مِئَنّات من جهل أكثر الخطباء
2016/09/26م
المقالات
1,857 زيارة
مِئَنّات من جهل أكثر الخطباء
كثر الخطباء وقل الفقهاء، حتى نزا على المنابر من هو ليس للوقوف عليها أهلاً، فبعد أن كان الوقوف على المنابر تشيب منه الرؤوس – كيف لا والخطيب على المنبر يعرض عقله على الناس – صار الواقف على المنبر يتكلم بما يشاء وكأنه دون رقيب. ومن مِئَنّات جهل بعض الخطباء ما يلي:
أولاً: تطويل الخطبة، مخالفين بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنهم في كثير من الأحيان يأمرون باتباع سنته ومَحَجَّتِه البيضاء، فيقعون في المخالفة والتناقض قبل أن ينزلوا عن المنبر. والأدلة على أن السنة هي تقصير الخطبة ما أخرجه أحمد في مسنده عن أبي وائل قال: خطبنا عمار فأبلغ وأوجز فلما نزل قلنا يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست، قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة فإن من البيان لسحراً». وما أخرجه أحمد في مسنده أيضاً عن الحكم بن الحسن الكلفي قال: «فلبثنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً شهدنا فيه الجمعة فقام رسول صلى الله عليه وسلم متوكئاً على قوس أو قال على عصا فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات…»، وما أخرجه أحمد أيضاً عن قيس قال كان عبد الله (يعني ابن مسعود) يقول: أحسنوا هذه الصلاة وأقصروا هذه الخطب. وما أخرجه الطبراني عن ابن مسعود أنه قال “إنكم في زمان الصلاة فيه طويلة والخطبة فيه قصيرة، وعلماؤه كثير وخطباؤه قليل. وسيأتي عليكم زمان الصلاة فيه قصيرة والخطبة فيه طويلة خطباؤه كثير وعلماؤه قليل…”، وما أخرجه الطبراني أيضاً عن جابر بن سمرة قال: «… وكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً…».
والمقصود بالخطبة هنا الخطبة قبل صلاة الجمعة أو غيرها من الصلوات، إذ يكون الناس ملزمين بالبقاء والاستماع وأكثر ما يكون هذا الوضع في الجمعات، أما إن كانت الخطبة بعد الصلاة فلا بأس بإطالتها كخطبة العيدين فالناس أحرار في الجلوس أو الذهاب لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنا نخطب فمن شاء فليجلس ومن شاء فليذهب» وكخطبته عليه الصلاة والسلام بعد العصر التي رواها أبو سعيد الخُدْري، وأنقلها من كتاب إعجاز القرآن للباقلاني: (خطبة له صلى الله عليه وسلم رواها أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب بعد العصر فقال: «ألا إن الدنيا خضرة حلوة ألا وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، ألا لا يمنعن رجلاً مخافةُ الناس أن يقول الحق إذا علمه» قال ولم يزل يخطب حتى لم تبق من الشمس إلا خمرة على أطراف الشعف فقال: «إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى»).
ويحسن هنا أن نذكر تحري العلماء الأوقات التي تكره فيها الصلاة لإعطاء الدروس، فقد روي عن الشافعي أنه كان يُدرّس بعد الفجر في مصر. وعن أحمد أنه كان يُدرّس بعد العصر في بغداد. بحيث لا يجبرون أحداً على الإنصات وهو كاره، فلا يجلس للدرس إلا راغب فيه. أما اليوم فيدرّس الكثيرون قبل الصلوات من خلال مكبرات الصوت فيشوشون على من يصلي السنن أو النوافل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة». فإن كانوا ولا بد فاعلين فليتجنبوا مكبرات الصوت فيأتيهم من يرغب في دروسهم.
ثانياً: عدم التمييز بين أسلوب الخطبة وبين أساليب القصص والدرس والمحاضرة والمقالة، فأسلوب الخطبة يتميز بجوامع الكلم وقصر الجمل وجزالة الألفاظ، وقوة جرسها. وهذا يختلف عن بقية أساليب الكلام.
ثالثاً: مخاطبة الناس بـ (يا أحبة الله) و(أيها المؤمنون) و(أيها الإخوة) فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب الناس بيا أيها الناس، فهم يتملقون الناس ويتقربون إليهم بمخالفة سنة نبيهم، فقد أورد الباقلاني في الإعجاز عن طلحة بن عبيد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على منبره يقول: «ألا أيها الناس، توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا وبادروا الأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصِلُوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له، وكثرة الصدقة في السر والعلانية تُرزقوا وتُؤجروا وتُنصروا…» وفي خطبة أخرى: «أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم…» وفي خطبته صلى الله عليه وسلم أيام التشـريق قال: «يا أيها الناس أتدرون في أي شهر أنتم…».
رابعاً: اللحن الفاضح فهم فوق أنهم قراء خطب يكتبونها أو تكتب لهم يلحنون لحناً يستوجب الرثاء لهم وللأمة التي لم تعد تميز بين الغث والسمين ولا بين الفصاحة والعي.
خامساً: تسويق وتحسين سياسات أمراء الجور وإمرة السفهاء والصبيان الذين لا يستنون بسنته صلى الله عليه وسلم ولا يهتدون بهديه حتى بلغت الصفاقة بأحدهم أن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر مرة واحدة وهاجرت أنت سبع مرات. وهذه زندقة.
سادساً: أنهم يؤمـون الناس وهم لهم كارهون وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤم رجل قوماً وهم له كارهون.
عبد الرحيم حماد
2016-09-26