من وراء، وما وراء حملة الإساءة إلى الإسلام وإلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
2008/03/26م
المقالات
1,824 زيارة
من وراء، وما وراء
حملة الإساءة إلى الإسلام وإلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
تعيش دول الغرب هاجس الإسلام وحضوره على المسرح الدولي بقوة بالرغم من عدم وجود دولة تطبقه حتى الآن… وتعود ذاكرتها قليلاَ إلى الوراء لتسترجع بقوة ما يمثله الدين الإسلامي من مفاهيم وقيم وتشريعات ودولة كانت تطبقه، وكانت تشغل على المسرح الدولي موقع الدولة الأولى في العالم لقرون طويلة… ويأخذها الهلع عندما ترى أبناء هذا الدين الحنيف قد حزموا أمرهم، وساروا باتجاه عودتهم إلى دينهم ليسير لهم حياتهم كما كان من قبل، وهم يحاولون كسر كل طوق طوقتهم به تلك الدول، وعلى رأس ذلك طوق الحكام؛ لذلك تبذل قصارى جهدها لتمنع ذلك؛ لأنها تعلم يقيناً أن حضارة المسلمين فيها من القوى المادية والفكرية والروحية والإنسانية والخلقية ما يمكنها من الإجهاز على حضارتها الغربية الفاسدة النتنة التي ثبت إفلاسها في عقر دارها، فضلاً عن شرورها التي زرعتها في جميع أنحاء العالم… ومن يتابع تصرفات الساسة الغربيين وتصريحاتهم في السنوات الأخيرة يتبين أن الصراع هو على هذا الصعيد، وعلى هذا المستوى، وليس أقل.
من هذا المنطلق، نرى أن دول الغرب تعمل بقوة على إجهاض هذه العودة المباركة للإسلام وللحكم بالإسلام قبل أن تصل إلى مداها وتحقق أهدافها؛ ومن أجل ذلك نرى الولايات المتحدة التي تتولى كبر الهجوم على الإسلام تبنت استراتيجية الهجوم على الإسلام كحضارة، وما يحدث الآن من صراع في المنطقة إنما يندرج ضمن هذا الصراع. ولو عدنا قليلاً إلى بعض التصريحات والتقارير والوثائق لوجدنا أن كل ما يحدث إنما يحدث ضمن خطة مترابطة الحلقات، وليست أحداثاً معزولة عن بعضها البعض. وهذه الخطة تستهدف تفتيت المنطقة من جديد، على أساس إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية؛ لتمنع وصول الإسلام إلى الحكم عن طريق الخلافة التي تجمع كل المسلمين في دولة واحدة… وتستهدف كذلك وضع يدها على المنطقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإعلامياً وفكرياً عن طريق ما أسمته مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهي قد وضعت نصب عينيها استهداف الإسلام كحضارة لأنها تعلم أنه الأمر الذي إن نجحت فيه استطاعت السيطرة على مقاليد الأمور في المنطقة، وإن فشلت فلن تستطيع وضع يدها على شيء فيها، بل ستطرد منها مخذولة مدحورة، ومن ثم ستلاحق منه في عقر دارها؛ لذلك وضعت فكرة «محاربة الإرهاب» أي الإسلام حجر الزاوية في صراعها هذا، ومن الدلائل التي تشير إلى أن صعيد الصراع هو صراع حضارات وطريقة حياة وتخوف من عودة الخلافة:
– أصدر البيت الأبيض في 20/9/2002م وثيقة رسمية تحت عنوان الاستراتيجية الأميركية لأمن الولايات المتحدة القومي ذكر فيها: «سوف تستخدم الولايات المتحدة قوتها العسكرية والاقتصادية لتشجيع قيام المجتمعات الحرة والمفتوحة، وستستعمل كل ما في إمكانها بوصفها الدولة العظمى الوحيدة في العالم… لكسب معركة الأفكار والقيم المتنافسة، بما في ذلك كسب معركة العالم الإسلامي» وذكرت الوثيقة أيضاً: «لن ننسى أبداً في حربنا ضد الإرهاب بأننا نقاتل في نهاية المطاف من أجل قيمنا الديمقراطية وطريقة حياتنا».
– وصرحت رايس التي كانت تتزعم مجلس الأمن القومي، بعد صدور هذه الوثيقة بأيام، أي في 27/9 فيما يعكس أجواء هذه الوثيقة قائلةً: «إن الزلزال الذي حدث في الحادي عشر من أيلول قلب موازين السياسة الدولية، وإن الفترة الحالية مع أخطارها تمثل فرصة عظيمة تماثل الفترة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما تمكن العالم الحر من إعادة تأهيل ألمانيا واليابان وضمهما إلى معسكر الديمقراطية والحرية» وهي تقصد إعادة تأهيل العالم الإسلامي. وأضافت: «إن الفترة الانتقالية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي قد انتهت، الأمر الذي يتيح لواشنطن بصفتها القوة القطبية الوحيدة أن تكرس نفسها لإحلال الديمقراطية والحرية في العالم الإسلامي» أي لفرض الديمقراطية والحرية.
– أما وولفوفيتز نائب وزير الدفاع الأميركي السابق رامسفيلد، والذي كان من أهم رجالات المحافظين الجدد، فقد قال: «صحيح أن حربنا ضد الإرهاب هي حرب ضد أناس أشرار، ولكنها أيضاً، وفي نهاية المطاف، حرب من أجل القيم كما هي حرب عقول» أي ضد الإسلام وقيمه وطريقة التفكير فيه، وطريقة الحياة.
– صدر في الولايات المتحدة تقرير عن الاستخبارات الأميركية في شهر كانون الثاني سنة 2005م إثر التشاور مع ألف خبير في قارات العالم الخمس حول توقعاتهم المستقبلية حتى عام 2020م، ويهدف هذا التقرير إلى مساعدة رجال الاستخبارات ورجال السياسة لمواجهة تحديات السنوات المقبلة. هذا التقرير المثير للانتباه تحدث عن أربعة سيناريوهات محتملة لتطور الأوضاع في العالم. وكان السيناريو الثالث هو «الخلافة الجديدة» كما أسماها التقرير، وتطرق إلى تأثير حركة عقائدية عالمية قوية تستمد وقودها من الهوية الإسلامية المتشددة التي تتحدى العولمة.
– هذا ليس إلا بالقليل القليل مما قيل، ولسنا هنا بصدد استعراضها بل الاستدلال عليها، ومنها يتبين بشكل جلي أنه صراع عقول وحضارات، ويتعلق بفرض طريقة الحياة الغربية وإحلال قيم الديمقراطية والحرية… في العالم الإسلامي. لقد وصلت أبحاثهم إلى العمق الذي جعلهم يكتشفون أن مطلب الأمة الإسلامية هو إقامة الخلافة من جديد، وبعدها تتالت التصريحات التي تحذر من الخلافة وخطرها عليهم، حتى إن بوش اضطر إلى ذكرها في أحد خطاباته ثلاث مرات، وتتالى ذكرها على لسان أركان إدارته، مما ملأنا به صفحات هذه المجلة ولا داعي لإعادة تكراره، حتى إن توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق والذي سبق في الشر غيره يقول بدوره صراحة: «إن تحكيم الشريعة في العالم العربي، وإقامة خلافة واحدة في بلاد المسلمين، وإزالة نفوذ الغرب منها، هو أمر غير مسموح، ولا يمكن احتماله مطلقاً» وكذلك صرح وزير داخليته كلارك فقال: «إن مسألة عودة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية أمران مرفوضان لا يقبلان النقاش أو المساومة». فإقامة خلافة واحدة، أو إمبراطورية إسلامية متطرفة من إسبانيا إلى إندونيسيا كما وصفها بوش، أو امبراطورية إسلامية متطرفة من إسبانيا إلى نيجيريا كما وصفها ساركوزي… تؤرق الغرب وتشعره بالخوف الشديد منها.
على أن اعتبار الغرب للإسلام أنه عدوه الحضاري تشهد له حقائق لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن للغرب أن يبعدها عن ناظره أبداً، وهي التي تسبب له هلعه. ومن هذه الحقائق:
1- إن الإسلام يمتلك مبدأً حياً، ومشروعاً حضارياً يمكن تطبيقه ونجاحه؛ لذلك يشكل تهديداً وبديلاً صالحاً للمبدأ الرأسمالي الفاسد. فهو يمتلك:
– عقيدة عقلية قطعية خالية من الخزعبلات، فطرية يمكن لعقل أي إنسان أن يقتنع بها؛ وهذا ما يجعلها تجتذب الشعوب الغربية بسهولة وبسرعة، وهذا ما يخشاه الحكام في الغرب أشد الخشية.
– عقيدة عقلية تشكل قاعدة فكرية لكل مفاهيم الإنسان في هذه الحياة، وعنها تنبثق كل معالجاته، وهذا ما يجعلها قادرة على أن تنتشل الشعوب الغربية من حال الفراغ والضياع وفقدان القيم، واضطراب الحياة…
– نظاماً للإنسان كإنسان، بغض النظر عن لونه أو جنسه أو عرقه، أو أي اعتبار غير إنساني آخر، وهذا يتناسب كثيراً مع حال انفتاح العالم كله على بعضه البعض بحيث يمكن جمعه بعقيدة الإسلام ونظامه على وضع واحد، لا تمزيقه وجعله معادياً لبعضه البعض.
– دولة إسلامية (خلافة) تطبق الإسلام في الداخل، حيث يرى المسلم وغير المسلم من رعاياها الحق والعدل ويعيشان في رحابهما، وهذا بحد ذاته يدفع غير المسلمين الذين يعيشون في داخل الدولة الإسلامية للتحول إلى الإسلام، وكذلك يجعل غير المسلمين من الكفار الذين يعيشون خارجها يرون الفارق الكبير بين دولهم التي تتحكم بهم وبين دولة الإسلام؛ فتدفعهم لعدم معاداتها تلك المعاداة الشرسة التي يقف وراءها حكامهم، فيسهل بذلك عن طريق الجهاد ضمهم إلى دولة الإسلام لأنهم سيجدون فيها الحياة المطمئنة الآمنة، وسيرون فيها ما لم يروه في دولتهم التي هي منهم، وهذا حدث مثله في التاريخ الإسلامي، وهو قابل لأن يتجدد… فطريقته هذه في التوسع والتأثير والانتشار لا يمكن أن تضاهى، ولا أن تقاوم، طريقة سريعة في قلب الشعوب على أديانها ومبادئها، وسريعة في تجنيدها لصالح المبدأ الإسلامي الجديد.
– نظاماً لا يملكه غيره من زاوية حسن التصرف مع غير المسلمين، بحيث إنهم يستطيعون الاندماج في المجتمع الإسلامي الجديد مع الاحتفاظ بخصوصياتهم المتعلقة بعقائدهم وعباداتهم ومطعوماتهم وملبوساتهم دون إعلان بها، على أن يبقى الجميع، مسلمون وغير مسلمين، خاضعين للنظام العام بشكل يكون فيه لغير المسلمين ما للمسلمين من الإنصاف، وعليهم ما عليهم من الانتصاف.
– قوة مادية يأمر الإسلام أن توظف توظيفاً إيجابياً أساسه الناحية الروحية، ومنطلقه حمل الدعوة وفتح القلوب على الإسلام بعد أن يزيل الجهاد كل حاجز أمام العقول والقلوب لتختار عن طواعية، إما البقاء على دينها أو الدخول في الإسلام، ويتحقق عندها غير المسلمين أن هذه القوة المادية لا تريد استعمارهم واستحمارهم ولا تسخيرهم وإفقارهم بل هدايتهم، وشعار المسلمين في ذلك: إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور المبادئ والأديان إلى عدل الإسلام.
2- إن المسلمين اليوم من أقصاهم إلى أدناهم يتوجهون عامة نحو العودة إلى دينهم عودة صادقة، يريدون بها التخلص من كل ما يعانونه جراء تطبيق النظام الرأسمالي الظالم عليهم، وفي الوقت نفسه يرون أن الإسلام ليس المخلص الوحيد لهم فحسب، بل للعالم أجمع، بما فيه الشعوب التي تعيش في الغرب، ويمارس عليها حكامها سحرهم ودجلهم…
3- إن المسلمين اليوم باتوا يلمسون أن الغرب يتعامل معهم تعامل العدو الشرس الذي لا يرحم، الظالم المستبد الذي يأكل أخضرهم ويابسهم، ويقتل صغيرهم وكبيرهم، وأنه سبب كل مآسيهم وذلهم وإفقارهم وإضلالهم… باتوا يلمسون ذلك وهم يريدون أن يكونوا مع الله مهما كان الثمن، فهم يقدمون الأثمان الباهظة هباء… فلتكن لله وحده.
4- إن المسلمين يتمسكون بدينهم بقوة، ليس في بلاد المسلمين فحسب، بل في بلاد الغرب أيضاً، ويرفض قسم كبير منهم الاندماج في الحياة الغربية رغم كل المحاولات الجدية والحثيثة التي مورست وتمارس عليهم من ترغيب وترهيب، حتى أصبحت الحكومات الغربية ترى فيهم ثقلاً عليها، وتعتبرهم قنابل موقوتة داخل حصونها، ولم تجد حتى الآن طريقة لاستيعابهم، ومحاولاتها في ذلك قائمة على قدم وساق، وهي إن لم تنجح في ذلك فستعمد إلى محاصرتهم بإجراءات قانونية، وبتأليب الناس عليهم بجعل صورتهم تبدو إرهابية أمامهم، وبذلك يجعلونهم عرضة للابتزاز الرخيص للتخلي عن تعاليم دينهم بتفريغها من أي مضمون روحي أو تسفيرهم، وهذا ما بدأت أصوات المسؤولين وخاصة في بريطانيا والدانمارك وهولندا وأستراليا… تنادي به، وتأخذ طريقها إلى التقنين.
5- إن الشعوب الغربية باتوا يلمسون فعلاً عقم حضارتهم وذاقوا مرارتها، فهي لم تجلب لهم السعادة كما وعدت… باتوا يعيشون في جحيم العلاقات الاجتماعية، وتغول الأنظمة الاقتصادية، وتوحش التصرفات السياسية، وفقدان القيم الروحية والخلقية والإنسانية بسبب طغيان الفكر المادي الذي له يد وليس له قلب… وهم بعد كل ما عانوه يريدون التخلص مما هم فيه، والخوف لدى الساسة الغربيين ومفكريهم ورجال الدين عندهم من أن يقع اختيارهم على الإسلام، الذي لا يوجد أصلاً منافس جدي لحضارتهم سواه. وهذا فعلاً ما يحدث منذ الآن، فكيف إذا وجدت دولة إسلامية تطبق الإسلام بإحسان، فإنه لا شك سيتضاعف وسيكون كما قال الله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) [النصر]، فمع النصر والفتح يكون التطبيق الحي للإسلام، ومع التطبيق الحي يكون دخول الناس في دين الله أفواجاً. وعلى سبيل ما يحدث اليوم من تحول الغربيين عن دينهم إلى الإسلام نذكر على سبيل المثال ما ذكرته صحيفة الصنداي تايمز البريطانية من أن 14 ألف بريطاني أبيض، ومعظمهم من صفوة المجتمع، ومن الطبقات المثقفة العليا، قد اعتنقوا الدين الإسلامي، وأن بعض هؤلاء من كبار ملاكي الأرض، أو من المشاهير، أو من الأثرياء. كذلك نذكر ما نشرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية نقلاً عن تقرير صادر عن الاستخبارات العامة الفرنسية في 9/10/2003م تزايد عدد الفرنسيين الذين يعتنقون الإسلام. وأشار التقرير إلى أن عدد الفرنسيين من معتنقي الإسلام على الأراضي الفرنسية يتراوح بين 30 و50 ألف شخص.
6- إن الحضارة الإسلامية تقوم على معالجات حقيقية صحيحة عملية مناقضة للحضارة الغربية، وعليه فلا تكون حياة لحضارة الإسلام إلا بموت الحضارة الغربية، ولا يمكن أن تحفظ الحضارة الغربية نفسها من الاندثار والقضاء عليها إلا بمنع الإسلام من الوصول إلى الحكم. فالصراع بينهما صراع وجودي، ومن الأمثلة التوضيحية الواقعية على ذلك: تقوم الحضارة الغربية على الربا والاحتكار والاستغلال والتلاعب بالأسعار، وتقوم العملات على تغطية تعتمد على قوة الدول وليس على التغطية الذهبية، وتقوم الشركات الضخمة والتي يمتلكها أفراد قلائل على امتلاك معظم ثروات العالم… بينما يقوم الإسلام على تحريم الربا، وعلى ملكية عامة يستفيد منها جميع رعايا الدولة الإسلامية، ومعنى ذلك أنها بدل أن تجتمع عائدات الثروات الضخمة من نفط وغاز ومناجم مختلف المعادن في أيدٍ قليلة من الرأسماليين الجشعين الذين لا يعرفون إلا مصالحهم، ويسخرون الآخرين من شعوبهم وغير شعوبهم لمصالحهم، بدل ذلك فإن عائداتها ترجع إلى جميع رعايا الدولة على قدم المساواة، ويقوم الإسلام على نظام ميراث عظيم يجعل الثروات تتوزع على الورثة بحيث تتفتت ولا تتجمع في أيدٍ قليلة، هذا مع العلم أنه في النظام الغربي نرى أن أموال المواريث تتجمع مع الوقت لتصبح شيئاً فشيئاً بأيدي أقل عدد من الناس، بينما هي تتفتت وتتوزع حتى تطال قسماً كبيراً من الناس، ولا يخفى لما في ذلك من أثر إيجابي على حياة الناس. وتقوم فيه شركات مضاربة وغيرها من أنواع الشركات التي يقرها الإسلام، والتي تجعل الفقير شريكاً للغني في ماله، مبتعداً عن الشركات المساهمة التي لا تعرف لها ضوابط، ولا شركاء، ويتجمع فيها المال حتى لو استطاعوا حصره كله في أيديهم لما قصروا، وتقوم على عملة مغطاة بالذهب والفضة بحيث تجعل الحياة الاقتصادية مستقرة، وأسعار العملات ثابتة، والقدرة الشرائية للعملة بمنأى عن تجاذبات السياسة وأطماع الدول… والإسلام يحتفظ بعلاقات اجتماعية تقوم على الترابط الأسري بين أفراد العائلة، والأخوى بين أفراد المسلمين، واحترام حقوق غير المسلمين من أهل الذمة، حيث يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم: «من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة»، وعلى النقاء في العلاقات، بخلاف ما يعيشه الغربي من اضطراب في العلاقات وقيامها على أساس مصلحي صرف، علاقات منعدمة المشاعر لا أخلاق فيها ولا إنسانية ولا روح، حتى العلاقات الأسرية التي يجب أن تكون في مأمن تكدرت بكدر الزنا فأصبح الفرد منهم لا يعرف أمه الحقيقية ولا أباه. والكنيسة هنا ليست بعيدة عن تحمل المسؤولية في هذا الأمر لأنه في الوقت الذي تساهل فيه النظام الرأسمالي في هذا الموضوع حتى هدم كل الأسوار وجعل الأمر مشاعاً، فإنها، أي الكنيسة، حرمت الطلاق حتى جعلت الناس تبتعد عن العلاقات الشريفة… وعلى مثل هذه الأمثلة التوضيحية يجري الكثير منها على هذه الشاكلة بحيث بات الغربي يحلم بالخروج مما هو فيه… إذاً فالغرب من هذه الزاوية ليس مهدداً من الخارج فقط، بل من الداخل، وهذا بحد ذاته مؤذن بزوال سريع لحضارته الفاسدة المفسدة.
7- إن الدولة الإسلامية الجامعة لبلاد المسلمين ستكون مترامية الأطراف، غير معهود أن يوجد مثلها لا من ناحية المساحة، ولا من ناحية الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي سيكون قابضاً على مفاصل دول العالم، ويجعل منافذ العالم تحت سيطرته، ولا من ناحية العدد السكاني الذي سيضم ابتداءً حوالى المليار ونصف المليار نسمة، ومعلوم ما في هذه الأمور مجتمعة في أثر إيجابي في حسم معركة الصراع على موقع الدولة الأولى في العالم.
8- تذخر المناطق التي ستقوم عليها الدولة الإسلامية القادمة قريباً بإذن الله تعالى بثروات استراتيجية خيالية، مثل النفط والغاز واليورانيوم وسائر المعادن التي تدخل في الصناعة، ما يجعلها قادرة على إيجاد تكنولوجيا متطورة تنافس ما عند الغرب من تقدم مادي وتتغلب عليه… وهذا إن تهيأ لدولة الخلافة فستسخره في أهدافها السامية القائمة على تطبيق الإسلام ونشره في العالم لإدخال الدول في الدولة الإسلامية، والناس في دين الله.
9- إن الغرب، ونتيجة احتكاكه الدموي مع المسلمين، في السابق واليوم، يعلم أن المسلم يحمل مفاهيم عن الحياة، وعما بعدها، تجعله يستهين بالحياة في سبيل ما بعدها تحقيقاً لمرضاة الله ودخول جنته واتقاء عذابه… وإن الخلافة الراشدة القادمة بإذن الله تعالى تحقيقاً لوعده في آخر الزمان، ستذخر بالرجال الرجال، والقادة الأفذاذ، والفاتحين العظام، والجيوش الجرارة التي لا يثنيها عن نشر الدعوة ثانٍ من متاع وحطام فانٍٍ… لمثل هذه الأسباب حزم الغرب أمره في السير في مواجهة الإسلام.
ومما يذكر هنا أنه عندما أعلنت أميركا حربها على الإرهاب، أي الإسلام، انخرط العالم كله في هذه الحملة الجائرة الظالمة، وأصبح التهجم على الإسلام هو السلعة الأكثر رواجاً في العالم، والرائد في كل ذلك كانت أميركا، ويليها دول الغرب الأوروبي، ثم دول العالم الأخرى ذات الأطماع مثل روسيا والصين والهند… وقد فتحت أميركا باب سب الإسلام والتهجم على رسوله، وعلى القرآن،وتصرفت بما ينكي المسلمين في دينهم في احتلالها لكل من أفغانستان والعراق وأثناءه، فهي قصفت المساجد واعتقلت وعذبت العلماء، ودنست القرآن في المعتقلات، وأجبرت السجناء على تناول الخنـزير والخمر، وحققت معهم وهم عراة وفي أوضاع مهينة…
وأيضاً مما يذكر أن ذلك كان يحدث وحكام المسلمين وعلماؤهم ساكتون، خائفون، على عروشهم وعلى مناصبهم، ولا تتحرك سياط الحكام ولا ألسنة علمائهم إلا عندما يتحرك المسلمون غضباً على ما يجري، ليجدوا أنفسهم بعدها أنهم قد وقعوا بين سندان الغرب الكافر ومطرقة الحكام العملاء، والعلماء المأجورين.
ومما يذكر أيضاً أن بوش لم يجعل الإسلام هدفاً له في سياسته الخارجية لأن عنده نزعة دينية، فهذا موجود ولكنه ليس العنصر الأساسي في تحديد حقيقة الصراع، بل هو عنصر مساعد، فالعنصر الأساسي في ذلك هو ما ذكرناه سابقاً. ولكن بوش غير المحترف سياسياً، والذي لا يحسن إخفاء ما عنده، صرح بما يفضح ما عنده، بينما المحترف سياسياً لا يفعل ذلك لأن كشفه يضر أكثر بكثير مما ينفع، صرح تصريحاً يكشف حقيقة النوايا والخبايا ولم يبقَ مسلم إلا وانتبه له، فقال يصف الحرب على أفغانستان ومن ثم على العراق بأنها صليبية فقال: «تلك الحملة الصليبية، تلك الحروب على الإرهاب، سوف تكون طويلة الأمد»، ثم تمادى أكثر من ذلك فقال، وكأنه المسيح الدجال، إن ما يقوم به في العراق وأفغانستان هو تكليف إلهي، فقد نقل نبيل شعث عبر وسائل الإعلام، عن بوش قوله: «إن ما يحركني هو تكليف من الله، كان الله يقول لي: “جورج، اذهب وحارب أولئك الإرهابيين في أفغانستان” وقد فعلت، ثم قالي لي الله: “جورج، اذهب وحارب الطغيان في العراق” وقد فعلت. والآن مرة أخرى، أشعر بكلمات الله وهي تصل إلي: “اذهب ,أعطِ الفلسطينيين دولتهم، واحصل للإسرائيليين على أمنهم، وحقق السلام في الشرق الأوسط” وأقسم بالله إنني سأفعل…». وما يجب لفت النظر إليه، هنا هو أن هذا الكلام، أي احتلال أفغانستان والعراق، والتفكير بتسوية الشرق الأوسط، تقف وراءه خطة استعمارية بحتة قررتها عقلية المحافظين الجدد وليس الدين، فالدين عند الرأسماليين ستار ومطية، وليس هو الذي يسير الحياة عندهم، بل يسخر تسخيراً. وهذا التصريح يكشف أن الخوف من عودة الإسلام إلى الحكم هو الذي يسيطر على اجتماعات حكام أميركا، وكيف يجب مواجهته، وفي هذه الأجواء يمكن أن يظهر التدين بالمسيحية عند بوش الذي يظهر تدينه لأنه ينسجم مع هذا التخطيط، ثم وجد في أميركا من يدعو الإدارة الأميركية إلى التهديد بقصف مكة والمدينة بالنووي. ثم كرت السبحة بعدها، فأعلن وفد من حزب العمال البريطاني في شباط 2004م أن الحرب على العراق كانت «حملة صليبية على أعظم خطر يحدق بالبشرية وهي الأصولية الإسلامية». وأعلن برلسكوني أن الحضارة الغربية أرقى من الحضارة الإسلامية، وأعلن أمين عام مجلس الأمن الداخلي الفرنسي فيليب ماسوني أمام الجمعية الدولية لقادة الشرطة في باريس أن «الإرهاب الإسلامي يشكل التهديد الرئيسي خلال السنوات العشرين المقبلة على الأقل على الدول الأوروبية»، وأعلنت ملكة الدانمارك أن الإرهاب الإسلامي يشكل خطراً على الأمن العالمي والأمن المحلي، ثم كرت السبحة فوجدنا أن باب الإساءة للإسلام ولتعاليمه (المرأة والجهاد…) ولرسوله الكريم، ولكتابه الشريف، وحتى إله المسلمين (كما وصفوه قاتلهم الله) تكلموا فيه… ووجدنا مختلف الأطياف السياسية والإعلامية والفكرية والدينية وعلى رأسها بابا روما… رأينا الجميع يشتركون في الحملة على الإسلام.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: من وراء هذه الحملة؟ وما وراءها من أهداف؟ وما الذي جمع هذه الأطياف المختلفة وجعلهم يشتركون فيها؟
إن حالة الممانعة التي أظهرتها الأمة الإسلامية لهذا الذي ترتكبه دول الغرب بحقها وبحق دينها، وتنامي حالة الوعي والصحوة العامة عندها على دينها، جعلت الغرب يتحقق أن الأمور تتجه بسرعة نحو إقامة دولة إسلامية جامعة، هي دولة الخلافة كما صرح بذلك مسؤولوهم، وبالتالي تتجه نحو صراع من نوع جديد، يكون طرفه الأساسي دولة مبدئية تعمل على نشر الإسلام في العالم كله، وإدخال الشعوب في دولتها، دولة عرف من التاريخ كيف تكون هذه الدولة، وكيف هي حضارتها، وكيف قضت على إمبراطوريات زمانها بإمكانات مادية قليلة تعوضها قوة روحية مذهلة، دولة كانت سنابك خيلها في أوروبا تقرع أذن كل واحد منهم وتحفر في قلبه أن الجيش الإسلامي لا يقهر… إن هذا الذي ذكرناه بدأ يشغل ذهن السياسيين في الغرب بقوة، وبدؤوا يعدون الخطط الجادة لمواجهته.
إن الغرب يعمل بشكل حثيث على أن يسبق وصول الخلافة بتفكيك المنطقة على أساس عرقي ومذهبي وطائفي، وإثارة العداوات والنعرات بين المسلمين، حتى لا تجد الخلافة القادمة أرضية قوية تقف عليها… إنه يزرع المنطقة بالقواعد العسكرية، وبقوات سلام دولية، وتجوب أساطيله وحاملات طائراته وبوارجه الحربية مياه المنطقة، ويقوم بالمناورات العسكرية. ويدعم (إسرائيل) بحيث يبقيها ذراعه العسكرية الأقوى لتساعده في القضاء على أي عمل مخلص يقوم في المنطقة، وحتى الدرع الصاروخية الأميركية التي تريد أميركا نصبها في بعض دول أوروبا الشرقية، من أهم أهداف نصبها أن توجه ضد المسلمين، هذا من ناحية…
ثم من ناحية أخرى، فإن حكام الغرب الرأسمالي غير متأكدين أنهم سيستطيعون منع إقامة خلافة، وإن إجراءاتهم التي ذكرناها قد اتخذوها لموجهة الخلافة إذا وجدت بعكس إرادتهم، ولكن هناك أمر ظهر أنهم يعملون عليه بشكل قوي، وهو أنه لما وجد حكام الغرب أنهم لا يستطيعون أن يقنعوا شعوبهم بأن ينخرطوا معهم في هذا الصراع القادم على أساس المبدأ الرأسمالي النفعي، ويرفضون الزج بأبنائهم وتقديمهم قرابين لمصالح الرأسماليين الكبار، وأطماع الحكام وسياساتهم المتهورة، رأى هؤلاء الحكام أن الطريقة الناجحة الفعالة وقد تكون الوحيدة لتوريط شعوبهم في أتون الصراع القادم ودفعهم للاهتمام به هو في شحنهم دينياً… فحكام الغرب يعلمون يقيناً أن شعوبهم إذا لم تكن معهم في الصراع القادم لا يمكنهم الانتصار فيه؛ لذلك تجري الآن عملية تحويل شعوبهم من شعوب لا مبالية نتيجة تأثرها بالفكر الرأسمالي الذي أورثها الضياع والغرق في الملذات، وفقدان الهدف في الحياة… إلى شعوب مهتمة بهذا الصراع، شعوب تمده بأبنائها، وتمحضه تأييدها، فمن هذا الباب ينفذ الغرب الآن خطة خبيثة مدروسة موزعة الأدوار، قرارها سياسي، ومتعهد تنفيذها أجهزة الاستخبارات، ووسائل تنفيذها الكتّاب والصحفيين ووسائل الإعلام ووزراء ونواب، وأساليب تنفيذها سب الإسلام، وسب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسب القرآن، والهجوم على تعاليم الإسلام، وتصوير أن الإسلام دين شر وإرهاب… وإله المسلمين يدعوهم إلى العنف، والناظر في هذه المواضيع يرى أنه هجوم في الصميم، هجوم للأسس التي يقوم عليها الإسلام، هجوم لا يمكن أن يسكت المسلمون عنه، هجوم يراد من ورائه أن يدفع المسلمين إلى ردود فعل عنيفة وعنفية وتهديدات واغتيالات ومظاهرات وتنديدات وغير ذلك من الأعمال التي سيسلط حكام الغرب الضوء عليها لتركيز الصورة عند شعوبهم أن الإسلام فعلاً هو دين عنف، والمسلمون هم فعلاً أشرار. أما حكامهم الأبالسة فإن دورهم حماية من يقوم بالإساءة، وإظهار أنفسهم أنهم محايدون، وأن عندهم حرية تعبير وحرية نشر، وأن لا قانون يجرم هذه الأعمال عندهم. ثم تعمد وسائل الإعلام من جديد إلى التسويق لشعوبهم من جديد أن سبب هذا التوتر هو الفارق بين الحضارة الغربية المتسامحة التي تقدس الحريات وبين الحضارة الإسلامية غير المتسامحة… وهذا الأمر سيبقى خاضعاً للتكرار وللتفاقم أكثر حتى يحقق هدفه؛ فيجعلوا الشعوب معهم في هذا الصراع.
وظاهر مما يجري أن بابا روما ومساعدوه متورطون في هذه الخطة، ومشتركون في هذه الحملة، وهناك أكثر من سبب لذلك، وهو أن الكنيسة في الغرب تشهد انكماشاً، وضعف تأثير، وقلة أتباع ومؤمنين بها، والحروب الصليبية تحييها كما تظن كما أحيتها من قبل، ويظن بابا روما ومن معه من الإكليروس أن الشعوب الغربية ستعود إلى كنيستها، وستعود إلى فتح أبوابها بعد طول إغلاق إذا ما قام مثل هذا الصراع…
ثم إنهم بهذه الخطة يوقفون حركة الإقبال على الإسلام القوية من قبل شعوبهم، والذي يعتبرونه أكثر من مقلق. واللافت أن الحملة الأولى للإساءة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) التي حدثت منذ سنتين أعقبها عملية أسلمة مضاعفة، ففي الدانمارك تحديداً، فقد كانت المعاهد الإسلامية في الدانمارك تشهد كل يوم حالة أسلمة واحدة، فأصبحت تشهد عشر حالات يومياً. وهذه الظاهرة لا تستطيع الأنظمة في الغرب ولا الكنيسة تحملها.
ويضاف إلى ذلك أن حكام الغرب يريدون محاصرة المسلمين من أصول إسلامية، والذين يحملون جنسيات البلاد الأوروبية التي يعيشون فيها. فهؤلاء قسم كبير منهم يرفض الاندماج في الحضارة الغربية، ويرفض أن يكون ولاؤهم الأول لحضارة الغرب وللدول الأوروبية التي يحملون جنسيتها، ويرفض أن يقاتل في سبيلها، بل يتبنى قضايا أمته الإسلامية أولاً وآخراً. فهؤلاء كذلك بهذه الخطة يضعهم حكام الغرب أمام تهديد الرأي العام ونقمته إذا ما أصروا على مواقفهم هذه ويضعهم أمام معادلة: إما أن يرحلوا عنا، وإما أن يبقوا ولكن على شروطنا، ثم إنه بهذه الخطة يستطيع أن يوقف عملية أسلمة شعوبهم التي تجري على أيدي هؤلاء.
ويضاف إلى ذلك أن سياسة الحروب المفتوحة التي يتبعها حكام الغرب ضد المسلمين، وبلاء المسلمين فيها بلاء حسن، وتكبيد الغرب الخسائر المادية الخيالية (7 تريليونات دولار تكلفة الحرب على أفغانستان والعراق) والبشرية (عشرات آلاف القتلى والإعاقات الدائمة والجرحى وعمليات الانتحار…) جعلت الشعوب الغربية ترفض وتظهر عدم رضا وموافقة لما يحدث، ويظهر ذلك في الإحصاءات، ومن المظاهرات الضخمة ضد الحرب، ومظاهرات ضد الارتكابات الشنيعة ضد المسلمين في السجون… فأصبحت الأنظمة المؤيدة لهذه الحروب في الغرب، نتيجة لهذا الرفض الشعبي المتنامي مهددة بالسقوط لمصلحة من لا يؤيد الحرب. وهذا بحد ذاته سبب كافٍ لجعل حكام الغرب يهتمون بتحويل شعوبهم باتجاه تأييد ما يقومون به.
نعم، إنها حروب صليبية بدأت متسترة من أفغانستان والعراق والصومال… ويتم فيها شحن النفوس في عملية شبيهة بعملية شحن النفوس التي قام بها بابا روما آنذاك أوربانوس الثاني ومعه رجال الدين المسيحي (الإكليروس) والملوك والأمراء والإقطاعيون، حين صوروا المسلمين ورسولهم بأبشع الصور، ولو عدنا إلى الوراء أكثر وقرأنا ما كتبه مارتن لوثر عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنه هو الشيطان وأنه أول أبناء إبليس، وأنه كان مريضاً بالصرع فيظن أنه كان يوحى إليه، لعرفنا كيف تشحن الكنائس أتباعها بكره الإسلام بطريقة مجانبة للحق، ولعرفنا ما الذي يسكن في نفوس هؤلاء من شر وكذب واختلاق وسوء نية وطوية ضد المسلمين.
بالخلاصة يستنفر حكام الغرب وكنائسها شعوبهم اليوم ليذهبوا معهم إلى حروب صليبية جديدة ضد المسلمين كما ذهبوا أول مرة.
والآن كيف يجب التعامل مع هذا المخطط الماكر الخبيث.
ابتداءً يمكننا القول إن مواجهة ما يجري أمر مطلوب. ولو كانت هناك دولة إسلامية قائمة لتولت هي عملية المواجهة، بل لنقل ربما لن تحدث أي إساءة للإسلام ولا لرسول الإسلام ولا للقرآن الكريم؛ لأن هيبة الدولة وقوتها تشكلان أكبر مانع لحدوث ما هو أقل منه… ولكن حيث إن المسلمين لا دولة لهم تحميهم وتجمع أمرهم، وتهتم بأمر دينهم، وحيث إن من يسمون اليوم بالعلماء إنما هم أبواق حكام لا يتوقع منهم نصرة دين الله ولا نصرة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يحب الله ورسوله، وحيث إن الشعوب تتصرف بمشاعرها، وقد تدفعها غيرتها الصادقة على دينها إلى التصرفات غير المناسبة. فإنه لا بد من العلم أن هذا الذي يجري يوجب على كل مسلم العمل لإقامة الدولة الإسلامية التي لو كانت قائمة لما وجدت مثل هذه الحملة، ولو وجدت لتصرفت معها بما يليق، ولجعلت من قام بذلك يدفع الثمن الغالي، فالدولة الإسلامية كانت تخوض الحروب لأقل من ذلك بكثير. فاليهود، لعنهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم، أجلاهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنهم تواطؤوا على كشف عورة امرأة مسلمة واحدة، والمعتصم جرد جيشاً جراراً بسبب استغاثة امرأة مسلمة… ولكن في انتظار أن تقوم الدولة الإسلامية الراشدة قريباً إن شاء الله.
– يجب أن يقوم المخلصون من أبناء هذه الأمة علماء، وحركات، وأفراد، بالوقوف في وجه هذه الحملة الظالمة لمنعها من تحقيق أهدافها، وعدم ترك قيادة مواجهة هذه الحملة الظالمة لا للحكام ولا لأتباعهم وأبواقهم، فإنهم أصل في الشر، ولا خير منهم يرتجى لهذا الدين. وليضع جميع المسلمين في ذهنهم أن أولى الأولويات الشرعية في المواجهة هو العمل لإقامة خلافة إسلامية راشدة يكون الخليفة فيها هو جنة المسلمين والدين.
– ويجب أن يعلم أنه في المواجهة لهذه الحملة الظالمة على الإسلام يجب التمييز بين حكام الغرب ومن شايعهم ووقف معهم وبين الشعوب. فالشعوب الغربية هي التي يجب أن يكون عليها سبق الرهان بيننا وبين حكامهم. والحكام في الغرب إنما يقومون بذلك من أجل كسب شعوبهم وأخذهم إلى صفهم، وجعلهم مطية لتحقيق أطماعهم. وعلى المسلمين أن لا يقللوا من أهمية هذا العامل، فكسب الشعوب الغربية في هذه الحملة ممكن، وذلك يكون بكشف حقيقة ما يجري مما ذكرناه سابقاً في هذا المقال، وإقناعهم بأنهم هم المقصودون من حكامهم، وأن حكامهم يريدون أن يستعملوهم مكسر عصاً لهم، وأن يحولوهم إلى وقود لحربهم. والجدير ذكره هنا في هذا المجال أن الشعوب في الغرب تشهد حالة تململ شديد مما تعيش فيه. فلا هي راضية عن كنيستها، ولا عن حكامها، ولا حتى عن أنظمتها المطبقة عليها. وهذه حالة مثالية لدعوة هذه الشعوب إلى. والجدير ذكره هنا أننا لا نريد بقولنا كسب الشعوب أن نجعلهم مسلمين، ولكن نريد القول إننا نستطيع على الأقل إقناعهم بعدم السير في مخطط حكامهم الصليبي هذا.
– ويجب الرد بإحكام وبقوة وبصراحة على كل ما يتهمون به الإسلام ونبي الإسلام، ويجب أن يكون الرد قائماً على أساس إيماني، وأن يكون هدفه إخراج الناس من العبودية لغير الله، أو الحاكمية لغير الله، فيبين مثلاً حكم تعدد الزوجات على أنه أفضل نظام ينظم العلاقة بين الرجل والمرأة. فيشرح أولاً أساسه الإيماني وهو أن الله هو الذي شرعه وليس البشر ولا أهواؤهم، ويشرح كيف أن الإسلام يهدف من خلاله ومن خلال أمثاله من الأحكام إلى وجود علاقة طاهرة نظيفة لا أنساب مختلطة وضائعة فيها. ويشرح فيها أن الدين الإسلامي هو الدين الوحيد من بين كل المبادئ الموجودة في العالم المبنية عقيدته على العقل، فالكنيسة تحرم الإيمان بالعقل وتعتبر التفكير سبيلاً إلى التكفير، وهي خالية من أنظمة الحياة، بينما الرأسمالية تقوم على الحل الوسط لا على العقل فيبين بأن ما قاله بابا روما عن الإسلام بأنه لا يحترم العقل هو محض كذب وافتراء… فما أكثر ما يستطيع المسلم أن يتكلم به في هذا المجال، وبهذا نكون قد استفدنا حقيقة من هذه الحملة بتحويلها إلى عكس ما رسم لها…
– إن المواجهة تقتضي مواجهة من يتعرض للإسلام لا بقتله ولا بتهديده. وإنما بكشفه، وكشف المخطط الذي يقوم به، وكشف الأهداف الدنيئة التي يسعى إلى تحقيقها من ورائه. والرد عليه بما يظهره أنه سفيه ويريد الإساءة للإسلام لأهداف مشبوهة لا لأهداف موضوعية… فلينـزل من يريد المنازلة منهم إلى ساحة معركة الأفكار فإنها أفضل سبيل لجعل هؤلاء ينكصون على أعقابهم. والجدير ذكره في هذا المقام أن حكام الغرب وأجهزة الاستخبارات فيها تتمنى لو يقتل المسلمون أولئك الذين يهاجمون دينهم لتسعير الصراع أكثر، ولأن ذلك يحقق أهدافهم… وربما لو وعى هؤلاء الذين يهاجمون الإسلام على هذه الحقيقة وانتبهوا لتوقفوا عن افتراءاتهم…
– إن المواجهة تقتضي الدعوة لقطع العلاقات مع الدول، والمتوقع أن لا يستجيب حكام المسلمين لهذه المقاطعة، فلتوجه النقمة على هؤلاء الحكام الذين لا يهمهم دينهم ولا رسولهم في شيء، خاصة وأن من هؤلاء الحكام من قام باستقبال بابا روما بنديكتوس السادس عشر الحالي بعد إساءته للإسلام.
وباختصار، يجب أن تقوم مواجهة هذه الحملة الظالمة على بصيرة.
وفي الختام، إذا كان حكام الغرب يريدون من شعوبهم أن تلتف حولهم من أجل خوض حروبهم الصليبية، ففي المقابل فإننا نريد من شعوبنا الإسلامية أن تلتف حول العمل لإقامة الخلافة الراشدة التي تقطع دابر أمثال هؤلاء. وتقطع ألسنتهم عن تناول الإسلام بهذا الشكل المهين. وإننا نذكر المسلمين أن الحروب الصليبية الأولى بقيت حملاتها تتالى على المسلمين حتى جاء القائد المظفر صلاح الدين الأيوبي، فوحد بلاد المسلمين وجمع أمرهم أولاً ثم قضى على الصليبيين… ونحن اليوم، فإن الحملات الصليبية التي تتالى على بلاد المسلمين لن يقطع دابرها إلا خليفة راشد، يوحد بلاد المسلمين عن طريق خلافة راشدة أولاً، ثم لا يكتفي أن يرد الصليبيين الجدد إلى عقر دارهم، بل يتعقبهم ليقضي عليهم ويريح العالم كله من شرورهم، بما فيه الشعوب الغربية نفسها، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ويستظل غيرهم بظله… فإلى العمل لإقامة الخلافة الراشدة ندعو المسلمين جميعاً، قال تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد 7].
أحمد المحمود
2008-03-26