خطوط عريضة في تعيين العمال والأمراء والولاة
2016/09/26م
المقالات
2,748 زيارة
خطوط عريضة في تعيين العمال والأمراء والولاة
الولاة حكام، إذ الولاية هي السلطان. ورد في لسان العرب: وليَ الشيء ووليَ عليه وِلاية ووَلاية؛ الوِلاية: الخطة كالإمارة، والوَلاية: المصدر. الوَلاية والوِلاية: النصرة.
وهي تحتاج إلى تقليد من الخليفة أو ممن ينيبه في هذا التقليد، فلا يعين الوالي إلا من قبل الخليفة،وهو نائب عنه،وهو يقوم بما ينيبه الخليفة من الأعمال حسب الإنابة، وليس للولاية حدّ معين في الشرع، فكل من ينيبه الخليفة عنه في عمل من أعمال الحكم يعتبر والياً في ذلك العمل.وبما أن الوالي حاكم، لذا يشترط فيه ما يشترط في الخليفة، أن يكون رجلاً لقوله عليه السلام: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، وكلمة أمرهم إذا قرنت بولي وولاية فإنها تعين معنى كلمة ولي وولاية بأنها الحكم والسلطان. ويشترط فيه أن يكون حراً لأن العبد لا يملك نفسه فلا يكون حاكماً على غيره،وأن يكون مسلماً لقوله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا)وأن يكون بالغاً عاقلاً لحديث: «رفع القلم عن ثلاث منهم الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق» (رفع القلم أي رفع التكليف)، ويشترط أن يكون عدلاً لأن الله اشترط العدالة في الشاهد فهي في الحاكم من باب أولى.
إلا أن هناك شروطاً أو اعتبارات أخرى لا بد أن تراعى عند اختيار الولاة، وهناك كيفيات للتعامل معهم ومراقبة أعمالهم ومعرفة أحوالهم،وظروفاً وأحوالاً فيها يعزلون، والنظر فيها ومراعاتها أمانة يتحمل مسؤوليتها الحاكم في الدنيا أمام الأمة، وفي الآخرة أمام الله عز وجل، فتولية من تصلح به الولاية ويصلح لها من الأمور التي تتعلق بتقوى الحاكم ورفقه برعيته. عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله » يقول: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشقّ عليهم فشقّ عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به» فرفق الإمام برعيته يقتضي فيما يقتضي أن يولي أمورهم من يرفق بهم، وأن يكون مبشراً لا منفراً، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا. وهو أمر متعلق أيضاً بنصحه لهم، عن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد استرعاه الله رعية لم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة». وعن معقل بن يسار أيضاً قال: سـمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من والٍ يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة» وأي نصح للأمة أعظم من تولية خيارهم، بل أي غش لهم أعظم من تولية أمورهم شرارهم، أو ضعافهم، أو من يشق عليهم، أو من ينهب أموالهم، أو من لا يحكم فيهم بما أنزل الله. ومجمل القول أن تعيين الولاة والأمراء والعمال أمر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقوة شخصية الحاكم من حيث الاختيار ومن حيث المحاسبة، ومن حيث عزلهم بل ومعاقبتهم إن أساءوا.
ونودّ أن نشير هنا إلى بعض الاعتبارات في تولية الولاة ومتابعتهم ومراقبة أحوالهم التي جاءت بها السنة الشريفة أو سنها بعض الخلفاء الراشدين أو نبَّه لها السلف الصالح من الفقهاء والأمراء، فهاكموها:
1 ـ أن لا يكون اختيارهم لمودة أو قرابة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين”، ولما في ذلك من تجريئهم على الاستبداد بالناس أو ركوب ظهورهم لاطمئنانهم إلى عدم محاسبته لهم، ولما في ذلك من إفساد لدين الناس وأخلاقهم، إذ قد يلجأون إلى مداهنة حكامهم والتزلف لهم ليقربوهم إلى الإمام أو لينالوا من أعطياتهم، وقد يحجمون عن رفع مظالمهم إلى الحاكم الذي بينه وبين الوالي قرابة أو مودة.
2 ـ ألا يقدم من يطلب الولاية، بل إن ذلك من أبرز دواعي منعه، روي في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن قوماً دخلوا عليه فسألوه الولاية، فقال: إنا لا نولي أمرنا هذا من طلبه» وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة: «يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أُعِنْتَ عليها، وإن أُعطيتها عن مسألة وُكِّلْتَ إليها» أخرجه البخاري في كتاب الأحكام، وهذا خاص فيمن كان ليس أهلاً لها.
3 ـ التحقق من أمرهم قبل توليتهم ومعرفة أحوالهم وسيرهم وأخلاقهم والتأكد من علمهم وأمانتهم وتقواهم، فمن جهل حاله أو شابت سيرته شائبة،أو اعتراه نقص في خلقه أو دينه فلا يُوَلّى أمراً من أمور الناس لما في ذلك من غش لهم وإفساد لنفسياتهم، ودفع لهم على معصيته أو المكر به ومنازعته، أما من يجهل أحكام الله المتعلقة بالأمور التي يتولاها فمآله ألا يحكم بما أنزل الله وهذا أمر جلل فيه إفساد دنيا الناس ودينهم، قال أبو يوسف في خراجه: “أبقى الله أمير المؤمنين أن تتخذ قوماً من أهل الصلاح والدين والأمانة فتوليهم الخراج، ومن وليت منهم فليكن فقيهاً عالماً مشاوراً لأهل الرأي عفيفاً،لا يطلع الناس منه على عورة، ولا يخاف في الله لومة لائم”. وقال في موقع آخر: “وقد يجب الاحتياط فيمن يولى شيئاً من أمر الخراج والبحث عن مذاهبهم والسؤال عن طرائقهم،كما يجب ذلك فيمن أريد للحكم والقضاء”.
4 ـ أن يولى من لا يختلف الناس عليه ،فقد رأينا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قد كان يختار ولاته وعماله إما من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما ممن يختارهم أهل الأمصار والولايات. يروى عن أبي هريرة ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعا أصحاب رسول الله فقال: إذا لم تعينوني فمن يعينني؟ قالوا: نحن نعينك، فقال:يا أبا هريرة ائت البحرين وهجر أنت هذا العام، قال: فذهبت فجئته في آخر السنة بغرارتين فيهما خمسمائة ألف…، وروى أبو يوسف عن الشعبي قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أهل الكوفة يبعثون إليه رجلاً من أخيرهم وأصلحهم وإلى أهل البصرة كذلك، وإلى اهل الشام كذلك، قال فبعث إليه اهل الكوفة عثمان بن فرقد، وبعث إليه أهل الشام معن بن يزيد، وبعث إليه أهل البصرة الحجاج بن علاط كلهم سلميون، قال: فاستعمل كل واحد منهم على خراج أرضه .
5 ـ أن يكون الرفق بالرعية من سجاياه، حيث يحمل عبء المسؤولية، ويسعى لتحقيق مصالح الناس، وعنده القدرة على تجاوز الصعاب والأزمات. روي أن ميمون بن مهران كتب إلى عمر بن العزيز يشكو شدة الحكم والجبلة، وكان قاضي الجزيرة وعلى خراجها، فكتب إليه: أني لم أكلفك ما يعنيك، اجتن الطيب واقض بما استبان لك من الحق، فإذا التبس عليك أمر فارفعه إلي، فلو أن الناس إذا أثقل عليهم أمر تركوه ما قام دين ولا دنيا.
ويقول أبو يوسف موصياً هارون الرشيد رحمهما الله: “ورأيت أن تأمر عمالك (عمال الخراج) إذا أتاهم قوم من أهل خراجهم فذكروا لهم أن في بلادهم أنهاراً عادية قديمة وأرضين كثيرة غامرة، وأنهم إذا استخرجوا لهم تلك الأنهار واحتفروها وأجري الماء فيها، عمرت هذه الأرضون الغامرة وزاد في خراجهم، كتب بذلك إليك فأمرت رجلاً من أهل الخبرة والصلاح يوثق بدينه وأمانته فتوجهه في ذلك حتى ينظر فيه ويسأل عنه أهل الخبرة والبصيرة… فإذا أجمعوا على أن في ذلك صلاحاً وزيادة في الخراج أمرت بحفر تلك الأنهار وجعلت النفقة من بيت المال، ولا تحمل النفقة علىأهل البلد فإنهم إن يعمروا خير من ان يخربوا…”.
وهكذا نرى أن عمرو بن العاص يتمتع بعقلية الحكم، وهكذا نرى من وصية أبي يوسف أن الحاكم لا بد أن يكون على قدر من الإدارة والتدبير وهما من أبرز مظاهر رجل الحكم.
6 ـ الإجزال لهم في العطاء: روي أن أبا عبيدة قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: دنست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،فقال عمر: يا أبا عبيدة إذا لم أستعن بأهل المدينة على سلامة ديني فبمن أستعن؟ فقال أبوعبيدة: أمّا إن فعلت، فأغنهم بالعمالة عن الخيانة، أي يقول إذا استعملتهم على شـيء فأجزل لهم في العطاء والرزق لا يحتاجون. وهكذا يُرى أن في إجزال العطاء لهم صيانة لهم ولأموال العامة .
7 ـ تعريف الناس وتبصيرهم بحقوقهم على ولاة أمورهم، فلا يَدَعون حقاً لهم، ولا يَدَّعون حقاً ليس لهم، ولا يُلحق الوالي بهم هضماً ولا ظلما.
قال أبو يوسف وحدثني محمد بن اسحاق قال حدثني من سمع طلحة بن معدان العمري قال:خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر فاستغفر له ثم قال: “أيها الناس إنه لم يبلغ ذو حق في حقه أن يطاع في معصية الله، وإني لا أجد هذا المال يصلحه إلا خلالٌ ثلاث: أن يؤخذ بالحق ويعطى في الحق ويمنع من الباطل، وإنما أنا ومالكم كولي اليتيم، إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف، ولست أدع أحداً يظلم أحداً ولا يعتدي عليه حتى أضع خده على الأرض وأضع قدمي على الخد الآخر حتى يذعن للحق،ولكم عليّ أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها، لكم علي ألا أجتبي شيئاً من خراجكم ولا مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا في حقه، ولكم عليّ أن أزيد أعطياتكم وأرزاقكم إن شاء الله، وأسدّ ثغوركم، ولكم عليّ أن لا ألقيكم في المهالك ولا أجمركم في ثغوركم، وقد اقترب منكم زمان قليل الأمناء كثير القراء قليل الفقهاء كثير الأمل، يعمل فيه أقوام للآخرة يطلبون به دنيا عريضة تأكل دين صاحبها كما تأكل النار الحطب، ألا كل من أدرك ذلك منكم فليتق الله ربه وليصبر، يا أيها الناس إن الله عظم حقه فوق حق خلقه، فقال فيما عظم من حقه: وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ لا وإني لم أبعثكم أمراء ولا جبارين،ولكن بعثتكم أئمة الهدى، يهتدى بكم، فأدوا على المسلمين حقوقهم، ولا تضربوهم فتذلوهم ولا تحمدوهم فتفتنوهم، ولا تغلقوا الأبواب دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم، ولا تستأثروا عليهم فتظلموهم ولا تجهلوا عليهم، وقاتلوا بهم الكفار طاقتهم، وإذا رأيتم بهم كلالة فكفوا عن ذلك، فإن ذلك أبلغ في جهاد عدوكم، أيها الناس إني أشهدكم على أمراء الأمصار إني لم أبعثهم إلا ليفقهوا الناس في دينهم، ويقسموا عليهم فيئهم ويحكموا بينهم، فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إلي”.
8 ـ دوام مراقبة العمال والولاة والأمراء ومعـرفة أخبارهم ومدى قيامهم بأعمالهم المعهودة إليهم، ويرى أبو يوسف رحمه الله في خراجه في ذلك رأياً جليلاً يستند فيه إلى سيرة الخلفاء الراشدين ويتلخص في نقاط هي:
أ ـ يقول رحمه الله: وأنا أرى أن تبعث قوماً من أصل الصلاح والعفاف ممن يوثق بدينه وأمانته يسألون عن سيرة العمال وما عملوا في البلاد
وإذا صح عندك من العامل والوالي تعد بظلم وعسف وخيانة لك في رعيتك، واحتجان شـيء من الفيء، أو خبث طعمته أو سوء سيرته، فحرام عليك استعماله والاستعانة به، وأن تقلده شيئاً من أمور رعيتك، أو تشركه في أمرك، بل عاقبه على ذلك عقوبة تردع غيره من أن يتعرض لمثل ما تعرض، وإياك ودعوة المظلوم فإنها دعوة مجابة… روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه كتب إلى كعب بن مالك وهو عامله: “أما بعد فاستخلف على عملك واخرج في طائفة من أصحابك حتى تمر بأرض السواد كورة كورة فتسألهم عن عمالهم وتنظر في سيرتهم…”. قال أبو يوسف وحدثني داود بن أبي هنود عن رياح بن عبيدة قال: كنت مع عمر بن عبد العزيز فقلت له إن لي بالعراق ضيعة وولداً فأذن لي يا أمير المؤمنين أتعاهدهم، قال: ليس على ولدك بأس ولا على ضيعتك ضيعة، فلم أزل به حتى أذن لي، ولما كان لي يوم ودعته قلت: يا أمير المؤمنين حاجتك أوصني بها، قال: حاجتي أن تسأل عن أهل العراق وكيف سيرة الولاة فيهم ورضاهم عنهم. فلما قدمت العراق سألت الرعية عنهم فأخبرت بكل خير عنهم، فلما قدمت عليه سلمت عليه وأخبرته بحسن سيرتهم في العراق وثناء الناس عليهم، فقال: الحمد لله على ذلك، لو أخبرتني بغير هذا عزلتهم ولم أستعن بهم بعدها أبداً، إن الراعي مسؤول عن رعيته فلا بد له من أن يتعهد رعيته بكل ما ينفعهم الله به ويقربه إليه ، فإن ابتلي بالرعية فقد ابتلي بأمر عظيم.
ب ـ دوام محاسبتهم ومساءلتهم في كل أمر ولا يعد هذا إساءة ظن فيهم، بل هو زيادة حرص وحيطة، يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن عمر دعا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إذا لم تعينوني فمن يعينني؟ قالوا: نحن نعينك. فقال: يا أبا هريرة ائت البحرين وهجر أنت هذا العام، قال: فذهبت فجئته في آخر السنة بغرارتين فيهما خمسمائة ألف. فقال عمر: ما رأيت مالاً مجتمعاً قط أكثر من هذا، فيه دعوة مظلوم، أومال يتيم أو أرملة؟ قلت: لا والله، بئس الرجل أنا إن ذهبت أنت بالمهنأ وأنا أذهب بالمؤنة.
ج ـ التحقيق فيما وقع من أخطاء وفساد في ولاياتهم. يقول أبو يوسف موصياً هارون الرشيد رحمهما الله: ثم وجه من يتعرف ما يعمل به واليك على هذه المواضع المخوفة منها، وما يمسك من العمل عليها مما قد يحتاج إلى العمل وما تفجر وما السبب في انفجاره، ثم عامله حسب ما يأتيك به الخبر عنه من حمد لأمره أو ذم وإنكار وتأديب.
د ـ جلوس الإمام لسماع مظالم الرعية وقيامه بجولات بين الناس يتعرف فيها على أحوالهم ويمكنهم من إيصال مظالمهم، يقول أبو يوسف: فلو تقربت إلى الله عز وجل يا أمير المؤمنين بالجلوس لمظالم رعيتك في الشهر أو الشهرين مجلساً واحداً تسمع فيه من المظلوم وتنكر على الظالم رجوت ألا تكون ممن احتجب من حوائج رعيته، ولعلك لا تجلس مجلساً أو مجلسين حتى يسير ذلك في الأمصار والمدن فيخاف الظالم وقوفك على ظلمه، فلا يجترئ على الظلم، ويأمل الضعيف المقهور جلوسك ونظرك في أمره فيقوى قلبه ويكثر دعاؤه
حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نفّس عن مؤمن كربة نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً في الدنيا ستر الله عليه زلته يوم القيامة». وروى الطبري أن عمر قال: “لئن عشت إن شاء الله لأسير في الرعية حولاً، فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني، أما عمالهم فلا يرفعونها إلي وأما هم فلا يصلون إلي، فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى مصر فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين،والله لنعم الحول هذا”.
9 ـ وعلى الإمام أن يعزل من فتن الناس به أو شكوه. روي عن عدي بن سهل قال: “كتب عمر إلى الأمصار أني لم أعزل خالداً عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به فخفت أن يوكلوا إليه ويبتلوا به، فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وأن لا يكونوا بعَرَضِ فتنة”. وروى الطبري عن الأسود بن يزيد قال: كان الوفد إذا قدموا على عمر رضي الله عنه سألهم عن أميرهم فيقولون خيراً فيقول هل يعود مرضاكم؟ فيقولون نعم، فيقول هل يعود العبد؟ فيقولون نعم، فيقول كيف صنيعه بالضعيف هل يجلس على بابه؟ فإن قالوا لخصلةٍ منها لا عزله.
10 ـ يُستحسن ألا يولى الوالي ولاية عامة، أي ألا تفوض إليه جميع أمور الحكم في الولاية، أي لا يجتمع له الجيش والمال والقضاء.
ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يولي ولاية عامة، فولى عمرو بن حزم اليمن ولاية عامة، وكان يولي ولاية خاصة، فولى علي بن أبي طالب القضاء في اليمن، وسار من بعده الخلفاء على ذلك، فكانوا يولون ولاية عامة فقد ولى عمر بن الخطاب معاوية بن أبي سفيان ولاية عامة، وكانوا يولون ولاية خاصة فقد ولى علي بن أبي طالب عبد الله بن عباس على البصرة في غير المال، وولى زياداً على المال. وكانت الولاية في العصور الأولى قسمين: ولاية الصلاة وتعني الولاية في جميع الأمور ما عدا المال، وولاية الخراج وهي ولاية المال، فإذا جمع الوالي الصلاة والخراج كانت ولايته عامة، وإن قصروا ولايته على الصلاة أو الخراج كانت ولايته خاصة، وهذا يرجع إلى رأي الخليفة فله أن يخصص ولاية الوالي بالمال أي بالخراج وله أن يخصصها بالقضاء، وله أن يخصصها بالجيش وله ان يخصصها في غير هذه الأشياء من الأمور الإدارية، لأن الشرع لم يحدد للوالي اعمالاً معينة ولم يوجب أن يكون له جميع أعمال الحكم وإنما حدد عمل الوالـي أو الأمير بأنه حكم وسلطان وأنه نائب عن الخليفة، وجعل لرئيس الدولة أن يوليه ولاية عامة، وأن يوليه ولاية خاصة، وذلك ظاهر في عمل الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت من ولاية معاوية ولاية عامة أن استقل عن الخليفة في أيام عثمان، ولم يكن يظهر سلطان عثمان عليه، وبعد وفاة عثمان أحدث تلك الفتنة بما يملك من صلاحيات الحكم في كل شيء في بلاد الشام، وثبت أيام ضعف الخلفاء العباسيين من استقلال الولايات حتى لم يبق للخليفة عليها من سلطة سوى الدعاء باسمه وصك النقود باسمه، فكان إعطاء الولاية العامة يسبب ضرراً للدولة الإسلامية، لذلك تخصص ولاية الوالي فيما لا يؤدي به إلى الاستقلال عن الخليفة.
11 ـ ألا تطول مدة ولاية الشخص الواحد على الولاية، بل يعفى من ولايته كلما رؤي له تركز في البلد أو افتتن به الناس. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يولي الوالي ثم يعزله ولم يبق والٍ على ولايته طوال عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مما يدل على أن الوالي لا يولى ولاية دائمية،ولم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم مدة محددة للولاية وكل ما ثبت عنه أنه لم يبق والياً واحداً على بلد طول مدة عهده، بل الثابت أنه كان يولي الولاة ثم يعزلهم، وقد ظهر من طول مدة ولاية معاوية على الشام أيام عمر وأيام عثمان أن ترتب عليه ما ترتب من فتنة هزت كيان المسلمين، ففهم من هذا أن طول ولاية الوالي في الولاية ينتج عنه ضرر على المسلمين وعلى الدولة.
محمد علان ـ بيت المقدس
2016-09-26