الشاعر يوسف إبراهيم
14 من صفر 1414هـ
02/08/1993م.
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه خفقةٌ من القلب أبعث بها إلى الأستاذ الفاضل أخي العقيدة والكفاح محمد بن عبد الله المسعري، أبعث بها إليه في سجنه، لقد سمعت صوته على آلة التسجيل فأحسست أني أعرفه من زمن بعيد، وهكذا تكون رابطة الإيمان: إلهٌ واحد وعقيدة واحدة ينبثق عنها نظامها، وكفاحٌ على طريق التحرير واحد، ونبض في القلوب والدماء والمشاعر واحد، وجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.
رَجَّعْ صَداهُ العَذْبَ فالآذانُ من حاكيهِ ترتشفُ الصَّدى
|
وابعثْ نِداءَ الحقّ يكتسحُ الحدودَ بصوتِهِ الداوِي ويخترقُ المدى
|
واسْكُبْ مِنَ النبعِ الفُراتِ نَميرَهُ، أَكْرِمْ بنبعٍ للهدايةِ مَوْرِدَا
|
وانْثُرْ ضياءَ الفِكْرِ فالليلُ المُعَرْبِدُ بالظلامِ تَلَبّدَا
|
غشى على الأبصارِ حالِكُهُ، فظلَّ الركبُ في تيهِ الحياة مُشَرّدَا
|
جَفَّ الدمُ الموّارُفي شِرْيانِه الواهي فخَرَّ من الكَلالةِ مجْهَدا
|
أَرجعْ إليهِ النَّبْضَ حيّاً يَبعثُ الأرواحَ والأجسادَ من جَدَثِ الرَّدى
|
يا مِسْعَرِيُّ، وبورك الأَبُ حين أنجبَ ِبْلَهُ الحُرَّ الأبيَّ مُحمّداً
|
نَعْمَ السَّمِيُّ، قَبَسْتَ من نورِ النبوّةِ شُعْلَةَ الإيمانِ نِبراسَ الهدى
|
أوْقَدتَها من جَذوةِ المِصباحِ، تَحكي الكوكبَ الدُّرِيَّ حينَ تَوَقّدَا
|
نورٌ على نورٍ يُحَرِّرُ من ظلامِ الجهل شَعْباً بالقيود مُصَفَّدَا
|
هي صيحةُ التحريرِ دَوَّتْ كالأذانِ العَذْبِ في كل البِقاع تَردَّدا
|
فَحملْتَ رايتَها بوجهِ المُجْرِمِ الباغِي وكنتَ لها الفِندى
|
وهززتَ عرضَ النِّفْطِ حينَ رأَيْتَهُ فوق الجماجمِ بالحِراِب مُشَيّدا
|
والقاعدونَ على أرائِكِهِ لأميركا تَهاوَوْا راكعينَ وسُجَّدا
|
وانقادَتِ الأعناقُ صاغرةً لمالِكِها ولانَتْ مِقْوَدَا
|
خَدَمٌ لسادتِهمْ، وفي أوطانهم أيدِ تُلَوِّحُ بالخناجرِ والمُدى
|
وعلى بحارِ النِّفْطِ والدَّمِ سارَ مرْكَبُهُمْ وتاهَ وعَرْبَدا
|
شربوا الدَّمَ الممزوجَ بالبِتْرولِ ما ملأوا به جَوْفاً ولا بَلّوا الصَّدى
|
ملأوا خزائنهمْ بأصدافِ الخليج وزْيتِهِ دُرّاً يُضيءُ وعَسْجَدا
|
فَرَمَوْهُ في حانِ الفجورِ على نِعالِ الراقصاتِ مُبَعْثَراً ومُبَددا
|
صاغوهً سَهْماً نافذاً يَدْمى، إلى صَدْرِ الكَرامة والشعوبِ مُسَدَّدا
|
واستقبلوا في الدّارِ أَمْيركا، وقد فتحوا القلوبَ لها وقد بَسطوا اليدا
|
فَرَشُوا لها الرَّيْحانَ والأجْفانَ دَرْباً للغُزاةِ المجرمينَ مُمَهّدا
|
وضَعوا عليها تاجَ كِسرى في ديار المسلمينَ مُمَلَّكاً ومُسَوَّدا
|
تَنْهى وتَأْمُرُ والجميعُ بِحِجْرها عَشِقوا على فُرُشِ المَذَلَّةِ مَرْقَدا
|
حتى غدا الوطنُ الأبيُّ مُأَمْرَكاً، والقدسُ في أسْرِ الغُزاةِ مُهَوَّدا
|
وانْهارَ مجدُ الفاتحينَ، وجَحْفَلُ الأَقْزامِ بالأوطانِ داسَ السُّؤْدَدَا
|
والثأْرُ في صدرِ الرُّجولةِ لَمْ يَعُدْ لَهَباً، فماتَ وأُخْمِدَا
|
ííí |
يا مِسْعَرِيُّ ويا أَخا الدَّرْبِ الذي ما زالَ للعلياءِ مُتَّصِلَ المَسِيرْ
|
يا أَيُّها الصوتُ الذي من أرض نَجْدٍ فيه أصداءُ المُبَشِّرِ والنَّذيرْ
|
أحْلى من الأنغام في أُذُنِ السميعِ، ومن ضياء الشمسِ في عين البَصيرْ
|
نُصْغي إليهِ وكأنَّهُ في آلَةِ التسجيلِ خَفْقٌ في الجوانِحِ والصّدورْ
|
وَتُحِسُّهُ طَيْفاً تكاد الرّوحُ من شوقٍ تُعانِقُهُ ويَحْضِنُهُ الضّمِيرْ
|
يا من شَهَرْتَ الحقَّ في وَجْه المُكابِرِ كالمُهنَّدِ في يد البطلِ المُغيرُ
|
وهَتَكْتَ عَوْراتِ القصورِ وكلَّ ما ضَمَّتْ مَواخيرُ الخلاعةِ في القُصورْ
|
لا تبتئسْ مهما تَمادى البغيُ بالصَّلَفِ المُعَرْبِدِ والتبجُّحِ والغُرورُ
|
فالفكر أقوى من سِياط الظلْمِ والصَّنَمِ المُتَوَّجِ والأرائِكِ والسَّريرْ
|
وأَمامَ صوتِ الحقِّ فِرْعوْنُ العَتِيُّ وعَرْشُهُ وجنودُهُ قَزَمٌ حَقيرْ
|
وعَزيمةُ الإيمانِ تَفتحُ كلَّ بابٍ للمعالي مُوصَدٍ صَعْبٍ عَسيرْ
|
وتَشُقُّ دَرْبَ المجدِ وهْيَ تُفَجّرُ اليُنْبوعَ في قلب الصُّخورْ
|
لَسْتَ الوحيدَ بسجنكَ الداجِي، فأُمّتُنا تعيشُ اليومَ في سجنٍ كَبيرْ
|
لا تبتئسْ فقصورِهمْ قَشٌّ، سيطويها لهيبُ الحقّ في لَفْحِ السَّعيرْ
|
وبَشائِرُ التحريرِ تَهتِفُ بالنيامِ فتوقِظُ الأموات من ظُلَمِ القُبورْ
|
يا فارسَ الميْدانِ ما زالتْ خيولُ النَّصْرِ مُسْرَجَةً لتقتحم الحواجزَ والثغورْ
|
وقوافُلُ الإيمانِ كالطوفانِ في دَرْبِ الشهادةِ نحو غايَتِها تَسيرْ
|
والحربُ أَنّى سِرْتَ دائرةٌ على الإسلام، ما زالتْ مراجِلُها تَفورْ
|
بَدْرِيةٌ تستصرخُ الأنصارَ ساحتُها ورايتها وقد عَزّ النَّصيرْ
|
فابْسُطْ يَدَ العَهْدِ الذي ما زالَ يحملُ بَيْعةَ الرضوانِ تَنْفَحُ بالعَبيرْ
|
وأَعِدْ إلى الصحراءِ غيثاً كان يُمْطِرُها رَوِيَّ المُزْنِ دَفّاقَ النَّميرْ
|
يا مُوقِظَ الفَجْرِ الذي في أُفْقِ نَجْدٍ كادَ يَخْنُقُهُ الظلامُ القَمْطَريرْ
|
صَحَتِ الغفاةُ من الرُّقادِ وكَهْفِهِ المَنْسِيَّ لمّا هَزّها صوتُ البَشيرْ
|
هذا الضياءُ يَلُوحُ في نَجْدٍ فيَيْتَسِمُ النخيلُ ويَسْتَحِمُّ بهِ الغَديرْ
|
وتَضُوعُ أنفاسُ العَارِ ويَصْدَحُ الطيرُ المُغَرّدُ في حُبورْ
|
سَقَطَ القِناعُ وزَيْفُهُ الواهِي الذي نَسَجُوهُ من إفْكٍ وزورْ
|
وتَمزّقتْ حُجُبُ الرياءِ وجُبَّةُ الشيخ الدَّعِيِّ بها وجِلبابُ الأَميرْ
|
هذِي البلادُ هَوى بها الكَذّابُ وانْدَحَرَتْ سَجاحُ ومادَ صَرْحُهُما الكَفورْ
|
والفاتحونَ خالدٌ وفيالقُ الصِّديقِ تَجْتَثُّ الضلالَ مِنَ الجُذورْ
|
ما زالَ في رَمْلِ اليَمامَةِ من دَمِ الشهداءِ سِفْرٌ ناطِقٌ عَبَقُ السُّطورْ
|
ومشاعلُ التوحيدِ ما زالتْ بنور اللهِ تَهديها على مَرَّ العُصورْ
|
فامْدُدْ يَمينَكَ يا أحي فالأرضُ كالبركانِ مائجةٌ تَمورْ
|
لِخِلافةٍ حَفّاقَةِ الراياتِ ما زالتْ رَحى الإسلامِ في وطني تَدورْ
|
والمسلمونُ أَعِزَّةٌ باللهِ، والرّحْمنُ ناصِرُهُمْ ويا نعم النَّصيرْ
|