لسنا أصوليين بل مسلمون
1987/11/26م
المقالات
2,761 زيارة
بقلم: هشام نعماني
تتمة المنشور في العدد الماضي
ثامناً: في الفقرة الرابعة نفسها تقول “فأي إسلام سياسي نختار؟ الملكي السعودي أم الثوري الاشتراكي” من قال أن هذه الأنظمة تعبر عن الإسلام السياسي؟ إذا كانت الكاتبة قد خدعت من قبل الإعلام الغربي والعربي، فإن حماة الإسلام لم يخدعوا ولن يخدعوا بإذن الله.
1400 عام في السلطة!
تاسعا: في الفقرة السادسة تقول: “إن القول بأن الإسلام كان عبر التاريخ سلطة دينية هو قول مرفوض فالإسلام كان دوماً سلطة مدنية سياسية لا علاقة لها بالإسلام القرآني والحديث لا من قريب ولا من بعيد”. والكاتبة هنا ترفض وتقبل اعتباطاً ومزاجياً، وأقول أن هذا كلام كله باطل جملة وتفصيلاً وهو تجاهل للإسلام ولحقائق تاريخية يعترف بها العدو قبل الصديق. فالكل يعرف أن الإسلام دام في السلطة ما يقارب 1400 عام وكان هو المطبّق على الرعية كنظام حياة ينظّم جميع شؤون الدولة والناس في السياسة الداخلية والخارجية، وفي المعاملات والقضاء، والجيش والأحوال الشخصية، والاقتصاد والجهاد. ولتراجع الكاتبة كتب التاريخ الإسلامي حتى تتأكد. وهي حينما تقول “الإسلام كان سلطة مدنية سياسية لا علاقة لها بالإسلام القرآني” يفهم من تعبيرها المشوّه أن الخلفاء في دولة الخلافة لم يطبقوا ما ورد في القرآن. واسأل الكاتبة هل كان الخلفاء يطبقون شريعة حمورابي يا ترى أم كانوا يطبقون تعاليم الفراعنة؟ لماذا لا تقرأ التاريخ من مصادره كي لا تقع فريسة لأكاذيب المستشرقين الحاقدين وللغزو الفكري الصليبي؟
صدقة من الغرب!
عاشراً: في الفقرة السابقة تعجب الكاتبة “كيف يثور الأصوليين على الغرب والشرق كافة وعلى فكرهما وفلسفتهما ونظمهما السياسية ولا يتوانون عن استعمال آخر مبتكرات التكنولوجيا الغربية” أقول للكاتبة ولكل من أعمته ثقافة الغرب عن رؤية الحق والصواب أن لا علاقة للفكر بالحجر والشجر والحديد والألمنيوم. فالفكر والسياسة والفلسفة غالباً ما تحمل وجهة نظر حاملها أو معتنقها، وهي نتاج حضارته هو، وأما السيّارة والطائرة والهاتف والكومبيوتر والصواريخ النووية فهي أشكال مدنية ناتجة عن العلم والتقدم العلمي وليست ناتجة عن الحضارة ولا تحمل وجهة نظر مخترعيها عن الحياة. لذلك فإذا استعملها المسلم فلا يعني ذلك أنه استعمل أشياء لا تحل له في دينه بحكم أن مخترعها كافر ويحمل وجهة نظر رأسمالية عن الحياة. ولا أظن أن الغرب يتصدق علينا صدقة بهذه المخترعات، فكل سلعة وكل خدمة يصدرها إلينا يقبض ثمنها أضعافاً مضاعفة وبالدولار كعملة صعبة. وحتى المشورة الفنية يقبض ثمنها لأن الغرب مادي ونفعي ومصلحي (يهتم بمصالحه)، وإن أفرج عن شيء من التكنولوجيا فإن ذلك لا ينم عن كرم أخلاقه وإنما لحاجته إلى المال يدير بواسطته عجلة الإنتاج في مصانعه. فلا تمنينا بتكنولوجيا الغرب، وإذا كان يستطيع حجبها فليفعل.
أما الفكر والفلسفة والسياسة الرأسمالية فهي تحمل وجهة نظر الغرب عن الحياة والتي تتلخص في أن الدين لا علاقة له بشؤون الحياة (فكرة فصل الدين عن الحياة) أو فصل الدين عن الدولة، وهذه الكفرة وما يتفرع عنها هي نقيض الإسلام، لأن الإسلام دين ومنه الدولة، ويتدخل في كل شؤون الحياة منذ أن يولد الإنسان وهو طفل وحتى يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في القبر. فمنذ ولادته يتدخل الإسلام في إثبات نسبه لأي أب ولأي أم (أدعوهم لآبائهم)، “الولد للفراش”، وهل عما من أبوين شرعيين أو بالتبني (الذي لا يقره الإسلام). ويتدخل الإسلام في إرضاعه ونظامه وكفالته وتولية وصي عليه إن كان قاصراً، ويوجب على الأبوين في حال حياتهما رعايته وتربيته التربية الإسلامية، والإنفاق عليه حتى يبلغ أشده. وحين البلوغ يبدأ التكليف الشرعي ويُسأل عن أفعاله. فكيف نفصل بين الدين والحياة إذن، ونأخذ فلسفة وسياسة وفكر الغرب الذي يمنع تدخل الدين في أي شأن من شؤون الحياة؟
والخط العريض هو أن حضارة الغرب والشرق وكل الأمم الأخرى مرفوضة لتعارضها مع الإسلام، أما المدنية فيقبل منها الجانب الذي يستند إلى العلوم والمخترعات، لأنه لا يحمل وجهة نظر صاحبه، ولأن العلوم الدنيوية ليس لها هوية دينية ولا صفة دينية ولا تحمل وجهة نظر معينة، ويجوز أخذها من أية جهة كانت لأنها تتناقض مع العقيدة الإسلامية وما يتفرع عنها.
“ثقافات الوافدين”
حادي عشر: في الفقرة الثامنة تقول “وهل يدري الأصوليون أنفسهم أنه ما كان للإسلام أن يحقق تلك النهضة العلمية العظيمة التي بهر بها الغرب نفسه لولا دخول ثقافات الوافدين على الإسلام من روم وفرس وهنود على الإسلام نفسه.
الكاتبة هنا تخلط بين العلم والثقافة، وهو خطأ يقع فيه الكثيرون. فالقدماء كانوا يطلقون على كل معرفة علماً مهما كان نوعها، أما الآن فقد تحدد معنى العلم بمعارف معينة ومعنى الثقافة بمعارف معينة، وأصبح للعمل معنى اصطلاحي يختلف عن المعنى الاصطلاحي للثقافة، وهو غير معناها اللغوي. وبناء على هذه المقدمة فقد عرفوا العلم بأنه المعرفة التي تؤخذ عن طريق الملاحظة والتجربة والاستنتاج والاختبار، مثل علم الكيمياء، وعلم الفيزياء وباقي العلوم التجريبية التي تخضع للتجربة والاختيار.
أما الثقافة فقد عرّفت بأنها المعرفة التي تؤخذ عن طريق الأخبار والتلقي والاستنباط مثل التاريخ واللغة والفقه والفلسفة وسائر المعارف غير التجريبية، وهنالك معارف غير تجريبية تلحق بالعمل وإن كانت تدخل في الثقافة، مثل الحساب والهندسة والصناعات، فإنها، وإن كانت من الثقافة، لكنها تعتبر كالعلم من حيث كونها عامّة لجميع الناس ولا تختص بأمّة من الأمم. وهكذا حال ما يشبه الصناعات من الثقافات المتعلقة بالحرف، كالتجارة والملاحة فإنها تعتبر اعتبار العلم وتكون عامّة لكل الأمم. أما الفنون فهي من الثقافة وهي تتبع وجهة نظر معينة، لذلك تكون خاصّة بأمة معينة. فالفرق بين العلم والثقافة إذن هو أن العلم يكون عاماً، أما الثقافة فقد تكون خاصة مثل الأدب والتاريخ والفلسفة عن الحياة، وقد تكون عامة مثل التجارة والملاحة وغيرها. ولهذا يؤخذ العلم أخذاً عالمياً من أية أمة من الأمم لأنه عالمي لا يختص بأمة معينة، يقول ابن خلدون في المقدمة “أن العلوم العقلية أو الطبيعية مشتركة بين الأمم لأن الإنسان يهتدي إليها فكره”.
أما الثقافة فإن لكلِّ أمَّة ثقافتها الخاصة بها والتي تحمل وجهة نظرها عن الحياة وعما قبل الحياة وعما بعد الحياة الدنيا، وكل ما يتفرع عن وجهة النظر هذه من جزئيات. وبناء على هذا التفريق بين العلم والثقافة، كيف يستسيغ العقل القبول بالقول “ما كان للإسلام أن يحقق تلك النهضة العلمية العظيمة التي بهر بها الغرب نفسه لولا دخول ثقافات الوافدين على الإسلام من روم وفرس وأتراك وهنود على الإسلام”.
“التكاذب المشترك”!
ثاني عشر: في الفقرة التاسعة تقول “وهل ينسى الأصوليين أن المسيحيين الذين يتحفزون لإزالتهم من الوجود اليوم هم من كانوا وراء نقل التراث اليوناني إلى اللغة العربية. وهل يجوز أن الإسلام الذي حافظ على الكيانات المسيحية المشرقية طوال أربعة عشر قرناً أن يفرّط بهم على يد دعاة الإسلام من الموتورين المتزمتين”.
إن القول بأن “الأصوليين يتحفزون لإزالة المسيحيين من الوجود” هو كذب وافتراء على المسلمين ولا يقول به أحد من المسلمين. ولا أقول هذا خوفاً من أحد ولا تزلفاً لطرف. ولا طمعاً في رضى جهة كما هو حاصل ومتمثل في التصريحات اليومية من قبل بعض زعماء المسلمين، وليس من باب الحرص على ما يسمى بـ “وحدة الوطنية”، ولا من باب “التعايش والتكاذب المشترك”، ولكني أقوله إنصافاً وإظهاراً للحق، وهو موقف الإسلام من كل أهل الكتاب الذين حافظ عليهم ولكن ليس ككيانات مستقلة كما تدعي الكاتبة، لأنه لم يكن لهم كيانات داخل كيان الدولة الواحد إلا أيام الحملات الصليبية، وفي أواخر أيام الدولة الإسلامية العثمانية، ولم تكن محافظة الدولة الإسلامية نابعة من خوفها من دول أخرى، أو خوفاً من شوكتهم وسطوتهم، ولكن اتباعاً والتزاماً منها بالموقف الشرعي الذي يتخذه الإسلام إزاء هؤلاء القوم.
“طق حنك”!
2- القول بأنهم “نقلوا لنا التراث اليوناني إلى اللغة العربية”، أقول لكل من سعى وساهم في نقل التراث اليوناني إلى العربية ليته لم يفعل ولم يطلعنا على سخافات الفلاسفة اليونانيين التي لا تسمِن ولا تغني من جوع، بل إن ضررها واضح لكل ذي عقل سليم، ولأن الترجمة لم تكن ترجمة لعلوم واختراعات يونانية لأنه لم يكن عندهم علوم حين تمت الترجمة، بل كانت عندهم فلسفة “طق حنك”، ورسوم عارية، وتماثيل وأصنام يسمونها “فنون جميلة” أو فن النحت، وفلسفتهم التي ترجمت هي بحث في “الماورائيات” أي ما وراء الكون والإنسان والحياة. وهذا البحث منهيٌّ عنه في الإسلام أنه بحث في غير الموجود المحسوس الذي يحيط به الإنسان بعقله وحواسه. ولم ينقلوا إلينا ما يفيد، بل لعلهم عن قصد وتعمد نقلوا لنا ذلك لإلهائنا في “البيضة أولاً أم الدجاجة”، حتى خرجت لنا مجموعة من المدارس الكلامية وقعت في الفخ الذي نُصِب لها، وأخذت تستعمل المنطق في إثبات آرائها الفقهية والشرعية، والمنطق معروف خطره إذا استعمل لتأييد رأي شرعي أو لفهم نص شرعي.
وهم بحثوا في أمور عدة سميت فيما بعد علم الكلام، وسمي أقطابهم علماء الكلام أو المتكلمين، وانشغلوا عمّا يفيدهم ويفيد أمتهم وحادوا عن الطريق السليم.
(رحمة للعالمين).
3- أما قولها “هل يجوز أن الإسلام الذي حافظ على الكيانات المسيحية المشرقية طوال أربعة عشر قرناً أن يفرّط بهم”، يبدو أن الكاتبة خائفة عليهم كثيراً لأنها عادت وكرّرت الموضوع. واطمئن الكاتبة: لن يفرّط بهم المسلمون على الرغم أنهم فرطوا وغدروا ونقضوا العهود وارتكبوا المجازر وليس آخرها مجزرة صبرا وشاتيلا التي سمع بها العالم أجمع. لن نفرّط ليس عن خوف منهم ولا عن سذاجة منّا. ولكنه الإسلام وسماحته ورحمته. ألم يخاطب رب العزة سيدنا محمد ﷺ بقوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [سورة الأنبياء]؟
كلا أيها الكاتبة، لم يكلفنا الإسلام بقتل الناس وسفك دمائهم لأنهم لا يعجبونا أو يخالفوننا الرأي، ولقد أمرنا ديننا بأوامر نلتزم بها ونهانا عن أمور ننتهي عنها تجاوباً مع أوامر خالق الخلق، فكل ما ومن على الأرض لله سبحانه وتعالى: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) [سورة غافر]، ولا يتصرف المسلم في ملك غيره، ولا يقدم على عمل من دون استئذان الشرع ومعرفة الحكم الشرعي في عمله، فإن أجازه الشرع أقدم عليه، وإن لم يجزه الشرع أحجم عنه.
4- في نهاية الفقرة التاسعة تقول: “أن يفرط بهم على يد دعاة الإسلام من الموتورين والمتزمتين” أقول للكاتبة، من دون أن أنزل إلى المستوى الذي نزلت إليه، إن هذا الكلام لا يليق بها كحاملة للقب دكتورة.
دموع التماسيح!
ثالث عشر: في الفقرة العاشرة تقول: “… إلا أن هذا لا يمنعنا من الاعتراف بوجود تيارات في الغرب نفسه تتعاطف مع قضايانا وتتفهمها، كما تفهم مئة ألف إسرائيلي بربرية الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وتظاهروا ضده في حين لم يتحرك مسلمو غينيا أو الصين أو باكستان”.
إن الحق لا يُستجدى استجداء ولكنه ينتزع انتزاعاً، ونحن المسلمين أصحاب حق في أرضنا، وأصحاب حق في اعتناق عقيدتنا والعمل على رعايتها ونشرها، وأصحاب حق في رفض التبعية للغرب ولفكره وحضارته، وأصحاب حق، بل هو واجب شرعي، باسترجاع كل شبر انتزع من بلاد المسلمين. ولكن طريق استرجاع هذا الحق هو القوة وتحقيق الغلبة، وليس الاستعطاء على أبواب وموائد الدول الكبرى ومجلس الأمن. ولا يليق بنا ونحن خير أمة أنزلت للناس أن نستدر عطف العالم للتعاطف معنا كمساكين أو أيتام على مآدب اللئام، فعواطفهم المزيفة عرفناها في مجزرة صبرا وشاتيلا حين زحف المبشرون بكتبهم المجانية إلى تلك المخيمات بعد المجزرة بأيام وعرفنا غيرها وغيرها الكثير، فليخبئوا عواطفهم لساعة الحشرة حين يقعون في أحابيل كيدهم وحقدهم على الإسلام والمسلمين. ولا يهمني دموع الصياد إذا كانت يداه تقطر دم الضحية، فالغرب الذي يتباكى على لبنان واللبنانيين المساكين في نظره، ألا يعلم أن لبنان هو ضحية صراع الغرب نفسه على النفوذ في المنطقة، وألا يعلم الغرب أيضاً أن الحرب المشتعلة فيه هي بفض صلاحه الذي يبيعه لنا ليقتل بعضنا بعضاً خدمة لمصالحه؟ فنحن نتصارع كالديوك داخل القفص الأميركي، ويفاخر كل فريق بأنه سيد نفسه موقفه، وهو معلّق في ذراع العم سام. وبما أن الغرب يعلم أنه سبب الحرائق المشتعلة في المنطقة وأنه سبب غرس ورعاية دولة اليهود في قلب العالم الإسلامي، فكيف نصدق دموع التماسيح التي نراها تهطل من مقلهم، ونقول إنهم يتعاطفون معنا؟ لا نريد عطفهم ولا دموعهم.
والمئة ألف يهودي الذين تعتز بموقفهم الكاتبة كان لكل واحد منهم قريب: أخ أو أب أو ابن أو عم يمارس أبشع أنواع الإرهاب في لبنان من الناقورة حتى بيروت، ويمعن قتلاً وتخريباً وخطفاً وزجاً في معتقل أنصار المشهور، وأهلهم في تل أبيب يتباكون ويذرفون دموع التماسيح في مسرحية توزيع الأدوار التي يجيدها اليهود، حينما يقسمون السياسيين إلى صقور وحمائم و00000 يهود والكل مغتصب، والكل يكيد بالمسلمين، فليحتفظوا بالحمائم لهم ولا نريد هذه الأكذوبة الملهاة.
أما عن قولها “لم يتحرك مسلمو غينيا والصين وباكستان” أقول لماذا ذهبت بعيداً؟ لماذا لم تسأل عن العرب، فهم أقرب من غينيا والصين، والحكم الشرعي أنه إذا غزى جزء من بلاد المسلمين فيتوجب على أقرب المسلمين إخراج الغازي، وإذا لم يتمكن الأقرب فيترتب أن ينضم إلى الجهاد من يليهم من المسلمين حتى تحصل الكفاية، لأن طرد الغازي فرض كفاية، وأظن أن الكفاية تحصل بمسلمي مصر لوحدهم إذا شاؤوا أو سمح حكامهم، ولا داعي للاستنجاد بالصين ولا بالهند إلا إذا تعودنا أن نلقي أحمالنا على غيرنا، وحبذا لو حمّلنا كل واحد أوزاره ولم نحمله أوزار غيره. فالإسلام والمسلمون لا تحملون أوزار العرب وحكّامهم والتي تتم باسم العروبة، لأن الإسلام لا يميز بين عربي وغير عربي، والتفاضل يكون بالتقوى “ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى” [حديث شريف]. والإسلام ليس له من العروبة سوى اللغة، أما عربية العرق والعصبية فيمقتها الإسلام ويرفضها “ليس منا من دعا إلى عصبية” [حديث شريف].
أعجمي لا دخل له!
وكيف تطلب الكاتبة من مسلمي غينيا أن يتحركوا وفي طريقهم النظام المصري الذي وقع صلحاً مع اليهود، ويقوم بنصب سياج حول حدود إسرائيل لحمايتها؟ ثم كيف يتحركون وهم يعلمون أن الغرب حصر الحق بالمطالبة بحقوق المسلمين في فلسطين بمنظمة التحرير الفلسطينية؟ ففي بداية الأمر، أمر الغرب حصر النزاع بين العرب وإسرائيل وتحييد باقي الحكومات القائمة في العالم الإسلامي من غير العرب عن التدخل في الصراع الذي أسماه صراعاً عربياً ـ إسرائيلياً، ثم كان أن انتقل الغرب إلى الخطوة الثانية وهي حصر الصراع بين الفلسطينيين واليهود عن طريق القرار الذي ينص على حصر تمثيل الشعب الفلسطيني بمنظمة التحرير. وهل بقي بعد ذلك لابن غينيا شيء يقوله؟ فمن مقاييس دولية وعربية لا دخل له في قضايا غيره. وإن خرج عن الإجماع العالمي والعربي وتدخل فلن يسمح له أولاً من دولته والنظام الذي يحكمه بالحديد والنار، ذلك النظام الذي يقر بالمواثيق والأعراف الدولية، ثم لا يُسمح له ثانياً من قبل الدول التي تقف سدّاً منيعاً دون تغيير الخريطة التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو. أما من مقاييس الإسلام فهو لا يعترف بكل هذه الحدود المصطنعة كما هو معلوم.
رابع عشر: في الفقرة الأخيرة تقول: “إن القفز فوق آلام وجراح مسلمي لبنان بعد سعير حرب عمرها اثني عشر عاماً هو شهوة السلطة السياسية عند بعض رجال الدين، وليس أمل المسلمين كافة الذي يطمحون إلى إقامة نظام ديمقراطي متوازن عربي ومنفتح على كل التيارات الصالحة”.
أين سمعت الكاتبة أن المسلمين كافة يطمحون إلى إقامة نظام ديمقراطي متوازن عربي منفتح على كل التيارات؟ فمن يعرف الإسلام حق المعرفة يدرك أن النظام الديمقراطي هو نظام كفر يتعارض مع الإسلام، وأن الدساتير النابعة من الأنظمة الديمقراطية هي دساتير كفر، لذلك يستحيل على المسلم أن يطالب بنظام كفر.
أما التوازن فهو في عرف الغرب والشرق المساواة بين كفتي الميزان، أي بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين القوي والضعيف وشتّان بين الإسلام وبين لعبة التوازن والمشاركة وجناحي الطائر التي تدعيننا إليها. أما أن يكون عربياً منفتحاً على كل التيارات فقد جُرّبت العروبة المنفتحة والمنغلقة، ووصلنا إلى وصلنا إليه من ترد وتشرذم، ولم يبق مع العروبة سوى اسمها وبعض الآمال والأماني في رؤوس البعض يحملون بها لعلها تغني عن الحقيقة والواقع المرّ الذي نعيش.
1987-11-26