أين الخلافة عند العلماء وجماعات المسلمين؟!
2008/08/27م
المقالات
1,897 زيارة
أين الخلافة عند العلماء وجماعات المسلمين؟!
لقد انبرى حزب التحرير منذ قيامه للعمل والدعوة إلى إقامة الخلافة الإسلامية، وذلك بعد أن وضح له بشكل جلي أن الحكم بما أنزل الله (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) [المائدة 49] وطرد المستعمرين من بلاد المسلمين (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) [النساء 141] وتوحيدها «وأن المسلمين أمة من دون الناس» في ظل خليفة واحد «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» وإعادتها إلى المكانة التي يجب أن تكون فيها (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران 110] لا تكون إلا بوجود الخلافة الإسلامية، ولذلك كان طبيعياً أن تكون هذه القضية -قضية إقامة الخلافة- القضية المصيرية للأمة وللحزب، فلا تجد قضية من قضايا الأمة إلا وقد قام البرهان على أن حلها جذرياً يرتبط ارتباطاً مصيرياً بإقامة الخلافة، فارتبط ذكر الخلافة بذكر حزب التحرير والعكس صحيح.
وعلى الرغم من أن قضية الخلافة الإسلامية وإقامتها قضية المسلمين جميعاً لعموم الأدلة التي جاءت فيها «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» فهي فرض كفاية لا يسقط عن عموم المسلمين إلا بعد إقامتها، إلا أن حزب التحرير تُرك وحيداً في عمله ودعوته إليها.
فعلى الرغم من العدد الكبير للأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية المنتشرة في بلاد المسلمين، ورغم كثرة “العلماء ” والخطباء والمتحدثين، فإنك تجد أن جلهم إن لم يكن كلهم لا يوجد للخلافة وإقامتها والعمل لها أي حيز في أفكارهم أو أعمالهم أو خطابهم، فهي مغيبة عندهم غيابها عن وسائل الإعلام الرسمية والموالية للحكومات.
وحتى نكون أكثر بياناً، نستعرض الأسباب والمبررات والحالات المختلفة والمتنوعة لخلو خطاب أولئك وخلو برامجهم من مشروع إقامة الخلافة.
أما السبب فهو أن هؤلاء من حيث يدرون أولا يدرون موالون للحكام والأنظمة التي يعيشون في ظلها، فهم جزء منها، وحيث إن الدعوة والعمل لإقامة الخلافة يعني خلع هؤلاء الحكام وإزالة تلك الأنظمة؛ لذلك كانت موالاتهم تقتضي عدم ذكر الخلافة وعدم العمل على إقامتها.
وأما المبررات فكثيرة متعددة:
– فمنهم من يزعم أن حاكمه حاكم شرعي، وأن الدولة التي يوالي حكامها تُحكم بالإسلام، ويسترسل فيقول بأن العمل لإقامة الخلافة التي بها يُخلع مولاه، خروج على حاكم مسلم ونزعٌ لليد من الطاعة!!
– ومنهم من يزعم أن التعرض بالدعوة للخلافة يقوده لمواجهة الحكام ما يُلحق الضرر بدعوته التي يعتبرها إسلامية، ويمنع خيره عن الناس!!
– ومنهم من يزعم أنه يعمل لإقامة الخلافة دون أن يعلن ذلك أو يدعو إليه، فهو في سبيل ذلك يشترك في الحكومات التي تحكم بالكفر ويتحالف مع الحكام مدعياً أنه بذلك يوصل الإسلام إلى الحكم تدريجياً!!
– ومنهم من يزعم أن الأمة غير مهيأة لإقامة الخلافة والحكم بما أنزل الله، وأنه لا جدوى من الدعوة لإقامتها طالما أن الأمة على حالها، بل هو يتجرأ فيدعو الله أن لا تقوم الآن!!
– ومنهم من أوكل أمر قيامها إلى صلاح أفراد الأمة فرداً فرداً، فإذا صلحوا قامت لوحدها دون الحاجة إلى العمل أو الدعوة لها!!
– ومنهم من يزعم أنه لا طاقة للأمة بإقامة الخلافة، فهي لن تقوم إلا على يدي المهدي وطالما لم يظهر المهدي فهي لن تقوم!!
– ومنهم من زعم أن الخلافة قد ولى زمانها، وبعضهم يضيّق ذلك فيقول إنها ما كانت إلا على عهد الخلفاء الراشدين، وبعدهم ما كانت ولن تكون!!
– ومنهم من ضاق ذرعاً بارتفاع ذكرها ودعوة الناس لها والتفافهم حول فكرتها، فألقى أمر إقامتها للحكام يجتمعون ويختارون أحدهم ليكون خليفة فتقوم!!
– ومنهم من تطاول فزعم أن الحكم بما أنزل الله ليس منوطاً بهم، بل إنه ممكن من خلال الأنظمة القائمة بكامل هيئتها وتركيبتها بل وبأشخاصها!!
– ومنهم من يذكرها رفعاً للعتب، أو شعوراً بقرب إقامتها ومقدار الأثر الذي تركه الدعاة والعاملون لها، فأراد أن يكون له نصيب عند قيامها فأصبح يذكرها في خطاب دون خطاب وبكلامٍ دون عمل، فإذا خاطب الناس بعيداً عن مسامع الحكام ذكرها، وإذا خاطب الحكام تناسى أمرها!!
إن أمر هؤلاء جد عجيب!!
– فكيف يمكن العمل لإقامة الخلافة بدون الدعوة لهذا العمل؟ كيف يمكن استنهاض الأمة التي فرض الله سبحانه وتعالى عليها العمل لإقامتها بدون أن توجه لها الدعوة ليل نهار، وفي كل صعيد، وعلى كل منبر؟؟
– وكيف يمكن أن يشتبه على مخلص أمر حكام العرب والمسلمين؟ فهل هؤلاء الرويبضات خلفاء؟ وهل يحكمون بالإسلام؟ فلماذا ينتشر الربا والخمر والفساد وتنتشر القواعد العسكرية للكفار في سائر بلاد المسلمين؟؟
– وكيف يترك لحكام العرب والمسلمين أمر إقامة الخلافة ويرتجى منهم ذلك وهم أس البلاء؟ وكيف يمكن أن يُتصور أن أحدهم يمكن أن يترك عرشه الذي أعطيه من أسياده الكفار؟ فهل يملكون أمر أنفسهم فيترك لهم أمر الأمة والخلافة؟؟
– وكيف يلقون وراء ظهورهم قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي من بعده وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر. قالوا فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول» وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «… ثم تكون خلافة على منهاج النبوة…» فيزعمون أنه لا خلافة بعد؟؟
– وكيف يزعمون أن الحكم بالإسلام غير منوط بالخلافة؟ فهل يمكن الحكم بما أنزل الله بالديمقراطية التي هي حكم الشعب؟
– وكيف يزعم أقوام أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قدوتهم ثم يداهنون الحكام الظلمة ويميلون إليهم ولا يكونون لهم نداً كما طلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ألم يسمعوا قول الله تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود 113] وأي ركون أكثر من السكوت عن الدعوة إلى العمل للفرض الذي يزيح هؤلاء الحكام؟؟
– وكيف يزعم أقوام أن الأمة غير مهيأة للخلافة وللحكم بما أنزل الله، وهي في كل بلاد المسلمين لا تنفك تختار الإسلام على غيره، ولا تتوقف عن التضحية ما دعيت إليها، وتقبل على الإسلام أكثر من أي وقت مضى منذ أن هدمت الخلافة؟؟ وأي تهيئة يقصدون وأدوات الإصلاح مملوكة في أيدي الحكام يحجبونها عن الأمة؟؟ أو ليسوا يرددون:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
أولم يسمعوا قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به».
– وكيف يكلف الله الأمة ما لا طاقة لها به، فيفرض عليها الحكم بما أنزل ثم يقضي عليها بعدم قدرتها على ذلك إلا بظهور المهدي؟ أم أن الله كلف الأمة بإظهار المهدي؟ وهل المهدي المنتظر الذي أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يعني أن ننتظر بدل أن ندعو ونعمل لإقامة ما فرض الله؟؟
– وكيف يمكن لأحزاب وحركات أن تضيع مجهود الأمة بأعمال تبعدها عن الحكم بما أنزل الله بإبعادها عن الخلافة في فكرها وخطابها وعملها؟ بل إنها تضع تضحيات الأمة في خدمة أعداء الخلافة بوضعها في خدمة الحكام وأسيادهم الكفار؟
– وكيف يمكن “لعلماء” إذا صح أنهم علماء أن يكتموا العلم الذي تحقق لديهم بالأدلة من القرآن والسنة بوجوب إقامة الخلافة والعمل لها والبراء من الحكام والعمل على خلعهم؟ ألم يسمعوا قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة 159-160].
رحم الله أحمد بن حنبل أدرك ذلك فقال:” إذا أجاب العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق”.
ألم يأن لأولئك جميعاً أن يمتثلوا لأمر الله تعالى وأمر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران 110] وقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم …أو ليوشكن الله أن يعمكم بعذاب من عنده ثم تدعونه فلا يستجيب لكم» وأي معروف أكبر من الدعوة لإقامة الدين بإقامة الخلافة التي هي الفرض الحافظ للفروض. وأي منـزلة يضيعون بتركهم لكلمة الحق عند الحكام، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أفضل الجهاد كلمة حق عند ذي سلطان جائر». فما بالهم لو أنهم دعوا الأمة فاستجابت فكان لهم مثل أجر من استجاب لهم إلى الخير؟ أم أنهم يحسبون أن لا أوزار عليهم من قعود كثير من المسلمين الذين يتبعونهم عن الدعوة والعمل للخلافة؟
فليتق الله هؤلاء، وليعودوا إلى رشدهم، وليطلقوا الدعوة إلى إقامة الخلافة من أفواههم ومنابرهم، أم أنها لجمت عن الحق؟ فيا حسرتا يوم تلجم الألسنة المقصرة، حيث لا أعذار بل ندم وحسرة.
2008-08-27