المستقبل للإسلام
1991/05/02م
المقالات
2,841 زيارة
بقلم: فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
قال الله عزّ وجلّ: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للاسلام بسيطرته وظهوره وحكمه على الأديان كلّها، وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده ﷺ وعهد الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين، وليس كذلك، فالذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق، كما أشار إلى ذلك النبي ﷺ بقوله:
1- «لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى، فقالت عائشة: يا رسول الله إن كنتُ لأظن حين أنزل الله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) أن ذلك تاماً؛ قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله» الحديث رواه مسلم وغيره.
وقد وردت أحاديث أخرى توضح مبلغ ظهور الإسلام ومدى انتشاره، بحيث لا يدع مجالاً للشك في أن المستقبل للاسلام بإذن الله وتوفيقه. وها أنا أسوق ما تيسّر من هذه الأحاديث عسى أن تكون سبباً لشحذ همم العاملين للاسلام، وحجة على اليائسين المتواكلين.
2- الأول: «إن الله زوى (أي جمع وضم) لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها». الحديث رواه مسلم وغيره وأوضح منه وأعم حديث:
3- الثاني: «ليبلعن هذا لأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك بيت مدر ولا بر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاّ يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر».
رواه جماعة ذكرتهم في «تحذير الساجد» (ص121). ورواه ابن حبان في «صحيحه».
ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا الانتشار يسلتزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان، وهذا ما يبشرنا به الحديث:
4- الثالث: «عن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي، وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتاباً، قول عبد الله هذا رواه أبو زرعة أيضاً في «تاريخ دمشق» (96/1)، وفيه دليل على أن الحديث كتب في عهده ﷺ خلافاً لما يظنه بعض الخراصين! قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله ﷺ نكتب، إذ سئل رسول الله ﷺ: أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله ﷺ: مدينة هرقل تفتح أولاً. يعني قسطنطينية».
صححه الحاكم ووفقه الذهبي وهو كما قالا.
و (رومية) هي روما كما في «معجم البلدان» وهي عاصمة إيطاليا اليوم.
وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف، وذلك بعد أكثر من ثمانمئة سنة من إخبار النبي ﷺ بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى ولا بد، ولتعلمن نبأه بعد حين.
ولا شك أيضاً أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة، وهذا مما يبشرنا به ﷺ بقوله في الحديث:
5- الرابع: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت». رواه أحمد.
وهذا وإن من المبشرات بعودة القوة إلى المسلمين واستثمارهم الأرض استثماراً يساعدهم على تحقيق الغرب، وتنبئ عن أن لهم مستقبلاً باهراً حتى من الناحية الاقتصادية والزراعية قوله ﷺ:
6- الخامس: «لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً». رواه مسلم وغيره.
وقد بدأت تباشير هذا الحديث تتحقق في بعض الجهات من جزيرة العرب بما أفاض الله عليها من خيرات وبركات وآلات ناضحات تستنبط الماء الغزير من بطن ارض الصحراء، وهناك فكرة بجر نهر الفرات إلى جزيرة العرب كنا قرآناها في بعض الجرائد المحلية، فعلها تخرج إلى حيّز الوجود، وان غداً لناظره قريب.
هذا ومما يجب أن يعلم بهذه المناسبة أن قوله ﷺ: «لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم». رواه البخاري في «الفتن» من حديث أنس مرفوعاً.
فهذا الحديث ينبغي أن يفهم على ضوء الأحاديث المتقدمة وغيرها مثل أحاديث المهدي ونزول عيسى عليه السلام فإنها تدل على أن هذا الحديث ليس على عمومه بل هو من العالم المخصوص، فلا يجوز إفهام الناس أنه على عمومه فيقعوا في اليأس الذي لا يصح أن يتّصف به المؤمن (إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ). أسال الله أن يجعلنا مؤمنين به حقاً c
سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول
1991-05-02