كلمة الوعي: مبادرة أميركية جديدة؟
2016/09/26م
المقالات, كلمات الأعداد
1,868 زيارة
نشرت بعض الصحف في 15/3/98 مقابلة مع بيل ريتشاردسون سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة جاء فيها “لدينا بعض الأفكار، وفي الأيام القليلة المقبلة ستجد الولايات المتحدة، عبر وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، دورها المباشر (في إحياء عملية السلام)”. وأضاف: “وهذا ما يعمل من أجله الآن الرئيس كلينتون”.
وفي 21/3/98 نسبت الوكالات إلى مسؤول أميركي قوله بشأن المبادرة الأميركية التي طال الحديث عنها: “سيكون ذلك قراراً أساسياً لرئيس أميركي نظراً إلى أنه سيعني في إسرائيل ولدى المسؤولين الإسرائيليين أن الولايات المتحدة قررت ممارسة ضغوط”.
وقد أرسلت إسرائيل موفدين إلى أميركا للضغط من أجل تعديل المبادرة الأميركية قبل إعلانها، واستعانت بالكونغرس في وجه الإدارة.
وسئل عمرو موسى وزير خارجية مصر عن المبادرة الأميركية الآتية فقال: “إنها خاصة بالمسار الفلسطيني” حصراً، كما نشرت الصحف في 19/3/98.
وفي 16/3/98 نشرت وكالة أسوشييتد برس تصريحاً لحسن عصفور أحد المفاوضين الفلسطينيين جاء فيه: إن “الفريق الأميركي يحاول نسف اتفاقات أوسلو من أجل وضع اتفاقية سلام جديدة” وقال بأن الفريق الأميركي “يتبنى المواقف الإسرائيلية بشكل كامل” واتهم المبعوثَ الأميركي دنيس روس باتخاذ “موقف عدائي شخصي” ضد اتفاقات أوسلو.
أميركا تعطي تصريحات عن قرب الإعلان عن مبادرة لتحريك (عملية السلام) الجامدة على المسارات الثلاثة (مع كل من سوريا ولبنان وعرفات). أميركا لم تكشف عناصر مبادرتها بعد، ولكن يمكن توقع بعض هذه العناصر. فمثلاً لن تحصر مبادرتها بالمسار الفلسطيني كما قال عمرو موسى، بل لا بد أن تشمل المسار السوري، لأنه هو الأساس في نظر أميركا. ويبدو أن المبادرة فيها ضغط على إسرائيل (بشأن الجولان) بحجة أن المصلح الأميركية في المنطقة تتضرر بسبب جمود (عملية السلام)، وهذا ما يفسّر طلب إسرائيل من أميركا أن لا تعلن مبادرتها قبل التفاهم مع إسرائيل عليها، وتهديد إسرائيل بأن تستقوي بالكونغرس على الإدارة الأميركية. ويبدو أن أميركا غير راضية عن اتفاق أوسلو، كما قال حسن عصفور، فهي تريد شيئاً آخر. ويتوقع أن يكون الشيء الآخر غير منسجم مع الاتفاق الإسرائيلي الأردني. ولا بد أن تشمل المبادرة المسار اللبناني. لأنه يجب أن لا ينفك عن المسار السوري حسب خطة أميركا.
ليس المهم معرفة عناصر المبادرة الأميركية، ولكن المهم هو معرفة أن أميركا هي التي جمدت (العملية السلمية) على المسارين اللبناني والفلسطيني ما دامت إسرائيل جمدتها على المسار السوري. جمدتها على المسار الفلسطيني لسببين: لأن اتفاق أوسلو لا يعجبها، ولأنها لا تريد أن تستفرد إسرائيل بسوريا، وجمدتها على المسار اللبناني من أجل أن لا تستفرد إسرائيل بسوريا، ولكي تبقى الجبهة اللبنانية أداة ضغط على إسرائيل واستنزاف لها. أميركا لا تريد أي تقدم على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، ولا على المسار اللبناني الإسرائيلي إلا إذا حصل التقدم على المسار السوري الإسرائيلي. زعماء إسرائيل سواء في حزب العمل أو في تكتل الليكود مصرون على عدم الانسحاب من الجولان. أميركا مصرة على أن تنسحب إسرائيل من كل الجولان، لا لتعيدها إلى سوريا بل لتجلس أميركا فيها بحجة حفظ الأمن بين الطرفين، ولكن غرض أميركا الحقيقي من النزول في الجولان هو لتجعل من هذه المنطقة الاستراتيجية الهامة مركزاً تسيطر منه على سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وغيرها.
ولذلك فإن أميركا تدعم ارتباط المسارين اللبناني والسوري. إسرائيل تحاول فصل المسار اللبناني عن السوري، ولذلك كانت قد اقترحت: لبنان أولاً، ثم جزين أولاً، وهي تقترح الآن أن تنسحب من طرف واحد بعد أن فشلت في الحصول على ترتيبات أمنية مناسبة من لبنان. وغرض إسرائيل هو عزل مسألة الجولان عن بقية المسائل. والأرجح أن لا تنفذ إسرائيل انسحابها ما دامت أميركا تعرقل هذا الانسحاب.
وأميركا تعرقل أيضاً التقدم على المسار الفلسطيني الإسرائيلي. أسلوب العرقلة هنا يعتمد على إغراء إسرائيل أن لا تلتزم باتفاق أوسلو. دنيس روس يحرض إسرائيل أن تتشدد لتأخذ أكثر، ولتماطل أكثر، ولتضع شروطاً أشد وهكذا…
لأول وهلة قد يبدو الأمر متناقضاً، إذ كيف تعمل أميركا للضغط على إسرائيل وفي الوقت نفسه تظهر الانحياز إليها وتغريها كي لا تلتزم باتفاق أوسلو: من تجميد الاستيطان، وعدم تهويد القدس، وإعادة بعض الفلسطينيين، …إلخ، والحقيقة أن هذا ليس تناقضاً بل هو إغراء لعرقلة التنفيذ.
في هذه الأثناء جاءت زيارة روبن كوك وزير خارجية بريطانيا إلى المنطقة، بحجة البحث عن السلام، واعتبر أنه يمثل دول الاتحاد الأوروبي جميعاً و ليس بريطانيا وحدها، لأن بريطانيا ترأس الآن دول الاتحاد الأوروبي، بل أكثر فقد تظاهر أنه ينطق باسم أميركا أيضاً، مع أن الحقيقة هي أنه أتى ليحذر عملاءه من مبادرة أميركا ومن خطط أميركا. ومسألة الأزمة بينه وبين نتنياهو هي مصطنعة حسب ترجيحنا. ونذكر في هذا الصدد ما قاله رئيس قسم الدراسات الأوروبية في الجامعة العبرية البروفيسور شلومو أفنيري: “لو كنت أومن بنظرية المؤامرة لأقسمت أن كوك قد نسق خطواته مع نتنياهو جيداً، إذ منح كوك نتنياهو أفضل مبرر لإغلاق الباب أمام أي مبادرة أوروبية، لأنه اختار أن يثير الجدل على القدس التي لا تختلف الأحزاب الصهيونية على مكانتها كعاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل”. وقد أيدت مختلف الأحزاب الإسرائيلية، الموالية والمعارضة، موقف نتنياهو ومجابهته لكوك، وأظهرت الاستطلاعات أنه يتقدم على باراك رئيس حزب العمل بـ 14 نقطة.
بريطانيا لا يضرها إذا خالفت إسرائيل اتفاق أوسلو، وماطلت في تنفيذه، وهي تريد تقوية موقف نتنياهو في الداخل. بينما أميركا تحاول إسقاطه لأنه ينسق إقليمياً مع تركيا والأردن والعراق لضرب سوريا وتحويل النظام فيها إلى التبعية الإنجليزية. حاولت إسرائيل (مع عملاء الإنجليز) ضرب سوريا في صيف 96، وتراجعت لسبب ما. وحاولت بالتنسيق مع تركيا في صيف 97، ولكنها لم تتمكن لوقوف أميركا في وجهها. وهي تؤجل خطتها تأجيلاً ولم تُلْغِها.
إسرائيل تأمل أن تحتفظ بالجولان في الحالات التالية: أن تأتي إدارة أميركية تغير سياسة أميركا تجاه الجولان، وتسمح لإسرائيل أن تبقى هناك. أو أن تقوم إسرائيل بحرب ضد سوريا وتفرض على سوريا التخلي لها عن الجولان وتقطع الطريق على خطة أميركا في النزول في الجولان. ولبينما يحصل هذا الأمر أو ذاك فإن إسرائيل ستبقى متشبثة بالجولان، تارة تتذرع وتناور كما كان يفعل رابين وبيريز، وتارة أخرى ترفض صراحة التخلي عن الجولان كما يفعل نتنياهو.
فهل سيكون في المبادرة الأميركية الجديدة إرغام لنتنياهو وإسرائيل على الانسحاب من الجولان!
أما عن زيارة كوفي عنان للمنطقة فإنه لم يحمل معه أي مشروع عملي، لا لتنفيذ القرار 425، ولا لتحريك المسار السوري أو الفلسطيني. وكان الغرض من جولته هو استطلاع الأمور من وجهة نظره ونظر الأمم المتحدة ليقدم تقريراً إلى كلينتون لعله يساعده في صياغة بنود مبادرته التي أعلنوا أنهم يعدونها.
وكذلك زيارة دنيس روس هي استطلاعية للتمهيد لصياغة المبادرة الأميركية المنتظرة.
الدول الاستعمارية تتصارع علينا وعلى ثرواتنا وأرضنا، وحكامنا عملاء لهذا الطرف أو ذاك، وشعوبنا (الضحية) غافلة أو غير مكترثة! اللهم إنا نسألك العافية.
2016-09-26