اتفاقية تقاسم السلطة في كينيا نتيجة للانتخابات العامة
2008/05/27م
المقالات
2,084 زيارة
اتفاقية تقاسم السلطة في كينيا نتيجة للانتخابات العامة
قامت إذاعة إسلامية في مومباسا تسمى (Radio Salaam) ببث برنامج إذاعي في 10/3/2008م على مدى ساعتين تناول موضوعه مشاكل كينيا بعد الانتخابات. وقد كان للأخ عبد الله أبو أحمد من حزب التحرير – كينيا مشاركته الفعالة في البرنامج. ونظراً لأهمية ما ذكره في هذا البرنامج الإذاعي فإننا ننشره راجين الإفادة للمسلمين والثواب من الله سبحانه وتعالى:
في يوم الخميس تاريخ 28/2/2008م وقع الرئيس كباكي في نيروبي اتفاقية تقاسم السلطة التي تمت بينه وبين رائلا أودينغا، رئيس حزب حركة الديمقراطية البرتقالية المعارضة (ODM)، أمام كوفي أنان القائم بالوساطة للجنة الاتحاد الأفريقي المنتخبة للوساطة، بالتعاون مع المنظمات العالمية، وبحضور الرئيس جكايا ككوتي من تنـزانيا, وهو أيضاً رئيس الرئاسة المتناوبة للاتحاد الأفريقي. عقب توقيع وثيقة الاتفاقية، توالت رسائل التهنئة والتأييد من المنظمات العالمية التي تمثلها الأحزاب التي أظهرت رغبتها الشديدة في حل المشكلة السياسية في كينيا, وكيف مورست الضغوط من أجل الوصول إلى الحل السياسي. ومن الذين هنؤوا: وزيرة الخارجية للولايات المتحدة كونداليزا رايس، ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون, والاتحاد الأوروبي, والاتحاد الأفريقي، وجمعية شرق أفريفيا (EAC)، ومنظمة (IGAD) وغيرها. إن اتفاقية تقاسم السلطة كانت وراءها الدولتان المؤثرتان في سياسة كينيا وهما: الولايات المتحدة وبريطانيا, اللتان فرضتا هذا الحل على الحكومة الكينية, وذلك للمحافظة على مصالحهم الحيوية.
شهدت كينيا الجهود المتزايدة للوصول إلى السلطة قبل وأثناء الانتخابات العامة التي تم انعقادها بتاريخ 27/12/2007م. فالشخصيات البارزة في السياسة لعبت دورها البارز في استخدام الكلمات العنيفة ضد منافسيهم، وإنشاء ائتلافات قبلية في محاولة الحصول على السلطة. تاريخياً, إن الشخصيات البارزة في سياسة كينيا لهم اتصالات قوية مع الحكومة البريطانية، السلطة المستعمرة التي استمرت في التحكم بسياسة كينيا من أجل كسب ولاء السياسيين البارزين، كوسيلة للاستيلاء على كينيا. الشخصيات البارزة في سياسة كينيا في الآونة الأخيرة الذين استغلّوا الروابط القبلية هم ثلاث:
الرئيس السابق موي من قبيلة كلنجين الذي بقي في السلطة لمدة 24 سنة.
ثم الرئيس الحالي مواي كباكي من قبيلة كِكويو (أكبر قبيلة في كينيا) الذي ورث السلطة من موي.
وابن أول نائب لرئيس كينيا رائلا أودنغا، من قبيلة لوؤو (القبيلة الثانية في كينيا من حيث الكثرة). وفي انتخابات سنة 2007م وقف موي جنباً إلى جنب مع كباكي لمحاولة الحصول على السلطة تحت مظلة حزب الاتحاد الوطني (PNU) الائتلاف الذي يشمل أحزاباً أغلبها جديدة (ما عدا حزب كانو (KANU) المؤسس من قبل الحكومة البريطانية) والتي بنيت على أسس قبلية للحصول على الأصوات من المناطق المختلفة.
ورائلا أودنغا السياسي المعارض البارز, في المقابل أسس حزباً موحداً في حركة الديمقراطية البرتقالية (ODM) ووضع رؤساء القبائل في رئاسة الحزب تحت قيادته، كائتلاف أحزاب القبائل. كلا الطرفين استغل الروابط القبلية الموجودة حتى الآن في أذهان كثير من الكينيين، إلا جانب المسلمين, طلباً للأصوات. ولما حان وقت الانتخابات كان حزب (PNU) نخبة من الكِكويين الذين أحاطوا بكباكي مع نفر قليل ممن ليسوا بككويو مثل موي الذي كان في مدار السياسات البريطانية منذ أيام ما قبل الاستقلال المزعوم في كينيا. وكوّن (ODM) ائتلافاً من القبائل الكبيرة, و على وجه التخصيص قبيلة (لوؤو), ولويا, وكلنجين وقبائل أخرى صغيرة اتحدت معهم لغرض الإطاحة بقبيلة ككويو من السلطة. كل من (PNU) و(ODM) أنفقت مبالغ هائلة للبحث عن الأصوات، وصوّر كلٌ منهما منافسه كأنه مرتزق خطير, وكلٌ منهما ادعى بأنه يملك أغلبية الأصوات وأنه سيفوز في الانتخابات، إلا إذا حدث هناك تزوير، فبذلك بدأ كل حزب يعدّ أتباعه للكفاح إذا لم يعلن هو الفائز. إضافة إلى ذلك بعض الشخصيات البارزة في السياسة من كلا الطرفين كان لهم علاقة بالميليشيات القبلية المكونة من الشباب المصابين بالفقر, حيث دُرِّبوا لمقاتلة القبائل الأخرى من أجل الحفاظ على مصالح السياسيين. إلى جانب ذلك فإن كثيراً من السياسيين الكينيين أظهروا أنهم مستعدون للانضمام إلى الائتلاف ثم فك الائتلافات. وأنهم مستعدون كذلك لتقوية أو تضعيف الرابط الذي كان بينهم وبين الغرب المستعمر – الولايات المتحدة وبريطانيا- من أجل الحصول على السلطة. كل هؤلاء أظهروا أنهم سياسيون علمانيون حقاً تخرجوا من مدرسة Machiavelli الفلسفية والتي تؤمن بقاعدة “القوة هي الحق” و”الغاية تبرر الوسيلة”, بسبب طموحاتهم البالغة للسلطة.
ولما أعلنت لجنة الانتخابات لكينيا (ECK) النتيجة الأخيرة بتاريخ 30/12/20007م التي أظهرت أن حزب (ODM) فاز بعدد من المقاعد في المجلس التشريعي (104 من 210), ثم أعلن كباكي بأنه فاز بالرئاسة (مع أنه بفارق ضئيل) ضد منافسه رائلا أودنغا، عندها تحول المسرح إلى صراع قبلي, ورفض (ODM) قبول هذه النتيجة. ثم استطاع حزب (ODM) تحريك شعور الشعب بأنَّ رائلا هو الذي فاز بالرئاسة، ولكن لجنة الانتخابات المكونة من 21 عضواً، وكلهم مرشحون من قبل كباكي أُجبرت على إعلان كباكي، فائزاً في انتخابات الرئاسة عن طريق الغش، بعد ذلك دعا رائلا إلى مظاهرات عامة احتجاجاً على النتيجة وليُحدث “ثورة برتقالية” “Orange Revolution” للحصول على السلطة ضد النظام المعادي، كالحادثة المشابهة التي حصلت في جورجيا وأوكرانيا. استغل رائلا العاطفة التي كان قد غرسها في قلوب الناس في أثناء حملة الانتخابات ضد قبيلة كِكويو، والغضب الذي كان قد انتشر في الناس بسبب الفساد والفقر. فانفجرت في كينيا أعمال الفوضى والنهب, وحروب قبلية، وانتشار العنف. وكل هذه كانت مؤشرات حقيقية على أن كينيا قد تتحول إلى حرب أهلية مبنية على أسس قبلية مثل ما حدث في روندا وبروندي؛ ولهذا قررت المنظمة العالمية والولايات المتحدة وبريطانية على وجه التخصيص التحرك السريع لحل هذه المشكلة قبل هلاك مصالحهم. ومما يلفت النظر أن ترى الجالية المسلمة كانت آمنة، ذلك لأنها لم تشترك في الفوضى الوحشية المبنية على القتل والأسس القبلية.
كما قلنا فإن الساسة البارزين في كينيا كلهم نشئوا تنشئة سياسية إنجليزية, إلا أن أودنغا بسبب طموحه للسلطة آثر الميل إلى أميركا لتعينه على الوصول إلى السلطة في كينيا, فشجعته أميركا على محاكاة الثورات (البرتقالية) في جورجيا وأوكرانيا, غير أن نفوذ القبائل القوي في كينيا، ودخول القبائل في الصراع جعل أميركا وبريطانيا, وهما الدولتان المؤثرتان في النـزاع , أن تصل إلى حل وسط يقضي بتقاسم السلطة خشية تحول الصراع إلى حرب أهلية، وعندها تتعرض مصالح الدولتين للخطر.
ومن المعلوم أن الصراع بين (ODM) و(PNU) هو نتيجة للكفاح الأميركي للاستيلاء على كينيا منذ أن تَبنت أميركا دعوة الديمقراطية التعددية في العالم الثالث في أوائل سنة 1990م, كوسيلة للإطاحة بدكتاتورية الحزب الواحد الذي سلمته بريطانيا السلطة وبقي موالياً لها طيلة حكم -الرئيس السابق موي- وخلفه -كيباكي-, وكان غرض أميركا من الديموقراطية التعددية في كينيا كسب ولاء عملاء لها بحجة المعارضة لعلها تتمكن من الهيمنة على كينيا. ولكن دخول القبائل على خط الصراع وخشية امتداد الحرب الأهلية, كل ذلك أوجد قناعة عند أميركا وبريطانيا بصعوبة الفوز بكامل السلطة في كينيا على الأقل في الوقت الحالي, فاتفقت الدولتان على تقاسم السلطة حفاظاً على مصالحهما الحيوية, حيث إن كينيا تعتبر أهم دولة استراتيجية في شرق أفريقيا وأفريقيا الوسطى التي تكمن المصالح الحيوية فيها, ومنها:
1- مصالح جيو استراتيجية: تقع كينيا في موقع جغرافي في أدنى الخليج العربي، وفي نهاية البحر الأحمر ويحيطها المحيط الهندي، وأضف إلى ذلك كونها مدخلاً لكثير من الدول التي ليست لها موانئ مثل أوغندا، ورواندا، وبوروندي، وجمهورية كونغو الديمقراطية، وعليه فالاستيلاء على كينيا يحقق الاستيلاء على الممرات البحرية الحيوية، في شرق أفريقيا مع أفريقيا الوسطى.
2- مصالح سياسية : كانت نيروبي منذ القدم مقراً مهماً للنفوذ الغربي في أفريقيا، فيوجد فيها المقر الرسمي لـ (United Nation Environment Programme) (UNEP) و(United Ntions Human Settlements Programme) (UNHSP) ومكاتب أخرى للأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه فهناك مؤسسات عالمية تسعى لتحقيق مصالح غربية لها مكاتب محلية في كينيا مثل (International Monetary Fund) (IMF) والبنك الدولي وغيرهما. لذا كانت العاصمة نيروبي مركزاً مهماً لكثير من الحملات والمؤامرات العالمية. أضف إلى ذلك أن العاصمة نيروبي قد استخدمت كمركز لتعزيز المتمردين في الدول المجاورة، وفي فرض القرارات التي تخدم المصالح الغربية, كما عقدت فيها مفاوضات السلام لكل من السودان والصومال. إضافة إلى أن كينيا بالذات دولة بارزة في أوساط كثير من الدول الأفريقية مثل الاتحاد الأفريقي (AU) وجمعية شرق أفريقيا (EAC) و(IGAD) وغيرها، وهذا يعني أن كثيراً من المخططات المهمة الأميركية والبريطانية تنفذ عبر الحكومة الكينية.
3- مصالح اقتصادية: إن لكينيا أكبر اقتصاد وهو الأكثر تطوراً في منطقة شرق أفريقيا، رغم كونها سوقاً للإنتاجات الغربية وليست دولة صناعية بذاتها، وميناء ممباسا هو نقطة الدخول لكثير من مستوردات الدول المجاور ة التي ليست لها موانئ. تقريباً جميع الشركات ذات الأرباح الهائلة تملكها بريطانيا وغيرها من الدول الغربية, مثل شركة الجوالة، ونظام البنوك، والزراعة، وإنتاج الإسمنت، وغيرها.
4- مصالح عسكرية: تعد كينيا معسكراً لتدريب القوات البريطانية, وفي عام 2007م استطاعت بريطانيا في عهد كيباكي تجديد المعاهدة التي كانت بينها وبين كينيا، أما الولايات المتحدة فلها معاهدة مع كينيا تسمح لها باستخدام كينيا كقاعدة لنشر قواتها السريعة عند الضرورة, وهذه القاعدة قد استخدمت في الغزو على الصومال عام 2007م. فأميركا على وجه التخصيص مازالت تحاول الحصول على النفوذ في المنطقة عن طريق تدريب قوات كينيا, أضف إلى ذلك أن الكلية العسكرية في نيروبي التي تجاور المقر الرسمي للجيش البريطاني في كينيا، هي تحت الإشراف المباشر من قبل الولايات المتحدة لتدريب قوات من كينيا وغيرها من الدول المجاورة, لحماية المصالح الأميركية بالنيابة, وأيضاً لتمكين الولايات المتحدة من اختراق الضباط البارزين في شرق ووسط أفريقيا.
5- مصالح استخباراتية: تعتبر نيروبي المركز الأساسي للمخابرات الأميركية منها CIA وFBI وغيرها، وخاصة بعد انفجار 1998 في السفارة الأميركية الموجودة في نيروبي والتي تعدّ أكبر سفارة أميركية في أفريقيا الصحراوية. نتيجة للتعاون القريب فقد استخدمت الولايات المتحدة سلطات كينيا لدعم حربها المسمى “الحرب على الإرهاب” ضد المسلمين. وكذلك هناك مراكز مخابراتية لبريطانيا, ولدول أخرى مثل (إسرائيل)…
6- مصالح أيديولوجية: استخدمت بريطانيا كينيا كنموذج للأرباح من السوق الرأسمالي الحر لتتبعها الدول الأفريقية الأخرى, وكذلك أميركا منذ أن استثمرت الجهود الكبيرة في أوائل سنة 1990م حول الديمقراطية التعددية مع سياسة السوق الحر لإيجاد الشركات متعددة الجنسيات. كينيا كانت أول دولة في أفريقيا الصحراوية التي أجرت انتخابات التعددية, حتى وإن كانت شكلية في 1992م، وانتخابات 2007م كانت هي الرابعة في جو التعددية المزعومة, ولكن نتائجها أوجدت صراعاً دموياً ما أثبت زيف الادعاء بأن الديموقراطية التعددية الرأسمالية تستطيع حل مشاكل الفساد والفقر في البلاد.
بعد إعلان نتائج الانتخابات, ثارت أعمال الشغب التي كادت أن تؤدي إلى حرب أهلية واسعة الانتشار, وأصبحت تهدد مصالح الغرب الحيوية كما قلنا , ما دفع بريطانيا وأميركا إلى الضغط على رجالهم الذين لهم دور أساسي في كينيا وهم كباكي و أودنغا ليقبلوا اتفاقية تقاسم السلطة. ومن ثم رأينا الجهود المتكررة من كل من بريطانيا وأميركا في كينيا لعقد لقاءات شخصية مع كل من كباكي و أودنغا والضغط عليهما لتقاسم السلطة. وأسرعت بريطانيا في إرسال رجالها في أفريقيا للتوسط في النـزاع، كرئيس سيراليون السابق أحمد تيجان كباح, الذي كان رئيساً لـCOMMONWEALTH OBSERVER GROUP وفي 1/1/2008م صدر البيان الرسمي من وزيري الخارجية الأميركية والبريطانية يدعو كلاً من كباكي وأودنغا للبحث عن الحل الوسط للوصول إلى الاستقرار السياسي من (أجل الحفاظ على الديمقراطية). وأرسلت أميركا رئيس الاتحاد الأفريقي، الرئيس جون كفور من غانا لمحاولة التوسط لكنه لم ينجح، وبعد ذلك أرسلت أميركا مسؤولة الشؤون الأفريقية جيداي فريزا إلى نيروبي حيث عقدت لقاءات متكررة مع كباكي و أودنغا، كما أرسلت بريطانيا نائب وزير خارجيتها والمسؤول عن الشؤون الأفريقية, لورد ملوخ براون, إلى نيروبي ليلتقي مع كباكي و أودنغا. وفي الوقت نفسه أوجدت أميركا وبريطانيا ضغطاً دولياً عبر مجلس الأمن للأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي وغيرها للبحث عن إصلاح ذات البين تحت مظلة لجنة الشخصيات الرفيعة الأفريقية (Eminent African Persons) برئاسة الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان، بالتعاون مع رئيس تنـزانيا السابق، بنيمين مكابا، وزوجة الرئيس السابق لجنوب أفريقيا غراسا مشيل.
بدأت جهود التوسط في نهاية كانون الثاني ـ يناير 2008م, ووعد كوفي أنان بتحقيق الحل السياسي خلال شهر واحد؛ لأنه كان على علم بأنه مدعوم من الدولتين المهمتين صاحبتي العلاقة (أميركا وبريطانيا)، وأنهما أكدتا له بأنه لا يفشل في مهمته. ولترى أهمية الأمر فإن الرئيس الأميركي ألقى تصريحات علانية متكررة يدعو فيها كباكي وأودنغا إلى الحل السياسي لمشاكل كينيا. و ألقيت تصريحات مشابهة في هذا الصدد من قبل رئيس الوزراء البريطاني جورج براون. ولهذا كان واضحاً أن الدولتين سوف تفرضان قراراً يصون مصالحهم الاستراتيجية في كينيا. حتى إنهما لوحا بعرض القضية على المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في روما لمحاكمة مرتكبي الجرائم الحربية؛ وذلك لدفع الأطراف إلى قبول فكرة تقاسم السلطة. ولولا خشية أميركا وبريطانيا من حرب أهلية قبلية تؤثر على مصالحهما الحيوية لما اكترثتا لوقف الحرب, بل لاستمرتا في ترك الصراع يتفاعل إلى منتهاه مهما كان عدد القتلى!..
وفي نهاية الأمر, ورغم العقبات التي وضعها المتشددون من كلا الطرفين (PNU) و(ODM) والحروب الصغيرة التي حصلت, فقد استطاعت لجنة كوفي أنان دفع الشخصيات الأساسية -كباكي وأودنغا- إلى قبول اتفاقية تقاسم السلطة، على أن يبقى كباكي رئيساً، و إنشاء منصب جديد لرئيس الوزراء رائلا أودنغا. وفي الحقيقة هذه الاتفاقية يصعب تطبيقها لأنها تحتاج إلى حكومة ائتلافية بين (PNU) مع حلفائه في جانب و(ODM) مع حلفائه في جانب آخر. وبعبارة أخرى أن تكون جميع الأحزاب في الحكومة بدون أن تكون هناك معارضة رسمية لهذه الحكومة على اعتبار كل الأحزاب الرئيسية فيها, وهذا يعتبر غريباً بالنسبة للدول الغربية التي تحث على الديمقراطية التعددية إلى جانب المعارضة الرسمية. ومنه يتبين أن الدول المستعمرة تعلن شعار الديمقراطية والتعددية فقط كغطاء لتحقيق مصالحها لا غير, فتوافق على الدكتاتورية إن كانت مصلحتها في ذلك, وتحرك شعار الديمقراطية ضد الدكتاتورية إن كانت مصالحها في ذلك!
ومع ذلك, ومع أن أميركا وبريطانيا قررتا تقاسم السلطة, إلا أن طبيعة الاستعمار, وبخاصة أميركا, لا تقبل تقاسم السلطة إلا كاستراحة المحارب, وفي الوقت الذي تجد فيه الأطراف منفذاً تستغله للانقضاض على الأطراف الأخرى لتكون كينيا خالصة لها فإنها ستفعل.
ولهذا فإن مشروع تقاسم السلطة فيه ألغام كثيرة يمكن تفجيرها في أي وقت. فمثلاً: تحتاج الاتفاقية إلى إنشاء منصب لرئيس الوزراء للمرة الأولى منذ 1964م، كما تحتاج إلى إجراء إصلاحات دستورية وقانونية وإدارية، علاوة على تداخل سلطة رئيس الوزراء مع سلطة الرئيس… وكذلك فإن الاتفاقية جاءت نتيجة للحل الوسط, وهذا يعتمد على المساومة والتغيير وفق اختلاف المصالح وموازين القوى… وبالتالي فإن الحكومة الجديدة للاتحاد الوطني في كينيا تكون عرضة لخطورة الانهيار في الوقت الذي ترى فيه إحدى الدولتين أنها قادرة على حسم الصراع وحدها.
وفي الختام, فإن المشاكل الانتخابية في كينيا قد أثبتت أن الأيديولوجية الغربية التي هي الديمقراطية الرأسمالية قد فشلت في حل مشاكل الناس في أفريقيا, و فشلت في ضمان التقدم وتوفير الأمن للناس. وقد أنتجت هذه السياسة سياسيين خطرين أنانيين مستعدين للتضحية بالبلد بأكمله من أجل الوصول إلى مصالحهم الشخصية. إنه من الضروري أن يدرك المسلمون في كينيا وفي أفريقيا وفي العالم بأكمله أنه من واجبهم الديني كشف فساد الأيديولوجية الغربية (الديمقراطية الرأسمالية)، وأن يقدموا لهم أيديولوجية الإسلام, فهي الحل الوحيد لأفريقيا والعالم لنشر الأمن والعدل في ربوعه.
2008-05-27