الحـوار الفـكـري في القـرآن الكـريـم
2016/09/27م
المقالات
3,392 زيارة
الحـوار الفـكـري في القـرآن الكـريـم
العنوان أعلاه هو اسم كتاب جديد صدر عن »دار النهضة الإسلامية«
في بيروت الطبعة الأولى كانون الأول 1997. تأليف: أمين حلمي أمين.
يقع الكتاب في 192 صفحة قياس 24سم×17سم.
يضم الكتاب مقدمة وسبعة مباحث.
في المبحث الأول يحدد المؤلف مفهوم الحوار والجدل والمراء والصراع الفكري. ويبين الحكم الشرعي في ذلك. ويبين آداب الجدال والحوار. ويعطي أمثلة من تراث الأمة.
في المبحث الثاني يبيّن الفرق بين الحوار القرآني والحوار الفلسفي، ودور الحوار الفكري في الجهاد وفي حمل القيادة الفكرية.
في المبحث الثالث يكتب عن أطراف الحوار، وعناصر الحوار، وأهداف الحوار، ونهاية الحوار، والعقلية والنفسية أمام الحوار، وأساليب الحوار والجدال والمحاجّة في القرآن الكريم.
وفي المبحث الرابع يبحث الصراع الفكري مع قريش وكيف كانت تستهزئ وتحاول تعجيز الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف حاورت بشأن الوحدانية والبعث والقرآن ورؤية اللـه.
وفي المبحث الخامس يتناول المؤلف الحوار مع أهل الكتاب: يهوداً ونصارى. وحرب التشكيك ضد الإسلام.
وفي المبحث السادس يتناول الجدال والمحاجة في القصص القرآني. ومن ذلك الصراع بين نوح عليه السلام وقومه وهود عليه السلام وقومه وصالح عليه السلام وقومه. وحوارات إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه ومع النمرود. والحوار في قصة موسى عليه السـلام. والصـراع بين لوط عليه السـلام وقومه. وحوار قارون مع قومه. وحوار صاحب الجنتين مع صاحبه.
وفي المبحث السابع يبحث الحوار بشأن اليـوم الآخـر فيـتـناول تخاصـم أهـل النـار وتأنيب اللـه لأهل النار وحوار الأتباع والقادة، وحـوار المنـافـقـيـن مع المـؤمنين، وحوار الملائكة. وحوار إبليس.
جاء في مقدمة الكتاب:
كثيراً ما يركز المفكرون أبحاثهم على الصراع الاقتصادي والعسكري والسياسي القـائم بين الأمـم، على اعتـبـار أنـه أخـطـر أشكال الصراع وأوسعها انتشاراً. لكن الحقيقة هي غير ذلك، لأن أخطر ألوان الصراع على الإطلاق هو الصراع الفكري.
فالظروف السياسية والاقتصادية غالباً ما تتغير باستمرار وتتبدل بسرعة، وتنجلي نتائجها بشكل واضح، بخلاف التغير الفكري، الذي يتم ببطء شديد. ولكنه يؤثر لفترات زمنية طويلة، فبين ليلة وضحاها يمكن إحداث انقلابات سياسية واقتصادية، كما هو مشاهد في كثير من الدول. على النقيض من الآراء الفكرية التي لا تتغير إلاّ بصعوبة شديدة.
الشيوعية، على سبيل المثال، فشلت فشلاً واضحاً في نشر أفكارها، بالرغم من أنها استطاعت أن تضع معظم تلك الأفكار موضع التطبيق العملي على مستوى الدولة.
أما الإسلام فقد استطاع خصومه القضاء على آخر ما تبقى له من دولة في عام 1924م، وإلغاء العلاقات السياسية والاقتصادية القائمة على أساس الإسلام، ومع ذلك فالأمة الإسلامية لم تتخلَّ عن إسلامها، وما ينبثق عنه من أفكار، ولا تزال تعمل لإعادته كاملاً إلى واقع الحياة.
إن الأثــر الـذي يــحـــدثـه الانـــقـلاب الاقتصادي أو السياسي غالباً ما يكون سطحياً، فينتقلل كثير من الدول من نظام إلى نظام آخر، وتسير الأمور ردحاً من الزمن وكأن شيئاً لم يكن. بخلاف التغير الفكري، الذي إذا حدث تغيّرت كل الأوضاع المتّصلة به، وإذا حدث الانقـلاب الفـكـري في عقيدة تنبثق عنها معالجات لمـشـاكل الإنسان والحياة، انتقل التغير ليطال جميع الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
إن التـغـيـرات السـيـاسـية والاقتصادية التي حدثت في المعسـكـر الاشـتراكي والتي تمت بسلام وهدوء نسبي، ما كانت لتحدث على هذا الوجه لو ارتبطت بصـراع فكري بين أمتين أو في أمة واحدة.
أضف إلى ذلك، واقع الناس، الذين يطالبون بالتغيير السياسي والاقتصادي عند أول شعور بالضيق. بخلاف التغير الفكري الذي يقاومونه بكل ضراوة، فليس من السهل إبعاد الناس عمّا ألِفوا من عادات وتقاليد وما توارثوه من عقائد. وقد حدثنا القرآن الكريم عن ذلك في أكثر من موضع. قال اللـه عز وجل: (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوحٍ وعادٍ وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا اللـه جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب* قالت رسلهم أفي اللـه شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمىً قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد ءاباؤنا فأتونا بسلطان مبين) [إبراهيم/9-10] وقال تعالى: (بل قالوا إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون* وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على ءاثارهم مقتدون) [سبأ/22-23].
وكم عانى الأنبياء والمفكرون المصلحون من تحجّر الناس على أفكارهم. ذلك أن الإنسان إذا اعتاد أمراً لم يتحول عنه إلا بصعوبة كبيرة، وببطء شديد. لكن إذا حدث التحوّل رسخ في النفس، وازدادت قوة سلطانه مع مرور الأيام. لهذا كان التغير الفكري عميق الجذور، صعب العلاج، بطيء التفاعل.
والمتتبع لآيات القرآن الكريم، يلاحظ دور الصراع الفكري في حمل الدعوة عقيدة التوحيد عبر التاريخ. ويلاحظ دور الأفكار في تقويم حياة الأفراد والشعوب. فالأفكار في أية أمة من الأمم هي أعظم ثروة تنالها الأمة في حياتها إن كانت أمة ناشئة، وأعظم هبة يتسلمها الجيل من سلفه إذا كانت الأمة عريقة.
وفيما يلي موضوع من الكتاب:
آداب الجـدل والحـوار
بالإضافة إلى الآداب الإسلامية العامة التي تلزم المسلم في كل حال، هناك آداب تتعلق بالمناقشة والمناظرة والحوار، يحتاج إليها المسلم في جداله مع الآخرين. وأهم هذه الآداب ما يلي:
1 – إيضـاح الحكم الشرعـي
ليس الهدف من المنا ظرة الظهور على الخصم، ولكن الهدف إيضاح الحق على وجه يجعل المنا ظر يتبنى الدليل الراجح. قال تعالى: (ويحق اللـه الحق بكلماته ولو كره المجرمون) [يونس/82]. وقال تعالى: (ويمحُ اللـه الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور) [الشورى/24]. وقال تعالى: (الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) [البقرة/147]. وإيضاح الحق يقتضـي التركيـز على الفـكـر والابـتـعـاد عن الأمور الشخصية، ويقتضي أيضاً اختيار أحسـن الظروف لتوجيه النصيحة. وفي ذلك يقول الإمام الشافعي:
تَعَمَّدْني بِنُصْحِكَ في انْفِرادي
وجَنِّبْنِي النصـيحـةَ في الجَماعَةْ
فإنَّ النـصـحَ بينَ الناسِ نـوعٌ
من التوبيخِ لا أرضى استماعَهْ
وإن خالفْتَني وعَصَـيْتَ قولي
فلا تجـزَعْ إذا لم تُـعْـطَ طـاعَـةْ
2 – اخـتـيـار الألـفـاظ الـتـي تـعـبـر عـن الـمـعـنـى الـمـقـصـود
على من ينا ظر ويجادل أن يدرب لسانه على الغوص في بحر الألفاظ، بحيث لا يتلعثم ولا يعبر عن مراده بألفاظ تفيد غير ما يريد. وقد استعان موسى عليه السلام بأخيه لأنه أوضح منه منطقاً. قال تعالى حاكياً قول موسى: (وأخي هرون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءًا يصدقني) [القصص/34]. وقال: (واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي) [طه/27-28]. وقد حث رسول الله على اختيار الأحسن من الألفاظ. قال صلى الله عليه وسلم: »لا يقولن أحدكم خبثت نفسي، ولكن ليقل لَقِسَت نفسي«. فخبث النفس تطلق مجازاً ويراد غثيان النفس، إلا أنها لما كانت تعني الباطل في الاعتقاد، والكذب في المقال، والقبيح في الفعال، نهى رسول اللـه صلى الله عليه وسلم عن استخدامها، وأبدل بها الكلمة السالمة. واللـه تعالى يقول: (يا أيها الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم) [البقرة/104].
3 – عدم الاستعجال بالرد على الخصم
وينبغي على المنا ظر أن ينتظر خصمه حتى يفرغ من حجته، فيجيبه بما قل ودل. فيصمت بحلم مهما أغضبه خصمه. قال صلى الله عليه وسلم: »ليس الشديد بالصُّرَعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب«. ثم يتكلم بعلم. قال تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) [الحج/8]. فإن لم يعرف بما يجيب، لقصور علمه، يجب أن يقول: لا أعلم واللـه أعلم، اقتداءً بالملائكة المقربين والصحابة المنتجبين والعلماء الورعين.
4 – اللين ما أمكن والحزم عند الضرورة
المحـاجة بالحكمة واللين مطلوبة. قال تعالى: (وءاتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت اللـه لا تحصـوها إن الإنسان لظلوم كفار* وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد ءامناً واجنبني وبنيَّ أن نعبد الأصنام) [إبراهيم/34-35]. وقال تعالى: (أُدْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل/125].
ومع ذلك، فالحزم والحسم مطلوبان. خصوصاً إذا تحولت المناقشة إلى جدال بالباطل ومعاندة على طريقة »عنزة ولو طارت«.
5 – مخاطبة الخصم على قدر عقله وفهمه
تعامل القرآن الكريم مع خصومه بما يتناسب مع أحوالهم العلمية والاعتقادية. فالمشركون يجادلهم جدل هداية وتعليم ودلالة. ويجادل أهل الكتاب جدل تخطئة وإلزام ودلالة. ويأتي الجدال مع المنافقين شديداً وقاسياً، ومصحوباً بالتهديد والوعيد.
وللإمام الشافعي أبيات في هذا الإطار مفيدة:
إذا ما كنتَ ذا فَـضْـلٍ وعلْــمٍ
بما اختلـفَ الأوائلُ والأواخـرْ
فنا ظرْ من تنا ظـرُ في سـكونٍ
حـلـيـمــاً لا تُـلـِحُّ ولا تُـكـابــِرْ
يُفيدُكَ ما استفادَ بلا امتنانٍ
من النُكَتِ اللطيفةِ والنوادرْ
وإيّـاكَ اللـجـوجَ ومَـنْ يُـرائـي
بأني قد غَـلبتُ ومن يُـفاخـِرْ
فـإنَّ الشــرَّ في جَـنَـبـاتِ هـذا
يُـمَـنّـي بالتـقتاطـعِ والتـدابـرْ
ويقول أيضاً:
يُخاطبُني السفيهُ بكل قُبْحٍ فأكرهُ أن أكونَ له مُجيبا
يَزيدُ سـفـاهـةً فأزيدُ حِلْمـاً كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيبا
6 – الالتزام بآداب الحديث
ينبغي للمحاوِر الالتزام بآداب الحديث، فلا يرفع صوته عالياً حتى يؤذي المجلس ولا يخفيه بحيث لا يسمعه الآخرون. قال تعالى: (واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) [لقمان ]. وفي حديثه ينبغي الاختصار ما أمكن. تأسياً بالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام. وعموماً فإن كثرة الكلام مدعاة لكثرة الزلل. وقديماً قيل: »إنما جعل لك أذنان اثنتان ولسان واحد لتسمع أكثر مما تتكلم«.
7 – عـمـومـيـات
هناك أربعة أسئلة ينبغي أن تبقى متصورة في الذهن عند المحاجّة والجدال، وهي:
أ – السؤال عن الرأي أو الحكم.
ب – السؤال عن الدليل.
ج – السؤال على وجه الدليل (وجه الاستدلال).
د – السؤال على سبيل الاعتراض.
والسكوت عن الجواب هو من قبيل الانقطاع. قال تعالى: (فَبُهِتَ الذي كَفَر) [البقرة/258]. أما إذا وضحت الحجة وأضحت كالشمس في رابعة النهار، واستمر الخصم في العناد والجدال، فلا ينبغي الاستمرار في الحديث معه.
وللشافعي في هذا المعنى أبيات:
قالوا سَـكَتَّ وقد خوصـمتَ قلتُ لهمْ
إنّ الـجــواب لـبـابِ الـشـــر مـِفـتـاحُ
والصـمتُ عن جاهـلٍ أو أحمـقٍ شــرفٌ
وفيه أيضـاً لصوْنِ العِرْضِ إصلاحُ
أما تـرى الأُسْـدَ تمـشـي وهي صـامتة
والكلبُ يخسـا، لعمري، وهْو نَبّـاحُ
ومن الانقطاع أن ينقض بعضُ كلامه بعضاً. قال تعالى: (ولو كان من عند غير اللـه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) [النساء/82]. ومنه أيضاً أن يؤدي كلام الخصم إلى محال، أو أن ينتقل من مسألة إلى أخرى لا علاقة ولا ربط بينهما كما يفعل السفسطائيون، وأن يسأل عن شيء فيجيب عن غيره.
وعلى المحاور عند انقطاع خصمه أن يعمل على تهدئة الأجواء. وأن لا يزهو بالغلبة. بل يحمد اللـه تعالى أن وفقه إلى الحق أولاً، ويعد نفسه لقبول الحق من غيره. حتى يكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
2016-09-27