بين يدي غزة: المقاومة بين النصر والهزيمة
2009/03/04م
المقالات
3,387 زيارة
بين يدي غزة: المقاومة بين النصر والهزيمة
إنّ المسلم لا يسعه وهو يرى استبسال المسلمين المجاهدين في القتال إلا أن يشعر بالفخر والعزة ، وهو يتوق إلى يوم يقدّم فيه نفسه رخيصة في سبيل الله في ساحات القتال فيصيب بشرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دَفعة، ويُرى مقعَدَه من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفّع في سبعين من أقاربه» رواه الترمذي وغيره، ثمّ هو يدخل جنّة يجاور فيها النبيين والصدّيقين والصالحين وسائر الشهداء.
ومع توقف القتال في غزة لا بدّ أن تستبين الحقائقُ التالية وأن تؤخذ بعين الاعتبار عند العاملين على التغيير، عسكرياً كان عملهم أم سياسياً.
الحقيقة الأولى: تتجلى في كلّ المواقف القتالية الصادقة حقائق القرآن الخالدة، قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ) [آل عمران 160]، وقال سبحانه: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة 249].
الحقيقة الثانية: دولة اليهود دولة هزيلة لن تصمد إذا واجهت قتالاً حقيقياً، وإنّ جميع الحروب التي خاضتها وانتصرت فيها كانت مجرّد مسرحيات خيانية أبطالها العملاء والخونة، وهذا يظهر من أعمال المقاومة البسيطة سواء في لبنان أم في غزة ، فكيف إذا تقدّمت نحو كيان يهود جيوش الإسلام تدكّه دكّا؟! جيوش يقودها الأتقياء الصالحون وتستمدّ العون من الله ربِّ العالمين!
الحقيقة الثالثة: الأمة الإسلامية أمّة حية، الخير متجذّر فيها، والإسلام واقع في الفؤاد من قلبها، وهي تتوق للوحدة، ولا ينقصها إلاّ قائد مخلص يقودها ويرحمها ويحسن رعايتها.
الحقيقة الرابعة: إنّ حركات المقاومة في العالم الإسلامي بغض النظر عن إخلاصها لن تتجاوز دورها وهو المقاومة لا أكثر، وذلك أنّها رغبةً أم رهبةً جبرًا أم اختيارًا مرتبطة برباط وثيق بالأنظمة السياسية المتعفنّة العميلة، وهذه الأنظمة قادرة بحكم ذلك الارتباط وبحكم عمالتها أن تحول النصر إلى هزيمة، فبطولات المقاتلين في فلسطين تحولت إلى اعتراف بـ(إسرائيل) وأوسلو وسلطة ساقطة أقل ما يقال فيها إنها جزء من كيان يهود. وبطولات المجاهدين في كشمير حوّلها مشرّف الخائن وبالاً عليهم، وهذا ما يخشى حدوثه مع المجاهدين في غزة هذه الأيام. والسبب في كلّ ذلك أنّ حركات المقاومة لا يمكن أن تستقلّ بذاتها ولا بقرارها، وستجد نفسها طال الزمن أم قصر رهينة نظام عدوٍ للإسلام يستر بها (بمزاعمه باحتضان المقاومة) رغبته الشديدة بالصلح مع اليهود، نظام يعتبر أنّ الوصول إلى المفاوضات المباشرة مع اليهود حتمية تاريخية، ويصرّح في مؤتمر الدوحة التشاوري ولهيب الحرب مستعرٌ في غزة فيقول: إنّ تحقيق السلام في غزة هو بوابة السلام الكبرى، أو رهينة نظام صالح اليهود ويعمل لهم سمساراً يحارب من يحاربون ويوالي من يوالون ويرى وجوده رهينَ رضا اليهود عنه.
والمعروف أنّ هذه الأنظمة لا علاقة لها بالإسلام (ولا حتى بمصالح الأوطان ) وأنّه ليس من برامجها إزالة كيان يهود ولا محاربة الاستعمار، وإذا أدركنا أن خيارها الاستراتيجي وغير الاستراتيجي هو السلام والاستسلام ومحاربة الإسلام فندرك عندئذ إدراكاً حقيقياً أنّ سماح هذه الأنظمة بقيام حركات المقاومة أو دعمها إنّما يكون لدور غايته إحدى اثنتين:
– التمهيد لإزاحة نفوذ جهة كافرة وتمكين أخرى كما هو حاصل في لبنان، وكما يحصل دائماً في أفريقيا.
– أو التمهيد لصلح واستسلام كما حصل ويحصل في كشمير وفلسطين.
وبمجرّد انتهاء هذا الدور للمقاومة يتم القضاء على حركتها بالأعمال العسكرية أو السياسية لا فرق. وتحوّل المقاومة إلى العمل السياسي في أنظمة وطنية عميلة للغرب أو خاضعة لنفوذه بما يعنيه هذا التحوّل من اعتراف بها وسكوت على عدم حكمها بما أنزل الله، هذا التحول من العسكرة إلى السياسة أشدُّ خطراً على الحركة وعلى الأمة من إنهائها عسكرياً والقضاء عليها .وهذا لا يعني بالضرورة أنّ هذه الحركات متآمرة مع الأنظمة، وإنّما يعني أنّ التعامل مع الأنظمة أمر خطير ضرره أكبر من نفعه هذا إن كان له نفع.
ونحن نرى كيف لا تسمح هذه الأنظمة بقيام أحزاب مبدئية، وكيف تحاول سحق حزب مبدئي كحزب التحرير مع أنّه لا يستخدم القوة المادية، ولكنْ كونه مبدئياً مصراً على تحقيق غايته يجعل منه خطراً عظيماً غير قابل للاحتواء، ومبدؤه ورصانة بنيته الفكرية والإدارية تجعله غير قابل للموت أو الهزيمة، وطبيعة عمله وبنيته الإدارية وعراقته السياسية تجعله غير قابل للانشقاق أو الاختراق.
وفي المقابل تقبل هذه الأنظمة والغرب من ورائها دخول الحركات المسلحة العمل السياسي بل وتصرّ عليه إذا كان الطريق الوحيد للقضاء عليها، وما يحصل مع حزب الله من محاولة دمجه في الجيش والدولة يصلح دليلاً على ذلك، ولن يستطيع حزب الله رفض هذا الخط القاتل إذا طلبت منه ذلك سوريا أو إيران إذ شرايين حياته تنبع من هناك.
ومحاولة أميركا القضاء على المجاهدين في العراق وأفغانستان بفتح حوار معهم هو من هذا الباب .
وهو عين ما جرى لمنظمة التحرير، وعين ما يخطط للمجاهدين في غزة تحت مسميات الوحدة الوطنية ومصلحة الشعب وغير ذلك . وهذا إن حصل لا سمح الله يعني أنّ النصر والصمود تحوّل إلى هزيمة، وعندها تذهب جميع الدماء التي سفكت والتضحيات التي قدّمت أدراجَ الرياح.
الحقيقة الخامسة: فكرة المقاومة ليست معالجة إسلامية، بمعنى أنّها ليست الطريقة الشرعية في المحافظة على البلاد وحماية الديار وأهلها، وإنّما هي فكرة غربية نصّ عليها القانون الدولي، وأنها حقّ من حقوق الشعوب المحتلة، وهي ترسّخ فكرة الوطنية، وهي سبيل المغلوب على أمره الذي لا حول له ولا قوة. والواجب في الاسلام وجود أمير يجيّش الجيوش لنشر الدعوة بالجهاد وهو حرب هجومية ابتدائية، فإذا احتُلّ جزء من بلاد المسلمين وجب القتال على الجيش الإسلامي لتحريره، فإن لم يوجد الجيش الإسلامي لغياب دولة الخلافة كحالنا اليوم وجب القتال على القادرين على القتال (الجيوش)، فإن حال دون قتالها حائل وجب إزالة ذلك الحائل من باب «ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب»، والحكام في أيامنا هذه هم الحائل الوحيد دون قيام الجيوش بواجبها؛ فيجب إزالتهم من أجل القيام بما فرض الله تعالى. وقادة الجيوش وضباطها هم الذين يتحملون المسؤولية الكبرى بإزالة الحكام وإسقاط هذه الأنظمة المتهالكة.
الحقيقة السادسة: حركات المقاومة في العصر الحديث كلّها كانت فاشلة إمّا لأنّها لم تحرر بلادها كحركة المقاومة الفرنسية التي فشلت في طرد ألمانيا، ولولا التحالف الدولي ضدّ ألمانيا لما تحررت فرنسا، وإمّا لأنّها تمّ احتواؤها وحرفها عن مسارها وغايتها مثل أكثر حركات المقاومة في العالم الإسلامي، إذ خرج الاستعمار وأناب مكانه عملاء له.
الخلاصة: إنّ حركات المقاومة لا يمكن أن تحقق أهدافها إلا إذا احتضنتها دولة مخلصة تؤمن بنفس الفكر (طرد النفوذ الغربي، تحكيم الإسلام) فتكون امتداداً لأعمال سياسية وجهادية لهذه الدولة، ولا نتصور هذه الدولةَ إلا الدولةَ الإسلاميةَ، وعندها لن تكون هناك حاجة للمقاومة بل الجهاد الذي يتولاه جيش الخلافة، وهذا هو العمل الحقيقي الجذري الذي يجب أن يُعمل له وأن تُسخّر جميع طاقات الأمة واهتماماتها من أجله.
خالد الدويك – القدس
2009-03-04