بريد «الوعي»
1987/11/26م
المقالات
2,621 زيارة
إلى الأخوة القائمين على مجلة “الوعي” الإسلامية، أود أن أشكركم على عملكم هذا الهادف إلى نشر الوعي بين الشباب المسلم، والذي ما انفك الغرب يبث فيه روح الفراغ والضياع وعدم المسؤولية. إن عملكم هذا يا إخوتي في الله دليل ساطع على مدى فهمكم للواقع الذي نعيشه، والذي يُراد لنا أن نستمر فيه.
أطلب منكم يا أخوتي أن تقبلوني في مجلتكم الكريمة، راجية المولى القدير أن يوفقنا ويوفقكم لما يحبه ويرضاه إنه هو السميع البصير.
أختكم في الله ليلي خ.م
كلية بيروت الجامعية ـ لبنان
“الوعي” نرحّب بالأخت القارئة، فالمجلة مفتوحة لكل مسلم مخلص يتخذ الإسلام عقيدة ومنهاج حياة. وننشر للأخت القارئة ما أمكن من مقالتها المرسلة إلينا.
المرأة والحجاب
(يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ، ذلك أدنى أن يُعرفْنَ فلا يؤذَيْن، وكان الله غفوراً رحيماً) [الأحزاب 59].
الحجاب ليس كما يتوهم البعض يختم ملكية الرجل للمرأة، ولكنّ الحقيقة ليست كذلك، لأن الحجاب قد فرض على المرأة المسلمة لكي تستعيد حريتها وشخصيتها وأنوثتها من عيون الرجال المتعطّشة.
إنه الحجاب الذي فرضه الله سبحانه عليّ وعليك أيّتها الأخت المسلمة المؤمنة. والله تعالى عندما فرضه علينا لم يرد أن يكون قيداً لنا ولشخصيتنا وحريتنا بحيث يبعدنا عن مجتمعنا، فهو تعالى أعلم بما في نفس الإنسان منه، وهو الذي يجعل الغريزة في نفس كل إنسان يُرزق. لذلك فإن الإسلام أراد أن يكون المجتمع الإسلامي مجتمع تكامل لا يسوده الفساد ولا تنتشر فيه الفاحشة، وذلك من أجل صيانته وتحصينه.
… المجتمعات الغربية تجعل المرأة سلعة لا أكثر ولا أقل: فهي تتوهم أنها حرّة في تصرفاتها، بينما تتصرّف في الواقع مقيّدة بإرضاء الرجال وإشباع رغباتهم. فهل تريدين يا أختي المسلمة أن تكوني كما هي المرأة الغربية؟ حاشا لله أن يكون ذلك..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وجزاكم الله عني وعن جميع الطلبة المسلمين خيراً.
“الوعي” نودّ أن نعقّب على كلمة الحربة التي ذكرتها الأخت القارئة في مقالتها. ذلك أن الله تعالى لم يترك الإنسان حرّاً بالمفهوم الذي يراه الغربيون من أنه يفعل ما يشاء دون يتحكّم فيه أحد، وأن ذلك من فكرة الله (إن الإنسان حرّ تماماً). فقد جعل الله تعالى للإنسان نواميس ليعيش بحسبها، وأنزل له شرائع تنظم له إشباع غرائزه وحاجاته العضوية، وأرشده تعالى لما هو أصلح له وللناس جميعاً ممّا يحقق الرخاء والسعادة له ولهم. وإزاء ذلك، جعل تعالى لمن يخالف شرعه عذاباً أليماً، فمن خالف أوامر الله تعالى ونواهيه عوقب في الآخرة. وكانت أوامر الله نواهيه شاملة لكلّ صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة، وترك تعالى للإنسان مجالاً من المباحات يختار منه ما يشاء.
ولذلك كانت حياة الإنسان قائمة على شرع الله، خوفاً من عذابه وطمعاً في جنّته. فأين ذلك من الحريّة؟ المسلم ليس حراً على الإطلاق، بل يلتزم بشرع الله. وهذا غير الحرّية التي هي ضد الرق، والتي تختلط على الغربيين.
المسلمون والتحدّيات التي تواجهه:
من يوم أن قام رسول الله ﷺ بتبليغ الرسالة وحتى اليوم وتحديات خصومه على مختلف نحلهم ومللهم متتالية ضدّه. وكلما ازداد عنف هذه التحدّيات، ازداد الإسلام رسوخاً وتمكيناً في قلوب أبنائه البررة المخلصين.
فقد بدأت التحديات بموقف زعماء الشرك في مكة، وما أوقعوه بالمستضعفين من المسلمين من تعذيب وتنكيل، واستمرت التحديات حتى وصلت إلى حد الحروب الصليبية، وبما فعله ملوك أوروبا وأمراؤها بالمسلمين في الشام من تقتيل وامتهان واعتداء على الحريات والحرمات والمقدسات. وقد صمد المسلمون بما أودعه الله في قلوبهم من يقيم حتى انحسرت الموجة العاتية إلى حين.
وجاءت التحديات بعد ذلك بالاستعمار الغربي للعالم الإسلامي كله. فامتصّوا دماء أبنائه، ونهبوا كل موارده ومواده والأولية بتراب القروش، ثم أعادوها إليه مصنوعة بأغلى الأسعار وأفدحها تكليفاً، مما أنهك العالم الإسلامي اقتصادياً وجعله تابعاً للغرب عن ذلّة ومسكنة. ولما بدأ العالم الإسلامي يستفيق من غفوته، ضحكوا على عقول أبنائه بالغزو الفكري من مدنيّة مدعاة، وحضارة متهتّكة لم يعطونا منها إلا الغثاء والفساد والانحلال.
ولم يكفهم هذا، بل استعملوا أجراء من أبناء هذه المنطقة وعلى شيء من العلم المغلوط، وأقاموا منهم جماعات إسلامية الاسم، مشركة العقيدة. وراح هؤلاء العملاء ينشرون أفكارهم، مؤيدين بأموال الغرب والشرق، وقامت بيننا فرق وأتباع، وانشغل المسلمون ببعضهم البعض، وتركوا قضيتهم الكبرى وهي قضية تحالف قوى أعداء الإسلام في الشرق والغرب.
وبدلاً من أن يوجّه المسلمون جهودهم إلى البحث العلمي والفكري والكشف والاختراع، انصرفوا إلى التافه من الأمور. سدّوا أمامنا أبواب العلم النافع بكل وسائله، وعمدوا إلى الروح الإسلامية السامية الطاهرة، حتى أوشكوا أن يطفئوا نورها، ولكنهم بفضل الله لم ولن يصلوا إلى مبتغاهم، وهو صرف المسلمين عن دينهم (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا) وما هم بفضل الله بمستطيعين الوصول إلى هذا الهدف الذي لم تجتمع أهواؤهم ومصالحهم المختلفة إلا عليه.
وأخيراً وليس آخراً كما يقولون، رمونا بإسرائيل وزرعوها زرعاً في قلب المنطقة الإسلامية لعلها تكون المحاولة الأخيرة في صرف المسلمين عن دينهم وإضعافاً لشأنهم على ضعفهم، وأيّدوها بكل عناصر القوة من مال وعتاد ورجال.
وليس المجال مجال الكلام عن إسرائيل وحلفائها، ولكنها ضرب من أشنع ضروب التحديات التي لا يزال أعداء الإسلام يواجهونه بها. بل ولعلها القشّة التي ستقصم ظهور تلك التحديات، وتنبّه المسلمين إلى الهاويات السحيقة التي تحت أقدامهم وهم غافلون أو غير غافلين، ولكنهم غير مبالين بصورة لم يحدثنا بمثلها التاريخ..
إن هذه التحديات ليست بالمستعصية على المواجهة، بل والتغلب عليها ومقابلتها بمثلها، حتى يشعر الغرب والشرق أن حيوية الإسلام لا تزال فاعليتها باقية في قلوب أبنائه، وقادرة على إنقاذهم مما هم فيه إن أرادوا ـ وما أخالهم إلاَّ مريدين. فما عرف المسلمون الذلة والهوان حتى في أشدّ مراحل تاريخهم ضعفاً وانزواء.
يقول ماريورك وهو أحد علماء الغرب الموثوق به عندهم: إن الإسلام يستطيع أن ينتشر اليوم بنفس السرعة التي انتشر بها في بادئ على شريطة أن يعودوا إلى تعاليمه كما هي.
وهذه حقيقة لا مريّة فيها.. ولعله استقاها من أثر، إذ لا يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح عليه أمر أوّلها: العقيدة الراسخة في أن ما عند الله، وأنه خير من الدنيا وما فيها.
عندما عذبوا بلالاً، قال: أحد، أحد. فاشتطّوا في تعذيبه ليتركها فأصّر عليها. فقال له بعض من أشفقوا عليه من العذاب: دع عنك هذه الكلمة لعلهم يخففون عنك أو يتركونك. قال: والله لو علمت كلمة هي أغيظ لهم منها لردّدتها. إنه في واد وكل من حوله في واد.
هم يريدون ردّه بعد إيمانه كافراً، وهو يريد أن يعلمهم الصبر على العقيدة. ويريد أن يحرق أعصابهم بالكلمة التي تستثيرهم وتفزعهم. وانهم يتحدّ,، إسلامه بتعذيبه، وهو يتحدى سلطانهم بإصراره على عقيدته. هل ترى اليوم لهذا الموقف مثيلاً: تحدّ بالقوة يقابله تحدّ بالاستماتة في التمسك بالعقيدة؟ ويا ليست، وهل تنفع ليت أو تأتي بخير.
لا نقول هل نعود إلى إسلامنا.. فكلّنا والحمد لله مسلمون مؤمنون، ولكن نقول هل من إحياء لتلك المعاني في نفوسنا من جديد.
ماذا تملك لنا هذه التحديات (لن يضروكم إلا أذى) فلنتحمل الأذى، ولنعمل على دفعه والتخلص منه.
إنهم منظّمون، وهم في الوقت نفسه أقوياء بالمادة التي أعمتهم عن كل شيء. وغرّتهم الحياة الدنيا، ولكنّنا أقوياء مثلهم إذا أردنا.
إن ذلك يقتضي تضحية ومداورة لأنهم متعبون كتعبنا، ولكننا نرجو شيئاً يفتقدونه (إن تكونوا تألمون. فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون). وهذا هو الإيمان. فإن كنا حقاً مسلمين، فما بالنا لا نعود إلى ما كان عليه أوائلنا. إن كتابنا ليس روحانيات وأخلاقيات فحسب، ولكنه إلى جانب ذلك عمل متواصل، وعزة منشودة، وعلم مطلوب، وتاريخ مليء بالعظة والاعتبار ومعاملات كلها عدالة وإنصاف، لا نبتغي بد بديلاً ولا تقليداً ولا استكانة. ما بالنا لا نترك الرفاهية إلى الاخشيشان، وما بالنا لا نترك الهوان إلى النبل، وما بالنا لا نشغل أنفسنا حتى بالتفكير في سوء حالنا للوصول إلى عزّة وصفنا بها القرآن؟ إن التفكير بدء اليقظة والتحرّك مبتدأ الصحوة، والاحتمال طريق الرجال.
إن الأمر اضخم من أن توضحه كلمات أو مقالة، ولكنه قصد وعقد نيّة، وصلح مع الله، فهل نحن عاملون؟
اسأل الله العلي الكبير أن يلهمنا الرشد والصواب، وأن يبعث في نفوسنا الإحساس بما وصلنا إليه من ضعة. ولن يضيع حق وراءه مطالب (وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً…).
أبوب بلال
بيروت ـ لبنان
1987-11-26