هذه القصيدة مهداة من الشاعر إلى الجزائر المجاهدة
الشاعر: يوسف إبراهيم
شباط 1992م
تاج المجد
النورُ في آفاقها والنارُ *** والمجدُ فوقَ جبينها والغارُ
ومصارعُ الشهداءِ في جَنَباتِها *** شُهْبٌ، ولكنْ بالدماء تُنارُ
ضاعتْ بأنفاس الخلود كأنها *** الجَنّاتُ تجري تحتها الأنهارُ
وزهَتْ رمالُ البيد فهي قلائدُ*** في جيدها ولآلئُ ونُضَارُ
أرضٌ تهاوى البغيُ فوق ترابها *** وتحطَّمَ الجبروتُ والجبَّارُ
واجتاحها جيشُ الصليب بزحْفِه *** فارتدَّ وهو محطَّمُ منهارُ
والجحفلُ الجاني يَجُرُّ رِداءَه *** كِبْراً، ويَرْعُدُ صوتُه الهدّارُ
ومواخرٌ في اليمِّ ضَجَّ عُبابُه *** منها، ورُوِّعَ موجُه الزخّارُ
فتوقّدَ البرُّ الغَضوبُ، فَرَمْلُهُ *** جَمْرٌ، ولَفْحُ رياحِهِ إعصارُ
والبحرُ ماجَ فغاصَ في أعماقهِ *** وهَوى به الأسطولُ والبحَّارُ
ولَّتْ فلولُ الشّرِ عاثرةَ الخُطا *** هرَباً وفُلَّ سلاحُها الغَدَّارُ
وتهدّمَ الصرحُ الذي في ظِله *** يَتفيّأُ العملاءُ والفُجّارُ
صَرْحٌ فرنسيُّ القواعدِ أُسُّهُ *** كُفْرٌ وذِروةُ سَقْفِه استعمارُ
هزَّتهُ صيحاتُ الجهادِ فزُلزلت *** أركانُه، واندكتِ الأسوارُ
ما زالَ في باريسَ من أطلالهِ *** للمارقينَ مَحَجَّةُ ومَزَارُ
هُزِمتْ فرنسا واستطالَ عبيدُها *** زَهْوً، وسادَ الشرُّ والأشرارُ
وُلِدوا على فُرُشِ السَّفاحِ يضمهمْ *** حِجْرُ الرذيلةِ والخَنَا والعارُ
نسلُ الأفاعي والشياطين التي *** ما زالَ في وطني لهمْ أوكارُ
نبتٌ طُفيْليٌّ نمتْ أشواكُه *** وكلاُ صيدٍ تُشترى وتُعارُ
جَبَلتْ فرسنا بالضلالِ نفوسَهُمْ *** فَعَنَوْا لها وكأنهمْ أحجارُ
ومشَوْا لِلُنْدُنَ خُنَّعاً فعقولهمْ *** بأصابعِ، المستعمِرينَ تُدَارُ
وسعَوْا لأميركا وفي أغلالها *** يحلو الإسارُ ويُعبَد الدولارُ
عاشوا وفي أعماقهم رعبٌ وفي *** أعناقهمْ غُلُّ الهوان شِعارُ
فعلى البصائرِ والعيونِ غِشاوةٌ *** وعلى الوجوهِ مَذَلّةٌ وصَغَارُ
فَهُمُ العبيدُ وإن تعالَوْا وادَّعَوْا *** فوق العروشِ بأنهم أحرارُ
خضعوا لسادتهمْ فَلَوْ قالوا لهم: *** سيروا على هام الرؤوسِ لساروا
سلكوا سبيلَ الخائنينَ فدربهمْ *** شوْكٌ وخَطْوٌ حائرٌ وعِثارُ
يجتاحهمْ طوفانُ أميركا وفي *** غَمَراتهِ يغشاهمُ التيّارُ
وتَلُفُّهمْ ظلماءُ حالكةُ الدُّجى *** تَعْشُوبِها الأفكارُ والأبصارُ
قد قارَفوا الأوزارَ حتى أصبحتْ *** من فعلهم تستغفرُ الأوزارُ
=====
يا أيها الشعبُ الأبيُّ تحيةً، *** ليلُ الخطوبِ على الأُباةِ نَهارُ
ولوافحُ الرمضاءِ في زَفَراتها *** ظِلٌّ ظليلٌ وارفٌ مِعْطارُ
هذي البلادُ أظَّلها النورُ الذي *** شَرُفتْ به الأقطارُ والأمصارُ
ظمأى الحنينِ إلى مناهلِ عزها *** وبها إلى النبعِ الرَّوِيِِّ أُوارُ
ما زالَ غيثُ اللهِ يَسقي أرضَها *** تَنْدَى بهِ الآصالُ والأبكارُ
ما زالَ عِطْرُ من حوافرِ خيلها *** ودَمٌ زَكيٌّ بالشذى مَوَّارُ
ما زالتِ الراياتُ فوق هضابها *** شُمَّا تُهلّلُ تحتها الأنصارُ
مِليونُ حُرٍّ فوق قُدْسِ تُرابِها *** مَهْرُ العُلا شهداؤها الأبرارُ
من عزمِهمْ تتوثبُ الدنيا ومنْ *** أنوارهمْ تتوقدُ الأنوارُ
ومن العطاءِ السمحِ في ساحِ الوغى *** يُزْجَى الغَمامُ وتهطُلُ الأمطارُ
ومن الضياء السرمديِّ بأفْقِها *** راحتْ تَعُبُّ الشهبُ والأقمارُ
ومن المدادِ العَنْدميِّ صحائفٌ *** هي في سماواتِ الخلودِ مَنارُ
ومن النشيد الملْحميِّ عَنادلٌ *** تشْدو ويصدَحُ بالنشيدِ هَزَار
وعلى خُطاهم في دروبِ جهادهمْ *** يزهو الربيعُ وتَبْسُمُ الأزهارُ
أرضٌ بها نَبَتَ الكرامُ ومجدُها *** تاجٌ على هاماتهمْ وفَخَارُ
وملاعبٌ للفاتحين بفضلهمْ *** تزهو الربوعُ وتنطقُ الآثارُ
ومصارعُ الغازينَ تحتَ رمالِها *** دُفِنَ الصليبُ وجيشُهُ الجرّارُ
ساحُ الجهادِ فمن عرين جهادها *** تتفجرُ الثوراتُ والثوّارُ
سِفْر البطولةِ من ملاحمها، وكَمْ *** للمجدِ في تاريخها أسفارُ
صَبْرا بُناةَ المجد إن بناءَه *** عزمٌ أبيٌّ شامخٌ صَبَّارُ
صرْحٌ على أسسِ الهُدى بنيانهُ *** ومن المكارم قُبّةٌ وجِدارُ
هذا حَصاد النصر أيْنعَ طَلْعُهُ *** ودَنَتْ وطابتْ في القطوفِ ثمارُ
والفجرُ لاحَ ستنجلي سُحُبُ الدجى *** ويُماطُ عن وجهٍ اللئام سِتارُ
ويزول سحر الساحرين ويكشف الـ *** أفّاكُ والدَجالُ والسَّحارُ
لن يحجُبَ الإصباحَ ظلُّ غمامةٍ *** وغبارُ زوبعة هُناك مُثارُ
فغدا على أرضِ الجزائر تنحني *** هامُ الطغاةِ وينُحَرُ الجزّارُ
والوحشُ يُصرَعُ بعد صولة بطشِه *** وتُحطَّم الأنيابُ والأظفارُ
وتَخِرُّ أصنامُ الضلالِ مَهينةً *** ويُدَكُّ صرحُ الكفرِ والكفارُ
وتَرُفُّ فيها للخلافةِ رايةٌ *** والنجدُ فوَقَ جبينها والغارُ
أبناءَ عقبةَ في الجهاد: تحيةً، *** والجرحُ ينزِفُ والقلوبُ تَحارُ
أنتمْ لنا خَفْقُ الحياةِ ونَبضُها *** أنتمْ لنا الأسماعُ والأبصارُ
تتوقفُ الكلماتُ عند جهادكمْ *** يَقِفُ البيانُ وتَقْصُر الأشعارُ
سُقيا لأرواح الضياحا ساقَها *** رَبٌّ كريمٌ مُنعمٌ غفَّارُ
وسقى الجزائرَ بكرةً وعشيةً *** غيثٌ عميمٌ هاطلٌ مِداراُ