الدعوة إلى الإسلام في أوروبا
1993/12/28م
المقالات
3,934 زيارة
سامر جاموس/ بولندا
إن حمل الدعوة الإسلامية في أوروبا فرض من الفروض التي فرضها الله علينا وذلك لوجود العديد من النصوص الشرعية التي بيّنت فرضية حمل الدعوة، فالرسول عليه الصلاة والسلام قد حمل الدعوة وقال لقومه كما جاء في القرآن الكريم: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ). وقد فرض الله على الأمة الإسلامية أن يكون منها جماعة أو جماعات لحمل الدعوة الإسلامية وذلك بقوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ).
وكما أن الدعوة إلى الإسلام والعمل لإيجاده في واقع الحياة والدولة والمجتمع عن طريقة أمة (أي جماعة أو تكتل) هو فرض على المسلمين، فإن الدعوة الفردية إلى الله لغير المسلمين هي فرض أيضاً. وسأتحدث إن شاء الله عن عوائق الدعوة في أوروبا، والتي تتمثل في عائقين أساسيين اثنين يحولان دون فهم غير المسلمين للإسلام فهما صحيحاً، فكان لابد من استعرضهما لبيان أنجع الوسائل لدعوة العالم إلى الإسلام، ومن ثم سيكون الحديث عن واقع الكثير ممن يحملون الدعوة في أوروبا. وإنه وإن كان القسم الثاني من الموضوع عن حملة الدعوة في أوروبا إلا أنه ينطبق على واقع حَمَلَةِ الدعوة في بلاد المسلمين. أما هذه العوائق فهي:
العائق الأول: أن العقلية الأوروبية منذ زمن بعيد قد حُشيت بمعلومات خاطئة عن الإسلام والمسلمين صورت المسلمين بالهمجية والتخلف، وقد تناقلت الأجيال هذه الصورة المشوهة عن أسلافها فكانت هذه الصورة هي المعلومة السابقة التي يستخدمها الأوروبي في الحكم على الإسلام، أضف إلى ذلك ما قامت به وسائل الإعلام من تركيز لهذه الصورة القاتمة المنفرة.
يقول أحد العلماء الفرنسيين وهو الكونت دكاستري في كتابه (الإسلام) سنة 1896 ما نصه: (لست أدري ما الذي يقوله المسلمون لو علموا أقاصيص القرون الوسطى وفهموا ما كان يأتي من أغاني القوال من المسيحيين، فجميع أغانينا حتى التي ظهرت قبل القرن الثاني عشر صادرة عن فكر واحد كان السبب في الحروب الصليبية، وكلها محشوة بالحقد على المسلمين وذلك للجهل الكلي بديانتهم، وقد نتج عن تلك الأناشيد هاتيك القصص في العقول ضد ذلك الدين، ورسوخ تلك الأغلاط في الأذهان، ولا يزال بعضها راسخاً إلى هذه الأيام. فكل منشد كان يعد المسلمين مشركين عبدة أوثان مارقين).
ويقول الأستاذ ليبولد فايس في كتابه: «الإسلام على مفترق: (أن النهضة أو إحياء العلوم والفنون الأوروبية باستمدادها الواسع من المصادر الإسلامية والعربية على الأخص كانت تعزي على الاتصال المادي بين الشرق والغرب، لقد استفادت أوروبا أكثر مما استفاد العالم الإسلامي، ولكنها لم تعترف بهذا الجميل بأن تنقص من بغضائها للإسلام، بل كان الأمر على العكس، فإن تلك البغضاء كانت تغمر الشعور الشعبي كلما ذكرت كلمة (مسلم)، ولقد دخلت في الأمثال السائرة عندهم حتى نزلت في قلب كل أوروبي رجلاً كان أو امرأة وأغرب من هذا كله أنها ظلت حية بعد جميع أدوار التبدل الثقافي، ثم جاء عهد الإصلاح الديني ووقفت كل شيعة مدججة بسلاحها في وجه كل شيعة أخرى، ولكن العداء للإسلام كان عاماً فيها كلها. وبعدئذ أخذ الشعور الديني فيه يخبو ولكن العداء للإسلام استمر، وأن من أبرز الحقائق على ذلك أن الفيلسوف والشاعر الفرنسي فولتير، وهو من ألد أعداء النصرانية وكنيستها في القرن الثامن عشر، كان في الوقت نفسه مبغضاً مغالياً للإسلام ولرسول الإسلام، وبعد بضعة عقود جاء زمن أخذ علماء الغرب يدرسون الثقافات الأجنبية ويواجهونها بشيء من العطف، أما فيما يتعلق بالإسلام فإن الاحتقار التقليدي أخذ يتسلل في شكل تحزب غير معقول إلى بحوثهم العلمية وبقي هذا الخليج الذي حفره التاريخ في أوروبا والعالم الإسلامي غير معقود فوقه بجسر ثم أصبح احتقار الإسلام جزءاً أساسياً في التفكير الأوروبي).
نعم لقد أصبح احتقار الإسلام جزءاً أساسياً في التفكير الأوروبي، ولذلك لا غرابة فيما قرأته في إحدى المجلات البولندية (Wszystko O Milosc) والصادرة بتاريخ 26/07/1992 موضوعاًَ بعنوان (القرآن والنساء) ويتصدر الموضوع بأعلى الصفحة عبارة (الله هو رب الرجال) ويحتوي الموضوع على ما يدفع القارئ إلى الاشمئزاز من المسلمين ووصفهم بالهمجية والتخلف. فحسب رأي الكاتب فإن الأغنياء في البلاد الإسلامية يتزوجون حتى أربعة نساء يقدر ثم الواحدة بـ 90000 دولار أميركي أو 6 جمال أو 40 خروفاً، بينما لا يستطيع الفقراء الحصول حتى على واحدة، ويبيّن المقال كيف أن المرأة مضطهدة ومحرومة من أبسط حقوقها، فهي لا تقود السيارة، وهي تجبر على الزواج وهي لم تتجاوز 12 عاماً، كما يبيّن المقال أن البلاد الإسلامية مليئة بالشواذ جنسياً والذين يبيح لهم الإسلام تقبيل بعضهم البعض في الشوارع بينما يحرم فعل ذلك على النساء.
أما العائق الثاني: فهو غياب الواقع الذي تتجسد من خلاله حقيقة الإسلام ورحمته وعدالته.
إن قيام الدولة الإسلامية يعني خلق المجتمع الإسلامي الذي تتجسد فيه الأفكار والمشاعر الإسلامية بتسيير علاقات الناس بأنظمة الإسلام سواء أكان ذلك في الحكم أم في الاقتصاد أم الاجتماع أم التعليم أو السياسة الخارجية وستكون عدالة النظام الإلهي أقوى من كل محاولات التعتيم على حقيقة هذا النظام. وحينها سنرى كيف أن الناس سيدخلون في دين الله أفواجاً، وكيف أن رقعة الدولة الإسلامية ستتوسع بسرعة مذهلة تعجز كل قوى الظلم والطغيان عن الوقوف في وجهها، وسيكبر المسلمون بنصر الله.
لا يعني ما سبق أن لا ندعو غير المسلمين إلى الإسلام إلا بعد قيام الدولة الإسلامية. فالدعوة إلى الإسلام فرض سواء في حالة وجود الدولة أو غيابها، كما لا يعني ما سبق أنه يستحيل اعتناق غير المسلم للإسلام في هذا الواقع القائمة لأن هنالك كثيراً من الكفار قد اعتنقوا الإسلام وحسن إسلامهم، إلا أن ما سبق يعني أن أنجع وسائل الدعوة والتغيير يكون في ظل دولة إسلامية تكون سياستها الخارجية قائمة على أساس نشر الهداية إلى الناس أجمعين.
أما إشكاليات حَمَلَة الدعوة في أوروبا فهي تتمثل في ثلاثة أمور أساسية هي:
أولاً: افتقار الكثير ممن يتصدون للعمل الإسلامي إلى الوعي الفطري، فهم يحملون بعضاً من مشاعر الإسلام ولكنهم لا يحملون أفكاره، ولذلك لا غرابة أن يصوروا الإسلام على أنه دين أخلاقي فحسب، فإذا طلب منهم الحديث عن نظام الحكم في الإسلام، عن أحكام البيعة مثلاً، أو من يولي قاضي المظالم ومن يملك حق عزله، أو عن الفرق بين نظام الحكم في الإسلام والأنظمة الأخرى من جمهورية نيابية أو جمهورية رئاسية أو إمبراطورية أو ملكية بنوعيها أو اتحادية، أو عن النظام الاقتصادي وهل المشكلة الاقتصادية هي الندرة النسبية للسلع والخدمات، وهل يقول الإسلام باقتصاد السوق، وهل يقول بفكرة التأميم، وهل يقول بنظام بريتون وودز في النقد أم نظام الأوراق الإلزامية، أم ماذا؟؟ أو عن السياسة الخارجية للدولة الإسلامية، هل نعترف نحن المسلمين بالقانون الدولي والعرف الدولي، وهل نعترف بهيئة الأمم المتحدة وبمجلس الأمن، وهل ستقترض الدولة من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو نادي لندن أو نادي باريس أم ماذا؟؟ كل هذه الأمور وغيرها الكثير لا يعيها كثير من حملة الدعوة، وليس لديهم القدرة على المناقشة فيها والسبب هو أنهم فهموا الإسلام على أنه دين أخلاق.
ثانياً: أن كثيراً ممن هم متلبسون بحمل الدعوة ونتيجة للشعور بالانهزامية وعدم القدرة إلى مناقشة الأفكار الفاسدة والمفاهيم الخاطئة ودحضها وبيان فسادها ومناقضتها للإسلام فإنهم كثيراً ما يلجأون إلى تأويل أحكام الإسلام لتوافق الواقع القائم، فلأن الغرب يقول بالديمقراطية وبيان كيف أن الشعب لا يمكن أن يحكم نفسه بنفسه وأن الديمقراطية تعني في حقيقتها حكم الأقلية للأكثرية، فإنهم يقولون بأن الإسلام دين ديمقراطي مع أن الأدلة قطعية الثبوت وقطعية الدلالة في الإسلام على أن السيادة في الإسلام للشرع وليست للشعب كما هو الحال في الديمقراطية، ولأن الغرب يقول بالحريات العامة: حرية العقيدة والحرية الشخصية وحرية التملك وحرية الرأي، فإنهم بدلاً من مناقشة هذه الحريات وبيان المشاكل الخطيرة والتي نغصت حياة الغرب بسبب هذه الحريات فإنهم يقولون بأن الإسلام ينادي أيضاً بالحريات، مع أن الإسلام يمنع تبرج النساء ويحرم الشذوذ الجنسي ويقتل المرتد ويحرم المتاجرة بالكحول أو الأفلام الجنسية أو متاجرة المرأة بجسدها، ويحرم التملك عن طريق الربا أو الاحتكار، وكذلك يمنع تأليف كتب مثل كتاب (آيات شيطانية) لسلمان رشدي. وهذه الأفكار جميعها تناقض الحريات العامة المقدسة عند الغرب بشكل واضح صريح. وعندما شاعت فكرة الاشتراكية وجدنا كثيراً من المنهزمين قالوا بأن الإسلام دين اشتراكي، مع أن الاشتراكية بكل أشكالها سواء أكانت اشتراكية شيوعية أو زراعية أو اشتراكية دولة فإنها كلها أنظمة تخالف الإسلام. وبسبب عدم تقبل الغرب لفكرة الجهاد، أصبح المنهزمون يقولون بأن الجهاد حرب للدفاع لا للهجوم، مع أن المسلمين فتحوا بلاد الشام والعراق وفارس وشمال أفريقيا وكان الجهاد في جميع هذه الحالات حرباً هجومية وليست دفاعية. وهكذا فإن هؤلاء الذين يلوون عنق النصوص لتوافق الواقع القائم، الأفكار الشائعة، أي بجعلهم الواقع مصدر تفكيرهم لا موضع تفكيرهم، لا يمكن أن يجنوا إلا الإخفاق والفشل والوقوع في التناقض الحتمي. والأولى لهم أن يهاجموا العقائد الفاسدة والمفاهيم المغلوطة والأفكار الخاطئة وأن لا يخجلوا من أفكار الإسلام وأن يبيّنوا للناس أن الأفكار الأخرى هي الغربية الشادة.
ثالثاً: المناقشة في الفروع لا في الأصول، فالزواج من أكثر من واحدة وقطع يد السارق وقتل المرتد والجهاد والمرأة وغيرها الكثير كلها قضايا فرعية يجب أن تطرح بقوة ولا تناقش قبل إثبات وجود الخالق وإثبات أن القرآن من عند الله، لأن الإيمان بالأصول يقود تلقائياً إلى الإيمان بالفروع لكن الاقتناع بأن يد السارق يجب أن تقطع مثلاً لن يؤدي أبداً إلى الإيمان بأن القرآن من عند الله، كما أن الأحكام الشرعية لا يجوز أن تعلل بشكل عقلي وإنما يشترط في العلة أن تكون مستنبطة من النصوص الشرعية، لأن العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً، فلو افترضنا أن علة تحريم لحم الخنزير هي وجود الدودة الشريطية في الخنزير فهذا يعني بالضرورة جواز أكل لحم الخنزير في حالة توصل العلماء إلى طريقة للقضاء على هذه الدودة. ولو افترضنا أن علة الصلاة الرياضة للجسم كما يروق لبعض السطحيين، فهذا يعني أن ممارسة أي نوع من الرياضة يغني عن الصلاة، فيجب الحذر من مثل هذه التبريرات العقلية السطحية الساذجة .
1993-12-28