ماذا خسر المسلمون بغياب الخلافة؟
2016/09/26م
المقالات
2,424 زيارة
ماذا خسر المسلمون بغياب الخلافة؟
بقلم عبد الرحمن العقبي
إذا أجملنا قلنا إن المسلمين جميعاً خسروا الدنيا كاملة، وخسر أكثرهم بعض أمور الآخرة ولم ينج إلا القليل إلا أن يشاء الله أن يتغمدهم برحمته ويشملهم بعفوه وإنا نسأل الله لهم ذلك.
ولما كان أكثر المسلمين لا يدرك معنى خسارته تفصيلاً كان لابد من التنبيه إلى أبرز ما خسروه، ووضع الإصبع عليه، بعد توضيح صورته، لعل فهمهم لفداحة خسارتهم يدفعهم إلى العمل الجاد لاسترداد ما خسروه بإقامة خلافتهم، لأنها الطريق الوحيد الى ذلك، وقد جربوا غيرها من الأفكار والطرق فما زادتهم غير تتبيب، وصاروا طرائق قدداً.
أولاً: خسروا جماعتهم مع ان الله افترض عليهم أن يكونوا جماعة بأدلة كثيرة معروفة ونهاهم عن الفُرقة، فرضوا أن يبقوا متفرقين، كما أراد لهم أعداؤهم، بل إن أكثرهم صار يدافع عن الفرقة باسم الاستقلال، ويضحي من أجل تكريس هذه الفرقة ، خبثاً أو بلاهة، فالخبثاء هم المنتفعون، والبلهاء هم من ساروا خلفهم، الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم. ومعلوم أن الجماعة لا تكون إلا على الإمام وجوداً وعدماً. والمسلمون يدركون أن الجماعة خير من الفرقة، فهم ينادون أو يحبون الجماعة ويسمونها خطأ الوحدة، وهي أُمنية عند الكثيرين ولم يصلوا إلى السعي الجاد لتحقيقها، بل ولا التفكير الجاد. هم يعلمون علم اليقين أن قوتهم تكمن في الجماعة، وان الفرقة سبب الضعف والهوان، ولكنهم لا يجدّون في إزالة الحواجز المعنوية والمادية التي تقف حائلاً بينهم وبين الجماعة. فترى إخواننا البربر، أحفاد طارق، يحاولون إحياء الامازيقية لغتهم، وجعلها لغة رسمية، وهذه المحاولات إن هي إلا من أعمال التفريق، بحجة أنها من حقوق الإنسان، وتقرير المصير، وحرية الرأي والتعبير، للوصول في نهاية المطاف الى الحكم الذاتي، الذي تشجعه وتحث عليه الدول الكافرة. والحكام عندهم يعملون على التعريب، إلا ان دافعهم الى ذلك قومي، وليس لأن العربية لغة الإسلام، أي لا يفهم الإسلام إلا بها، بالإضافة الى أن القرآن لا يكون إلا عربياً. وهذا التعريب القومي ليس من عوامل الجماعة بل هو من عوامل الفرقة، يعطي من لا يحكم شرع الله مبرراً للدعوة الى لغته وقوميته، فالعربي ليس بأفضل من الدرزي لمجرد أنه عربي، والعربية ليست أفضل من الأمازيقية لأنها لغة قحطان وعدنان بل لأنها لغة مصادر التشريع الكتاب والسنة. والدعوة إليها غير مقبولة إلا ممن يضعها في مكانها اللائق بها، لغة لدولة الخلافة، لغة للتشريع في مكانها الذي وضعها فيه المشرِّع سبحانه، وعندها تكون مظهراً من مظاهر الجماعة لا باعثاً على الفرقة. وهذا الوضع يقبله كل مسلم حريص على التقيد بأحكام دينه، مهما كانت لغته ومن أي شعب كان. بل إنه يعتبرها لغته فعلاً لأنه آمن قبلها بالإسلام، وعلم يقيناً أنها لغة دينه، حينها لن يقل حرصه عليها عن حرص العربي الأصل، بل قد يفوقه، وذلك تابع لمدى التقيد والحرص على الدين. ودعاة التعريب أساس شعوبي قومي لا يختلفون عن دعاة اللهجات العامية واعتبارها لغات، باعتبار الجميع معاول هدم للجماعة بل ولمبدأ الإسلام. والكفار والرؤوس يعلمون ذلك، إلا أن الذي لا يعلمه هم عامة المسلمين، ووسائل اتصال المخلصين بهم محدودة، وهذا من أسباب ثقل الحمل، والله المستعان، وكفى به ناصراً ومعينا. وإخواننا الأكراد الذين يشرفهم كون صلاح الدين منهم لا يحل لهم أن يدعوا الى حكم ذاتي أو دولة مستقلة بحجة أن العرب يدعون الى القومية وكذلك الأتراك وكذلك الفرس، فكون هؤلاء يفرقون ولا يجمعون لا يبرر للأكراد ان يدخلوا في دخل فيه النتنى، بل يجب عليهم أن يعملوا مع العاملين إلى إيجاد الجماعة، وما ينكر على العرب والترك والفرس والهنود والأفغان الذين يدعون إلى الفرقة ينكر عليهم، فإذا أرادوا أن يتميزوا وأن يفوزوا برضوان الله لا ببترول الموصل والحكم الذاتي فليكونوا دعاة جماعة لا دعاة فرقة. والفلسطينيون ما كان لهم أن يفرحوا بانفصالهم عن جسم الأمة، ولا أن يقبلوا بتمثيل ما يسمى بالشعب الفلسطيني وقضيته، فهم أقل وأضعف من أن يتولوا تسوية القضية على صعيدها الصحيح، وحالهم شاهد على ذلك. وكل من يدعو الى الفرقة بين المسلمين يفتح الباب واسعاً أمام من كانوا ذمة ان ينفصلوا ويحكموا أنفسهم ذاتياً، فيشارك من حيث يدري أو لا يدري بهذا التمزيق، ويزيد العقبات والعوائق أمام الدولة الراشدة في جميعها للأمة.
ثانياً: خسروا اليسر والسهولة في الوصول إلى حقوقهم فبعد أن كان أحدهم يصل إلى حقه في جلسة واحدة دون رسوم ولا أتعاب محامين ولا تنقل بين المحاكم المختلفة ولا انتظار سنين طويلة، صاروا فوق هذه الصعوبات مقردين كما أخبر سول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو نعيمة في الحلية عن أبي هريرة قال : «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيناً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إياي والاقراد، قلنا يا رسول الله وما الاقراد، قال يكون أحدكم أميراً أو عاملاً فتأتي الأرملة واليتيم والمسكين، فيقال أقعد حتى ننظر في حاجتك فيتركون مقردين، لا تقضى لهم حاجة، ولا يؤمرون فينصرفوا. ويأتي الرجل الغني الشريف فيقعده إلى جانبه ثم يقول: ما حاجتك؟ فيقول حاجتي كذا وكذا، فيقول: اقضوا حاجته وعجلوا». والخلافة الراشدة القادمة ستقضي على الاقراد، وتفعل فعل الراشدين بإذن الله، والاقراد هو السكوت ذلاً كما قال الزمخشري في الفائق.
ثالثاً: خسروا السيادة، والسيادة التي هي ممارسة الإرادة تكون عامة وتكون خاصة، فإرادة الأمة عامة، وإرادة الفرد خاصة، والأمة لا تمارس إرادتها، فهي في مجموعها تريد أن تحكم بالإسلام إلا أنها لا تستطيع ذلك، فهم أشبه بالعبيد، يريدون ولا ينفذون، والذين يقفون في وجه الأمة ويمنعونها من تنفيذ إرادتها معروفون. وهي تريد أن تجاهد، وأن يحصل على حقها من الأموال العامة، وتريد أن تكون جماعة أي تريد الوحدة كما يسمونها خطأ، وتريد أن يكون السلطان لها، إلا أنها لا تستطيع ممارسة هذه الإرادة، والذي يمارس إرادته على الأمة هم الكفار وأدواتهم لذلك عملاؤهم، فهي أشبه بالعبيد مع السادة. وادعاء عملاء الكافر بأنهم يملكون القرار المستقل إدعاء باطل قطعاً، فالحكام لا يملكون من قرارهم شيئاً على الإطلاق ويأتمرون بأوامر أسيادهم الكفار، وهذا لا يحتاج إلى دليل، لأنهم صاروا يجاهرون بذلك دون حياء أو خجل لا من الله ولا من الأمة، وبما أن أكثر الناس لا يعرفون معنى ممارسة الإرادة ولا معنى استقلالية القرار فسأضرب مثالين من تاريخنا على القرار المستقل: ذكر الزمخشري في الفائق “معاوية رضي الله عنه بلغه أن صاحب الروم يريد أن يغزو بلاد الشام أيام فتنة صفين فكتب إليه: يحلف بالله لئن تممت على ما بلغني من عزمك لأصالحن صاحبي ولأكونن مقدمته إليك فلأجعلن القسطنطينية النجراء حممة سوداء، ولأنتزعنك من الملك انتزاع الاصطفلينة، ولأردنك إريساً من الأرارسة ترعى الدوابل. والاصطفلينة هي الجزرة، والدوابل جمع دوبل وهو الخنـزير وقيل الجحش”. وذكر القلقشندي في مآثر الاناقة: “وفي سنة اثنتين وعشرين ومئتين فتح عمورية من بلاد الروم وكان السبب في ذلك أنه بلغه ان امرأة هاشمية مأسورة في يد ملك الروم صاحب عمورية صاحت وامعتصماه! فقال لها ملك الروم: لا يأتي المعتصم لخلاصك إلا علـي أبلـق، فأعظمه ذلك ونهض لوقته ونادى في عسكره بركـوب الخيل البُلق، وركب أبلق، وخرج في مقدمة عسكره أربعـة آلاف أبلـق”. هكذا القرارات المستقلة، لا التي تتخذ في باريس ولندن ونيويورك وواشنطن.
وكذلك كثير من الأفراد لا يستطيعون ممارسة بعض ما يريدون، فكم من مسلم يريد الحج ولا يستطيع، وكم من مسلم يريد أن يسلم عرضه من الأذى فلا يستطيع، وكم من مسلمة تريد أن تلبس لباساً شرعياً فلا تستطيع. وكم من مسلم يريد أن يعيش عيشاً كريماً فلا يجد إلا أن يكون خادماً في مطعم أو فندق عند يهودي أو نصراني، والقائمة طويلة.
رابعاً: خسروا مهابتهم التي كانت في قلوب أعدائهم منهم مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «ولينـزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم» فصاروا كالعبيد وكالمرأة التي تنفرج عن قبلها ولا تمنع من يأتيها، كما وصفهم حذيفة رضي الله عنه فيما أخرجه عنه ابن أبي شيبة قال: قال حذيفة: كيف أنتم إذا بركت تجر خطامها فأتتكم من هههنا ومن هههنا؟ قالوا لا ندري والله، قال لكني والله أدري، أنتم يومئذ كالعبد وسيده إن سبه السيد لم يستطع العبد أن يسبه، وإن ضربه لم يستطع العبد أن يضربه. وفي أثر آخر من نفس المصدر قال حذيفة: كيف أنتم إذا انفرجتم عن دينكم كما تنفرج المرأة عن قبلها لا تمنع من يأتيها؟ قالوا لا ندري قال لكني والله أدري أنتم يومئذ بين عاجز وفاجر، فقال رجل من القوم قبح الله العاجز عن ذاك، قال فضرب ظهره حذيفة مراراً ثم قال: قبحت أنت قبحت أنت.
وإني لأسأل نفسي هل بقيت لأمة محمد صلى الله عليه وسلم مهابة في قلوب أية أمة من أمم الأرض مهما كانت ضعيفة فلا أجد. وأذكر قوله عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم: «نصرت بالرعب مسيرة شهر» وقوله: «وجعل رزقي تحت ظل رمحي» وقوله: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» وأرى ما عليه المسلمون، فأكاد أتميز من الغيظ على كل مسلم لا يعمل للتغيير ويرضى بعيش العير والوتد. وسأروي حادثة تصور ما فيه أمتي من الهوان – على شدق ايلامها – لا أرويها إلا لغرض واحد هو أن تلامس سمع رجل أو أكثر ممن في قلوبهم بقية من حمية الإسلام فيغضب لله، ويكون في موقع يمكنه من نصرة دينه: حدثني أحدهم عن مسلم وسماه أن ضابطاً يهودياً أحبل بكراً من بنات المسلم المذكور، ولما ظهر عليها الحمل ذهب إلى أبيها في بيته قائلاً: إن المولود الذي في أحشاء ابنتك هو ابني، فإذا آذيتها قتلتك.
خامساً: خسروا أموالهم وثرواتهم فكلها نهب للكفار، تحت سمع المسلمين وبصرهم، ولا يعود للأمة إلا النزر اليسير، يأخذه الحكام فيضعونه في حساباتهم في بنوك أوروبا وأميركا، أو يستثمرونه هناك، وهذا النزر اليسير يبلغ مئات المليارات مع أنه يسير بالمقارنة مع ما ينهبه الكفار. ولو كانت ثروة الأمة بأيدي أبنائها وصلحائها لكان وضعها مختلفاً جداً. هذا بالإضافة إلى منع الأمة من أن تكون صناعية بل ولا حتى زراعية، فأسواقها استهلاكية، ليس بها غنى عما في أيدي أعدائها، وللمرء أن يتصور فظاعة حال الأمة في أول عام يفرض عليها الحصار من قبل أعدائها، إذا قررت يوماً أن ترجع الى مكانتها، إلا إذا قيض الله لها خلافاً بين أعدائها فاختلفت مواقفهم منها. فعلى الأمة ان تحاول تحقيق الاكتفاء الذاتي بما يحقق أمنها الغذائي على الأقل قبل وقوع الحصار إن كان. وتوفير ما يستطيع من سلاح لحماية قرارها وإرهاب عدوها.
سادساً: خسروا الشهادة على الناس يوم القيامة، فالله سبحانه جعلهم أمة وسطاً أي عدولاً يشهدون على الناس أنهم بلغوهم الدين القيم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) إلا أنهم في هذه الأيام السوداء من تاريخهم لم يطبقوا الإسلام على أنفسهم ولم يحملوه لغيرهم بالطريقة التي أمرهم الله بها، فكيف يشهدون وقد تركوا التبليغ؟! واكتفوا من حمل الدعوة بموقع على الإنترنت.
2016-09-26