لماذا الإصرار على إلصاق الأعمال المادية بحزب التحرير ؟!
2008/11/01م
المقالات
1,838 زيارة
لماذا الإصرار على إلصاق الأعمال المادية بحزب التحرير ؟!
ما دفعني إلى كتابة هذا المقال وطرح هذا السؤال في هذا الوقت بالذات هو تصاعد وتيرة الأحداث والمواقف التي تنتهجها بعض الحكومات وبعض المفكرين وأصحاب التوجهات السياسية في محاولة إقحام اسم حزب التحرير في الأعمال المادية والإرهابية، ففي تركيا تستميت الحكومة ويستميت المفكرون العلمانيون والكماليون وأجهزة الأمن التركية هذه الأيام في محاولة إلصاق الأعمال المادية الإرهابية بالحزب من خلال ربطه بمجموعة الآرجنكون الإرهابية التركية المسلحة، تلك المجموعة التي قُبض على عناصر منها في شهر تموز السابق وبحوزتهم قنابل يدوية مخبأة، وكان من بينهم جنرالان بارزان متقاعدان بالإضافة إلى مجموعة من القوميين والعلمانيين والصحفيين، والتي لم يكن يخفى على أحد من السياسيين ارتباطاتهم الإنجليزية المعادية لحكومة حزب العدالة والتنمية ذات الولاء الأميركي.
وبعد ذلك تناولت نشرات الأخبار الرئيسية والفرعية التركية يوم الجمعة الموافق 19 أيلول 2008 خبراً حول تنظيم “الآرجنكون” جاء فيه: “لقد بدأت الحقائق تظهر للعيان فيما يتعلق بالمدنيين الذي اعتقلوا في أنقرة كجزء من عمليات الاعتقال، فقد ادعي أن هؤلاء الأشخاص هم أعضاء في حزب التحرير وهم على أهبة الاستعداد لتنفيذ أعمال، وقيل أن الأظناء المرتبطين بتنظيم الآرجنكون الإرهابي يسعون للنفاذ إلى المجموعات ذات التوجه الديني لتهيئة الأجواء لفترة 28 شباط/فبراير جديدة”.
ومن ثم قامت العناصر الأمنية التابعة للجمهورية التركية يوم الجمعة الموافق 26 أيلول 2008 مساءً وقت الإفطار بإيقاف يلماز شيلك الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية تركيا في نطاق التحقيقات المتعلقة بالآرجنكون.
وهكذا تصر الحكومة التركية على محاولة إقحام اسم حزب التحرير في الأعمال المادية الإرهابية رغم أنها تعلم علم اليقين نهج حزب التحرير السياسي الفكري، وهذه ليست المحاولة الأولى، فمن قبل وصفوا الحزب ب “الشيوعيون الخضر” محاولة منهم لربط الحزب بالدموية والإجرام الشيوعي.
ولو اقتصر الأمر على تركيا لقلنا سحابة عابرة ولكن لم يقتصر عليها، فكذلك الأمر في باكستان وبنغلادش فقد نشرت بعض وسائل الإعلام الباكستانية أخباراً في شهر أيلول الماضي زعمت فيها أن حزب التحرير هدد بالقيام بأعمال تفجيرية في مناطق مهمة رداً على اعتقال السلطات البنغالية عدداً من أعضائه، هذا بعد أن قامت الحكومة البنغالية باعتقال عشرة من شباب الحزب كانوا قد نظموا مؤتمراً صحفياً، ومن ثم ادعت الشرطة أنه وصلها فاكس من الحزب يهدد بالقيام بأعمال تفجيرية في مناطق مهمة ما لم يُفرج عن المعتقلين، ولما لم تجد الحكومة حيلة أمام الرأي العام لتقنعه بفريتها، خاصة والشعب يعرف حزب التحرير عين المعرفة ويعرف نهجه الفكري السياسي، تراجعت الحكومة البنغالية وأفرجت عن المعتقلين العشرة.
وكذلك الأمر في أوزباكستان، فقد حاول إسلام كريموف إلصاق الأعمال المادية والإرهابية بالحزب واعتبر الحزب منظمة إرهابية، فقام باعتقال شباب الحزب وسجنهم وتعذيبهم حتى وصل الأمر ببعض شباب الحزب إلى الاستشهاد في سجونه من شدة التعذيب، وآخرهم كان الشهيد عادل عزيزوف الذي استشهد بسجن “جسليق” الشهير بأسوأ سمعة بين سجون السلطات الأوزبكية حيث يلقى معظم الشهداء مصارعهم في ذلك المعتقل الرهيب بسبب التعذيب الوحشي الذي يمارسه جلاوزة كريموف.
وكذا الأمر في ألمانيا حيث أصدر وزير الداخلية الألماني أوتو شيلي عام 2003م قراراً بحظر نشاطات حزب التحرير بحجة أنه «يؤيد استخدام العنف كأداة لتحقيق أهدافه السياسية وينكر حق إسرائيل في الوجود».
وكذلك قامت روسيا بحظر الحزب واعتقال شبابه بحجة أنه يمارس الأعمال المادية، فقد نقل التلفزيون الروسي عن مارينا كوزمينا الناطقة باسم إدارة جهاز الأمن والمخابرات في نيجني نوفغورود عام 2004م «إن أعضاء هذه التنظيمات يلجأون إلى العنف وتجنيد المرتزقة والمغالاة في عدائهم لممثلي الأديان الأخرى»
وبينما حاولت الدانمارك حظر الحزب، أكد مدعي عام مملكة الدانمارك في حزيران 2008م عدم وجود سبب قانوني لحل فرع “حزب التحرير” في الدانمارك، وهو الأمر الذي طالبت فيه عدة أحزاب يمينية ويسارية في البرلمان.وأوضح المدعي يورجن سورينسن في بيان له أنه “طالما أنه لا يستخدم العنف أو أي وسائل أخرى يعاقب عليها فلا يوجد شيء غير قانوني في العمل من أجل نظام يختلف جوهرياً عن النظام القائم في الدانمارك”.
وكذلك الأمر في بريطانيا وأميركا، فقد أعلن توني بلير في آب 2005م أن حزب التحرير على قائمة المنظمات التي ينتظر حظرها، بينما يضغط معهدان محافظان للدراسات الاستراتيجية هما «مركز نيكسون» و«ومؤسسة هيريتيدج» على الإدارة الأميركية لاعتبار «حزب التحرير» منظمة إرهابية، فقد نُقل عن زينو باران، مديرة مركز نيكسون لبرامج الأمن الدولي والطاقة، قولها “حزب التحرير يفرخ آلاف العقول المغسولة والتي “تتخرج” بعد ذلك من الحزب لتنضم لعضوية منظمات مثل القاعدة”، وتضيف “حتى إذا كان حزب التحرير نفسه لا ينخرط في أعمال إرهابية، فإنه يعمل كخط إمداد للإرهاب”.
وقال مسؤول رفيع من الإدارة الأميركية طلب عدم الكشف عن هويته للصحفي ديفيد أوتاوي بواشنطن فيما نشر على صفحات جريدة الشرق الأوسط الدولية: إن التطرف الإسلامي في آسيا الوسطى هو «خطر متزايد وجاد لم يتم حتى الآن تقييمه على حقيقته من قبل الناس في هذه المنطقة». وسمى حزب التحرير بـ «المصنع» المنتج لأفكار متطرفة، لكنه قال ” إنه ما زال غير مقتنع بضرورة اعتباره ضمن التنظيمات الإرهابية”.
فالقائمة طويلة من الحكومات ومراكز الأبحاث والسياسيين والمفكرين الذين يحاولون جاهدين إثبات تهمة الأعمال المادية والإرهابية على حزب التحرير وشبابه، وهذا ما دفعني إلى تناول هذا الموضوع بشيء من التفصيل لإلقاء الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة المتجددة عند بعض الحكومات كالحكومة التركية والبنغالية. وأخشى ما أخشاه أن يطل علينا بعض المفكرين والسياسيين بعد عام أو عامين وهم يرون تعاظم شعبية الحزب هنا في فلسطين ليلحقوا بركب المفترين ويتهموا الحزب بالأعمال المادية والإرهابية تمهيداً للنيل منه، مثلما حاول بعض المفكرين والكتاب سابقاً تبرير حظر نشاطات وفعاليات الحزب الأخيرة قبل شهرين من خلال اعتبار مؤتمرات ومسيرات الحزب السلمية تصلح بيئة لتنفيذ أعمال تخريبية من حركات وأحزاب أخرى.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن قبل محاولة توضيح المسألة وموقف الحزب من هذه الاتهامات، هو لماذا هذه الحملة الشرسة على الحزب عالمياً؟
وللإجابة على هذا السؤال أقول إنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الفائت وسقوط الاشتراكية، تفردت الرأسمالية في المسرح الدولي ولم يعد هناك من ينازعها دولياً بينما بقي ما ينازعها عالمياً وهو المبدأ الإسلامي، ولكن لا يوجد دولة تحمله وإن كان هناك مسلمون يعتنقونه، فأدركت أميركا زعيمة المعسكر الغربي الرأسمالي بأن الخطر الوحيد المتبقي هو من الإسلام، وأنه الوحيد القادر على تهديد الرأسمالية والإطاحة بها، فبدأت بوضع الخطط والأساليب للقضاء على الإسلام والحيلولة دون عودته مجسداً في دولة، فكانت الحملة الأميركية في تسعينات القرن الفائت للقضاء على الإسلام، تم من خلالها نشر أفكار الرأسمالية في بلاد المسلمين والترويج لها من مثل الديمقراطية والحريات وسياسات السوق والتعددية الحزبية، إلى غير ذلك من الأفكار التي من شأنها صرف المسلمين عن مشروعهم النهضوي إلى الرأسمالية وأفكارها.
وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول تم وضع مشروع شامل ضد العالم الإسلامي، أطلق عليه “مشروع الشرق الأوسط الكبير”، من ثم تقرير لجنة بيكر – هاملتون، لضرب القوة الكامنة في أمة الإسلام، وفتح الحرب على الإسلام والمسلمين، والحيلولة دون تمكن الأمة الإسلامية من امتلاك قوة سياسية تؤهلها لأن تكون الدولة الأولى في العالم في فترة زمنية وجيزة. وبعبارة أكثر وضوحاً، فقد أعلنوا الحرب على مشروع “دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة” وعلى “المؤمنين المخلصين العاملين لتحقيق هذا المشروع” وعلى “أمة الإسلام التي تتوق لرؤية هذا المشروع وقد تحقق على أرض الواقع”.
والغرب أدرك هذا الخطر تماماً وأصبح هو الهاجس الذي يراود قادتهم، فقد رسم التقرير الذي يحمل عنوان «رسم خريطة المستقبل العالمي» الصادر عن المجلس الوطني للاستخبارات في منطقة لانغلي في ولاية فيرجينيا، أربعة سيناريوهات محتملة للنظام العالمي في 2020م، يتمحور أولها حول قوة آسيا الاقتصادية والتي ستستبدل بالولايات المتحدة وأوروبا «كمركز للعجلة النقدية»، يليها سيناريو «توسع أميركي» يعطي الولايات المتحدة القبضة الحديدية في بلورة النظام العالمي. فيما يحذر السيناريو الثالث من «استنهاض خلافة إسلامية» تشكل «تحدياً صارخاً للعادات والمبادئ الغربية».
وهذا ما عبر عنه هنري كيسينجر في خطاب له ألقاه في الهند بتاريخ السادس من تشرين الثاني 2004م في مؤتمر هندوستان تايمز الثاني للقادة، فقال ما يلي: ” إن التهديدات ليست آتية من الإرهاب كذلك الذي شاهدناه في الحادي عشر من أيلول سبتمبر، ولكنّ التهديد آت من الإسلام الأصولي المتطرف الذي عمل على تقويض الإسلام المعتدل المناقض لما يراه الأصوليون في مسألة الخلافة الإسلامية”.
وقال أيضاً ” إن العدو الرئيسي هو الشريحة الأصولية الناشطة في الإسلام التي تريد في آن واحد قلب المجتمعات الإسلامية المعتدلة وكل المجتمعات الأخرى التي تعتبرها عائقاً أمام إقامة الخلافة.(مجلة نيوزويك في عددها الثامن من نوفمبر 2004(.
وكذلك صرح قائد قوات التحالف في العراق ريتشارد مايرز قائلاً: “إن الخطر الحقيقي والأعظم على أمن الولايات المتحدة هو التطرف الذي يسعى لإقامة دولة الخلافة كما كانت في القرن السابع الميلادي، وإن هذا التطرف ينتشر بأماكن أكثر من العراق بكثير، ولكنه أيضاً يعمل في العراق وينتشر فيه ويحرض المقاومين على الأعمال المادية ضد أميركا في العراق.” (قال ذلك في جلسة الاستماع التي أقامتها لجنة خاصة في الكونجرس الأميركي تحدث فيها ولفويتز وآرميتاج ومايرز، وعرضت الجزيرة مقتطفات من الجلسة في 26/6/2004م).
وصرّح كذلك في سبتمبر 2005م قائلاً: خروجنا من العراق الآن سيؤدي إلى ظهور الخلافة في الشرق الأوسط.
وصرّح بوش في السادس من تشرين الأول 2005م ، مشيراً إلى وجود استراتيجية لدى مسلمين تهدف إلى إنهاء النفوذ الأميركي والغربي في الشرق الأوسط،فقال: إنه ” عند سيطرتهم على دولة واحدة سيستقطب هذا جموع المسلمين، ما يمكنهم من الإطاحة بجميع الأنظمة في المنطقة، وإقامة إمبراطورية أصولية إسلامية من إسبانيا وحتى إندونيسيا”.
وتحدث رئيس وزراء بريطانيا توني بلير أمام المؤتمر العام لحزب العمال في السادس عشر من شهر تموز 2005م، فقال ” إننا نجابه حركة تسعى إلى إزالة دولة إسرائيل، وإلى إخراج الغرب من العالم الإسلامي، وإلى إقامة دولة إسلامية واحدة تحكّم الشريعة في العالم الإسلامي عن طريق إقامة الخلافة لكل الأمة الإسلامية”.
وحتى فلاديمير بوتين رئيس روسيا الأسبق قال في مقابلة تلفزيونية : “إن الإرهاب الدولي أعلن حرباً على روسيا بهدف اقتطاع أجزاء منها وتأسيس خلافة إسلامية “. ( قال ذلك في حوار تلفزيوني مباشر أجاب خلاله عن خمسين سؤالاً اختيرت من بين مليوني اتصال هاتفي من سكان روسيا (
وفي 5/12/2005م قال وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد في تعليق له حول مستقبل العراق، وكان ذلك في جامعة جون هوبكنـز: «ستكون العراق بمثابة القاعدة للخلافة الإسلامية الجديدة التي ستمتد لتشمل الشرق الأوسط وتهدد الحكومات الشرعية في أوروبا وأفريقيا وآسيا، وهذا هو مخططهم لقد صرحوا بذلك وسنقترف خطأ مروعاً إذا فشلنا في أن نستمع ونتعلم».
وفي 14/1/2006م نشرت صحيفة الواشنطن بوست مقالاً علقت فيه على كلام بوش حول الخلافة وجاء في المقال أن المسلمين متلهفون لعودة الخلافة، وأن الخلافة تشكل خطرًا يهدد الغرب وإدارة بوش بالذات مما دعاه لذكرها.
وفي 5/9/2006م عاد جورج بوش ليتحدث عن الخلافة فقال : “إنهم يسعون إلى إقامة دولتهم الفاضلة الخلافة الإسلامية، حيث يُحكم الجميع من خلال هذه الأيديولوجية البغيضة، ويشتمل نظام الخلافة على جميع الأراضي الإسلامية الحالية”.
ونشر موقع أخبار البيت الأبيض بتاريخ 20/10/2006م عن جورج بوش قوله: هؤلاء الأصوليون يريدون إقامة دولة الخلافة كدولة حكم، ويريدون نشر عقيدتهم من إندونيسيا إلى أسبانيا.
وقال وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد في حفل توديعه: “إنهم يريدون الإطاحة وزعزعة أنظمة الحكم الإسلامية المعتدلة وإقامة دولة الخلافة”.
والقائمة مرة أخرى تطول في ذكر التصريحات والمواقف التي تشير إلى تخوف الغرب الكبير من عودة الخلافة وتحرك الأمة الإسلامية.
وكما هو معلوم فإن الذي يقود هذا المشروع العظيم منذ أكثر من نصف قرن هو حزب التحرير، فمنذ أن تأسس عام 1953م وحتى الآن تواجد وعمل في كل مكان يقطنه مسلمون، وأوجد رأياً عاماً في الأمة حول فرضية إقامة الخلافة وحول إمكانية تحقيق ذلك فعلياً، والمؤتمرات والفعاليات التي نظمها الحزب في الآونة الأخيرة في أماكن مختلفة ومتعددة من العالم، من القرم حتى إندونيسيا ومن كينيا حتى فلسطين أثبتت للعالم أجمع توجه وتأييد الأمة لهذا المشروع العظيم.
ولهذا فإن الغرب يقود ويأمر الحكومات التابعة له القائمة على الأراضي الإسلامية بالتحرك ضد مشروع الخلافة فيعملون في الليل والنهار، ويخططون ويعدون التقارير لإجهاض المشروع والقائمين عليه وبالذات حزب التحرير.
وعليه فيتوجب النظر للهجمات والحملات الظلامية المنظمة ضد الخلافة بشكل عام وضد حزب التحرير بشكل خاص من هذا المنظار. والحكومات ومتملقوها من المفكرين والسياسيين والإعلاميين يتحركون وفق تلقين وتعليمات الغرب؛ فيهاجمون الخلافة وحزب التحرير في كل فرصة تسنح لهم بالأكاذيب والافتراءات دون تورع ودون إنصاف؛ فهم لا ينفكون عن وصف الحزب بالإرهاب تارة وبالتطرف تارة وبالأصولية تارة أخرى وكل ذلك من أجل غايتين:
الأولى: تنفير المسلمين من الحزب من خلال تشويه صورته للتقليل أو الحيلولة دون التفاف الأمة حوله وحول فكرته، وبالتالي إجهاض مشروع النهضة المتمثل بإقامة دولة الخلافة الإسلامية.
وأما الغاية الثانية: ليوجدوا لأنفسهم مبرراً للبطش بالحزب وشبابه، بالسجن الطويل والملاحقة والتعذيب والطرد والتسفير وغير ذلك، فهذه الحكومات تتشدق بالديمقراطية والحريات ليلاً ونهاراً، فهي بحاجة إلى تبرير موقفها المعيب ديمقراطياً بتلفيق تهمة العمل المادي والإرهاب للحزب حتى يتسنى لها أن تبرر موقفها أمام الرأي العام وأمام المؤسسات الحقوقية، حين حظر الحزب وملاحقته على اعتبار أنه منظمة إرهابية تمارس الأعمال المادية والعنف.
هذه هي الأسباب الحقيقة التي تقف وراء إصرارهم على إلصاق الأعمال المادية بحزب التحرير، وهنا لا بد لي من التأكيد على النقاط التالية لنضع القارئ في حقيقة الأمور وحقيقة حزب التحرير:
1- حزب التحرير حزب عالمي، قيادته مركزية، وأدبياته وأفكاره مسطرة ثابتة، فحزب التحرير ولاية تركيا هو عينه حزب التحرير ولاية الأردن بأفكاره وطريقته ونهجه وأدبياته ومواقفه السياسية وتبنياته الفكرية وقيادته، وكذلك الأمر في باكستان وبنغلادش وإندونيسيا ومصر والعراق وفلسطين وتونس ولبنان وباقي بلاد العالم، فلا يوجد في الحزب ما يسمى بالنظائر أو الأجنحة، بل كله واحد، وهو كل فكري شعوري، وكل من فيه يأتمر وينقاد لقيادة الشيخ عطاء بن خليل أبو الرشتة.
2- حزب التحرير يعمل ومنذ 55 عاماً وفي أكثر من 50 دولة بنفس الطريقة والفكرة، والتي هي مستنبطة استنباطاً فقهياً صحيحاً من الكتاب والسنة، فحزب التحرير يعمل لإقامة الخلافة الإسلامية لأنها فرض رباني، ويسير بطريقته الفكرية السياسية لأنها فرض أيضاً، لذلك فالحزب ليس ارتجالياً تجميعياً، بل هو تكتل حزبي مبدئي سياسي، فالسياسة عمله والإسلام مبدؤه وطريقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طريقته. فلم يتعرض حزب التحرير للتغير والتبدل “والمراجعات” كبقية الحركات لأننا نستند في كل أعمالنا إلى أحكام شرعية ثابتة منـزلة من الله، فمن غير المقبول عندنا أو المعقول أن يتبنى حزب التحرير في تركيا مثلاً العمل المادي ولو للحظة، لأن التبني واحد فلا يوجد تبنٍّ لفلسطين وتبنٍّ آخر للأردن، بل هناك تبنٍّ لحزب التحرير العالمي، ولا يمكن للحزب العالمي أن يتبنى العمل المادي لأننا نرى أن العمل المادي ليس طريقة شرعية لتغيير الأنظمة وإقامة دولة الخلافة، فكما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقام الدولة الإسلامية بعد ثلاثة عشر عاماً من العمل السياسي الفكري في مكة المكرمة، ولم يقم بأي عمل مادي مطلقاً رغم حاجته الماسة لذلك ورغم تعرضه هو وصحابته الكرام للأذى، وكذلك الحزب فهو يعمل بطريقته الفكرية السياسية التي تهدف إلى إيجاد الرأي العام الواعي، وتثقيف الأمة الثقافة اللازمة للتحرك، لتقيم الدولة الإسلامية.
3- لم يُشهد على حزب التحرير وطيلة تاريخه الطويل الذي أمتد عقوداً أن قام بأعمال مادية أو إرهابية، وحتى في ثمانينات وتسعينات القرن الفائت حينما راجت فكرة الأعمال المادية عند الأمة وطالبت الحزب وغيره بها، إلا أن الحزب لم يستجب لرغبتها وضحى بشيء من شعبيته من أجل مبدئيته وتمسكه بفكرته الشرعية، وأكد الحزب حينها للأمة وما زال يؤكد على أن التزام الحزب بطريقته الفكرية السياسية وعدم قيامه بالأعمال المادية ليس آتياً من خوف أو جبن أو كسل، بل آتٍ من ضرورة تمسك الحزب بالأحكام الشرعية والطريقة المفروضة حتى يستحق نصر الله.
وفي الختام، لا بد من توجيه رسالة إلى كل من يحاول النيل من الحزب وتشويه صورته الناصعة، فلا نقول له اتق الله في الحزب، فإنه لن يضره شيئاً، فهو كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ولكن نقول له اتق الله في نفسك، وتذكر أنك بمهاجمتك الحزب تهاجم مشروع الأمة العظيم وأملها الوحيد في الخلاص من الذل والهوان الذي طال أمده.
في الختام لا بد من طمأنة الأمة على أننا بإذن الله ماضون في طريقنا ولن يثنينا عن غايتنا أو يفت في عضدنا أو ينال من عزيمتنا أو يغير من فكرتنا ظلم الظالمين أو افتراء المفترين أو ملاحقة الغرب والدول لنا. ونقولها لكل حكومات العالم بأنهم لن ينالوا من حزب التحرير، فالله ناصره ولو بعد حين والله لا يخلف وعده (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم 47].
بقلم المهندس باهر صالح – عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
2008-11-01