2016/10/18م
المقالات
1,958 زيارة
دور اليهود في هدم الـخــلافـة
نشرت «الحياة» مقالاً في 28/08/97 بقلم باسم عجمي بعنوان:
«تقرير السفير البريطاني في إسطنبول يكشف عن دور اليهود في الانقلاب ضد السلطان عبد الحميد» وفيما يلي ننقل قسماً من هذا المقال:
بعد وقت قصير من نجاح انقلاب «الاتحاد والترقي» في 1908 برزت للعيان محاولات تقوية المشاعر القومية لدى الأتراك العثمانيين، واتخذت شكل الهجمات على العرب والإسلام. وبدأت هذه المحاولات من خلال حركة أدبية تهدف إلى تنقية التركية من المفردات العربية.
وتشير تقارير الاستخبارات البريطانية أثناء الحرب العالمية الأولى إلى أن مركز الحركة القومية التركية كان في مدينة سالونيكا، إذ كان ينشط شخص اسمه ضياء بك، وهو صهيوني وعضو في «تركيا الفتاة»، وأسس في 1909 أول جمعية قومية تركية.
وجهت بريطانيا اهتمامها إلى «الاتحاد والترقي» قبل وقت طويل من بدء الحرب الأولى. وكان سفير بريطانيا إلى إسطنبول السير ج. لاوثر يرسل تقريراً سنوياً مفصلاً إلى لندن يضم تحليلاته للنظام الجديد، مركزاً على الدور الذي لعبه الصهاينة في تكوين طبيعته ووضع جدول أولوياته.
وكتب لاوثر إلى وزارة الخارجية في 1909 (المصدر: الوثائق البريطانية عن الشؤون الخارجية، الوثيقة رقم 32، مذكرة عن النظام الجديد في تركيا): «لم يكن معروفاً عند حدوث ثورة 1908 أن يهود سالونيكا، الذين ينتمي كثيرون منهم إلى الماسونية الأوروبية، ساعدوا «تركيا الفتاة» وكانوا جزئياً من ملهميها، وأمّنوا لتنظيمها السري حماية محافلهم (الماسونية). والواقع أن حركة سالونيكا كانت تركية ويهودية ولم يتخذ أي من العناصر العثمانية الأخرى، مثلاً البلغار أو الإغريق، أي دور نشيط في الاستعدادات. وكان لليهود تأثير مهم إلى حد كبير، ولو أنه لم يبرز للعيان، على أوساط «تركيا الفتاة». لكن بعد إطاحة السلطان السابق، الذي كان عارض الهجرة غير المقيدة لليهود، بدأ العنصر اليهودي يكشف عن نفسه بوضوح أكبر، وبدأت بالظهور في العاصمة صحف تروج للمبادئ الصهيونية».
وأضاف السفير لاوثر: «حتى ذلك الحين، كما هو معروف، كان العالم اليهودي منقسماً بين الصهاينة ودعاة التوطين في أماكن أخرى غير فلسطين الذين كانوا يرون، بسبب القيود التي فرضها نظام السلطان عبد الحميد الثاني، أن أفضل حل لمسألة تحسين أوضاع أبناء قومهم المضطهدين في روسيا ورومانيا يكمن في إعادة توطينهم في مستعمرات التاج في أوغندا والأرجنتين.
ومع إنجاز الإطاحة بالنظام القديم وعزل السلطان عبد الحميد، اختفت هذه الخلافات كما تجلى في المؤتمر الصهيوني في هامبورغ، (…) وتقدمت حركة «تركيا الفتاة» بقصد التغلغل سلمياً في فلسطين مع عرض بتطوير بلاد ما بين النهرين كشيء متمم. واستنكر بعض اليهود العثمانيين العمل بشكل علني وفق التوجهات الصهيونية خشية أن يؤدي ذلك إلى إيقاظ شكل بالغ العنف من العداء للسامية وسط الأتراك والعرب، لكنهم يمثلون أقلية. ويعتبر جاويد بيك، وسكرتيره شخص لا يخفي يهوديته، أكثر أعضاء الحكومة التركية نفوذاً، فيما عُيّن شخص آخر لا يقل حماساً لديانته رئيساً للمكتب الإعلامي، وهو منصب بالغ الأهمية طالما خضعت الصحافة للأحكام العرفية، ويبذل يهودي آخر مساعي دؤوبة كي يُعيّن رئيساً لبلدية القسطنطينية. وربما تكون هذه الحركة بمجملها إحدى السمات الأكثر إثارة للاهتمام في الثورة التركية».
في تشرين الثاني (نوفمبر) 1910، قدم السفير البريطاني تفاصيل إضافية عن علاقة الصهاينة مع النظام الجديد في تركيا، وكتب إلى وزارة الخارجية في تقريره السنوي: «من الصعب التوفيق بين العلاقة الوثيقة التي تربط «لجنة الاتحاد والترقي» ودعاة الصهيونية وبين سياسة العثمنة والحرص على تجنب مزيد من التنازلات عن الأراضي. مع ذلك من السهل أن نرى كيف نشأت العلاقة. بدأ العنصر اليهودي يفرض نفسه حالما أطيح بعبد الحميد الذي عارض الصهيونية بثبات. وبعد شهرين على هذا الحدث دخل جاويد بيك، وهو يهودي في السر وماسوني من سالونيكا، في الحكومة وبدأ يهود كثيرون يلعبون دوراً في العاصمة وأصبحوا نافذين في مجال الأعمال والمصارف والصحافة والدوائر الحكومية. وتزايد نفوذهم إلى درجة أصبحت معها الحكومة تُعرف بـ «حكومة اليهود»، واتُّهم جاويد بيك الأسبوع الماضي بالتخاصم مع مجموعة «المصرف العثماني» بهدف إبرام قرض مع مجموعة تتألف بشكل رئيسي من يهود. لكن جذور النفوذ اليهودي تراجع إلى فترة تسبق سقوط السلطان عبد الحميد».
وأضاف السفير البريطاني آنذاك في تقريره: «كان اليهود في سالونيكا، وبلغ عددهم 100 ألف شخص من مجموع 140 ألفاً، وراء تأسيس المحافل الماسونية وحضوا أعضاء «لجنة الاتحاد والترقي» على الانضمام إليها. هكذا استخدم اليهود حركة «تركيا الفتاة» فيما تمكنت «لجنة الاتحاد والترقي» من الاستفادة من الحماية التي أمّنتها لهم المحافل الماسونية الأجنبية. وتمكن اليهود بذلك من استخدام حركة «تركيا الفتاة» للمضي في تحقيق أهدافهم الصهيونية التي تتمثل في النهاية بـإقامة دولة مستقلة لليهود في فلسطين أو بابل».
وتابع: «والسيطرة الرئيسية لليهود على اللجنة ذات طبيعة مالية، وهم يعتمدون على قدرتهم على استثمار ما تعانيه الحكومة من ارتباكات مالية ليقدموا الأموال وفق شروطهم. وهم يهدفون بهذه الطريقة إلى أن يؤمنوا تدريجاً سيطرة اقتصادية ومالية كاملة على الحكومة التركية، مؤملين أن يخلقوا وضعاً يمكّنهم من تحقيق هدفهم النهائي. والتأثير الذي يمارسونه ذو طابع ثوري وجمهوري، ولا شك في أنهم مسؤولون إلى حد كبير عن عداء اللجنة لروسيا، وهو موقف يؤثر على علاقاتهم مع هذا البلد، الصديق لروسيا».
وختم السفير قائلاً: «وأدى تعاطفهم مع الصهيونية إلى تعريض اللجنة إلى الكثير من الانتقادات السلبية في «المجلس» (البرلمان). واتُّهم جاويد بيك خلال المناقشات حول الموازنة الشهر الماضي بأنه صهيوني وأن لديه علاقات مع دعاة بارزين للحركة. كما أن الرأي العام يدرك تدريجاً الموقع المهيمن الذي أحرزه اليهود، ويبدو أن اللجنة تبنت بتأييدها للصهاينة موقفاً آخر من شأنه أن يثير المعارضة في أنحاء الإمبراطورية»
2016-10-18