حقيقة الصراع حول العالم الاسلامي
2008/08/27م
المقالات
2,747 زيارة
حقيقة الصراع حول العالم الاسلامي
عصام الشيخ غانم
ما أن انتهت حقبة التسعينات من القرن الماضي حتى أصبح العالم يقف على مفترق طرق خطير في العلاقة بين المسلمين والغرب الكافر، والذي يراقب الأحداث العالمية يجد أن حالة من التشنج الكبير قد أخذت تترسخ فعلاً بينهما. ومن أجل فهم التوجهات العالمية الحالية للصراع، لا بد من ربط دوافع القوى الكبرى في العالم بجذورها الحقيقية.
إن الدول الفاعلة اليوم في المسرح العالمي وذات التأثير في العالم الإسلامي هي الدول الرأسمالية الكبرى. وبما أن هذه الدول رأسمالية المبدأ، فإن الصراع تولد فيما بين تلك الدول نفسها،وبينها وبين باقي أمم العالم، وهذه حقيقة تفرضها طبيعة المبدأ الرأسمالي وإفراطه في المصالح والنفعية. فأصبح السباق على المصالح هو السمة الأبرز للرأسماليين: داخلياً في الصراع على امتلاك مقدرات أمتهم وتحويل ما يستطيعون من أبناء أمتهم إلى عبيد يعملون على تكديس الأرباح للرأسماليين، وخارجياً في السيطرة على ثروات الأمم الأخرى.
وقد برزت في أوروبا، منشأ الرأسمالية، صراعات شديدة تعبر عن رفض تلك الشعوب للاستعباد الرأسمالي، وكانت الاشتراكية العنوان الأبرز لتلك الصراعات، وبلغت أوجها في انتصار الثورة الشيوعية في روسيا سنة 1917م. لكن الدول الأوروبية قد تمكنت من ترقيع نظامها الرأسمالي، فأعطت المزيد من الحقوق للعمال وزادت في رفاهية شعوبها؛ فقضت على التربة التي تنبت الثورات على أراضيها.
والذي يدقق في هذا الواقع يجد أن ذلك كان ناتجاً عن السياسة الاستعمارية لهذه الدول، فقد استطاع هذا المستعمر أن يضع يده على خيرات العالم الإسلامي وأفريقيا وأميركا اللاتينية من أجل الرأسماليين ومن أجل رفاهية الشعوب الأوروبية، وكانت فكرة ترفيه الشعوب الرأسمالية قد أضحت ضرورة رأسمالية لإقناع الشعب الروسي من ناحية بهدم النظام الشيوعي في بلاده. ومن ناحية ثانية، لإبعاد شعوب أوروبا الغربية عن التوجهات الشيوعية. وقد ساعد في رفاهية الدول الرأسمالية أيضاً التقدم العلمي الذي سرعان ما تحول إلى أداة بالغة الفعالية في تكريس النفوذ الرأسمالي في العالم، لا سيما عندما تحول التقدم العلمي وبزخم كبير إلى أدوات فتك وقوة بيد جيوش الدول الرأسمالية، التي أصبحت تستخدم تقنيات جديدة في الاحتلال والاستعمار لا قبل للأمم المتخلفة بمواجهتها.
كان الصراع الشيوعي ضد الرأسمالية قصيراً من الناحية التاريخية، ولم يتمكن من إيلام الدول الرأسمالية ناهيك عن القضاء عليها. وهذه الفترة القصيرة في تاريخ أوروبا لا يمكنها أن تغطي الصفحات الواسعة من الصراع الإسلامي الأوروبي عبر قرون كثيرة مهما حاولت القوى الأوروبية عبر وسائل إعلامها الإيهام بأن ذلك الصراع قد حسم نهائياً لمصلحة أوروبا، وأن الإسلام قد انتهى فعلياً من ساحة الصراع.
ومن أجل تقريب الصورة التي ربما استطاع الإعلام الغربي إخفاءها عن قصد، فإن السياسي، أياً كان، يحمل في ثنايا تفكيره إرثاً كبيراً من التاريخ، ومجمل المفاهيم السياسية إنما ترسمها حقائق التاريخ لا سيما عند أصحاب المبادئ الهزيلة كالرأسمالية. فصورة المسلم في أذهان السياسيين الغربيين يلفها خوف عظيم، هذا الخوف الذي أصّلته الحملات الإسلامية المتتالية على الأراضي الأوروبية، فترسخ في أذهان الأوروبيين الخوف من الإسلام والمسلمين. فأوروبا قد تعرضت لحملات متلاحقة ومبكرة في تاريخ الإسلام لاختراقها من الوسط والغرب والشرق، كان عنوانها القسطنطينية والأندلس وقازان في حوض الفولغا. وربما لم يحص التاريخ ملايين الشهداء من المسلمين الذين سقطوا على الأراضي الأوروبية في حروب نشر الإسلام في الأندلس وحولها ومن ثم إبادة المسلمين فيها لاحقاً، إلى حروب الدولة العثمانية التي تركزت في وسط أوروبا، تلك المنطقة التي أصبحت إسلاميةًً عثمانيةًً لقرون، وما بقي من ومضاته يذكرنا به اليوم واقع المسلمين في البوسنة والهرسك والألبان في كوسوفو وغيرها من مناطق البلقان، وأما شهداء المسلمين في شرق أوروبا البعيد فقد كان أثناء الحروب والانتصارات الكبيرة للمسلمين التتار ضد الروس انطلاقاً من المركز قازان، وبعدها الهزيمة التي ذبح فيها القيصر الروسي إيفان غروزني المسلمين التتار سنة 1552م.
هذا التاريخ الدامي بين المسلمين والأوروبيين قد رسم صورة كل منهما في ذهن الآخر، ويخطئ من يظن أن انتصار الغرب الكافر على الدولة الإسلامية العثمانية، والقضاء عليها بنتيجة الحرب العالمية الأولى، وضع نهاية لهذا الصراع. فأنهار الدم المسلم لم تجف يوماً، وروائحها تشحن نفوس المسلمين ضد الغرب الكافر المستعمر في كافة البلاد الإسلامية، وعلى الرغم من شلالات الدم التي لا تزال جاريةً في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والشيشان وكشمير وغيرها من بلاد المسلمين، إلا أن التاريخ لا يزال ماثلاً إلى اليوم في أذهان المسلمين والأوروبيين على السواء.
فما أن وجد المسلمون الشيشان فرصة لهم للخلاص من الاحتلال الروسي حتى استعيدت وبسرعة الذكريات الدموية من الثورة الشيشانية والقفقازية الكبرى التي قادها شاميل ضد الروس في أعقاب الاحتلال الروسي للقفقاز وغياب النفوذ العثماني عنه. وفي البوسنة والهرسك ما أن حاول المسلمون التخلص من حكم الصرب حتى اندلعت الحرب بأقبح صورها التي لم يشهد القرن العشرين مثلها من القتل الجماعي واغتصاب عشرات الآلاف من المسلمات على أيدي الجند الصرب، فقد كانت وحشية الصرب فيها تنم عن حقد شديد ضد الإسلام وأهله، وكأن الجيش العثماني لا يزال يضرب بلغراد وما حولها. وأيضاً ما أن أعلن ملك إسبانيا عن عزمه زيارة سبتة ومليلية سنة 2007م حتى هاج التاريخ وماج وامتزج بالحاضر، فتكدس المسلمون في المغرب حول بوابات سبتة ومليلية للمطالبة بها وإعادتها للمغرب، وأخذت كاميرات التلفاز تجوب التاريخ فإذا به قريب وقريب للغاية، فصورت جزءاً من شعب الأندلس كشعب لا يزال يعيش في المغرب قبالة الأراضي الأندلسية، ويحافظ على بقائه كشعب أندلسي، وشبابه جاهز في أي لحظة للعودة سلماً أو حرباً إلى أرضه وبلاد أجداده المسلمين، بل وجابت الكاميرات أراضي الأندلس، وتحدث الإعلام وإن قليلاً عن محاكم التفتيش، فأصبحت المسافة الفاصلة بين 1492م وسنة 2007م وكأنها بالأمس، ونظراً لخطورة الموقف ونبش الجراح التي لم تندمل، فقد أوعزت أوروبا لعملائها من حكام المسلمين بوقف الحملة الإعلامية، وعادت سبتة ومليلية والأندلس ترقد بانتظار خليفة المسلمين القادم.
وهذه الصورة نسردها فقط من أجل تبيان أن العلاقة بين المسلمين والغرب الرأسمالي الكافر لا يمكن أن تبنى إلا على أساس الصراع، بل إن الأحداث اليومية في العالم الإسلامي تبين أن هذا الصراع هو أحد الدوافع الرئيسية لقادة الدول الكبرى ومفكريها في علاقاتهم مع المسلمين. فصورة الجيش العثماني في أوروبا وتهديده لكياناتها كافة وحروبه التي لا تعد ولا تحصى في البلقان هي التي ترسم صورة المسلمين الأتراك في أذهان الأوروبيين، وهي التي تمنع الاتحاد الأوروبي من قبول عضوية تركيا فيه على الرغم من علمانية الدولة التركية وعمالة حكامها للغرب.
والذي يدقق في حقيقة العلاقة بين المسلمين ودول الغرب يجد أن العداء للإسلام متأصل في العقلية السياسية لقادة تلك الدول، بل ويضرب جذوره في أعرافها وتقاليدها السياسية بل والاجتماعية، فكانت العائلة المالكة في بريطانيا تعيب على ديانا عيباً شديداً علاقاتها مع المسلمين ونيتها الزواج من مصري ذي أصول إسلامية، على الرغم من أن ممارسات هؤلاء مسيئة للمسلمين، إلا أن تلك العائلة لا تعيب زواج نبيلات الإنجليز من غير المسلمين. والذي يراقب وسائل الإعلام الغربية يجد فيها الدرجة العالية من المهارة والتفنن في التحريض ضد المسلمين والتحذير من خطرهم والتقليل من شأنهم وتصويرهم بأبشع الصور. والذي يتعمق ويدقق أكثر يجد أن عداء الغرب الكافر المستعمر هو للإسلام أولاً، فهو متيقن بأن الخطر الذي تمثله شعوب المسلمين وأمة الإسلام على حياتهم إنما مصدره الإسلام نفسه، فالعقيدة الإسلامية هي التي ترسم الحد الفاصل بين الإسلام والكفر، والأحكام الشرعية في الإسلام هي التي تحدد طبيعة العلاقة بين المسلمين والكفار، وأشد ما يراه الغرب في خطورة الأحكام الشرعية أحكام الجهاد التي تدفع المؤمنين لتقديم حياتهم وأموالهم رخيصةً في القتال لصد الكفار أو لنشر الإسلام في بلاد الكفر. ويؤمن الكافر المستعمر بأن نفوذه في العالم الإسلامي وسياسته وحروبه للحفاظ على عملائه في كراسي الحكم في البلاد الإسلامية هو الكفيل بدرء الأخطار الإسلامية عن أوروبا وأميركا، فكلما بقيت ساحة الصراع مفتوحة في العالم الإسلامي تأخر فتحها بين المسلمين والكفار على أراضي أوروبا وأميركا. وقد كانت التصريحات الأميركية صريحة في ذلك في حرب العراق عندما علت الأصوات في أميركا للانسحاب من العراق، فذكر القادة الأميركان جميعهم، من الرئيس بوش إلى وزير الدفاع رامسفيلد إلى قائد المنطقة الوسطى جون أبي زيد، بأن هؤلاء المتشددين الإسلاميين سيتبعوننا إلى أميركا إن نحن انسحبنا من العراق، وأنهم إن استتب لهم الحكم في العراق أو غيرها فإنهم سيتمكنون من الحصول على مكان آمن، وسيبنون قوة، وعندها تندلع الحرب العالمية الثالثة.
والذي يراقب تطور العلاقة بين المسلمين ودول الغرب، يجد أن تلك الدول، وبعد نهضتها في أوروبا، كان القضاء على كيان المسلمين أي دولة الخلافة العثمانية يحتل محور سياستها الخارجية، وقد انتهت الدول الأوروبية من هذه المهمة في الحرب العالمية الأولى واحتلت جميع بلاد المسلمين تقريباً. وإدراكاً من هذه الدول أن القوة الأعظم للمسلمين تتمثل في كتاب الله الذي بين أيديهم، والذي يمكنه أن يدفعهم من جديد لبناء كيانهم وقوتهم، فقد أخذت سياسات الاستعمار الغربي تركز على القضاء على الإسلام في نفوس المسلمين، فكان الغزو الثقافي للبلاد الإسلامية لا يقل خطراً عن الغزو العسكري، هذا الغزو الذي يبني صورة رفيعة للمستعمر الأوروبي في أذهان المسلمين، ويفصل المسلم عن تاريخ الإسلام العظيم. فكانت الجمعيات والمدارس الثقافية الغربية تنفث سمومها في عقول المسلمين محاولة نسج عقلية المسلمين على أساس قومي أو وطني بعيداً عن تأثير العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية. وبعد خروج جيوش المستعمر الأوروبي من البلاد الاسلامية، فإن أنظمة الحكم التي خلّفها وكيلةً عنه بواسطة العملاء الذين جعلهم ملوكاً ورؤساء في البلاد الإسلامية، بعد أن جزأها لما يزيد عن خمسين جزءاً، قد أصبحت تقوم بالمهمة الثقافية على أكمل وجه، كما يريده سادتهم المستعمرون، وظلت الهجمة الثقافية تتطور، وواصلت مناهج التعليم التي تتغنى بتاريخ أوروبا مهمتها بإبعاد الأذهان عن حالة العداء للإسلام والمسلمين، مركزة مثلاً في حملات نابليون على عظمة هذا القائد الفرنسي وذكائه، ومخفيةً عن قصد عظمة المسلمين وتاريخهم، فأصبح تاريخ المسلمين هو معارك الفتن والطوائف في البلاد الاسلامية، وأما الخلفاء أصحاب الفتوحات فتم تصويرهم على أنهم عشاق الجواري ولذائذ الحياة، وكان الغرب ولا يزال يريد من وراء ذلك إبعاد المسلمين عن العمل لإعادة الخلافة الإسلامية بصفتها الكيان الشرعي للمسلمين، واستبدالها في أذهانهم بكيانات قزمة من القوميات والوطنيات يسهل دائماً إبقاء السيطرة الاستعمارية عليها.
ومحلياً في العالم الإسلامي، كان الصراع دائماً بين الإسلام الذي تمثله شعوب الأمة الإسلامية والحركات والأحزاب التي تعتبر الدين الإسلامي قضيتها وجوهر وجودها وبين الكفر الذي تمثله الدول الكبرى المستعمرة لبلاد المسلمين، سواء أكان ذلك مباشرة أم عن طريق أنظمة الحكم العميلة التي نصبها الاستعمار في الحكم في كافة بلاد المسلمين بلا استثناء. وكان الاستعمار وحكام العالم الإسلامي، الذين هم جزء منه، يستطيعون إخفاء أطراف الصراع وحقيقة هذا الصراع، فكان المسلمون أحياناً يتعلقون ببعض الحكام أمثال عبد الناصر ظناً منهم أنهم يريدون التحرير، وظل المستعمر ينجح تارةً ويفشل تارةً أخرى في إخفاء حقيقة هذا الصراع حتى وصلت الأمة الإسلامية إلى درجة من الوعي صنعته أحداث كبرى وشلالات غزيرة من دماء المسلمين، وصلت إلى وضع تهدد فيه بقلب الطاولة رأساً على عقب، وبيان ذلك كما يلي:
أمام فشل الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي في التعامل مع قضايا المسلمين مثل تحرير فلسطين من اليهود، وأمام الظلم الشديد الذي تعاني منه الشعوب الإسلامية، وأمام الفقر الذي يضرب القطاعات الأوسع في بلاد المسلمين، وهي بلاد الخيرات العظيمة والتي ليس النفط أولها ولا آخرها… فإن الأمة الإسلامية قد أخذت ترفد التيارات الإسلامية المناهضة للحكم بعناصر القوة من الاحتضان والتأييد والرفد بالأبناء والأموال. والذي يؤكد ذلك نتائج أي انتخابات أخذت تجري في بلاد المسلمين، فإن الأمة قد رأت فيها أفقاً للانقلاب على الحكام وتغيير واقع المسلمين. وعلى الرغم من أن تجارب الانتخابات في البلاد الإسلامية قد منيت جميعها بالفشل، ففشلت الحركات الإسلامية المشاركة والفائزة فيها بأن تحدث أي تغيير ذي معنى، بل إن البرلمانات في البلاد الإسلامية قد شكلت فخاً كبيراً لهذه الحركات التي سقط بعض قادتها في فخاخ المشاريع الاستعمارية، إلا أن الأمة الإسلامية قد دأبت على استغلال أي فرصة للانقلاب على هذه الأنظمة وبشتى الطرق، ونكاد نجزم بأن العلاقة بين الأمة المحكومة من جهة وبين حكامها وأحزابهم الحاكمة من جهة أخرى هي علاقة عداء تام، كلٌ يتربص للآخر لضربه وإنهاكه، وربما طلبات السلطة الفلسطينية غير الخافية على أحد من جيش اليهود لضرب قطاع غزة واحتلاله، وطلب حكومة الصومال من الجيش الأثيوبي باحتلال الصومال، ومطالبة الحكومة المصرية وحرصها على حصار قطاع غزة، ومطالبة برويز مشرف حاكم باكستان من بريطانيا حظر حزب التحرير للخطورة التي يمثلها على نظامه، ناهيك عن طلبات حكومات العالم الاسلامي من جيوش أميركا وأوروبا بضرب الحركات الإسلامية الجهادية، ومساعدة هؤلاء الحكام استخبارياً وعسكرياً في التصدي لدعوة حزب التحرير لإعادة الخلافة الإسلامية كما في مجزرة أنديجان سنة 2005م بمساعدة القوات الروسية.
كل هذه الوقائع والحوادث قد عملت على تأصيل العداء بين الحكام في بلاد المسلمين وبين شعوبهم، لا سيما وأن الأمة قد رأت بما لا يدع مجالاً للشك بأن هؤلاء الحكام إنما هم نواطير للكافر المستعمر في بلاد المسلمين، فلا تفهم الأمة غير ذلك، وهي ترى الجيش السوري مشلولاً عن القيام بأي عمل ضد (إسرائيل) على الرغم من الاستفزازات (الإسرائيلية) المستمرة والتي بلغت مداها بقصف شمال سوريا وقصف مواقع قرب دمشق، وهي تسمع وسائل إعلام النظام تردد بأن سوريا سترد في الزمان والمكان المناسبين، لكن هذا النظام قد انبرى وبسرعة شديدة لضرب المسلمين السوريين في مجازر حماة وتدمر بكل ما أوتي من قوة. وترى الأمة الإسلامية في باكستان سكوت الحاكم الناطور مشرف عن مجازر الهنود ضد المسلمين في كشمير ومجازر أميركا والناتو في أفغانستان، وهو يشغّل تسعين ألفاً من جنوده ويورطهم في قتل المسلمين الباكستانيين في منطقة وزيرستان حسب الأوامر المباشرة من واشنطن.
رأت دول الكفر وعلى رأسها أميركا تعاظم الحركات الإسلامية فزاد خوفها على أنظمة الحكم التي نصبتها، ورأت أن تدخلها المباشر بجيوشها أصبح لازماً وإلا انهارت تلك الأنظمة وعادت دولة الإسلام دولةً عظمى، وفي هذا الجانب فإن قائد الجيوش الأميركية الغازية للعراق مايرز قد قال: كنا ونحن نحضر لغزو العراق نرى بأن الشرق الأوسط على وشك الانفجار الكبير، فقررنا أن الجيش الأميركي لا بد أن يكون موجوداً في المنطقة للدفاع عن المصالح الأميركية فيه، وتوقع مايرز أن يكون الشرق الأوسط خارجاً عن اي سيطرة غربية حتى بوجود الجيش الأميركي بحلول سنة 2020م. وكان التغيير الكبير الحاصل في العالم الإسلامي تحت مجهر الأميركيين والأوروبيين يراقبونه منذ عقود، فرأوا أن الأمة الإسلامية تقوم بمحاولات جادة لبناء نهضتها على أساس الإسلام، وقد انبهر الكفار وهم يراقبون جرأة المقاومة العراقية ضد الغزو الأميركي والغربي، فكانت المقاومة العراقية مؤشراً شديد الخطورة للغرب على درجة الحرارة المرتفعة والغليان الذي يجتاح الأمة الإسلامية ضد الكفار المستعمرين. فالذي انهار أمام الغزو الأميركي للعراق هو نظام حزب البعث وليس نظام حكم إسلامي، إلا أن المقاومة في العراق كانت إسلامية بزخم كبير، بل إن حزب البعث كان غائباً فعلياً عن أعمال المقاومة وتلاشى من العراق وكأنه لم يكن، واستنتاجاً للحالة العراقية فقد أخذت أميركا والغرب تستعد لحرب كبيرة ضد الإسلام والمسلمين في العالم الإسلامي، إذ كانت المقاومة العراقية مؤشراً بالغ الخطورة على درجة الهزال التي وصلت إليها أنظمة الحكم في العالم الإسلامي ومعها الأحزاب التي تسمى أحزاباً حاكمة، فالقوة الوحيدة التي ترفدهم هي قوة أسيادهم في الغرب.
والآن، وبعد أن بلغ الصراع مداه بين الأمة الإسلامية من جهة وبين حكامها العملاء ودول الاستعمار الكبرى من جهة أخرى، فإن حقائق بالغة الأهمية قد صارت ترسم معالم جديدة لهذا الصراع، فعلى مستوى الأمة الإسلامية، عاد الصراع وتأصل بشكل مباشر بين الكفر والإيمان وبين المسلمين بصفتهم أصحاب رسالة السماء وبين الكفار المستعمرين، وفشلت كافة السياسات الأميركية والأوروبية التي أعلنتها دول الكفر هذه لكسب عقول المسلمين وقلوبهم، والمجازر التي قامت بها أميركا ودول الناتو وقتلت خلالها ما يزيد عن مليون مسلم في العراق في الثلاث سنوات الأولى للاحتلال، وعشرات الآلاف في أفغانستان لم تبق مبرراً لأي مسلم للقبول بالوضع الراهن، والوقوف عن مناصرة العاملين للتغيير ولطرد الاستعمار وجيوشه ونفوذه من بلاد المسلمين.
ومع فشل تجارب المشاركة لبعض الحركات الإسلامية في الحكم قفزت الأمة الإسلامية قفزة كبيرة لمناصرة التغيير الشامل، ولم تعد تقبل ولا تؤمن برفع الإسلام شعاراً للحل دون أن ترى أثراً فعلياً لذلك في حياتها، وأصبحت الأمة بمجموعها تستهجن وتستغرب من بعض من يرفع شعارات إسلامية أن ينادي بالحوار مع الغرب وطائراته تقتل المدنيين والمجاهدين صباح مساء في فلسطين وأفغانستان والعراق وغيرها، ولا تفهم الأمة أبداً معنى ما يسميه الغرب الاعتدال الإسلامي والذي سقطت فيه حركات إسلامية في العمالة المباشرة للغرب، فالحزب الإسلامي في العراق أصبح بما يمثله من اعتدال جزءاً من النظام الذي بنته أميركا هناك، وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والذي يسميه الغرب حزباً إسلامياً معتدلاً يدافع عن العلمانية الكمالية دفاعاً كبيراً ويعتقل العاملين للإسلام ويزجهم في السجون، والبيانوني يصرح من لندن بأن جماعته إذا وصلت للحكم في سوريا فإنها لا تمانع في السلام مع (إسرائيل) إذا كان ذلك لمصلحة الفلسطينيين. وتهزأ الأمة الإسلامية وهي تسمع دعوات الحوار المخلصة مع الفاتيكان الذي يكيل الاستفزاز تلو الاستفزاز لشخص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل إن الأمة تستغرب حرص هؤلاء على إرضاء الغرب بإظهار الاعتدال واللين غير آبهين بمرضاة الله أو غضبه عليهم، وكأنهم قد سقطوا في فخ المستعمر كما سقط الحكام، لا سيما وأن المستعمر الأوروبي والأميركي يود لو استبدل الحكام العملاء في العالم الإسلامي بحكام عملاء آخرين يظهرون الوجه الإسلامي، لكي يبقى الاستعمار على حاله ويزيد في عمره.
نعم، مع كل هذه الحقائق، فإن العمل الذي يمكن للأمة أن ترضى به هو تغيير إسلامي شامل وحقيقي يقلب حياة المسلمين ويحرر بلادهم المحتلة ويجعلهم أمة مرهوبة الجانب، وليس مجرد رفع لافتات وشعارات لا أثر لها في واقع حياة الناس. بل إن الأمة الإسلامية قد صارت ترى بأن شعار وفكرة التدرج في تطبيق أحكام الإسلام، وبغض النظر عن عدم شرعيته، صارت ترى في رفع هذا الشعار وسيلةً محترفةً للتنصل من تطبيق الإسلام تحت ذرائع التدرج؛ وعليه أدركت الأمة أن هذا الشعار قد أصبح حجةً من أجل مسايرة الحكام، ومن أجل عدم تطبيق الشريعة، وبهذا فإن صورة العاملين اسماً للإسلام قد أخذت هي الأخرى تتضح، فعندما تصل هذه الحركات إلى الحكم أو إلى جزء منه فإن الأمة لا ترى من الإسلام فيها إلا قول “بسم الله الرحمن الرحيم” عند كل لقاء تلفزيوني، وبعد ذلك فإن الأمة لا تفرق بين هذه الحركات والأحزاب العلمانية في طرح المسائل السياسة وتناول حلولها. وفي الكثير من مناطق العالم الإسلامي فإن الأمة الإسلامية قد قفزت خطوات في فهم الإسلام تاركةً تلك الحركات والشخصيات خلفها تترحم على موت بابا الفاتيكان، وتشارك الغرب الكافر الماكر دعوته لما يسمى الحوار والتسامح والاعتدال.
ويعتبر الصراع الإسلامي ضد الكفر الآن في آخر خنادقه في العالم الإسلامي إن شاء الله، فالأنظمة الحاكمة يزداد ضعفها ولا سند لها من أمتها، والأمة الاسلامية يزداد فهمها للإسلام من نبعه الصافي القرآن والسنة، ويزداد توقها للعمل كما يريد الله تعالى دونما أي اعتبار لما يطلقه الغرب من مفاهيم الاعتدال والتشدد والأصولية والمرونة التي يريد أن يلزمنا بمضامينها دونما اعتبار لأحكام الله. وأمام قوة الإسلام القادمة والتي يتحدث عنها الأعداء في الغرب بشكل مستمر تحت عناوين الخطر الأيديولوجي الإسلامي أو الإسلام السياسي أو الجهاد، فإن مما هو جدير بالتنبه إليه، أن بعض الأمور تتجهز من تلقاء نفسها نحو عودة الإسلام بقوة، ولا أدل على ذلك من بروز فكرة أن دولة الخلافة الإسلامية قادمة. وهذا البروز يتزامن مع المعضلات الكبرى التي أخذت تضرب مجتمعات الرأسمالية، فناهيك عن الخواء الروحي والحاجة الملموسة للدين لدى الغربيين والتي تظهر في تزايد التوجه نحو الإسلام، إلا أن عوامل كبرى قد أخذت تضرب العلاقة بين الشعوب الرأسمالية وحكامها.
وما نلاحظه الآن من نكسات الرأسمالية مثل أزمة الرهن العقاري في أميركا التي ضربت أسواق العقارات، وشركات الربا في أميركا وباقي دول الرأسمالية، وأزمة المضاربات النفطية التي رفعت أسعار النفط قفزات كبيرة أثرت في حياة الناس قاطبةً، وأزمات أسعار الغذاء التي رفعتها المضاربات الرأسمالية، وتحويل الغذاء إلى وقود خاصةً في أميركا، وتهاوي سعر الدولار الناتج عن المغامرات العسكرية الأميركية، ورداءة أداء الاقتصاد الأميركي، وتلاعب الحكومة الأميركية بأسعار الربا في بنوكها، وما أدى إليه من تضخم وإفقار لم يقتصر على الولايات المتحدة لوحدها وإنما دفعت العديد من الشعوب الرأسمالية ثمنه ناهيك عن شعوب العالم المتخلف. يضاف إلى ذلك أيضاً التسارع المخيف في تجميع ثروات الشعوب الرأسمالية وتكديسها وحصرها في أيدي حفنة من كبار الرأسماليين بعد سياسات العولمة وما يرافقها من إفقار لتلك الشعوب.
كل ذلك يجعل الأزمة في الرأسمالية أزمةً ترتد على إيمان شعوبها بهذا النظام الذي ورّث البشرية الحروب والدماء والفقر، ليكون بذلك عاملاً مساعداً في القضاء على الرأسمالية عندما تظهر قوة الإسلام في دولة الخلافة الإسلامية، والتي ستبرز الدين الذي أراده الله للناس كافة بديلاً عن تلك الرأسمالية العفنة، وتأخذ في حشد طاقات المسلمين الفكرية والإعلامية والسياسية والعسكرية لإبراز الإسلام دولياً كبديل للرأسمالية. ولنشر هدى الله بين شعوب الأرض بديلاً عن الاستعمار، ولنشر الأمن عبر العالم بديلاً عن الخوف السائد الآن، وللحفاظ على الأرواح البريئة التي أمر الله أن تعصم بديلاً عن الحروب الرأسمالية، ولرفع القيم الرفيعة التي أرادها الله لعباده من العفة وإغاثة الملهوف بين شعوب الأرض بديلاً عن الإيدز الذي ورّثته الرأسمالية، وبديلاً عن استعباد الفقراء عبر العالم واستغلال عرقهم لضخ المزيد من أموالهم وثروات بلادهم في جيوب الرأسماليين الأميركان والأوروبيين والروس.
إن غداً لناظره قريب، وسيرى العالم، إن شاء الله، أن الإسلام الذي تبشر به دولة الخلافة الإسلامية نور ورحمة لكافة أمم الأرض، عندها تعيد الأمة الإسلامية نفسها وغيرها من الأمم إلى الطريق الصحيح، والذي ستغيب عنه مفاهيم الاستعمار والاستغلال ومص دماء الشعوب؛ فتحيا الأمم حياتها وقد زال عنها ظل التعسف الرأسمالي، وبرز نور الله لها من جديد، مع أمةٍ هي الأمة الإسلامية التي تأخذ بيد الجميع من جديد لسعادة الدنيا والآخرة.
2008-08-27