الدعوة إلى الإسلام (11)
1992/04/27م
المقالات
2,170 زيارة
الحزب أو الكتلة أو الجماعة التي تدعو إلى الإسلام يتحتم عليها أن تبدأ في توضيح وتحديد الأفكار والآراء والأحكام الإسلامية التي تلزمها في عملها، أي أن تتبنّى ما يلزمها سواء ما يتعلق بالفكرة أو الطريقة أو الأساليب أو غير ذلك. وهذه الأفكار والآراء والأحكام تشكل ثقافة هذه الحركة. وفيما يلي بعض المواصفات:
ثقافة الجماعة
– إنه لما كان واقع الأمة يحتاج إلى تغيير اقتضى أن يكون العمل للتغيير سياسياً عن طريق تكتل سياسي يقوم على مبدأ الإسلام. فكان لا بد من وضع دراسة عن مواصفات الكتلة ومقوماتها وأن تتم دراسة التكتلات السابقة لمعرفة سبب إخفاقها وتلافيه، سيما وأن الناحية التكتلية تتعلق بأحكام الأساليب المتروكة في الأصل للمسلم أن يحدد هو أفضلها وأنسبها للعمل. وهذا يشكل مادة من مواد الثقافة الحزبية.
– وإنه لما كان المسلمون يعيشون في مجتمع فيه خليط من الأفكار والمشاعر والأنظمة اقتضى سير العمل لإقامة دولة إسلامية التعرض للمجتمع، وواقعه، ومكوناته، وما يؤثر فيه وكيفية تغييره حتى يوجد المجتمع الإسلامي المتجانس في أفكاره ومشاعره وأنظمته.
– إنه لما كان واقع الفرد يختلف عن واقع المجتمع، وبالتالي فإن مقومات الفرد تختلف عن مقومات المجتمع، وبناء على هذا فإن الأحكام الشرعية المتعلقة بالفرد تختلف عن الأحكام الشرعية المتعلقة بالمجتمع – وإنه لما كان عمل الجماعة يتعلق بتغييره من أفكار ومن أحكام شرعية متعلقة بمعالجة هذا الواقع وترشد، في الوقت نفسه، الفرد منها ومن الناس إلى وجوب تبنيه لكل ما يتعلق بعمله من أحكام سواء ما يتعلق بإقامة المجتمع الإسلامي الذي تعلّق به كفرض كفاية لا يعذر بتركه أو ما يتعلق بفرديته حين تدعوه هذه الجماعة إلى وجوب التقيد بالمعاملات والعبادات والأخلاق القائمة جميعها على العقيدة الإسلامية، في حياته اليومية.
– وإنه لما صار استعمال المسلمين لعقولهم متأثراً بالغرب، وصار المسلمون يتبعون أحكام عقولهم في تحديد المصلحة فمن أجل الوصول إلى حسن التأسي ودقة الالتزام اقتضى سير العمل التعرض للعقل ومقوماته لمعرفة حدود استعمالاته، وكيفية استعماله في العقيدة، وفي الأحكام الشرعية وفي أفكار الواقع.
– وإنه لما كان العمل هو لإقامة الحكم بما أنزل الله وإقامة دار الإسلام اقتضى ذلك معرفة سير الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة وما قام به من أعمال أدت إلى إقامة الدولة الإسلامية في المدينة ومن ثم الاهتداء بها. واقتضى سير العمل أيضاً التمييز بين حكم الطريقة وحكم الوسائل والأساليب حتى نصل إلى دقة التأسي بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
– وإنه لما كان العمل هو إقامة الحكم بما أنزل الله وتغيير الأنظمة القائمة اقتضى سير العمل المتابعة السياسية لأعمال الحكم ومعرفة واقعهم، وواقع ارتباطهم ومعرفة سياسة الدولة الكبرى التي تتحكم في تصرفاتهم والعمل على كشف خططهم.
– وإنه لما كانت بلاد المسلمين تخضع لأنظمة الكفر وللحضارة الغربية وأنظمتها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية اقتضى سير العمل لإقامة الدولة الإسلامية التعرض للمبادئ بعقائدها وما يبنى عليها من أفكار وما ينبثق عنها من أنظمة.
– ولما كانت الغاية الشريعة هي تطبيق الإسلام وحملة رسالة إلى العالم اقتضى ذلك التعرض للحكم والدولة والإسلام وشكلها وأركانها وأجهزتها ودستورها وفكرة عامة عما سيطبق فيها، واقتضى كذلك التعرض لأشكال الحكم الموجودة للتميز عنها وعدم التأثر بأشكالها واقتضى كذلك التعرض للأساس التي تقوم عليه الدولة.
على هذا المنوال تسير الجماعة في تحديد مواد ثقافتها للعمل بها والدعوة لها بالشكل الذي يقتضيه سير العمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة التي تحكم المسلمين وغير المسلمين من رعاياها بالإسلام ومن ثم نشر الدعوة في الخارج عن طريق الدعوة والجهاد.
أهمية العقيدة
ولما كانت العقيدة الإسلامية هي الدافع لعمل الجماعة أو الحزب ولما كان إقامة الحكم بما أنزل الله هو الغاية، لذلك يجب أن تؤخذ هذه الثقافة التي تتبناها الجماعة بالشكل الذي يربطها بالعقيدة ربطاً محكماً. لأن من شأن ذلك أن يوجد عند العاملين الشعور بالمسؤولية والاهتمام والجدية والتلهب والحماسة والتضحية، ولأن من شأن ذلك أن يجعل المسلم يتحمل صعوبات الطريق ومشاقها في الوقت نفسه، ولأن من شأن ذلك أن يجعل حامل الدعوة لا ينتظر من الناس شكراً وإنما يخاف من ربه يوماً عبوساً قمطريرا، ويرضى بنعيم الآخرة المؤجل على شقاء العمل المعجل ولأن من شأن اتخاذ العقيدة أساس الثقافة أن تكون العقيدة هي الأساس في التغيير عند الناس وليس كره الظلم الذي يحل بهم أو التخلص من الجهل أو تحسين الأوضاع، بل الذي يحمل المسلم على الدعوة والمسلمين الآخرين على قبولها هو أفكار الإيمان. وهذا هو منهج الإسلام أصلاً.
وكذلك فإن أفكار الإيمان التي تتخذ أساساً للثقافة التغيرية مع هذه الثقافة يجب أن تعطى بالشكل الذي يصب في تحقيق هذه الغاية.
والأحكام الشرعية المتبناة يجب أن تعطى بالشكل الذي يبرز الغاية من إعطائها.
ودراسة الواقع كذلك تعطى بالشكل الذي يساعد على تحقيق هذه الغاية.
وخلاصة القول إن الثقافة الحربية يجب أن تربط بالعقيدة الإسلامية ويستشهد لها بالأدلة الشرعية وتعطى من الزاوية التي تحقق الغاية الشرعية وهي تحقيق العبودية لله بالشكل العملي عن طريق إقامة الدولة الإسلامية أي تحقيق الحاكمية لله سبحانه. ويجب أن يُنشأ شباب الجماعة على هذا.
ولما كانت العقيدة الإسلامية هي بمثابة الرأس من الجسد، والقلب من الأعضاء، وهي ملاك الأمر كله، وبها قوام كل شيء فإنها حين تعطى:
– يجب أن تؤدي إلى أفراد الله سبحانه وحده بالخضوع والعبادة والتشريع. فلا أحد سواه يملك مثل هذا الحق. فهو الرب وحده، وهو الخالق وحده، وهو العليم الخبير المشرع، المدبر للأمر وحده. وبما أن الإنسان بفطرته يشعر بأنه عاجز، وناقص ومحتاج ومحدود فإنه يلتجئ إلى هذا الإله لكي يهديه سواء السبيل ويخرجه من الظلمات إلى النور، وأن الله سبحانه وتعالى قد أرسل رسولاً من عباده واصطفاه برسالته يهدي بها من اتبع رضوانه سبل السلام. وطلب منا إتباعه وحده فيما بلغه عند ربه. فهو معصوم وأنزل عليه القرآن رسالته إلى الناس أجمعين هدى ونوراً ورحمة وموعظة وشفاء لما في الصدور ووعدهم بالنعيم المقيم إن هم آمنوا وأطاعوا، وأوعدهم جهنم إن هم أبوا. فالإنسان مخلوق لعبادة الله وحده بما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده.
– يجب أن يتبين للمسلمين أن الإسلام يربط واقع الإنسان بالإيمان بما قبل الحياة الدنيا وهو الإيمان بالله الخالق المدبر، وبالإيمان بما بعدها وهو الإيمان بالبعث والنشور والحساب والثواب والعقاب. وأن تعطى بالشكل الذي يبين هذه الصلة. وأن من يطع هذه الصلة ويفصلها لا يقوم كلامه على حجة بينة أو سلطان مبين. وكلامه كفر.
– يجب أن تعطى بالشكل الذي يؤدي إلى إحياء الأمة بها ودفعها إلى حمل الإسلام رسالة للعالم.
– يجب أن يتبين المسلمون صحتها في مواجهة أفكار الكفر المعاصر. وذلك بتبيان زيف كل الأفكار المعاصرة من رأسمالية أو قومية أو وطنية. وذلك عن طريق إقامة مقارنة فكرية بين الإسلام وهذه الأفكار للوصول إلى نتيجة مزدوجة تتمثل بإسقاط كل الأفكار الأخرى وبالتالي كل تجمع يقوم عليها ومن ثم بيان أن الإسلام هو وحده الحق الذي يصلح العالم كل العالم (لعالمية عقيدته ونظامه) وبالتالي لإقامة الدولة التي يتمثل فيها هذا الإسلام. وفي هذا الحقل تعمل الجماعة على إسقاط كل الشعارات والدعايات البراقة، واللافتات والادعاءات المزورة التي وضعها الكافر المستعمر في أذهان المسلمين. من مثل (حرية الثقافة والفكر) و(دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله) و(وطني دائما على حق) و(أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) بالمفهوم الجاهلي. وتبعد كل تأثير للفكر الغربي عن أذهان المسلمين وعن حياة المسلمين وذلك بدحض الأفكار القائمة على (تطوير الشريعة) و(تقنين الشريعة) و(مرونة الشريعة لتلبية حاجات العصر) بالمفهوم الغربي. و(فصل الدين عن السياسة) و(لا سياسة في الدين) ولا (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان) مع إسقاط كل هذه الشعارات تعمل الجماعة على غرس الأفكار المقابلة المبنية والمنبثقة عن «لا إله غلا الله، محمد رسول الله».
ومعلوم شرعاً أنه لا يصفوا في النفس معنى كلمة «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» علماً وعملاً حتى تنبذ هذه النفس كل فكر عداها. وكل إيمان سواها. يقول تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ) فقد قدم ذكر الكفر بالطاغوت حتى لا يعلق في النفس أي درن من أدران الشرك أو أية شائبة من شوائب الكفر ويأتي الإيمان بعد ذلك خالصاً في النفس، وهذا هو حال من يستمسك بالعروة الوثقى. ويقول تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) فـ (لاَ إِلَهَ) تعني أنه بعد البحث والفكر تولد العلم بأنه لا إله موجوداً كإله وبالتالي يستحق العبادة. وقوله: (إِلاَّ اللَّهُ) هي إثبات الإلوهية لله وحده. فهي نفي لغيره وإثبات له سبحانه. وهذا أقوى أنواع الإثبات لغة ويفيد الحصر. وعليه فلا أفكار الديمقراطية ولا أفكار الرأسمالية، ولا أفكار الاشتراكية، ولا أفكار القومية، ولا أفكار الوطنية هي المنقذة أو الصحيحة بل هي فاسدة وباطلة، وتشقي الإنسان ولا تسعده، وليس غلا دين الله وشرعه هو الهدى والنور والشفاء.
وتسير الجماعة في بناء أفرادها وتكوين شخصياتهم الإسلامية، وذلك بإعطائهم المقاييس الإسلامية الصحيحة وإشباع نفوسهم بحب التقيد بالشرع وبغض ما مخالفه. وحب التحاكم إليه وبغض التحاكم إلى سواه. وبحيث يصبح عقلهم للأمور منضبطاً بمقاييس وأفكار الشرع وبحيث يصبح ميلهم يميل مع الإسلام حيث مال. يرضون لرضاه ويغضبون لغضبه.
وتسير الجماعة في تركيز هذه الثقافة عند شبابها عن طريق حلقات مركزة من شأنها إعداد الشباب للقيادة والقيام بأعمال الدعوة بعد أن ينزلوا إلى الواقع بها لحمل الناس على تبنيها. وتسير الجماعة في فهم الواقع على العقل، وتقدم لشبابها العملية الفكرية التي اعتمدت عليها حتى توصلت إلى هذا التعريف أو التحديد العقلي. وهي بذلك تكون المرشدة لهم في كيفية التعامل مع الواقع وكيفية التوصل إلى جملة التعاريف العقلية للوقائع التي تلزم للأحكام الشرعية والتي تشكل ما يشبه المناط لها. فهي حين تعرف العقل أو الحاجات العضوية، أو الغرائز، أو النهضة، أو المجتمع، أو الحضارة والمدنية… تعرفها لأنها في حاجة إلى إدراك واقعها الذي يتعلق به كثير من الأحكام الشرعية.
وتسير الجماعة في الوصول إلى الحكم الشرعي عن طريق الأدلة الشرعية فتستنبط منها ما يتعلق بحل المشكلة أو معالجة الواقع. وهذا يحتاج إلى تبني كل العلوم التي تمكنها من فهم النصوص الشرعية لتتوصل بواسطتها إلى معرفة حكم الله في حقها. وعليها أن تجري أمام شبابها وأمام المسلمين طريقة الاستدلال لتعلمهم بها وتركز في نفوسهم طريقة الإسلام في فهم الشرع واستنباط أحكامه.
ويجب أن تحرص الجماعة حين إعطاء هذه الثقافة المتبناة لشبابها على أن الناحية العملية منها هي المقصودة. فهذه الثقافة هي ليست للعمل ولا لتنمية المعلومات ولا للوصول بالشباب إلى مستوى علمي متين بل هي لإقامة حالة من الصراع الفكري والكفاح السياسي بها ولحملها كقيادة فكرية في الأمة ولإقامة كيان يمثلها.
ويجب أن تحرص الجماعة على ترجمة هذه الثقافة ترجمة عملية دقيقة. فلا تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر. وإلا فإنه كبر مقتاً عند الله أن تعلم هذه الجماعة الحق وتقوم بخلافه.
نعم إن على الجماعة أن تتبنى هذه الثقافة، وأن تبني شبابها وتؤسسهم عليها وتركزها في نفوسهم. ومن ثم تنزل إلى الأمة بأفكار الإسلام الأساسية وبشكل يوحد الرأي العام للفكرة المنبثقة عن الوعي العام عليها. فتنزل للأمة بأفكار العقيدة، وبأحكام شرعية رئيسية بالشكل الذي يجمع الأمة على الهدف الواحد وهو صوت تحكيم شرع الله وحده. وبهذا توجد عندها التوجه الصحيح والذي يعتبر بداية لإعادة شخصيتها المفقودة منذ زمن.
وهذه الأفكار الأساسية والأحكام الشرعية الرئيسية هي من مثل الأفكار التي تؤدي إلى إفراد الرسول صلى الله عليه وسلم في الإتباع، وتشويق الناس للجنة، وتخويفهم من النار، وأن العمل لإقامة الدولة الإسلامية هو فرض من أهم فروض الإسلام لتعلق كثير من الفروض به. وأن الأمة الإسلامية هي أمة واحدة من دون الناس فلا يباعد بينها جنس ولا نظام، وأن المسلمين هم إخوة وليست الرابطة الوطنية أو القومية لتباعد بينهم. وأن البعد عن شرع الله هو الذي أورث المسلمين الذل والهوان، وأن المسلمين يجب أن يتقيدوا بشرع ربهم فلا يأتون العمل إلا بعد معرفة دليل.
إن مثل هذه الأفكار هو الذي يوجد التربة الصالحة لأن تقوم عليها أحكام الإسلام يانعة ومثمرة.
أن كل ما ذكرناه يجب أن تشمله ثقافة هذه الجماعة. وهمنا أن نوجد الطريقة السليمة التي يأمر بها الشرع للوصول إلى تحديد هذه الثقافة والتي على ضوئها يتم تبنيها.
وهكذا تنشأ عند الجماعة طائفة كبيرة من الأفكار والآراء والأحكام الشرعية اللازمة لها لخوض الصراع الفكري والكفاح السياسي وإيجاد الثقافة المركزة فيمن سيقوم الأمر على أكتافهم، وإيجاد الرأي العام عند الأمة الذي يجعلها تتقبل الفكرة التي تقوم عليها هذه الجماعة.
هذا هو الإطار الذي يجب أن لا تخرج عنه هذه الجماعة فهي إن وفقت في تحديده لا يضرها بعد ذلك إن أخطأت في بعض الأحكام الفرعية أو خالفت غيرها. وهذا لا بد منه ولا محيد عنه.
هذه هي الثقافة التي تحتاجها الجماعة لكي تصل إلى مبتغاها المتمثل بتحكيم شرع الله ونشر الدعوة في العام أجمع. والله ولي التوفيق.
(يتبع)
1992-04-27