كلمة الوعي: أميركا وتحريك الوضع في السودان والجزائر
2016/10/29م
المقالات, كلمات الأعداد
1,868 زيارة
لاحظنا أن تحريك الأوضاع وتسخينها في كل من السودان والجزائر حصل في وقت واحد: مع بداية شهر رمضان. فهل من رابط بين الأمرين؟ نعم، نحن نرجح أن المحرك واحد.
مؤسسة «راند» للأبحاث قريبة من الحكومة الأميركية، وغالباً ما تطلب منها دراسات، وتعمل بنصائحها. وقد كشفت هذه المؤسسة قُبَيْلَ رمضان عن دراسة خلاصتها أن السلطة الجزائرية فشلت في إقرار الأمن وتسيير الأمور في الدولة، وأنه لا يوجد بديل عن «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» التي ستصل حتماً إلى السلطة عاجلاً أو آجلاً. هذه الدراسة ليست جديدة عند «راند» فهي موجودة من بضع سنين، أي منذ كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ تتحفز لاستلام السلطة قبل إلغاء الانتخابات سنة 92. والجديد الآن هو إعلان هذه الدراسة. وقد تزامن مع هذا الإعلان، أو تبعه دون تأخير، اندلاع الموجة الدموية العنيفة مع بداية شهر رمضان.
في السودان بدأ الهجوم العسكري على شرق السودان (من حدود إثيوبيا وإريتريا) في 12/01/97، أي في مطلع شهر رمضان. وكانت المعارضة السودانية رتبت لهذا التوقيت بدليل خروج الصادق المهدي الذي أعلن أنه الرئيس الشرعي للحكومة السودانية، والذي طلب فتوى من شيخ الأزهر بعدم شرعية النظام السوداني الحالي الذي جاء عن طريق انقلاب عسكري، وحرض على انتفاضة من الداخل تساعد الهجوم من الخارج.
الحكومة السودانية لا يبدو عليها الارتباك أو الانزعاج الشديد جراء الهجوم الخارجي ومحاولة التحرك من الداخل. فقد قامت الحكومة في الداخل بحملة اعتقالات طالت كل من يمكن أن يتحرك تأييداً للمعارضة. وبالنسبة للـهجوم من الخارج قال الرئيس عمر البشير: «نحمد اللـه أن هيّأ لنا فرصة في شهر رمضان للجهاد لنجعل من المعركة المنتصرة معركة فاصلة مع الباطل والمنافقين». وقال الترابي: «إن الابتلاءات التي تتعرض لها البلاد تعد قربة من القربات ورفعة في الدرجات، وقد أدى ذلك إلى إحياء روح الجهاد والاستشهاد وتحريك الهمم».
التحريك الذي حصل في السودان فيه تعقيد وتمويه بحيث يصعب فهمه على غير المتتبعين بشكل دقيق. المعروف أن الصادق المهدي ليس من رجالات مصر ولا من رجالات أميركا. والمعروف أيضاً أن إريتريا وإثيوبيا تسيران الآن في سياسة أميركا، وإن كان سيرهما ليس بالوضوح الذي تسير فيه مصر مع أميركا. والمعروف أيضاً (عند الواعين سياسياً) أن السودان يسير مع أميركا، وإن كان الظاهر عكس ذلك. فكيف تتواطأ إثيوبيا وإريتريا مع المعارضة للعمل على الإطاحة بنظام السودان.
إن ما نفهمه هو أن أميركا تريد توجيه ضربة قاصمة للمعارضة السودانية التي تهدد نظام السودان وتمنعه من أداء دوره في القارة الإفريقية. ولذلك تفاهمت أميركا مع إثيوبيا وإريتريا ومصر وغيرهم على توريط المعارضة في عمل عسكري ضد السودان من أجل إيجاد المبرر لحكومة السودان لضرب المعارضة وإسكاتها. إذاً فإن أميركا هي التي وقتت الوقت وحركت المعارضة لجرها إلى المسلخ. ويبدو أن اللعبة انطلت عليهم ووقعوا في الفخ. ولن يقف الأمر، حسب توقعنا، عند هزيمة عسكرية تلحق بالمعارضة، بل إن الرأي العام سـينظر باسـتهجان إلى انضواء المعـارضة المؤلفة من المسـلمين تحت رايـة
جون قرنق. في السودان المعارضة الأساسية تتمثل في حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي، الذي يعتبر نفسه فقيهاً وقائداً من قادة المسلمين فكيف يضع نفسه تحت قيادة قرنق الكافر الانفصالي الحاقد على المسلمين والعرب! هذا الفخ الذي وقع فيه المهدي هو أخطر عليه وعلى حزبه من فخ الهزيمة العسكرية، وأخطر من فخ اعتقال جماعته في الداخل.
ثم إن هجوم خصوم من الخارج يوجد سبباً لتحريك الجماهير وجمعها حول النظام الذي يتصدى للعدوان. فالعملية فيها ضرب للمعارضة (التي تأخذ توجيهات غالباً من الإنجليز) وفيها تقوية وتلميع للحكومة. وإذا احتاجت حكومة السودان أسلحة أو نفطاً من أجل توجيه ضربة عسكرية قاصمة للمعارضة فلن تتوانى مصر أو إيران عن إعطاء السلاح، ولن تتوانى السعودية عن إعطاء البترول، ولكن بشكل سريّ.
ولكن ما الرابط بين تحريك الوضع في السودان وتحريكه في الجزائر في هذا الوقت؟
يبدو أن أميركا لا تريد للحكومة الجزائرية المدعومة من الجيش والموالية لفرنسا، لا تريد لها أن تنجح في الانتخابات البرلمانية التي كانت تنوي إجراءها في شهر أيار 97. الحكومة الجزائرية الحالية لا تملك غطاء شرعياً، في نظرهم، إلا شرعية الرئيس المنتخب. فإذا أجرت انتخابات وأخذت أغلبية نيابية تكون قد أخذت شرعية شعبية وألغت شرعية «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» التي كسبتها في انتخابات سنة 92 والتي قام الجيش بإلغائها بعمل ديكتاتوري. ولذلك قررت أميركا دفع عملائها لركوب هذا المركب لمنع حصول الانتخابات (ما دام هناك أمل أن تكسبها الحكومة)، ولا براز أن الحكومة قد فشلت في مهمتها رغم تبجحها بالقضاء على «الإرهاب».
ولا يتوقف غرض أميركا عند إبراز فشل الحكومة الجزائرية والتذكير بعدم شرعيتها، والمحافظة على شرعية «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» بل يبدو أنها تنوي إسقاط الحكومة وإيصال مجموعة أحزاب (مجموعة العقد) بما في ذلك الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي تكون لها الحصة الكبرى. ولذلك فإن زروال اتهم في خطابه جماعة (العقد) وأنهم مدعومون من جهة خارجية. ومن هنا نفهم معنى إعلان مؤسسة «راند» عن فشل الحكومة الجزائرية، وعن حتمية وصول الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى السلطة.
وقد رأت فرنسا أن الجزائر تكاد تفلت من يدها مرة أخرى، وكانت الحكومة الجزائرية طلبت معونة من فرنسا، ولكن فرنسا لم تعجبها خطة الحكومة الجزائرية، واقترحت عليها خطة أخرى، ما أوجد انزعاجاً عند الحكومة الجزائرية من فرنسا، حسب تصريح وزير خارجية فرنسا. والآن دخلت فرنسا على الخط لتواجه موجة العنف ولتمنع أميركا من تشليحها الجزائر. هذا الصراع السياسي المقنّع بين فرنسا وأميركا على الجزائر ترى أميركا أنها بحاجة إلى من يدعم جماعتها في الجزائر، ولذلك وجدت أنها في حاجة إلى نظام قوي في السودان. خاصة أن الجزائر، في حال نجاح الجبهة الإسلامية، سيعلنونها دولة إسلامية على غرار السودان. وطموح أميركا لا يتوقف عند حدود الجزائر، بل ستحاول جعل الجزائر تؤثر على المغرب وليبيا وتونس، وبقية المناطق الإفريقية التي ما زالت خارجة عن النفوذ الأميركي.
قد يقول قائل: إذاً البلاد العربية والبلاد الإسلامية كل حكامها وقادتها أدوات وعملاء بيد أميركا وإنجلترا وفرنسا وبقية الدول الكافرة؟
ونقول: مع الأسف، هذا هو الغالب. يوجد قادة مخلصون، ولكنهم إمّا يائسون، وإمّا يجهلون الواقع، وإما أنهم لم يصلوا إلى درجة التأثير. الأمة بمجملها مخلصة، ولكنها مُضَلَّلَة. والصحوة تدب فيها والوعي يتصاعد. ونصر اللـه إن شاء اللـه قريب.
2016-10-29