آن الأوان: نصرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تكون بإقامة شرعه
2009/03/04م
المقالات, كلمات الأعداد
2,044 زيارة
آن الأوان:
نصرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تكون بإقامة شرعه
كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن نصرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وخصصت الفضائيات الدينية الكثير من برامجها له، وغطى مساحات شاسعة من صفحات الإنترنت، وألفت المؤلفات وسطرت المقالات… هذه وغيرها من النشاطات تتناول جميعها مختلف جوانب شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتدعو إلى نصرته على مختلف المستويات:
– فعلى مستوى الأفراد: كشفت جميل صفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعظيم مواقفه، وصدق تعامله مع أهله وأصحابه وجيرانه وأصحابه وسائر المسلمين وحتى مع أعدائه، وفنّدت الأباطيل والشبهات التي تثار حوله، وبينت وجوب الإيمان به، والتصديق بما جاء به، وطاعته والرضى بحكمه، وتقديم محبته على النفس والولد، والحرص على الصلاة عليه كلما ذكر، ودعت إلى التفكير بدلائل نبوته، والتعرف على منـزلته عند ربه، وقراءة سيرته وتعلم سنته، وبغض مبغضيه ومحبة آله وأصحابه ومحبيه، والتبرع لكل ما يساعد في الدفاع عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتغطية أكلاف مختلف النشاطات…
– وعلى مستوى أهل العلم: دعت إلى زرع محبته في القلوب، والإكثار من الموضوعات التي تغطي جوانب شخصيته، وإقامة حلقات تحفيظ للسنة إلى جانب حلقات تحفيظ القرآن…
– وعلى مستوى المؤسسات التعليمية: دعت إلى إضافة مادة السيرة النبوية إلى مناهج التعليم والدراسات الإسلامية المتخصصة، وإعداد أعمال موسوعية أكاديمية غنية في السيرة تصلح كمرجعية وبالتالي ترجمتها إلى مختلف اللغات.
– وعلى مستوى الإعلاميين: العمل على إبراز شخصيته (صلى الله عليه وآله وسلم)، والتصدي للإعلام الغربي واليهودي المضاد، وكتابة المقالات في الرد على ذلك، والمشاركة في حوارات هادئة هادفة مع غير المسلمين لإبراز كريم صفات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإعداد برامج خاصة بالرسول، وإنشاء المواقع والمنتديات على الشبكة العالمية…
– وعلى مستوى الجمعيات: إنشاء لجان تحمل لواء نصرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإعداد أشرطة وسيديات ومطويات تتكلم عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتخصيص صناديق تبرع لتمويل حملات نصرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)…
– وعلى مستوى القانونيين: إعداد دراسات قانونية لعرضها على الأمم المتحدة لتتبنى أن الإساءة إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هي جريمة يعاقب عليها القانون الدولي.
– وعلى مستوى الأغنياء الميسورين: العمل على تمويل كل ما يتعلق بنشاطات نصرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على مختلف الصعد. والمساهمة في إنشاء الفضائيات والإذاعات والمجلات التي تتحدث عن نبي الإسلام وإنشاء المتاحف والمكتبات المتخصصة.
– وأخيراً لا آخراً على مستوى الحكومات: دعت إلى تسهيل كل هذه النشاطات، وأن تنقل بحث الإساءة إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المستوى السياسي فتستدعي السفير أو تطرده أو تستصدر القوانين الاقتصادية التي تشكل عقوبات رادعة للدولة التي تصدر من داخلها الإساءة؛ لتضغط بدورها على أفرادها ومفكريها أو إعلامييها أو برلمانييها… الذين يتولون كبر هذه الإساءة…
بهذه النشاطات التي ذكرناها وبمستوياتها المختلفة تمت نصرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد يظن ظان أنها لكثرتها هي أكثر من كافية. والسؤال الذي يسأل نفسه: هل هذه النشاطات هي فعلاً كافية ومبرئة للذمة؟
للإجابة على ذلك لابد من معرفة الواقع الذي دفع الغرب لشن حملته المسعورة على الإسلام ورسوله وقرآنه وحكم الجهاد فيه، والهجوم على نظام الخلافة والتحذير منه…
وعند البحث في الواقع الذي تمت فيه الإساءة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يتبين لنا أن هذه الإساءة بالأصل هي موقف سياسي تقف وراءه سياسة دول، وتنفذه شبكة من الاستخبارات العالمية التابعة لهذه الدول عن طريق أدوات لها. قد تكون وسيلة إعلامية أو برلمانياً أو روائياً أو مخرجاً سينمائياً… فالدول التي تقف وراءه هي دول الغرب الرأسمالي الكافرة وعلى رأسها أميركا ودول أوروبا.
فهذه الدول الغربية الرأسمالية التي تسيطر على النظام العالمي باتت تدرك أن شمس حضارتها بدأت بالأفول. وأنها بالرغم من كونها في عز قوتها المادية وسيطرتها العالمية وكامل قدرتها على تطبيق نظامها من غير منازع (بعد سقوط الشيوعية) إلا أنها انكشفت فكراً وتطبيقاً، وأوصلت العالم معها إلى أزمات عالمية لا تعرف كيف تعالجها. وفي السنة الأخيرة فقط انفجرت في وجهها ثلاث أزمات تهدد نظامها العالمي بالصميم: أزمة غذاء، وأزمة غلاء، وأزمة مالية خانقة. وهذه الأزمات ليست وليدة ظروف طارئة بل تم رصدها والتحذير منها منذ سنوات. ثم إن الشعوب الغربية، تلك الشعوب الضائعة التائهة، لم تعد تثق بهذه الحضارة لأنها لم تسعدها بل أشقتها كما أشقت غيرها، ثم إن ساحة الفكر عندهم قد خلت من فلاسفة يدافعون عن هذه الحضارة ويطورونها (لأنه بحسب رأيهم أن الحضارة تتطور) بل تحولوا إلى مفكرين وباحثين ينتمون إلى مراكز بحوث فكرية تشكل رافداً للأنظمة الحاكمة عندهم. وبالخلاصة بات الجميع في الغرب يدرك حقيقة المأزق الحضاري الذي وصل إليه، وفي الوقت نفسه باتوا يدركون أن الإسلام سيكون الوريث الحقيقي لحضارتهم وأنه يتقدم على الساحة العالمية بنفس درجة التقهقر التي يشهدها هو. ولمعرفة الغرب بحقيقة الإسلام فإنه يعرف مدى قوته وقدرته على الصراع. إذ يعرف أن فيه أحكاماً حقيقية هي على النقيض تماماً من أنظمته، وفيها العلاج لكل مشكلاته. والأزمة المالية الأخيرة دليل على كل ما قلناه إذ بدأت الأصوات من داخل أسوارهم ومن أبناء جلدتهم تنادي بالاستفادة من القرآن وبأسلمة وول ستريت وداعين إلى التخلي عن (حرية السوق) المقدسة عندهم.
لذلك فإن الغرب عندما خاض حربه العالمية على الإسلام بحجة محاربة الإرهاب إنما خاضها من هذا المنطلق، إذ يريد أن يقوم بحروبه الوقائية لمنع وصول الإسلام الحقيقي إلى الحكم. وهو عندما بدأ بعض زبانيته يهاجمون الرسول والإسلام والقرآن والجهاد جهاراً نهاراً، وإذا كان بعض رموزه ومسؤوليه ملؤوا الأسماع من التحذير من إقامة الخلافة (الإمبراطورية الإسلامية كما يسمونها أيضاً) فهذا كله ضمن خطة تقضي بإجهاض المشروع الإسلامي. فإذا كان هذا هو الواقع الذي يشكل المناط الذي سينـزل عليه الحكم والذي يعتبر الهجوم على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جزءاً منه، فما هو الحكم الشرعي الذي يجب أن يقوم المسلمون به لمواجهة هذا الواقع؟ وهل ما يقام به يكفي؟ وما هو المطلوب إذاً.
إن الذي تم لا يكفي أبداً، وفيه خلط للغث بالسمين، وفيه صرف متعمد عن معرفة الحل الصحيح، إذ الحل الإسلامي الذي يحدده الشرع لنا هو أن يتم التقدم بالإسلام على الساحة الدولية كمشروع حضاري يبدأ بإقامة دولة خلافة إسلامية في أي قطر من أقطار المسلمين، ثم تتوسع لتضم سائر أقطارهم، ثم تفرض نفسها على أرض الواقع كدولة عالمية أولى تطل على العالم بدعوة الحق الذي تمثله، وصلاحية نظامها الذي تحكم به لأن يطبق على العالم كله، وبقوة الدولة المادية التي تحمي الحق والعدل وتنشرهما.
أما إنه غير كاف فلأنه لامس ظاهر المشكلة ولم يتعمق إلى أساسها ولم يتطرق إلى الدافع لها، وحتى ولم يلم بحقيقة من يقف وراءها ولماذا. ولو أنهم فعلوا لعرفوا…
أماأن فيه خلطاً للغث بالسمين فلأنه جعل الحكام جزءاً من الحل مع أنهم حقيقة جزء من المشكلة. فالحكام هم أعوان الغرب وعملاؤه ويده ورجله في المنطقة، ولن يقوموا بما هو مطلوب منهم شرعاً فيما يتعلق بنصرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل سيدفعون المسلمين للعمل عبر قنوات المجتمع الدولي الذي يجب الانعتاق منه، وسيكونون وراء كثير من الفضائيات والإعلاميين والجمعيات التي تنشأ لهذا الغرض لتوجيه الأمور عبرهم إلى تحقيق ما يخطط لهم من الغرب، ولمنع المظاهرات من أن تخرج عن سيطرتهم، ولمنع الدعوة إلى المقاطعة من أن تأخذ حجمها، ولمنع قطع العلاقات مع هذه الدول التي ترعى هذه الحملات من وراء حجاب… فيصبح الغرب بذلك ممسكاً لهذه المشكلة من طرفيها.
أما أن فيها صرفاً متعمداً عن معرفة الحل الصحيح فذلك أن الفضائيات وكثيراً من علمائها وبرامجها، وضعوا جميعهم في إطار سياسة مدروسة من الغرب والأنظمة هدفها صرف الأمة ككل عن الحل الصحيح بصرفها عن التفكير في وجوب العمل على تغيير الأوضاع الفاسدة بالحل الإسلامي الجذري المتمثل بإقامة الدولة الإسلامية. ونرى ذلك يتم بتركيز هذه الفضائيات فقط على الجانب الفردي والخلقي عند المسلمين. فلا تكاد تسمع من هؤلاء العلماء ذكر الدولة والخلافة والخليفة والحكم إلا عرضاً مع أن الحاجة الماسة إليه تبرز في كل أمر، وفرضيتها معلومة من الدين بالضرورة.
نعم إن هذا الكلام ليس بجديد ذكره على صفحات مجلتنا، ولكن ما دعا إلى تكرار ذكره أن المسلمين جعلوا في هذه الأيام ذكرى لمولد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يحتفلون بها أسوة بما عند النصارى من مثل هذه الذكرى. وفي هذه الذكرى سيتم التشديد على أهمية نصرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على الطريقة نفسها التي ذكرناها؛ لذلك كان لابد من تبيان الحكم الشرعي المطلوب من الأمة أن تتجاوب معه محبة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإظهاراً لعظيم شأنه.
فإلى من يحبون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومحبته من الإيمان، ندعوهم إلى نصرته على الطريقة التي يريدها الله تعالى ويحبها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران]، ونصرته (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تكون إلا بالعمل لإقامة شرعه بإقامة دولته. وبهذا فقط يتم إحياء سيرته وسنته.
2009-03-04