الإساءة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذبة حوار الحضارات
2008/04/26م
المقالات
2,168 زيارة
الإساءة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذبة حوار الحضارات
لقد كان لشخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عظيم الأثر في ترسيخ دعائم هذا الدين العظيم، وما أعطي نبي من قبل مثل ما أعطي سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلم يبعث نبي الى البشرية كافة كما بعث (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم تجعل الأرض مسجداً وطهوراً لأحد غيره، ولم يعط أحد الشفاعة سواه ، ولم ينصر نبي بالخوف مسيرة شهر غير محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يكن فعل أي نبي يعد تشريعاً مثل ما اعتبر فعله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل قل ما عُصم نبي عن الوقوع بأية معصية كما عُصم (صلى الله عليه وآله وسلم)، لقد كان الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بحق إمام الأنبياء، فحُق له أن يكون خير البشر، ولا غرو في ذلك وهو يقول، صلوات ربي وسلامه عليه، بوحي من ربه: «أنا سيد بني آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع وأول مشفع».
لأجل ذلك كله، ولأجل أن الإسلام يتجسد في شخص النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، سعى الكفار عبر السنين الطويلة إلى الطعن بشخص النبي، عليه الصلاة والسلام، وإيذائه ووصفه بالأوصاف المشينة والكاذبة، وما ذلك إلا حرباً منهم على الإسلام والمسلمين، وما ذلك إلا حسداً من عند أنفسهم وسعياً لإطفاء نور الله، فمنذ أن بُعث (صلى الله عليه وآله وسلم) عمد كفار قريش إلى الطعن بنبوته عبر الطعن في شخصه ووصفه بالساحر والكاهن والمجنون، بالرغم من أن شخصه، عليه الصلاة والسلام، كان غنياً عن التعريف عند هؤلاء، فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الصادق الأمين بوصفهم هم، لكن حمله للدعوة وتبليغه للأمانة وسعيه لإقامة الدين قاد هؤلاء إلى حربه الحرب الضروس بشتى الوسائل والأساليب، من الدعاية المضادة إلى التعذيب والأذى والملاحقة والتشريد والمقاطعة. فذاك رأس الكفر أبو لهب، لما قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطيباً في قومه منذراً لهم بين يدي عذاب أليم قال له: تباً لك، ألهذا جمعتنا؟ ومكث هو وزوجه أم جميل أروى بنت حرب (حمالة الحطب) يجاهران بالظلم والإساءة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكل من آمن به، وفيهما نزلت سورة المسَد. وذاك الشقي عقبة بن أبي معيط يضع سلا الجزور على كتفي الحبيب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ساجد. وذاك أمية بن خلف كان يهمز ويلمز النبي كلما رآه، فأنزل الحق سبحانه (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) [الهمزة 1]، وذاك أبي بن خلف يأتي النبي مستهزئاً ساخراً بعظام بالية فيقول: أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرمّ، ثم فتَّه في يده، ثم نفخه في الريح؛ فقال رسول الله، صلوات الله عليه وسلامه: «نعم، أنا أقول ذلك، يبعثه الله وإياك بعدما تكونان هكذا، ثم يدخلك الله النار». وتاريخ عداء اليهود للرسول، عليه الصلاة والسلام، بيّن جلي من نعتهم له (صلى الله عليه وآله وسلم) بالأذن، ومناداتهم له براعنا قصد الاستهزاء، ونقضهم للعهود، وسعيهم إلى قتله عبر الغدر به.
واليوم، وفي ظل الحملة الشرسة التي تشنها أميركا ودول الغرب جميعاً على الإسلام والمسلمين باسم الإرهاب، يعيد هؤلاء تمثيل هذا الدور البغيض من بعد ما فشلوا في خداع المسلمين من أن حربهم هذه هي على من أسموهم بالمتطرفين، وبان للجميع أن حربهم هذه هي ضد الإسلام وأهله، فقد كشف هؤلاء عن مكنون صدورهم من الحقد والكره والبغض للإسلام والمسلمين، فها هي الصحف الدانماركية تطل علينا ثانية بإعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي الأكرم، وها هو وزير الداخلية الألماني ينفث سمومه بدعوته جميع صحف أوروبا لنشر هذه الرسوم، ومن ظن أن الأمر قد اقتصر على هؤلاء فقد أخطأ وغفل، فتصريحات زعيمهم الذي علمهم السحر -بوش- قد سبقت ذلك في الإساءة للإسلام، ومن ثم تصريحات باباهم الكافر ضد الإسلام واتهامه له بالهمجية، ومن قبل إساءة الجنود الأميركيين إلى القرآن الكريم في سجن غوانتنامو، وتبني الغرب للكتّاب والمفكرين المارقين الذين يهاجمون الإسلام والدفاع عنهم باسم الحرية كأمثال سلمان رشدي، كل ذلك يدل على أن هذه الإساءة للإسلام وقرآنه ونبيه تصدر بتخطيط ومنهجية، وهي بعيدة كل البعد عن العشوائية والمصادفة، وهي في مجملها تهدف في ظل عدم الرد الحقيقي على هذه الإساءات إلى قتل حمية الإسلام في قلوب المسلمين، وجعل المسلمين يستمرئون هذه الإساءات من حين إلى آخر حتى يفقد الإسلام قوته الروحية المحركة في قلوب الأمة؛ ليبقى المسلمون رهائن للكافر المستعمر، يقتل أبناءهم فلا يحركون ساكناً، وينهب خيراتهم فلا يحركون ساكناً، ويحتل بلادهم فلا يحركون ساكناً؛ لأنه قد تجرأ على نبيهم وقرآنهم وإسلامهم فلم يحركوا ساكناً.
وبموازاة هذه الحملة البغيضة تصدر أصوات هنا وهناك تدعو إلى التعقل وإلى ضرورة حوار الأديان والحضارات للتخلص من هذه التشنجات والعصبيات، وحقيقة الأمر التي لا تخفى على كل بصير أن هذه الدعوات ما هي إلا كذب وتضليل وخداع، يسعى إليه الغرب لإبقاء الأمة مخدرة لا تقوى على الحراك وهي تظن بهؤلاء خيراً، وساعد الغرب في ذلك علماء السلاطين الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم فساهموا في هذا التضليل والخداع، وإلا فكيف يمكن لعاقل أن يظن أن من يطعن في الإسلام والقرآن والرسول الأكرم يريد حواراً مع المسلمين إلا بتضليل هؤلاء العلماء، كيف يمكن لعاقل أن يرى قاتله يطعنه مرة تلو الأخرى أن يصدق زعم قاتله بمحبته له ورغبته بالعيش معه في وئام، وخنجره المسموم يقّطع جسده أشلاءً أشلاءً إلا إذا كان فاقداً للوعي لا يدرك ولا يعقل واقعاً تحت تأثير مخدرٍ أو منوم.
ومن ثم ما هذا الحوار الذي يدعو له هؤلاء؟ وكيف لمسلم أن يخدع به وبين يديه آيات تبين حقيقة الكافرين على مر العصور؟! فقد أخبرنا المولى سبحانه عن مدى الحقد الذي يضمره أعداء الله للإسلام وأهله ونبيه، وكيف أنهم في حالة معاداة دائمة وسعي دؤوب لصد الناس عن دينهم، قال سبحانه: (لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران 118] وقال: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة 105] وقال: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة 217]،
وتصريحات قادتهم ومفكريهم تؤكد هذه الحقيقة بما لا يدع مجالاً للشك، فرئيس وزراء بريطانيا الأسبق غلادستون قال: «ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق» ورئيس وزراء يهود الأسبق بن غوريون قال: «إن أخشى ما أخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد»، وقال المستشرق الفرنسي كيمون في كتابه باثولوجيا الإسلام: «إن الديانة المحمدية جذام تفشى بين الناس، وأخذ يفتك بهم فتكاً ذريعاً، بل هو مرض مريع وشلل عام… وما قبر محمد الا عمود كهربائي يبعث الجنون في رؤوس المسلمين… أعتقد أن من الواجب إبادة خمس المسلمين والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع قبر محمد وجثته في متحف اللوفر»، وتأكيداً لهذا العداء والحقد الأسود صرح ريتشاد نيكسون الرئيس الأميركي الأسبق قائلاً «لقد انتصرنا على العدو الشيوعي، ولم يبق لنا عدو إلا الإسلام».
فهذه الآيات الكريمة، وتلك التصريحات البغيضة، وأفعال الكفار -العدوانية- تجاه المسلمين في العالم أجمع، تغني عن كثير تفصيل؛ ليدرك كل عاقل كذب وخداع دعوى حوار الأديان والحضارات التي يدعو لها هؤلاء، بل تبين مدى خبث ودهاء الكافر المستعمر، وأن هذا الحوار الذي يروج له ما هو إلا سعي لجعل الناس كفاراً.
وبرغم وضوح ذلك وضوح الشمس في رابعة النهار، إلا أننا نقف وإياكم وقفة سريعة موجزة لنبين حقيقة هذا الحوار وأسسه، وهل للمسلمين أن يقبلوا بمثل هذه الدعوات التي يروج لها الغرب وأتباعه، ليحيا من حيّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، فنقول:
إن المتتبع لدعاة الحوار يمكن أن يخلص إلى أن الحوار الذي يسعون له قائم على أسس ثلاث:
أولها: التساوي بين الأديان وبين الحضارات، وعدم التفاضل بين دين ودين أو حضارة وحضارة.
ثانيها: قبول الآخر كما هو واستكشافه دون إصدار أحكام ضده، بل إدراك ما عنده دون قيد أو شرط.
ثالثها: التفاعل لإيجاد بديل حضاري أرقى عن طريق استلهام ما هو مشترك بين الأديان والحضارات.
هذا هو الحوار الذي يدعو له الغرب وهذه هي أسسه، ولا يخفى على أحد أن هذه المفاهيم والأسس لا غرض لها سوى تحويل المسلمين عن دينهم، وهي تناقض الإسلام مناقضة تامة، وهي ليست من الإسلام في شيء، بل كلها تضليل و تمويه وخطورتها على الإسلام مؤكدة.
فأنى لمسلم فضلاً على أن يكون عالماً أن يساوي بين الحق و الباطل، وأنى لمسلم أن يساوي بين الإسلام وبقية الأديان، وأنى لمسلم أن يساوي بين الهدى والضلال أو بين الناسخ والمنسوخ، أو بين ما أصله الوحي و ما هو من وضع البشر، أنى له ذلك و هو يقرأ قول الحق سبحانه (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) [الأنبياء 18] وقوله: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) [يونس 32].
وكيف لمسلم أن يقبل الآخر ويستكشف عقائده ولا ينقضها ولا يبين زيفها وبطلانها؟! كيف لمسلم أن يسمع أن الله اتخذ ولداً ويبقى ساكتاً صامتاً، كيف له ذلك وهو يقرأ قول الله عزوجل: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا، تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا، وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا) ؟! [مريم 88-92].
وثالثة الأثافي أن يقبل المسلم أن يتحاور مع غيره لتشكيل بديل حضاري يحل محل دين وحضارة الإسلام، فهذا لعمري العجب العجاب (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران 85].
هذه هي أفعال الكافر المستعمر، وهذه هي خدعه ومخططاته، وهذا مسعاه، وتلك أدواته، وتلك إساءاته، ولكن هل كان لهؤلاء أن يتجرأوا على أمة الإسلام مرة تلو الأخرى لو ردت الأمة عليهم الرد الحقيقي الموازي لهكذا إساءات؟ هل كان يجرؤ أعداء الله على أن يفكروا تفكيراً، أو توسوس لهم شياطينهم مجرد وسوسة، بالإساءة للإسلام وقرآنه ونبيه وللمسلمين لو كان لهم خليفة وإمام يقاتل من ورائه ويتقى به، أمثال المعتصم الذي حرّق عمورية وجندل الروم انتصاراً لإساءة هؤلاء لأمرأة مسلمة؟ هل كان لهؤلاء أن يتجرؤوا على دين الله لو كان للأمة خليفة كالصديق أو الفاروق أو صلاح الدين أو محمد الفاتح؟ لا، وألف لا، ما كان هؤلاء ليجرؤوا على فعالهم لو كان للأمة خليفة وإمام، فها هم يعيدون الكرة تلو الأخرى وحكام المسلمين لا يعنيهم الأمر؛ لأنهم ليسوا من الأمة بل هم في صف أعدائها، وعلماء الأمة يكتفون بدعوات المقاطعة للمنتجات وبردود سخيفة لا توازي حجم الإساءة، فهل رسولكم يوازي عندكم مجرد مقاطعات تجارية لا تسمن ولا تغني من جوع؟! إن الاصل في الأمة أن لا ترضى بديلاً عن إقامة الخلافة بديلاً لتفتح الدانمارك وألمانيا وروما.. وتحاسب كل مسيء.
ورسالة إلى علماء المسلمين، أن قد وجب عليكم -أكثر من ذي قبل- أن تقفوا وقفة مشرفة فتصدعوا بالحق لا تخشوا في الله لومة لائم، فتدعوا الأمة للتخلص من حكامها، وتدعوا الجيوش لتنتقم لدينها ونبيها وقرآنها.
ورسالة إلى الأمة جميعاً أن هبوا لإقامة الخلافة، فوالله إنكم بأمس الحاجة لها، هبوا لنصرة دينكم ونبيكم وقرآنكم لينتصر لكم على من عاداكم، وليذيق هؤلاء الكفرة سوء العذاب فينسيهم وساوس الشياطين، غذوا السير نحو الخلافة، فوالله لا ملجأ لكم سواها، واعلموا أن الله ناصر رسوله ودينه وقرآنه بكم وبدونكم، فكونوا ممن يتشرف بهذا الشرف العظيم، فتفوزوا بالعزة في الدنيا والنعيم في الآخرة.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال 24- 26].
2008-04-26