أميركا تُعدّل استراتيجيتها لمصلحة اليهود
1993/12/28م
المقالات, كلمات الأعداد
1,715 زيارة
هناك قرارات صدرت عن مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة بشأن القدس، وبشأن عودة الفلسطينيين، وبشأن مصادرة الأرض وإقامة المستوطنات، وبشأن الأرض المحتلة، وبشأن الجولان، وبشأن جنوب لبنان… الخ.
وقد كانت أميركا من بين الدول التي ساندت هذه القرارات، وكانت إلى وقت قريب تصر على تنفيذها. ولكن لاحظنا أن هناك تغيراً في موقف أميركا تجاه هذه القرارات (أو تجاه الكثير منها). وقد برز هذا واضحاً في رعايتها عملية المفاوضات السرية بين إسرائيل ومنظمة التحرير التي بدأت في واشنطن وانتهت في أوسلو.
المفاوضات التي بدأت في مدريد بدأت بناء على قرارات الأمم المتحدة ومنها القراران 242 و338. ولكن أميركا أقنعت عرفات أن يغض النظر عن جميع القرارات وأن يتفاوض مع إسرائيل من جديد. وهكذا كان، فتوصل إلى اتفاق أوسلو الذي أسقط كل القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن القدس واللاجئين والمستوطنات والأرض المحتلة والحدود، وتركت هذه الأمور للمفاوضات في مرحلة لاحقة. والسؤال الذي يرد: لماذا قبلت منظمة التحرير التفريط بحقٍ واضح ومعترف به ومقرر بقرارات دولية رسمية لتعود وتتفاوض من جديد؟ (لبنان حتى الآن يرفض التفريط بقرار 425 ليتفاوض مع إسرائيل من جديد). لقد قبلت المنظمة لأن أميركا شاءت ذلك. ويَرِدُ السؤال الثاني: لماذا غيرت أميركا موقفها بشأن هذه القرارات؟ والجواب أن أميركا تعمل الآن (في عهد كلينتون) أكثر من أي وقت مضى على إرضاء اليهود، وهي (أي أميركا) الآن تسقط كثيراً من القيود التي كانت تضعها من أجل تحجيم إسرائيل وإبقائها ضمن سقف معيّن. ويبدو أن أميركا تخطط لتقوية الذراع الإسرائيلية من أجل الاعتماد عليها في بعض العلميات العسكرية التي ستقوم بها أميركا في منطقة الشرق الأوسط وما جاورها. وهذا يفسر لنا تزويد أميركا بالسلاح من جديد (أميركا تبرر هذا من أجل أن تحمي إسرائيل نفسها من العراق وإيران وباكستان. وهذا التبرير كذب).
والآن (05/12/93) يأتي وارن كريستوفر وزير خارجية أميركا إلى المنطقة ليبحث في مفاوضات سوريا وإسرائيل. نحن نعمل أن قرارات مجلس الأمن تفرض على إسرائيل الانسحاب من كل الجولان. وسوريا أعلنت أنها مستعدة للسلام الكامل مقابل الانسحاب الكامل (وبشكل أدق: مقابل التعهد بالانسحاب الكامل). أميركا كانت تصرّ على إسرائيل من أجل الانسحاب الكامل ولو على مراحل تدوم سنوات عديدة، وأميركا كانت تطمئن على إسرائيل بأن الجيش السوري لن يعود إلى الجولان بل ستنزل أميركا (وقوات دولية أخرى) في المناطق التي تنسحب منها إسرائيل. وسوريا وافقت على ذلك. ومع ذلك لم تَرْضَ إسرائيل بالتعهد بالانسحاب الكامل، بل وافقت على انسحاب من قسم من الجولان، وسمته إعادة انتشار أو انسحاب في الجولان.
فماذا يحمل كريستوفر في حقيبته الآن؟ نحن نرجح أن أميركا غيرت موقفها من الجولان كما سبق لها وغيرت موقفها من القدس والضفة القطاع. أي غيرت موقفها ليرضي إسرائيل. وترجيحنا هذا يستند إلى ما يلي:
1- سبق لأميركا أن غيرت موقفها بشأن القدس والضفة واللاجئين والمستوطنات.
2- سرّب سفير إسرائيل في أميركا معلومات عن اتفاق أميركي إسرائيلي (أثناء زيارة رابين الأخيرة لأميركا) على وضع مسألة المسار السوري الإسرائيلي في مرتبة مؤجلة.
3- نشرت صحيفة الواشنطن بوست في 02/12/93 عن ترتيبات للقاء بين كلينتون والأسد في جنيف في شهر كانون الثاني سنة 94.
4- التصريحات المتكررة من المسؤولين السوريين بأنهم لن يتنازلوا عن أي جزء من الجولان وبأنهم لن يقبلوا بتغيير مرجعية مدريد.
5- إقرار وزارة الدفاع الأميركية بأن إسرائيل تملك أسلحة نووية، وأنه لا مانع أن تملك هذه الأسلحة وحدها في المنطقة لأنها تملك الحكمة الكافية بأنها لا تستعملها إلا عند اللزوم (لردع العراق وإيران والباكستان). وتزويد إسرائيل بترسانة جديدة من الأسلحة وخاصة الطائرات المتطورة.
نفهم من إصرار سوريا على عدم تغيير مرجعية مدريد أن هناك من يطلب منها ذلك (أي أميركا وغيرها) كما طلب من عرفات. وتغيير المرجعية والذهاب إلى مفاوضات سرية معناه القفز فوق القرارات السابقة الصادرة عن مجلس الأمن ومن ثم إسقاطها، وسوريا ترفض ذلك.
ونفهم من سعي كلينتون للاجتماع بحافظ الأسد أنه يريد أن يقنعه وبضغط عليه ويعرض عليه بعض الأثمان (قالت الواشنطن بوست بأن بقاء القوات السورية في لبنان من جملة الهدايا).
لو كانت أميركا ما زالت على موقفها السابق من الجولان، ولو كانت لم تغيره لمصلحة إسرائيل لكان تصرفها غير ذلك، أي هي تعرف أن الذي يعارض هو إسرائيل فيجب أن يكون الضغط هناك.
أما مسألة تقوية إسرائيل عسكرياً، وكيف ستستفيد أميركا منها في صياغة منطقة الشرق الأوسط فهذا يحتاج إلى مقال خاص إن شاء الله .
1993-12-28