الاعتدال الإسلامي على الطريقة الغربية: الإسلام كما عالج زيف الأفكار عالج ادعاء الأشخاص
2009/05/04م
المقالات
1,713 زيارة
الاعتدال الإسلامي على الطريقة الغربية:
الإسلام كما عالج زيف الأفكار عالج ادعاء الأشخاص
(لا أحد فوق شرع الله)
عماد عبد الفتاح الحسنات – فلسطين
تعتبر دراسات مراكز الأبحاث الغربية أن التمسك بكتاب الله وسنة رسوله هو تطرف، وتعتبر أن أخذ الإسلام مجرد شعارات مع اتباع شرائع الغرب وتعاليمه، وعدم الإقامة للأدلة الشرعية أي وزن في اتخاذ الأحكام، وإنما الإتيان بها محرفة لتبرير ما اتخذوه من أحكام مسبقاً، هو اعتدال، مسندين لذلك شتى أشكال الدعم المالي والفني والإعلامي، معتمدين في تحقيق أهدافهم على بعض الفئات من أبناء المسلمين.
وقد قام الغرب بتقديم شتى أشكال الدعم المالي والفني والإعلامي لهؤلاء المعتدلين على طريقته، معتمداً عليهم في تحقيق أهدافه. وعند التدقيق في خطة الغرب يلاحظ أنها لا تعتمد على الأفكار ونشرها فقط حتى نكتفي ببيان زيف وبطلان هذه الأفكار، بل تعتمد وبشكل أساسي على ميزات وسمات وصفات وادعاءات من يحملون هذه الأفكار؛ لهذا كان لابد من بيان زيف الأشخاص من حيث صفاتهم وادعاءاتهم لا من حيث أعيانهم، كما هو الحال بالنسبة لبيان زيف أفكارهم ومبادئهم.
وعند التدقيق في الواقع لمعرفة الفئة المستهدفة من أبناء المسلمين لتحقيق أهداف الغرب نجد أنهم إحدى فئتين:
الفئة الأولى فئة يصنعهم الغرب على شكل أناس فيبرزهم على أساس أنهم مجاهدون ومناضلون ومقاومون، فيدسهم بين أناس مخلصين، ويجعلهم يتسلقون على ظهورهم، ومن ثم يضحي بالمخلصين متخلصاً منهم وعاملاً منهم دعاية للمتسلقين، ومن ثم على هؤلاء أن يعموا الناس ويصموهم عن سماع الحق ونصرته إلى سماع معزوفة الاعتدال ونصرة سياسة الغرب وأفكاره ومبادئه، وإما أن يتخذ أناساً يبرزهم للإعلام على أساس أنهم علماء، أو منفقون ومتبرعون وقائمون على أعمال الخير لزرع ثقة الناس بهم ومن ثم بث أفكار الاعتدال على طريقته بواسطة هؤلاء.
والفئة الثانية فئة مخلصة بطبيعتها عند نشأتها قائمة على أعمال الجهاد والنضال والمقاومة، أو على أعمال الخير والإنفاق والبذل والعطاء، أو علماء مخلصون في أصلهم، فيعمل الغرب لحرفهم عن إخلاصهم واستغلالهم بأساليب ماكرة خبيثة لجعلهم دعاة لمبادئ الغرب وأفكاره وصادين عن سبيل الحق والتزام أحكام الشرع.
وعند محاولة أي مسلم النصيحة والتصدي لأي من هؤلاء من هاتين الفئتين ببيان زيف أفكاره وفضح مؤامراته، يتصدى له هؤلاء ولفيفهم بأقوال تبين فضلهم وتظهر تزكية أنفسهم ومن ثم محاولة الاستهزاء بالناصحين، وكأن لسان حالهم يقول أن صفاتنا وأعمالنا تجعلنا فوق أن يذكرنا أحد بالأحكام الشرعية وأن الحكم الشرعي ما نراه لا ما تبينه الأدلة الشرعية.
وعلى الرغم من أن استخدام مثل هاتين الفئتين في تحقيق مثل هذه الأهداف أمر خطير على الإسلام والمسلمين، والناظر إليه من أول وهلة لا يستطيع أن يصدق عدم نجاح مثل هذا الأمر، إلا أن شرع الله الحنيف وأحكامه كما عالجت زيف الأفكار وبطلانها فإنها تعالج زيف الأشخاص وادعاءاتهم كذلك، ويتضح هذا فيما يلي:
1) جعل الإسلام السيادة للشرع وقضى قضاءً مبرماً على الاستبداد الديني، وبيَّن زيف ادعاء اليهود والنصارى ومن سار على نهجهم أنهم فوق أوامر الله، وبيَّن صراحة وبوضوح تام أنه ليس هنالك أحد، سواء أكانوا أفراداً أم جماعات، مهما كثرت طاعاتهم وأعمالهم الصالحة فوق الأحكام الشرعية، ولا أحد يملك تغيير أو تحريف أي شيء من دين الله والركون إلى الكفار مهما كان يسيراً حتى ولو كان نبيه الكريم خير الخلق سيد المجاهدين وإمام المتقين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). فكيف بمن هم دونه من البشر، فإنهم مهما بلغت طاعاتهم وأعمالهم الخيرة، ومهما كانت صفاتهم فإنهم لا يكونون عند الله أعز من نبيه الكريم. وبيَّن أنه لا سيادة لأشخاص باسم الشرع، وإنما السيادة للشرع، وأنه ليس هنالك أشخاص يمثلون الإسلام، وإنما الذي يمثل الإسلام هو الأدلة الشرعية، وأنه ليس هنالك سلطة دينية وإنما تنيب الأمة عنها من يحكمها بكتاب الله وسنة رسوله، وأن هناك دعاة وعلماء يبينون للناس أحكام دينهم بناءً على الأدلة الشرعية لا حسب أهوائهم وميولهم قال تعالى: (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً، وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً، إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً) [الإسراء 73-75]، وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [المائدة 18]، ثم ها هو الصديق رضي الله عنه وأرضاه، يقول في أول خطبة له للمسلمين بعد توليه الخلافة: «إنما أنا متبع ولست بمبتدع، أطيعوني ما أطعت لله فيكم فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم، إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني». كلمات من ذهب، ذهبت مذهب طلب التمثل بها لدى المسلمين خلفائهم وعلمائهم وجماعاتهم وأفرادهم. كما بيَّن الشرع أنه ليس هناك أحد فوق المحاسبة والنصيحة وفق شرع الله وبالدليل الشرعي مهما كانت أعماله الخيرة، سواء أكان خليفة أم عالماً أم مجاهداً، ومهما كان محاسبه وناصحه، فعن عبد الله (رضي الله عنه) يعني ابن مسعود قال: «إن من أكبر الذنب أن يقول الرجل لأخيه اتق الله، فيقول عليك نفسك أنت تأمرني» (رواه الطبراني)، وعن عبد الله (رضي الله عنه) أيضا قال:«كفى بالمرء إثما إذا قيل له اتق الله غضب»، (رواه الطبراني)، وما يذكر عن الخليفة المجاهد العالم هارون الرشيد فيه كفاية، ويُذكر عنه في هذا المقام أن «يهودياً كانت له حاجة عنده فاختلف إلى بابه سنة فلم يقضِ حاجته، فوقف يوماً على الباب، فلما خرج هارون سعى حتى وقف بين يديه، وقال: اتق الله يا أمير المؤمنين، فنـزل هارون عن دابته وخر ساجداً، فلما رفع رأسه أمر بحاجته فقضيت، فلما رجع قيل له: يا أمير المؤمنين، نزلت عن دابتك لقول يهودي، قال: لا، ولكن تذكرت قول الله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة 206]» (القرطبي).
2) أمر الشرع بالابتعاد عن تزكية النفس أي مدحها والثناء عليها، وجعل تزكية العباد لله وحده خالق البشر الذي هو أعلم بهم وبما تخفي صدورهم وبمن اتقى منهم، ونهى أن تجعل تزكية النفس للعباد، وذم من يزكون أنفسهم سواء على شكل أفراد أم على شكل جماعات، فالعبرة بتزكية الله له (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [النجم 32]، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [النساء 49].
3) كذلك نهى عن مدح الغير من البشر فيدخلهم هذا المدح في الإعجاب والكبر ،فيحملهم ذلك على تصنع العمل وعدم الازدياد من الفضل، أي أن التزكية تكون بالتزام الأحكام الشرعية وليس لأشخاص بأعيانهم،أي أن التزكية تكون للأعمال التي أمر الشرع القيام بها وليس للأشخاص الذين يقومون بها فرادى أم جماعات.
روى البخاري عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ أُمَّ الْعَلاءِ امْرَأَةً مِنْ الأَنْصَارِ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ اقْتَسَمُوا الْمُهَاجِرِينَ قُرْعَةً، قَالَتْ: فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) أَمَّا هُوَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَاذَا يُفْعَلُ بِي فَقَالَتْ وَاللَّهِ لا أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَداً». وعَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ «أَنَّ رَجُلاً جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ، فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ (وَكَانَ رَجُلاً ضَخْماً) فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ» (رواه مسلم)، وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلاً عِنْدَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، قَالَ: فَقَالَ: وَيْحَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ (مِرَاراً)، إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحاً صَاحِبَهُ لا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلاناً، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَداً، أَحْسِبُهُ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ كَذَا وَكَذَا» (صحيح مسلم)، عن رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ» (ابن ماجه)، وعن ابن عباس قال: «ما أحد أزكيه إلا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)» (الجامع لمعمر بن راشد).
4) بيّن الشرع وجوب إخلاص النية لله عند القيام بالأعمال التي يتقرب لله من خلال القيام بها، وبيّن أن الذي يتقبل الأعمال هو الله عز وجل العالم بنواياهم ،ونهى عن التسميع وهو التحدث للناس بما فعل من الأعمال الصالحة للمباهاة والظهور لنيل ثقتهم وكسب تأييدهم ورضاهم، وحذر من استغلال القيام بها من أجل أشياء دنيوية، واشترط في قبولها أن تكون نية فاعلها خالصة لوجه الله تعالى، وركز على ذلك بشكل أكبر في الأعمال العظيمة والتي من الممكن استغلالها في هدم الإسلام وهدم الجماعة إن لم تكن النية فيها خالصة لوجه الله تعالى، وهي الأعمال التي من الممكن دخول الغرب من خلال فاعليها بسوء نية إلى المسلمين، وهي الجهاد والإنفاق والعلم وترتيل القرآن، وبيّن أن مصير من يفعلها، ليتحدث عنه الناس أو للمباهاة والظهور لنيل ثقة الناس وكسب رضاهم وتأييدهم، إلى النار، فكيف إذا كان نيل ثقة الناس وكسب رضاهم وتأييدهم هو من أجل تمرير أحكام الكفر وتشريعاته عليهم؟! وكيف بمن يستغل أعمال غيره ويسمّع بها من أجل ذلك، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» (أخرجه البخاري)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) أن رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ» (رواه مسلم)، وعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ «أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) عَنْ الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ غَضَبًا وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ وَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ قَائِماً، فَقَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (مسلم)، وعَنْ أَبِي مُوسَى (رضي الله عنه) قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) عَنْ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (صحيح مسلم) عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) يَقُولُ: «مَنْ سَمَّعَ النَّاسَ بِعَمَلِهِ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ سَامِعَ خَلْقِهِ وَصَغَّرَهُ وَحَقَّرَهُ».
5) بيّن الشرع أنه لا فضل لأحد في عمله للأعمال الصالحة والطاعات على أحد، وإنما الفضل لله عز وجل وحده أن وفقه لفعل هذا العمل ، وأن من عمل صالحاً فإنما يعود نفعه على نفسه، فلا مجال هناك لفعلة الأعمال الصالحة والطاعات أن يمنّوا على الناس بأفعالهم وأن يتكبروا عليهم وعلى سماع الحق منهم قال تعالى: (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [العنكبوت 6]، وقال تعالى: (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) [فاطر 18].
6) حذر الشرع العلماء من كتمان الحق مقابل دُنْيَا يصيبُونهَا أو لقاء مبلغ من المال يتقاضونه أو منصب دنيوي يحصلون عليه أو غير ذلك من أعراض الدنيا الزائلة مقابل سكوتهم عن الحق، وبينت أن من يفعل ذلك فإن هذا الثمن يؤول به إِلى النار ويستحق غضب الله تعالى عليه، وإِزالة الرضا عنه وعدم تكليمه بما يحب يوم القيامة، وعدم تطهيره من موجباتِ العذابِ، وتوعده بالعذاب الأليم، وبينت أنه اشترى الضلالة لمساندته للباطل بكتمانه الحق بالهدى لو أنه صدع بالحق، فكيف بمن يحرف أحكام الله ويوالي الكفار ويتبع أهواءهم ويقف في وجه الدعاة إلى الله كي يرضى عنه الكفار وينعتونه بالمعتدل والمتسامح وغير المتزمت ويسمحون له بالحصول على بعض المناصب أو يعطونه بعض الهدايا من المال قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) [البقرة 174-175] وهذه الآية وإِن كانَتْ نزلَتْ في الأحبار، فإِنها تتناوَلُ من علماء المسلمين مَنْ كتم الحقَّ مختاراً لذلك بسبب دُنْيَا يصيبُهَا، (تفسير الثعالبي).
7) كما حذّر من اتباع العلماء في تحليلهم وتحريمهم، وبيّن أن التحليل والتحريم لله وحده، فالعالم إما أن يبلغ الناس تحليل وتحريم الله فيكون اتباعنا لتحريم وتحليل الله الذي بلغنا إياه العالم وليس لتحليل وتحريم العالم، وإما ينحرف عن تحليل وتحريم الله ويبلغنا تحريم وتحليل البشر، سواء أكان منه أم من غيره، وهنا يجب عدم اتباعه بل نصحه وبيان زيف ما يدعو إليه، روى الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه وغيرهم عن عدي بن حاتم (رضي الله عنه) قال: «أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يقرأ في سورة براءة: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) فقال: «أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه».
وفي الختام أود أن أبين أن الله عز وجل يقيض لهذه الأمة في كل عصر من العصور حملة دعوة مخلصين، يكونون قائمين على أمر الله، لا يبالون بالكفار ولا بمن يسخرهم الكفار لتحقيق أهدافهم، ظاهرين على أعدائهم بنصر الله لهم بحججهم الظاهرة على كل الحجج، يحملون الدعوة إلى دين الله الحمل الصحيح، فيدرسون أحكام هذا الدين كما شرع ربهم دون تحريف، فينقونها مما علق بها من شوائب ليست منها، فيقدمونها للناس نقية واضحة لا لبس فيها ولا غموض مجددين للناس فهمهم لدينهم، عن معاوية عن رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» (رواه مسلم).
وأخيراً نقول: ليس هنالك مناص أمام الغرب الكافر وأعوانه إلا محاربة حملة الدعوة الإسلامية، وذلك من خلال فساد الأفكار أو من خلال زيف الأشخاص وادعاءاتهم. ومهما وفّر من أموال وإمكانات وطاقات فستبقى مجرد محاولات يكون الظهور فيها لدعاة الحق بإذن الله، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال 36]، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء 227].
2009-05-04