دعاة مهديون
2008/08/27م
المقالات
1,909 زيارة
دعاة مهديون
عبد القادر الحجازي – بلاد الحرمين
إن الإيمان الحقيقي يورث صاحبه هماً يقض مضجعه، فيحمله على المجاهدة للوصول إلى نصرة الحق الذي يؤمن به. الإيمان الحقيقي هو الذي يدفعك لأن تجتهد لتعلم ثم تجتهد لتعمل بما تعلم.
وإن من عجائب قصص المؤمنين الذين أبو أن يقفوا أمام مصائب أمتهم مكبلين بجهلهم أومقيدين بخوفهم، فرفضوا حياة القعود والتمني واليأس, قصة أحد أبناء هذه الأمة الولود, مؤمن من رواندا.
شاب في مقتبل العشرينات من العمر يشاهد آلام المسلمين وهوانهم على الناس, يألم, يتدبر, ينظر حوله فلا يرى إلا دنيا مؤثرة وهوى متبعاً ووهناً يُقعد الكثير من أبناء جيله فيحرم الأمة من خيرهم ونفعهم.
فكر هذا الشاب وتدبر, دعا الله وأكثر، ثم جلس يتصور: كيف تراها يجب أن تكون الخطوات الأولى في طريق الدعوة اللازمة لاستنهاض الأمة وحملها على نصرة دين الله؟ وبعد التدبر والتفكر خرج بخطوط عريضة آمن أنها يجب أن تكون حجر الزاوية في أي دعوة لإعزاز دين الله، ومن هذه الخطوط:
– لا بد من العمل الجماعي عن طريق ثلة من المؤمنين يتفقهون في الدين ثم ينذرون قومهم لعلهم يحذرون.
– هدف الدعوة يجب أن يكون عالمياً جذرياً ومؤثراً وليس محلياً ترقيعياً.
– العلم والحكم الشرعي هو الذي يجب أن يكون المحرك للعمل وليس التأثر بالواقع.
حتى هنا لم يكن هذا الشاب يعرف شيئاً عن أية جماعة أو حزب إسلامي وإنما يدفعه شغفه للدعوة إلى الله (إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) [يونس 9] قرأ عن الخلافة الراشدة واطلع على بعض أحكامها وأهمية إيجادها وقدرتها العجيبة على حل جميع المشكلات وإعزاز دين الله, آمن بأهمية العمل لإقامتها، وأخذ حينها يسأل ويفتش عن الحركات الإسلامية على مختلف توجهاتها وأهدافها، حتى وقع على موسوعة تعرِّف بالجماعات الإسلامية وتذكر شيئاً عن أهم أهدافها وأفكارها, وقد لاح له بأن معظم من اطلع عليهم من الحركات كان طرحهم إقليمياً مناطقياً فلم يشفَ حر صدره ولم يقتنع، فبقي يقرأ ويطلع إلى أن وصل إلى جماعة لم يسمع عنها من قبل، ولكن هدفها وأفكارها قد كانت ملء سمعه وبصره، جماعة لا ترفع الخلافة شعاراً وإنما منهاج حياة ومشروع نهوض، وضعته نصب عينيها وقامت بالدعوة له والتضحية في سبيله أكثر من نصف قرن من الزمن، حتى اقترن اسمه بها فصار إذا ذكرت ذكر وإذا ذكر ذكرت, تابع البحث ولكن هذه المرة عن إخوان له يعملون مع هذه الجماعة, قام بالاتصال بكل من يعرف من أصحابه داخل رواندا وخارجها، وقد اتصل بإخوة له في بريطانيا يسألهم, هل تعرفون أحداً من شباب حزب التحرير؟؟
هنا تبدأ معونة الله لعبده الذي يريد التقرب إليه, فيدله أخ له في بريطانيا على أحد شباب حزب التحرير في كينيا التي تبعد عنه أكثر من 2300 كلم تقريباً, لم يألُ جهداً, مباشرة اتصل به وركب إليه, سأله عن كيفية اللحاق بالركب من إخوانه، فزوده الشاب بما كان عنده من إصدارات، ولكنها باللغة الانكليزية التي لا يحسنها، فهو يعمل أستاذاً للغة العربية، ولكن الذي يريد السير في طريق الله لا يعرف المستحيل ولا تقعده العقبات, أخذ الكتب وعاد إلى بلده، وفور عودته قام بالالتحاق بدورة لتعلم الإنكليزية فأتقنها في بضعة أشهر، ثم انكب على الثقافة يعبها عباً، وكلما ازداد قراءةً ازداد شغفاً وهمةً للعمل مع إخوانه, ثم لم يكتف بقراءة الكتب بل علم أن هذا الدين ليس ديناً كهنوتياً، وإنما دين حركي عملي؛ لذلك أخذ يدعو إخوانه من حوله ويكتلهم في حلقات يدرسهم العلم ويحثهم على العمل ويتابعهم, كل هذا يقوم به من دون أي مرشد أو معلم، بل ترشده معونة الله التي وعدها كل قاصد وجهه الكريم, وراح يتابع البحث وإعمال الفكر لابتكار الأساليب اللازمة للدعوة، فبدا له أنه لابد من تطوير العمل لينتظم مع باقي جسمه، ولكن كيف ذلك ولا يوجد في رواندا سواه؟! فخطرت له فكرة: بما أن موسم الحج يجمع المسلمين من كل الأقطار، فلابد إذاً من أداء الفريضة هذا العام عله يجد هناك من يأخذ بيده. أخذ يتصل بإخوانه من جديد، يسألهم عمن يعرفون من الشباب قادماً للحج ليعرفوه به, وهكذا كان، فقد دلوه على أحدهم وأعطوه عنوانه، فأخذ ينسق معه تفاصيل الدعوة، لقد لفتت همة هذا الشاب الرواندي نظر أخيه الذي التقاه في الحج، فقال له بعد أن فرغ من التنسيق معه: أخي، لقد ذكرتني رحلتك في البحث عن الخير بقصة سيدنا سلمان الفارسي, ضحك الشاب وأطرق رأسه خجلاً، فقد فاجأ الأخ بأن اسمه حقيقة هو سلمان، فيا لتقدير الله.
ويعود سلمان إلى رواندا بغير الهمة التي كان عليها بل بأضعافها، كيف لا والآن يقف معه جميع إخوانه ويمدونه بالمعونة والمشورة والعلم والتوجيه، فأخذ يقود دعوة الخلافة وينشر مفاهيمها وأهمية العمل لها بين المئات من بني قومه، ثم يمد الحزب بعناوين شبابه الذين يذهبون إلى بعض الدول العربية للدراسة والعمل، وكلما اتصل الشباب بأحدهم وجدوه يماثل أستاذه همة وتفانياً, وتنتشر الدعوة في رواندا وضواحيها حتى تتصل بكينيا وتنـزانيا وأوغندا وموروشيوس وغيرها، كما ينتشر شبابه في كثير من المناطق يدعون لتحكيم شرع الله ورفع لوائه في الأرض، فلله درك يا سلمان، لله درك من حامل دعوة لم تقعدك عقبات الدنيا ولم تثنك المخاطر والصعاب عن حمل رسالة الأنبياء والرسل, لمثل هذا فليعمل شباب الحق، ولتكن التضحيات بقدر الهدف، ولتكن المشقة بقدر الغنيمة.
2008-08-27