خطر القومية على القوى السياسية
2016/09/26م
المقالات
2,161 زيارة
خطر القومية على القوى السياسية
بقلم: عبد السميع حامد
إن القومية كفكرة سياسية تعني ارتباط القوى السياسية على أساس العرق والسلالة بهدف سيطرة العرق السلالي الأقوى من الشعوب على سائر شعوب الأرض.
والقومية بدلالتها السياسية والفكرية الغامضة والمبهمة، والخالية من أية مضامين وأبعاد فكرية، ومن أية أسباب للقوة، لا تصلح لإنهاض القوى السياسية ومعالجة مشاكلها، لأنها لا تتضمن فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، تعالج المشاكل الأساسية للإنسان، ولا تحتوي على فكرة معينة عن الحياة لمعالجة مشاكل الحياة السياسية، ولا تشمل قاعدة فكرية صلبة تعالج أفكار الحياة السياسية، وتبين الموقف الصحيح الذي يجب أن يتخذ تجاه هذه الأفكار، ولأنها فارغة تماماً من المفاهيم السياسية التي تصوغ شخصية القوى السياسية، وتشكل كيانها الفكري والسياسي، وتحدد أعمالها السياسية وأهدافها، وتبين طراز عيشها ونمط حضارتها ومجتمعها وعقيدتها، وتتحكم بلغتها السياسية وقرارها ومصلحتها وسيادتها وإرادتها، ولأنها تفتقد إلى الرابطة التي تربط كيان القوى السياسية، وتجعلها متماسكة وقوية ومنسجمة بل تتضمن أسباب الضعف والانهيار للقوى السياسية.
وعليه فالقومية لا تصلح أساساً تقوم عليه القوى التي تريد إنهاض الإنسان، بل هي داء قاتل للقوى السياسية، سواء أكانت هذه القوى. تقوم على فكرة عالمية أم لا، وخطرها القاتل يتعدى القوى السياسية ليشمل القوة العالمية التي تقوم عليها هذه القوى، لذلك لابد من محاربتها محاربة لا هوادة فيها ومحاربة من يقوم عليها أو ينادي بها، وهي من الأسباب التي ولدت النزاعات والصراعات والحروب والتشرذم للقوى السياسية في العالم.
والقومية مرض قاتل نتج عن الفكر الرأسمالي الذي أوجد التطاحن والنزاع والصراع بين القوى الرأسمالية، فطرحت القومية كفكرة سياسية عند الغرب لمعالجة خطر سيطرة الدول الكبرى على القوى السياسية الصغرى والضعيفة، وبما أن القومية في حقيقتها وواقعها أنها داء وليست بدواء، لذلك عمدت الدول الرأسمالية الكبرى إلى رسم سياساتها لحماية نفسها من خطر القومية، وقامت باستغلال هذا الداء لنشره في كل زاوية من زوايا العالم، من أجل السيطرة والاستعمار للعالم، عن طريق شرذمة القوى السياسية وخلق النزاعات والصراعات والحروب بينها. ولم تكتفِ هذه الدول بذلك بل عمدت إلى إضفاء الشرعية على سيطرتها واستعمارها وتدخلها في شؤون دول العالم وشعوبه، عن طريق إدخال فكرة القومية للمؤسسات الدولية والإقليمية، تحت شعارات التضليل والخداع، كحقّ الشعوب في تقرير مصيرها وانفصالها واستقلالها، وباسم السيادة القومية، والدولة القومية. وبهذا ضللت القوى السياسية في العالم بجعل شعار القومية أساساً لها، وصار كل ما يصدر عنها من أفكار وأعمال ومواقف، وما يمكن أن تتصف به من الصفات الراقية، كالعزة والنهضة والاستقلال والكرامة والإرادة والسيادة والوعي والقيادة، ونحو ذلك، يصبغ بالصيغة القومية، ولهذا وجدت شعارات العمل القومي، واللجان القومية، واللغة القومية، والتاريخ القومي، ونحو ذلك من الشعارات الزائفة والخادعة والمضللة والخالية من أية دلالات وأبعاد فكرية وسياسية ذات جدوى.
والدول الكبرى تهدف من عملية التضليل هذه، جعل القوى السياسية في العالم تابعة للقيادة الفكرية والسياسية الرأسمالية بزعامة الدول الكبرى، ولتبقى القوى السياسية ضمن السيطرة والاستعمار الثقافي والسياسي والاقتصادي، بحجة الثقافة القومية، والاقتصاد القومي، والمصلحة القومية، وهي في الحقيقة ثقافة غربية رأسمالية، واقتصاد رأسمالي، ومصلحة للرأسماليين.
وحين وجدت الفكرة الشيوعية في الواقع سارت على ضلال وتضليل الرأسمالية، فاعترفت بالقومية، وعمدت إلى استغلالها ضد الشعوب الضعيفة، ورسمت سياساتها لحماية كيانها من خطر القومية، وحين ضعف شأنها قامت أمريكا بالقضاء عليها في عقر دارها بالاعتماد على خطر القومية، وذلك حين نادت أمريكا بفكرة تحرير شعوب أوروبا الشرقية من الهيمنة الشيوعية، وعمدت أمريكا إلى بناء فكرة التحرير على أساس رأسمالي وقومي، وأمريكا الآن تعمد إلى العمل على تفتيت روسيا وأوروبا والصين على أساس القومية والوطنية والرأسمالية بالمفهوم الأمريكي. وحقائق التاريخ للقوى السياسية تبين بشكل واضح لا لبس فيه أن القومية سم قاتل للقوى السياسية فبسبب القومية سالت أنهار من الدماء في أوروبا، وعن طريقها قامت بريطانيا وفرنسا بتمزيق الخلافة الإسلامية وضرب الإسلام، وبواسطتها تمكنت بريطانيا من إحكام سيطرتها على أمريكا الشمالية وكندا، وبسببها أحجمت بريطانيا الخبيثة عن التورط في مشاكل أوروبا القاتلة، وعن التدخل في شؤونها إلا في حالة حصول خلل في ميزان القوى.
والولايات المتحدة الآن تتزعم نشر هذا الداء في العالم كله من أجل إحكام سيطرتها عليه، مع أنها في الواقع من أكثر الدول قابلية للتشرذم والموت بسهولة، بسبب القومية، لأنها مفعمة بالقوميات المختلفة، فهي ليست كياناً متجانساً من ناحية القومية كألمانيا واليابان مثلاً، وبالتالي يمكن تمزيقها إلى أكثر من مائة دولة، ويمكن خلق الصراعات والنـزاعات فيها والمؤدية إلى تفتيتها والقضاء عليها، ولن ينفعها شعار (الأمة الأمريكية) لأنه شعار فارغ من أية مضامين وإبعاد تصلح للقوى ولتماسك ما يسمى بالشعب الأمريكي. فعلى الولايات المتحدة أن ترتدع عن غيها وظلمها وغطرستها واستعمارها ونشرها لهذا الداء في العالم، لأن الكأس الذي تسقيه للشعوب ستُسْقَى منه، فكما تدين تدان، والظلم ظلمات، والآثار الخطرة على أمريكا من هذا الداء هي أخطر بكثير مما تصاب به شعوب الأرض، لأن هذه الشعوب هي شعوب بحق، أما أهل الولايات المتحدة فليسوا شعباً ولا أمة.
والفكرة الإسلامية هي الفكرة العالمية الوحيدة التي حاربت فكرة القومية محاربة لا هوادة فيها، وهي التي عالجت خطرها عملياً، عن طريق صهر الشعوب في بوتقتها، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، دون تفريق بين الشعوب، ودون استغلالٍ ومصٍّ للدماء ونهب للثروات والخيرات، بل فرضت الوحدة والانسجام والمحبة والأخوة والرحمة بين كل من يعتنقها. ولولا سوء الفهم للإسلام لدى المسلمين، والتضليل السياسي والفكري الذي مارسته بريطانيا وفرنسا ضد الأمة الإسلامية لما تمكنتا من نشر هذا الداء وغيره في العالم الإسلامي. وعليه فالقومية في العالم الإسلامي هي مرض عارض، والأمة على وشك الشفاء منه تماماً، وقد ترسخ لديها أنها أمة إسلامية عالمية، وأنها لا تعترف بما يسمى بالشعوب الإسلامية، فلا وجود في الدستور الإسلامي لما يسمى بالشعب العربي أو التركي أو الأفغاني أو الباكستاني أو الإيراني أو غيره، وإنما يوجـد أمـة إسلامية واحدة تجمعها عقيدة إسلامية واحدة وتشريع إسلامي واحد، فهذا المفهوم بمضمونه قد ترسخ في الأمة، وبقي عليها إزالةُ الإطارات الفارغة التي رَسَّخت التمزيق والتفريق للأمة، وإزالةُ هذه الكيانات الفارغة. والعملية أصبحت مسألة وقت فقط. ولهذا فليست القضية هي إنقاذ الأمة من هذا الخطر، وإنما إنقاذ العالم من هذا المرض المتأصل فيه، وإنقاذُه من الأمراض المهلكة التي يعاني منها العالم بسبب الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة. ولهذا يجب على القوى الإسلامية المبادرةُ بكشف الأمراض التي تعاني منها البشرية، وتشخيصِها ومعرفةِ أسبابها، وطرحِ البلسم الشافي والمنقذ للبشرية كافة، إلى أن تتمكن هذه القوى من مباشرة العلاج بالفعل، حين تقوم دولة الخلافة الراشدة. ولا بد من معالجة خطر القومية وغيرها معالجة عالمية على أساس صحيح، ومقاومةِ آثارها المدمرة، وتعريةِ الدول التي تنشرها، فعلى شعوب العالم خارج إطار العالم الإسلامي أن تحرر كياناتها من السيطرة والاستعمار الأمريكي، لكي تتمكن، وأن تناقش الأسس الفكرية والسياسية الصحيحة التي تنقذ البشرية من الهلاك والشقاء، وعلى الأمة الإسلامية أن تأخذ دورها القيادي في العالم لإنقاذ البشرية من وهدتها والضياع الذي أطبق عليها.
2016-09-26