,449 زيارة
أجرت مجلة التوحيد في عدها رقم 80 مقابلة مع الدكتور محمد فاروق النبهان [عمل أستاذاً في عدد من الجامعات العربية منها كلية الحقوق والشريعة في جامعة الكويت، ويشغل حالياً منصب مدير دار الحديث الحسنية في المغرب، وهو عضو في الأكاديمية الملكية المغربية]. وقد وجّهت له المجلة عدداً من الأسئلة الفكرية الهامة، نورد هنا بعضاً منها مع إجابة الدكتور عليها لعل في ذلك فائدة.
سؤال: المعارف العلمية الغربية في مجال العلوم الإنسانية أيمكن اعتمادها في دراسة مجتمعاتنا الإسلامية، أم أن الرأي هو إنتاج معارف علمية جديدة خاصة بالمسلمين ومستمدة من واقعهم وتراثهم، وماذا لو طُرِحَت فكرة أسلمة المعارف العلمية الغربية ذاتها؟
جواب الدكتور النبهان: المعارف العلمية الغربية لا يمكن أن تكون أساساً لإنتاج معرفة إسلامية؛ لأن المعرفة العلمية الغربية، وخاصة في مجال العلوم الإنسانية نشأت في ظل مجتمع غربي له ظروفه وله بيئته وله قيمه وله حضارته وله فكره، فأية معرفة إنسانية تنشأ في ظل مجتمع ما تعبر عن طبيعة ذلك المجتمع، وعندما ننقل تلك المعرفة التي نشأت في مجتمع غربي إلى مجتمع إسلامي نقوم بعملية ترقيع خطيرة لا تؤدي الأهداف المرجوة… والمعرفة الإنسانية بالذات تختلف عن التقنية التكنولوجية؛ لأن هذه تقنيات، أما المعرفة الإنسانية فهي نظرة الإنسان إلى الحياة والكون، نظرته للفكر والثقافة، قيمه، فكره، ثقافته، وهذه تختلف من مجتمع لآخر… فالمعرفة الإسلامية إذا نشأت في ظل مجتمع إسلامي وعبرت عن قيم ذلك المجتمع تكون ملائمة له، أما إذا أخذنا معرفة إنسانية من مجتمع غربي وطبقناها في مجتمع إسلامي فلا يُعدّ معرفة إنسانية إسلامية ولا تخدم هذا المجتمع، وهنا يقع التناقض بين الفكر والإنسان، وهو تناقض يؤدي إلى نتائج خطيرة لأنه يمزق الشخصية الإنسانية، فعندما أطبق فكراً مغايراً لقناعاتي أقوم بعملية إدماج خطيرة وسيئة الأثر.
سؤال: القيم الأخلاقية والدينية استبعدتها المعارف الغربية، واستعاضت عنها بقيم الحضارة الغربية، فهل الأسلمة تعني إعادة المركزة الثقافية؟
جواب الدكتور النبهان: الأسلمة تعني إعادة المركزة الثقافية، واعتبار الإسلام المركز الأول، الأسلمة لا تعني أن نأخذ نموذجاً آخر غربياً ونحاول أن نلبسه لباساً إسلامياً كما أخذنا النظام الاقتصادي الغربي الذي حاولنا حذف أشياء منه وإضافة أشياء هامشية إليه، متصورين أنه أصبح نظاماً اقتصادياً إسلامياً. ولو أخذنا النظام الديمقراطي الغربي بصورته الحالية وأدخلنا عليه تعديلات فلا يعني أنا أخذنا أو استوردنا نموذجاً إسلامياً. النموذج الإسلامي نموذج متكامل نموذج فكري وثقافي له خصوصياته وينبغي أن تعبر تلك الخصوصيات عن الإسلام، عن القيم الإسلامية بشكل عام.
أما عملية الترقيع الخارجي فلا تؤدي إلى أية غاية. والأشخاص يحاولون أخذ النموذج الغربي فكرياً أو ثقافياً وأسلمته عن طريق وضع مصطلحات جديدة أو إعطاء لمحات روحية أو دينية له، وهذا لا يعني أن هذا النظام أصبح إسلامياً.
سؤال: هناك رأي مفاده أن أسلمة المعارف والعلوم الإنسانية لا تعني سوى تخليص العلوم من هيمنة مركزية العقل الغربي وتعسفه تجاه الآخرين فما هو رأيكم؟
جواب: إن أي مجتمع في العالم، وليس العالم الإسلامي وحده، يحرص على أن يتخلص من سيطرة النموذج الغربي في التفكير وتعسفه تجاه الآخرين. هناك نموذج غربي للديمقراطية، وحقوق الإنسان، وللقيم الأخلاقية، وللعلاقات الإنسانية، ولكن ليس هذا هو النموذج الذي يمكن أن يكون دائماً النموذج الأفضل. ومن حق كل مجتمع أن يختار نموذجه، فلنا نموذجنا في مفهوم احترام حقوق الإنسان، مفهومنا نحن عن حقوق الإنسان مفهوم متميز. وقد ننكر على الغرب بعض مواقفه العنصرية، فليس من حق الغرب أن يفرض علينا نظاماً خاصاً في مفهوم الديمقراطية أو غيره، ولكل مجتمع قيمه، حتى في مفهوم الجريمة لنا نحن نظرتنا التي تختلف عن النظرة الغربية لها. فالغرب لا يمكن أن يكون النموذج الأفضل.
سؤال: ما هي الآليات التي بموجبها يمكن للمسلمين إنتاج معرفة إسلامية خاصة بالعلوم الإنسانية، وما هو دور المؤسسات العلمية الأكاديمية في هذا المجال، وكيف يمكن تجسير العلاقة بين تلك المؤسسات والمؤسسة الدينية بغية وضع آلية قادرة على إنتاج المعرفة الإسلامية؟
جواب: ليست هناك مؤسسات دينيّة ومؤسسات غير دينية في ظل مجتمع إسلامي، لأن في ظل هذا المجتمع كل المؤسسات تكون معبرة عن قيم إسلامية، فعندما يكون هناك مجتمع إسلامي، الأسرة تكون مسلمة، المدرسة تكون مسلمة، الجامعة تكون مسلمة، المسجد يكون مسلماً، الفكر يكون مسلماً، والقيم الأخلاقية تكون مسلمة.وحينها فما ينتجه هذا المجتمع من معرفة يكون إسلامياً. أما إذا قلنا هذه مؤسسة دينية وهذه مؤسسة غير دينية فهنا يقع التصادم بين المؤسستين، فلكي تكون المعرفة إسلامية ينبغي أن تكون معرفة منبثقة عن مجتمع إسلامي متعاون صحيح .
1997-01-29