اتهامات فتحي يكن أمام الحقائق (2)
1999/01/25م
المقالات
2,681 زيارة
د- يقول يكن: (كيف يحلل الحزب القتال تحت لواء عميل لدولة كافرة؟ أليس في قتال المسلمين مع الكفار ضرباً لهم وهلاكاً؟ ثم أليس تحقيق أهداف الكفار حراماً؟ وهل يجوز أن يعمل المسلم لها ويقاتل من أجلها… وتبعاً لهذه المنطق يمكن للحاكم أن يدفع بالمسلمين للقتال مع أميركا ضد روسيا أو مع روسيا ضد الصين).
ما يكتبه هو بتر للنصوص عن سياقها، ثم يحذف منها شيئاً ويزيد عليها شيئاً ليخرجها عن معناها ويرتبها كما يشتهي.
أولاً: لم يقل الحزب بأنه يجوز أن يقاتل المسلمون مع الكفار، فهذا القول هو تأليف من يكن. وثانياً: لم يقل الحزب بأنه يجوز أن يكون حاكم المسلمين عميلاً للكفار، فهذا من الكبائر. وثالثاً: لم يقل بأنه يجوز لحاكم المسلمين العميل أن يهيئ معركة مصطعنة مع الكفار لتنفيذ خطة لدولة كافرة. كل هذا حرام. وقد صاغ يكن كلامه ليوهم القارئ أن حزب التحرير يجيز ذلك، ثم أخذ يهاجم الحزب وهجومه يرتد عليه.
إذا أردنا أن نسأل يكن عن مقاتلة إسرائيل في 1948 و1956 و1967 و1973 و1982 وغيرها. أليس الحكام العرب الذين خاضوا هذه المعارك عملاء؟ أليسوا فُجاراً يحكمون بأنظمة الكفر؟ هل كان الجنود والمتطوعين الذين قاتلوا تحت إمرة هؤلاء الحكام آثمين؟ وإذا قرر الآن بعض هؤلاء الحكام أن يدخلوا حرب ضد إسرائيل أليس واجباً على جيوشهم وشعوبهم أن تحارب تحت رايتهم؟
في العدوان الثلاثي (الإنجليزي الفرنسي الإسرائيلي) على مصر سنة 1956، ألم يكن التصدي لهذا العدوان تحت راية جمال عبد الناصر واجباً؟ في حرب 1973 التي بدأتها مصر وسوريا ضد إسرائيل ألم يكن القتال واجباً؟ علماً أنها كانت مخططاً لها مع أميركا.
أما إذا كان القتال بين المسلمين فإنه حرام ولا يجوز للمسلمين أن يشتركوا فيه ولو أمرهم حاكمهم. وذلك كالقتال الذي حصل بين العراق وإيران، أو القتال الحاصل الآن في أفغانستان، أو ما شاكل ذلك.
الحزب طرح سؤالاً فقهياً دقيقاً بشأن الجهاد تحت راية الحاكم الفاجر العميل كشأن الكثير من حكام المسلمين اليوم. والسؤال هو: (إن العميل قد يهيئ معركة مصطنعة مع الكفار لتنفيذ خطة لدولة كافرة. فهل في هذه الحال يجب القتال تحت راية ذلك الحاكم العميل؟) وأجاب: (إن كانت هذه الخطة ليس فيها ضرب للمسلمين، ولا إيقاع أذىً بهم فالقتال واجب تحت راية ذلك الحاكم، ولو كان تنفيذاً لخطة دولة كافرة، ما دام قتالاً للكفار، لأن أدلة الجهاد جاءت عامة غير مقيدة…).
فالمسألة ليست إقراراً ورضىً من الحزب بالحاكم الفاجر العميل وتهيئته مع الكفار لخوض معركة، بل المسألة: ما هو حكم الشرع فيما إذا بُلِيَ المسلمون بمثل هذا الحاكم وبمثل هذه المعارك؟
أما ما يقوله يكن: (وتبعاً لهذا المنطق يمكن للحاكم أن يدفع بالمسلمين للقتال مع أميركا ضد روسيا أو مع روسيا ضد الصين) فهذا من شطحات يكن، وهو عكس ما قاله الحزب. فالحزب يقول بأنه لا يجوز أن يقاتل الجيش الاسلامي مع جيش كافر. ويقول بأن العميل إذا كان سيدخل معركة ضد الكفار فيها ضرب للمسلمين أو إيقاع أذىً بهم فإنه لا يطاع.
هـ- قال يكن: (يحرّم الحزب على أعضائه الاعتقاد بعذاب القبر وبظهور المسيح الدجال، ومن يعتقدْ هذا في نظرهم يَكُنْ آثماً).
ونقول له: الحزب لا يحرّم ولا يحلّل. والتحليل والتحريم هو لله وحده. والعملاء يفهمون الحلال والحرام من شرع الله. الحزب، مثل سائر أهل الاسلام، يقول بأن العقائد لا تكفي فيها غلبة الظن بل لا بدّ فيها من اليقين. أما الأحكام الشرعية العملية فتكفي فيها غلبة الظن بل لا بدّ فيها من اليقين. أما الأحكام الشرعية العملية فتكفي فيها غلبة الظن. مسألة عذاب القبر ومسألة ظهور المسيح الدجال هما من نوع العقائد. بعض المسلمين يرى أن الأحاديث تواترت في هاتين المسألتين، فيصبح الأمر بحقهم وجوب الاعتقاد بهما ويصبح إنكارهما في حقهم كفراً. وبعض المسملين يرى أن التواتر لم يحصل، لأن التواتر ليس مجرد وجود العدد الكبير من الروايات، فعدد الروايات الكبير ضروري ولكنه غير كافٍ. بل لا بد أن تكون هذه الروايات غير معارَضة بروايات أخرى أو بمعان قرآنية. وهنا قد جاءت معانٍ قرآنية وجاءت روايات أخرى معارضة. وهذا ما أنزل الروايات المؤيدة عن مرتبة التواتر (اليقين) إلى مرتبة غلبة الظن.
ولكن هذا لا يعني أنه يجوز تكذيب مسألة عذاب القبر، أو تكذيب مسألة ظهور المسيح الدجال. لا يجوز تكذيب ذلك، ويأثم من يكذّب ذلك. ويُطلب التصديق، لكن ليس التصديق الجازم، لأن التصديق الجازم هو الاعتقاد. وما دامت لم تتوفر للمسألة عناصر التصديق الجازم فلا يجوز للمسلم أن يصدقها تصديقاً جازماً. لقد وفرت لها الروايات التي وردت عناصر غلبة الظن، فصار المسلم مطالباً بأخذ القدر الذي تعطيه الروايات والأدلة، ولا يجوز له شرعاً إدخال مزاحه في الموضوع، فلا يكذبها ولا يرفعها إلى اليقين. فإن كذبها أثم، وإن رفعها إلى اليقين أثم.
جاء في كتاب «الشخصية الاسلامية»، الجزء الأول، الطبعة الرابعة، صفحة 189: (أما إذا كان الدليل خبر آحاد فإنه لا يكون قطعياً، فإن كان صحيحاً فإنه يفيد غلبة الظن، فتصدق العقائد التي جاء بها تصديقاً ظنياً، لا تصديقاً جازماً، ولهذا لا جوز أن تعتقد ولا يجوز أن يجزم بها. لأن العقدية قطع وجزم، وخير الآحاد لا يفيد قطعاً ولا جزماً، وإنما يفيد الظن، ولا يكفر منكره، ولكن لا يجوز أن يكذب، لأنه لو جاز تكذيبه لجاز تكذيب جميع الأحكام الشرعية المأخوذة من الأدلة الظنية، ولم يقل بذلك أحد من المسلمين).
وجاء في الدوسية صفحة 7: (غير أنه ينبغي أن يعلم أن الحرام هو الاعتقاد وليس مجرد التصديق، التصديق لا شيء فيه، وهو غير حرام ولكن الحزم هو الحرام، أي التصديق الجازم هو الحرام، لأنه جزم بني على ظن، ولذم الله لمن يبني عقيدته على ظن. إلا أن عدم الاعتقاد لا يعني الإنكار، وإنما يعني فقط عدم الجزم، فليس معنى لا أعتقد بالشيء أنكره، بل معناه لا أجزم به، فلا بد من ملاحظة هذه الناحية الدقيقة ملاحظة تامة، لأنه قد وردت أحاديث صحيحة ظنية في أمور تعتبر من العقائد وليست من الأحكام الشرعية، فليس معنى تحريم الاعتقاد بالظن رفض ما في هذه الأحاديث، ولكنها تقبل وتصدق ويصدق ما جاء فيها تصديقاً غير جازم، والحرام إنما هو الاعتقاد بها أي الجزم بها. بل منها ما جاء النص طالباً العمل به فيعمل به، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال». وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المغرم والمأثم»).
هذا ما يقوله الحزب بشكل واضح، وهو التصديق بعذاب القبر وبظهور المسيح الدجال. بينما حاول يكن في صياغته للكلام وفي إبراز العناوين للجريدة الإيحاء بأن الحزب يكذب بذلك.
ثالثاً: مسائل قالها أفراد في الحزب، وهي ليست رأياً للحزب.
قال يكن: (قام الحزب بإصدار فتاوى وإعطاء أحكام فقهية، وألزم أتباعه بتبني هذه الأحكام والعمل على نشرها ومن ذلك: إباحة النظر إلى الصور العارية. إباحته تقبيل المرأة الأجنبية بشهوة وبغير شهوة، وكذلك مصافحتها. قوله بجواز أن تلبس المرأة الباروكة أو البنطال. قوله بسقوط الصلاة عن رجل الفضاء المسلم. قوله بسقوط الصلاة والصوم عن سكان القطبين).
ونريد أن يفهم يكن، إذا كان يحب أن يفهم، أن هذه ليست فتاوى حزب التحرير وليست آراؤه، وليست موجودة فيما تبناه أو أصدره من كتب. حزب التحرير يضع توقيعه على كل نشرة أو كتاب يصدر عنه. فإذا كانت النشرة التي ينسبها يكن إلى الحزب موقعة من الحزب فهي تكون عندئذ صادرة من الحزب ويكون الحزب مسؤولاً عنها. أما إذا لم تكن موقعة فيه لا تعبر عن رأي الحزب حتى لو أصدرها مسؤول في الحزب.
بعض الناس وبعض شباب الحزب يحملون أسئلتهم الفقهية والفكرية والسياسية إلى مسؤولي الحزب وأعضائه بسبب الاطمئنان إلى إجابتهم. فيقوم مسؤول الحزب أو عضو الحزب بالإجابة حسب علمه وقدرته. وأحياناً يقوم هذا المسؤول بنشر إجابته في منطقة مسؤوليته تحت عنوان: جواب سؤال. ولا تكون هذه الأجابات ملزمة للشباب، لا في منطقة المسؤول الذي نشرها ولا في غيرها. حتى لو صدرت الإجابات غير الموقعة من أمير الحزب فإنها لا تكون ملزمة لأحد من الشباب، لأنها غير متبناة. فأين هذا الواقع من قول يكن: (وألزم أتباعه بتبني هذه الأحكام والعمل على نشرها)؟!
ولذلك فلن نعلق هنا على مسألة صلاة رجل الفضاء المسلم حال كونه يدور في الفضاء، ولن نعلق على مسألة صلاة سكان القطبين وصومهم. وهذه من أمور العبادات، والحزب لا يتبنى فيها، بل كل واحد من شبابه يقلد المذهب الذي يتبعه.
وأما النظر إلى الصور فإن الحزب لم يتبن شيئاً خاصاً به، بل الحزب عنده قاعدة: «الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم» وقاعدة: «الوسيلة إلى الحرام حرام». ومن القاعدتين يمكن أن نستنبط أن النظر إلى الصور مباح ما لم يوصل إلى حرام. فالصورة هي من الأشياء، والأصل فيها الإباحة. فإذا لم يوصل النظر إليها إلى حرام فإنه يبقى مباحاً.
ونريد أن نسأل يكن ألا ينظر هو إلى نشرة الأخبار في التلفزيون؟ هل المذيعات اللاتي يستمع وينظر إلى صورهن كلهن محجبات الحجاب الشرعي؟ أما النظر إلى الصور الجنسية العارية بقصد إثارة الشهورة التي من شأنها أن تجر إلى الخلاعة أو إلى شيء من الحرام فإن هذا حرام. والحزب يتبنى أن الدولة الاسلامية تمنع نشر الصور الخلاعية وتداولها في أي مكان عام أو وسيلة عامة. جاء في كتاب «نظام العقوبات» الطبعة الثانية صفحة 184، وهو من الكتب التي أصدرها الحزب، تحت عنوان: «وقائع من التعزير وعقوبات متبناة لها» ما نصه: «كل من طبع أو باع أو أحرز بقصد البيع أو التوزيع، أو عرض أية مادة مزينة مطبوعة أو مخطوطة، أو أية صورة، أو رسم نموذجي، أو أي شيء آخر يؤدي إلى فساد الأخلاق يعاقب بالحبس حتى ستة أشهر». وجاء في كتاب نظام الإسلام صفحة 62، وهو من الكتب التي يتبناها حزب التحرير، تحت عنوان «الحضارة الاسلامية» ما نصه: «فمثلاً: الصورة شكل مدني، والحضارة الغربية تعتبر صورة امرأة عارية تبرز فيها جميع مفاتنها شكلاً مدنياً يتفق مع مفاهيمها في الحياة عن المرأة. ولذلك يعتبرها الغربي قطعة فنية يعتز بها كشكل مدني، وقطعة فنية إذا استكملت شروط الفن. ولكن هذا الشكل يتناقض مع حضارة الإسلام، ويخالف مفاهيمه عن المرأة التي هي عرض يجب أن يصان، ولذلك يمنع هذا التصوير لأنه يسبب إثارة غريزة النوع، ويؤدي إلى فوضوية الأخلاق»
وأما مسألة تقبيل المرأة الأجنبية فإن النشرة أو النشرات (جواب سؤال) التي يشير إليها يكن لم تصدر من الحزب، وإنما أصدرها مسؤول في الحزب جواباً على أسئلة وجهت إليه. الحزب لم يتبن ما جاء على لسان هذا المسؤول. بل إن الحزب ألغى ما جاء في تلك الإجابة لأنه مناقض لما هو متبنى عند الحزب في كتاب «النظام الاجتماعي في الإسلام» فقد جاء في هذا الكتاب الطبعة الثانية صفحة 35: (… تقبيل المرأة للرجل والرجل للمرأة حرام لأنه لا يكون بغير شهوة مطلقاً). وهذا كان متبى منذ قيام الحزب، أي قبل أن يصدر المسؤول (جواب سؤال). وجاء في الطبعة الثالثة (سنة 1410هـ ـ 1990م) صفحة 58: (فقبلة الرجل لامرأة أجنبية يريدها، وقبلة المرأة لرجل أجنبي تريده هي قبلة محرمة… ولو كانت من غير شهوة… فهذه القبلة تكون محرمة، حتى لو كانت للسلام على قادم من سفر، لأن من شأن مثل هذه القبلة بين الشباب والشابات أن تكون من مقدمات الزني).
هذا هو يا سيد يكن ما قال ويقوله حزب التحرير في شأن قبلة الأجنبية. وأنت ماذا تقول بشأن تقبيل الأجنبية؟ حين قام الرئيس الهرواي بتقبيل السيدة نائلة معوض أمامك في حفلة النائب سايد عقل التي كنت أنت بين المدعوين إليها، سألك الهرواي: ماذا تقول يا أستاذ فتحي (أي بهذا التقبيل)؟ فكان جوابك: (حسب النوايا يا فخامة الرئيس). وفي تلك الحفلة أيضاً، يا أستاذ فتحي، أديرت كؤوس الخمر من حولك، وشربوا حتى فقدوا صوابهم، وأنت جالس بينهم. ثم تأتي أنت إياك لتقول بأن منطق حزب التحرير يحلل شراء الخمر من غير المسلمين.
وأما مسألة لبس المرأة الباروكةَ والبنطال في الحياة العامة فإنها أيضاً ليست من المسائل التي يتبناها الحزب، بل هي مخالفة لما يتبناه الحزب. جاء في كتاب «النظام الاجتماعي في الإسلام» الطبعة الثالثة صفحة 102: (أمَرَ النساء بالحشمة وبارتداء اللباس الكامل في الحياة العامة… وقد وصف القرآن هذا اللباس وصفاً دقيقاً كاملاً شاملاً. والمرأة حين تلبس هذا اللباس الكامل وتضرب بخمارها على جيبها فتلوي غطاء رأسها على عنقها وصدرها، وحين تدني عليها جلبابها فترخي ملاءتها أو ملحفتها إلى أسفل كي تستر جميع جسمها حتى قدميها، تكون قد لبست اللباس الكامل).
وجاء في شرح المادة 101 من كتاب «مقدمة الدستور» التي رقمها 109 في كتاب «الدولة الاسلامية»: (إنه أمَرَ المرأة في الحياة العامة باللباس الكامل المحتشم… اللباس الذي وصفه الله في القرآن بقوله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) بالنسبة للباس من الأعلى، وبقوله: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ) بالنسبة للباس من أسفل). فالحزب لا يجيز أن تخرج المرأة إلى الأمكنة العامة إلا وهي لابسة لباس الحياة العامة، وهو الجلباب والخمار. فلا يجوز أن تلبس البنطال بدل الجلباب في الحياة العامة، ولا يجوز أن تلبس الباروكة بدل الخمار في الحياة العامة. جاء في الكتاب المذكور صفحة 104: (فكل زينة غير عادية تلفت نظر الرجال، وتظهر محاسن المرأة تكون من التبرج إذا ظهرت بها المرأة في الحياة العامة، أو ظهرت بها في الحياة الخاصة أمام الرجال الأجانب. كالتعطر، ووضع الأصباغ على الوجه، ولبس الباروكة على الرأس دون خمار، ولبس البنطال دون جلباب عندما تخرج للحياة العامة).
وأما مسألة المصافحة فإن الحزب قال في كتبه إنها جائزة. وهذه من المسائل الخلافية بين الفقهاء. وتوصل الحزب بعد دراسة هذه المسألة إلى أن الرأي الراجح هو جواز المصافحة ما دامت بعيدة عن قصد التمتع الجنسي. وعرض الحزب أدلته الشرعية في غير موضع من كتبه. من هذه الأدلة حديث أم عطية الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما (عن أم عطية قالت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا (لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا) ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة منا يدها، قالت: أسعدتني فلانة فأريد أن أجزيها. فما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً. فانطلقت ورجعت فبايعها). يعني أن النساء كن مددن أيديهن للمبايعة وبايعن ما عدا التي قبضت يدها حينئذ. ثم عادت فيما بعد وبايعت.
ومن هذه الأدلة حديث مصافحته صلى الله عليه وسلم لهند زوج أبي سفيان بعد فتح مكة. فقد روى الطبري عن ابن عباس أن هنداً كانت متنكرة بين النساء فرقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت تجادل عند كل بند من بنود بيعة النساء ( وعرفها صلى الله عليه وسلم فدعاها فأخذت بيده فعاذت به، فقال: «أنت هند؟» قالت: عفا الله عما سلف. فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم). ومحل الشاهد (فأخذت بيده). وروى ذلك ابن أبي حاتم أيضاً قال: (جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه فنظر إلى يدها فقال: «إذهبي فغيري يدك» فذهبت فغيرتها بحناء ثم جاءت.. فبايعته).
ومن الأدلة ما أخرجه الإمام مسلم: (ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها، فإذا أخذ عليها فأعطته قال: «إذهبي فقد بايعتك»). والاستثناء في الحديث ليس منقطعاً، كما يؤوله المانعون، لأن المستثني من جنس المستثنى منه.
وأما حديث عائشة الذي رواه البخاري: (فمن أقر بهذا الشرط شروط بيعة آية النساء من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد بايعتك» كلاماً، ولا والله ما مست يده يد امرأة في مبايعة قط، ما يبايعهن إلا بقوله: «قد بايعتك على ذلك») فهو الذي يستند إليه من يمنع المصافحة وهو: أولاً: يعبر عن مبلغ علمها في المسألة، وهذا العلم كان فيه نقص لأنها لم تلحظ بيعة أم عطية ولا بيعة هند زوج أبي سفيان حيث حصلت المصافحة. والذي يدل عليه حديث عائشة هذا، وغيره مثل حديث أميمة بنت رقيقة الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لا أصافح النساء…» هو أنه كانت مصافحته للنساء قليلة بحيث خفيت عن عائشة. ونظير ذلك أنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال بأنه لا يقبل هدية مشرك، وقبلها فعلاً غير مرة. وثانياً: فإن حديث عائشة لا يتضمن نهياً بل يتضمن امتناعاً فقط، وشتان بين الامتناع والنهي. وثالثاً: فإن حديث عائشة يحصر البيعة بالقول فقط مع أن حديث أم عطية صرح بشيء آخر غير القول، وهو بسط الأيدي. ولذلك صار بعضهم يقول: بسطن أيديهن في الهواء، وآخرون يقولون: كانت المصافحة من فوق حائل، أو بوضع الأيدي في وعاء فيه ماء، أو بالإمساك بطرف عصا. وكل ذلك يتعارض مع (القول فقط).
والعلماء تركوا قول عائشة وأخذوا قول عمر وابن عمر بشأن الميت الذي يعذب بسبب بكاء أهله عليه، وبشأن الميت الذي يسمع أصوات الأحياء، حيث ردت عائشة قولهما وقالت إنهما (وهلا) أي لم يعرفا بدقة ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحجة الذين ردوا قول عائشة أن هذا يعبر عن مبلغ علمها. وفي حديث المصافحة يقال أيضاً: هذا مبلغ علمها.
وأما حديث: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له»فإن المس هنا محمول على المداعبة الجنسية، بقرينة قوله: «يمس امرأة» ولم يقل (يمس يد امرأة). وبقرينة حديث الذي جاءت امرأة إلى دكانة، وفي رواية إلى بستانه، ففعل معها كل ما يفعله الرجل مع زوجته إلا أنه لم يواقعها، وكانت كفارته أن يتوضأ ويصلي.
فماذا يقول يكن بعد ذلك في المصافحة هذه؟ وهذا أستاذه الدكتور يوسف القرضاوي يبيح المصافحة، وأستاذه الآخر نجم الدين أربكان يطيل مصافحة طانسو شيللر على التلفزيون.
رابعاً: مسائل يتبناها الحزب، وينتقدها يكن، ربما لأنه لم يستطع فهمها أو لأنه مغرض:
أ- قال يكن: (إن حزب التحرير لا يعتبر حكام تركيا عملاء، في حين يعتبر حكام الدول الأخرى عملاء… علماً بأن هذا الكلام كتب منذ ما يقرب من عشرين عاماً).
حزب التحرير قال مثل هذا الكلام سنة 1965، أي قبل أكثر من 33 عاماً، وليس 20 عاماً كما قال يكن. ويومئذ لم يكن حكام تركيا عملاء للغرب بل كانوا حلفاء للغرب. ووصف الحزب لهم بأنهم ليسوا عملاء ليس من قبيل المديح إذ قال يكون الحليف للكفار أسوأ حالاً من العميل لهم، بل هو إدراك دقيق لواقعهم. وقد جاء هذا الكلام في سياق كيفية التعامل مع الحاكم العميل والحاكم غير العميل.
ب- قال يكن: (أخطأ حزب التحرير حين اعتمد فكرة تبني الأحكام الشرعية… مما جعله مذهباً خامساً).
سبق أن بينا عدم صحة كلام يكن حين قال بأن الحزب تبنى في كل القضايا وكل المسائل حتى صار مذهباً خامساً. وقلنا بأن الحزب تبنى ما يلزمه في سيره كحزب سياسي لإعادة الخلافة وإقامة الدين. وهذا من الضروريات سواء فهمه يكن أم عجز عن فهمه.
حين بدأ الحزب في أوائل الخمسينيات كانت غالبية الحركات الاسلامية لا تعرف ما هو نظام الحكم في الاسلام، ولا ما هو النظام الاقتصادي في الاسلام، ولا ما هي السياسة الخارجية للدولة الاسلامية… الخ فوجد الحزب أن الحاجة ماسة لوضع هيكل محدد المعالم للنظام الاسلامي الذي يدعو الأمة للانتقال إليه عبر هدم نظام الكفر القائم. فوضع الخطوط العريضة التي تكفي لإيجاد القناعة التامة والتصور الواضح للهدف المطلوب. قال يكن عن هذا العمل مستهزئاً: (للحزب دستور مؤلف من 187 مادة معد للدولة الاسلامية المتوقعة، وقد شرح هذا الدستور شرحاً مفصلاً، ولا يخرج هذا العمل عن أن يكون مجرد ترف فكري بعيد عن أرض الواقع).
جماعة «الإخوان المسلمين» في سوريا سنة 1981 اعتمدوا دستور حزب التحرير للتطبيق فيها لو نجحوا في الوصول إلى الحكم. والجبهة الاسلامية للإنقاذ في الجزائر سنة 1991 اعتمدوا دستور حزب التحرير للتطبيق فيما لو نجحوا في الوصول إلى الحكم. ملك المغرب (الحسن) أخذ يلوم الجيش الجزائري الذي ألغى الانتخابات في نهاية سنة 1992 خوفاً من نجاح الجبهة الاسلامية للإنقاذ. وكان لسان حال الملك: (أنكم لو تركتموهم يصلون إلى السلطة فإنهم سيفشلون وسيسقطون من تلقاء أنفسهم، لأنهم لا يملكون رؤية اسلامية واضحة عن الحكم). والآن جميع العلمانيين في البلاد الاسلامية يظنون أن الإسلام لا يوجد فيه أنظمة وحلول للمشاكل العصرية. وكذلك غالبية الحركات الاسلامية تظن أن الإسلام لا يوجد فيه ما يكفي ويناسب العصر. حتى أنت يا أستاذ يكن لا تثق بقدرة الإسلام، وإلا لما كنت تدعو إلى أخذ الديمقراطية الغربية، ولما كنت تدعو إلى الانخراط والمشاركة في أنظمة الكفر الحالية.
ج- قال يكن: (أخطأ حزب التحرير خطأ فادحاً حين اعتمد الفكر، أولاً وآخراً وسيلة لبناء الشخصية الاسلامية… لذلك بقي نشاط الحزب جدلياً بارداً، وأقحم نفسه في متاهات من المناظرات الكلامية لم يكن لها إلا الوقع السيء بين الناس ونظراً لانحسار مفهوم الروح عند الحزب فقد أهمل رياضة القلب، وكل ما من شأنه تزكية النفس وتهذيبها).
حزب التحرير اعتمد على الفكر أولاً في بناء الشخصية الاسلامية، وليس أولاً وآخراً. بَيْنَ كتب الحزب يوجد كتاب اسمة «الشخصية الاسلامية» الجزء الأول، وقد كَتبَ في أوله بحثاً عن الشخصية بشكل عام، ثم أتبعه بحثاً عن الشخصية الاسلامية. ولو كان يكن يدقق في ما يقرأ لوجد أن الحزب يقول بأن الشخصية تتألف من العقلية والنفسية. العقلية تقوم على الفكر (العقل)، وأما النفسية فعنصرها الأول هو الدوافع المنبثقة من الغرائز، (ومنها غريزة التدين)، ومن الحاجات العضوية. وهذه الدوافع تتكيف آلياً وتتبلور بحسب المفاهيم والقناعات الموجودة عند الشخص. هذه المفاهيم والقناعات هي العنصر الثاني للنفسية. هذه الدوافع المربوطة بالمفاهيم والمتكيفة بموجبها تشكل ما يسمى بالميول عند الشخص، أي نفسية الشخص. وهذه النفسية مع العقلية تكوّن الشخصية. فمن كانت عقليته إسلامية ونفسيته إسلامية كان شخصية إسلامية. ونقتطف فيما يلي عبارات من بحث «الشخصية الاسلامية»:
(وهكذا نجد الإسلام يكوّن الشخصية الاسلامية بالعقيدة الاسلامية، فبها تتكون عقليته وبها نفسها تتكون نفسيته)، (إن العقلية الاسلامية هي التي تفكّر على أساس الإسلام)، (أما النفسية الاسلامية فهي التي تجعل ميولها كلها على أساس الإسلام)، (نعم إن الإسلام أمر بالاستزادة من الثقافة الاسلامية لتنمو هذه العقلية وتصبح قادرة على قياس كل فكر من الأفكار، وأمَرَ بأكثر من الفروض ونهى عن أكثر من المحرمات لتقوى هذه النفسية وتصبح قادرة على ردع كل ميل يخالف الإسلام)، (والمسلم حين تتكون لديه العقلية الاسلامية والنفسية الاسلامية يصبح مؤهلاً للجندية والقيادة في آن واحد. جامعاً بين الرحمة والشدة، والزهد والنعيم، ويفهم الحياة فهماً صحيحاً فيستولي على الحياة الدنيا بحقها، وينال الآخرة بالسعي لها. ولذا لا تغلب عليه صفة من صفات عُبّاد الدنيا، ولا يأخذه الهَوَسُ الديني ولا التقشفُ الهندي، وهو حين يكون بطلَ جهاد يكون حليفَ محراب، وفي الوقت الذي يكون فيه سرِياً (حاكماً) يكون متواضعاً. ويجمع بين الإمارة والفقه، وبين التجارة والسياسة، وأسمى صفة من صفاته أنه عبد الله تعالى خالقه وبارئه. ولذلك تجده خاشعاً في صلاته، مُعْرضاً عن لغو القول، مؤدياً لزكاته، غاضاً لبصره، حافظاً لأماناته، وفيّاً بعهده، منجزاً وعدَه، مجاهداً في سبيل الله. هذا هو المسلم، وهذا هو المؤمن، وهذا هو الشخصية الاسلامية التي يكونها الإسلام ويجعل الانسان بها خير بني الإنسان). هذا ما عليه ثقافة حزب التحرير التي يعمل على إعداد شبابه بها.
أما عن مفهوم الروح فإن الحزب يحذر المسلمين من غشاوات التأثر بالأفكار الزائفة القادمة إليهم من الفلسفة الهندية وتشجع عليها عقيدة (فصل الدين عن الحياة). والحزب يقول إن المسلم يحس بالمشاعر الدينية بشكل غريزي مثله مثل غيره من البشر؛ لأن غريزة التدين فطرية فيهم. فإذا صارت مشاعر التدين عند المسلمين كما هي عند غيرهم، مشاعر غريزية بحثتة تتطلب الإشباع دون عقل يهديها، بعدوا عن مشاعر الروحانية الحقة التي يتطلبها الإسلام. فالإيمان بالله عقلي، وهذا الإيمان يحتم على المسلم أن يتقيّد في كل عمل بأوامر الله ونواهيه ويجعل الإيمان أساساً لكل أعماله. فعندما يدرك الإنسان صلته بخالقه، ويقوم بتسيير أ‘ماله كلها وفق هذه الصلة تنشأ عنده روحانية فائقة. من هنا يحذّر الحزبُ المسلمين وشبابه من أن تكون الروحانية عندهم غريزياً، كما هو عند الآخرين. وهنا تظهر الروحانية في كل عمل يقوم به المسلم على هذا الأساس. وكما هي توجد في المحراب، وعند قيام الليل وصيام التطوع وقراءة القرآن، تبرز كذلك في البيع والشراء، وفي الدعوة إلى الله والصبر على أمره وتحمل مشقات الدعوة، وفي الجهاد، وفي التفكير في مخلوقات الله وربطها بخالقها ومبدعها.. وتبرز كذلك في الامتناع عن أي عمل يحرمه الشرع، فمن دعته امرأة إلى نفسها وامتنع بناء على إيمانه بالله، ومن فتحت له الدنيا باب شرورها وامتنع عن ذلك إيماناً بالله وطاعة له، ومن رفض مناصب الدنيا لأنها ليست قائمة على أمر الله.. أحس كذلك بروحانية فائفة. لأنه يحكم الإيمان بالله في عمله أو في امتناعه عن أي عمل. إنه عندما يكون معنى الروح عند الحزب بهذا الفهم الصحيح تنشأ عند شبابه الروحانية الصحيحة غير الخادعة. أما الروحانية الخادعة التي ابتلي بها كثير من المسلمين فإنها تجعلهم يعيشون تناقضاً بين مشاعرهم وأعمالهم، فتكون مشاعرهم الدينية غريزية، وتكون أعمالهم مما تبعدهم عن الله ولا تقربهم منه. فهل هذا الفهم يبعد شباب الحزب عن الله أو يغلب عليهم الجفاء. إن الحزب كما رأينا يحرص على الفكر والمشاعر في تكوين الشخصية الاسلامية، ويحرص على أن تكون المشاعر الدينية مرتبطة بالإيمان بالله. والإيمان بالله هو أساس كل خير للمسلم والمستند الأول لحمل الدعوة. أنظر إلى الحزب وهو يقول في كتاب «مفاهيم حزب التحرير» ص 58 ما نصه: «يجب أن يكون استناد حملة الدعوة إلى شيء واحد هو الإيمان بالله تعالى، وأن يكون عملهم متركزاً فقط على هذا الإيمان لا على غيره. وبالإيمان بالله ولا بغيره يكون نجاح الدعوة. والإيمان بالله لا بغيره يكون نجاح الدعوة. والإيمان بالله يوجب صحة التوكل عليه، واستمداد العون منه، لأنه وحده الذي يعلم السر وأخفى، وهو الذي يوفق حملة الدعوة ويهديهم سبيل الرشاد وطريق الهدى. ولذلك كان لا بد من قوة الإيمان، ولا بد من كمال التوكل على الله. ودوام استمداد العون منه تعالى. والإيمان يحتم على المؤمن الإيمان بالمبدأ أي الإيمان بالإسلام بأنه من عند الله تعالى. ويحتم أن يكون هذا الإيمان إيماناً راسخاً ثابتاً لا ارتياب فيه، ولا يحتمل أن يتطرق إليه ارتياب. لأن كل خطرة ريب في المبدأ تجر إلى الإخفاق بل ربما جرت إلى التمرد والعياذ بالله. وهذا الإيمان القوي الذي لا يتطرق إليه ريب أمر حتمي لحملة الدعوة، أنه هو الذي يضمن دوام سير الدعوة بخطى سريعة واسعة في طريقها المستقيم».
فهل من يكون الإيمان أساس عمله ومنه يستمد صبره وثباته على الحق يكون كما وصفه يكن بوصفه البعيد عن الحق؟!
ونا يحسن التعريج على بحث يصب في موضوعنا هذا، وهو طريقة الإسلام في الدرس. فالحزب في كتاب «الشخصية الاسلامية» الجزء الأول تحت عنوان «طريقة الإسلام في الدرس» فإنه في نهاية هذا البحث يقول ما نصه:
«هذه هي طريقة الإسلام في الدرس، وهي التعمق في البحث، والاعتقاد بما يتوصل إليه من البحث أو بما يبحثه، وأخذ ذلك واقعياً لتطبيقه في معترك الحياة. ومتى استكملت الدراسة طريقتها هذه كان المسلم المثقف بالثقافة الاسلامية مع هذه الطريقة عميق الفكر مرهف الإحساس قارداً على حل مشاكل الحياة. فإنها تجعل المسلم يسير في طريق الكمال طوعاً واختياراً سيراً طبيعياً.. ولذكل تتكون عنده العقلية التي لا ترضى بقناعة العقل وطمأنينة القلب، وتتكون عنده في نفس الوقت النفسية الاسلامية المشبعة بالإيمان الكامل. وبهذه العقلية والنفسية يتصرف الشخص بالصفات الرائعة التي يتطلبها الإسلام من المسلم. وبهذه العقلية والنفسية يتغلب على جميع الصعوبات التي تعترضه في الطريق.. ففيها الناحية الفكرية من حيث كونها فكراً. وفيها في نفس الوقت الروح من حيث وجود إدراك الصلة بالله حين أخذها باعتبارها من عند الله. ولذلك تجعل كل مثقف بها عميق الفكر، مستنيره، متأجج الحماس ملتهبة، قد باع نفسه في سبيل الإسلام ابتغاء مرضاة الله…».
هذه هي ثقافة الحزب التي يؤسس شبابه عليها. وفتحي يكن الذي أعطى لنفسه مهمة نقد الحزب فإنه نقده بما يخالف واقعه. فهل بعد هذا البيان من حجة يحتج بها هو أمثاله؟
د- قال يكن: (يأخذ الدارسون على حزب التحرير المحدودية في الغايات والاقتصار على بعض غايات الإسلام دون بعضها الآخر).
إن حزب التحرير يريد الإسلام كاملاً، ويعمل على تحقيق كل أهدافه. وهذا لا يماري فيه إلا كل مغرض. وهو يريد أن يوضع الإسلام كله موضع التطبيق إن على صعيده الفردي أو الاجتماعي أو الدولي. ولكنه في عمله هذا لا يأخذ عن الدولة الاسلامية عملها ولا يتصرف وكأنه دولة إسلامية. ولا يأخذ عن الأفراد عملهم وإنما يقوم بما عليه كحزب، وهو إيجاد الخلافة الاسلامية. حتى إذا قامت وجد الإسلام كاملاً، تطبقه الدولة في الداخل وتحسن تطبيقه على المسلمين، ويكون الإحسان في الطبيق دعوة لغير المسلمين من رعايا الدولة الاسلامية إلى أن يسلموا. فتقيم الأنظمة وتطبيق العقوبات ثم هي تحمله إلى الخارج بالدعوة الجهاد. وهذه هي الطريقة الشرعية التي تجعل الاسلام، كل الإسلام، مطبقاً وأهدافه محققة.
هـ- قال يكن: ( ويأخذ الدارسون على حزب التحرير التصور بأن مرحلة التثقيف ستنقلهم إلى مرحلة التفاعل فمرحلة استلام الحكم، وهذا مخالف لسنة الله في امتحان الدعوات ومخالف للواقع المحفوف بآلاف المعوقات).
إن حزب التحرير عندما قسم طريقة عمله إلى مراحل فإن هذا التقسيم أخذه من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. والحزب يقول إن الطريقة التي أوصلت الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحكم، هي نفسها توصل المسلمين اليوم إلى الحكم بالإسلام، على الرغم من اختلاف الظروف والأوضاع، لأنه اختلاف في الشكل وليس في الجوهر. أما قوله: إن هذا مخالف لسنة الله في امتحان الدعوات، فإنه كلام يدل على فهم خطأ للمراحل، والأعمال التي تقوم في كل مرحلة. وهل هذا اعتراض على الحزب أو على الرسول صلى الله عليه وسلم الذي اجتار هذه المراحل، وتوصل في نهايتها بتوفيق الله ونصره إلى إقامة حكم الله. فمرحلة التثقيف هي مرحلة تأسيس فكري للشباب تعدهم فكرياً لأن يتزودوا بالثقافة الاسلامية اللازمة للتغيير. ومرحلة التفاعل هي جعل الأمة مجموعها تتبنى تبنياً عاماً لما تبناه الحزب من فكر وهدف. وأعمال الحزب في هذه المرحلة كما تقوم على تبني مصالح الأمة تقوم كذلك على كشف خطط الاستعمار. وكما تقوم على الصراع الفكري تقوم كذلك على الكفاح السياسي. وهذه الأعمال بالإضافة إلى عمل طلب النصرة تجعل الحزب في حالة عداء مع الأنظمة والغرب من ورائها وأعوانهما، فيلاقي الحزب في سبيل ذلك الملاحقة والاعتقال والإشاعة، والتقول عليه الذي يشارك فيه فتحي يكن. وهذا ما حدث فعلاً مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس هو مخالفاً لسنة الله في امتحان الدعوات. وسنصل بهذا الفهم إن شاء الله إلى نصره، ما دام فهماً شرعياً، ولا نغيره إلا إذا وجدنا دليلاً آخر أقوى منه. وما وصل إليه الحزب من إثبات وجوده في الدعوة وكنه من أهم الحركات الاسلامية في الدعوة، فإنما هو باتباع الحزب لطريق الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيصل إلى بلوغ هدفه إن شاء الله.
و- يقول يكن: (إن معادة الحزب لجميع الأنظمة التي يتحركون فوق أرضها ورطهم بحملات اعتقالات دائمة ومستمرة.. ولعل طموحهم إلى الحكم هو السبب في تخوف الأنظمة منهم وملاحقتهم دون هواده).
إن أقوى ما يعطي براءة ذمة للحزب ويشهد له بصدق دعوته هو الوقوف بجرأة، ووضوح، وعدم مهادنة، أما من يقف في وجه الدعوة من الحكام وملئهم. وهذا وسام فخر يسأل الحزب الله أن يثيبه عليه الأجر العظيم. وهذه هي سنة الدعوات التي أول ما يواجهها هم الحكام وملؤهم. فالله سبحانه أرسل نوحاً إلى قومه فواجهه الملأ. قال تعالى: (فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ…) وقال سبحانه في سيدنا موسى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ @ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ). وها هو رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه يدعو إلى أمر ربه فيواجهه الملأ ويحاربونه بشدة، ويقولون عنه الأقاويل. فهل صار من يسير على خطى دعوات الرسل متهماً. والحزب قام يدعو الأنظمة ابتداء. هو دعاهم وهم واجهوه وواجهوا دعوته وكانوا معه كالفأس الذي يضرب الشجرة ليقطعها والمهدة التي تضرب الصحرة لتفتيتها. فما استطاعوا قطع شجرته ولا تفتيت صخرته. فالعداء المستحكم بين الحزب والأنظمة ليس عداء شخصياً ولا عداء مصالح كما يصور فتحي يكن الذي بلغ باتهاماته هذه حداً لا يطاق في تهجمه على الحزب. لو كان الحزب تتحكم فيه شهوة الحكم، كما يقول، لاختار طريقاً أسهل. أليس هذا هو التشكيك نفسه، أليس في كلامه تهويش على الحزب واتهام جائر يحاسبه الله عليه؟ إنه يريد أن يلبس على المسلمين الموقف الحق الذي يقفه الحزب ويجعله ذا مصالح خاصة وليست دعوة صادقة يجب أن تحتضن من الأمة.
ز- قال يكن: (أخطأ حزب التحرير حين قرر مبدأ القفز من مرحلة (الثقافة) إلى مرحلة (التفاعل).. ذلك أن الحزب بانتقاله من مرحلة التثقيف الداخلي إلى مرحلة التفاعل أي ضرب الأفكار واتهامات الجاهلية يكون كمن يود قطع واد من غير جسر. ذلك أن مرحلة (التثقيف) لا تكفي للحزب في مواجهة التحدي دفعة واحدة؟ كما أنها لا تؤهل أفراد الحزب للصمود أمام هذا التحدي الشرس..).
إن الحزب فصل مراحل عمله، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، في كتاب «الدولة الاسلامية» وفي كتاب «التكتل الحزبي» ثم فصل ذلك في شروح إجابة على أسئلة الشباب: ومن ذلك ما جاء في نشرة بتاريخ 20/06/1969 وهي نشرة متبناة لأنها تفصيل لنص مجمل متبنى: (فأدوار الحزب هي: دور الثقافة، ودور التفاعل، ودور الحكم وتطبيق المبدأ. وهذه لا بد أن يقطعها الحزب. ونقاط التقاء الأدار هي: نقطة الانطلاق أو مرحلة المخاطبة وهي بين دور التفاعل ودور الحكم. وهذه لا ضرورة لأن توجد. فقد ينتقل الحزب من دور الثقافة إلى دور التفاعل من غير حاجة إلى نقطة انطلاق، أي من غير حاجة إلى نقطة التقاء بين دور الثقافة ودور التفاعل، وقد ينتقل من دور التفاعل إلى دور الحكم من غير حاجة إلى نقطة ارتكاز، أي من غير حاجة إلى نقطة التقاء بين دور التفاعل ودور الحكم، إلا أن حزب التحرير نظراً لتجزئة البلاد الاسلامية إلى دول، ونظراً لعدم تطبيق الإسلام في الحكم والمجتمع اضطر لأن يمر في جميع النقاط. فانتقل من دور الثقافة إلى دور التفاعل عن طريق المرور بنقطة الانطلاق أي محاولة المخاطبة، ومكث فيه ست سنوات، مع أن دور الثقافة لم يمكث فيه سوى سنتين. ويسير في الانتقال من دور التفاعل إلى دور الحكم عن طريق المرور بنقطة الارتكاز. ومضى عليه حتى الآن خمس سنوات وبدأ بالسادسة مع أن دور التفاعل لم يمكث فيه سوى أربع سنوات. فالحزب فوق كونه قد بيّن ذلك في كتبه فإنه قد سار فيه فعلاً).
، وقد ينتقل من دور التفاعل إلى دور الحكم من غير حاجة إلى نقطة ارتكاز، أي من غير حاجة إلى نقطة التقاء بين دور التفاعل ودور الحكم، إلا أن حزب التحرير نظراً لتجزئة البلاد الاسلامية إلى دول، ونظراً لعدم تطبيق الإسلام في الحكم والمجتمع اضطر لأن يمر في جميع النقاط. فانتقل من دور الثقافة إلى دور التفاعل عن طريق المرور بنقطة الانطلاق أي محاولة المخاطبة، ومكث فيه ست سنوات، مع أن دور الثقافة لم يمكث فيه سوى سنتين. ويسير في الانتقال من دور التفاعل إلى دور الحكم عن طريق المرور بنقطة الارتكاز. ومضى عليه حتى الآن خمس سنوات وبدأ بالسادسة مع أن دور التفاعل لم يمكث فيه سوى أربع سنوات. فالحزب فوق كونه قد بيّن ذلك في كتبه فإنه قد سار فيه فعلاً).
هذا هو رأي حزب التحرير فعلاً. فكيف يتهم فتحي يكن الحزب القفز بين المراحل، ويقول بأنه كمن يود أن يقطع وادياً من غير جسر؟
ح- يقول يكن: (يقول الحزب في كتاب «نظام الإسلام» ص 61: «وقد يكون طلب النصرة من رئيس دولة..».
لم يذكر الحزب هذا الكلام في كتاب «نظام الإسلام»، لا في الصفحة المذكورة ولا في غيرها. وهذا يدل على مدى الأمانة أو الدقة في النقل عند يكن.
ط- يقول يكن: (اعتماد الحزب على عوامل خارجية في الوصول إلى الحكم عن طريق طلب النصرة والتي قد يكون فيها تورط غير متوقع). ويقول: (إن اعتماد الحركة على قواها الذاتية الصحيحة.. هو الأسلوب الأقوم).
لا نريد الإطالة في شرح وع طلب النصرة. إنه حكم شرعي، بل هو مجموعة من الأحكام الشرعية، وهو الطريقة الشرعية لأخذ الحكم من السطلة الكافرة أو الفاسقة التي بيدها الحكم. الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أخذ الحكم في المدينة المنورة عن طريق طلب النصرة. طلب النصرة من زعماء الأوس والخزرج فنصروه وسلموه الحكم، ومن أجل ذلك سماهم الله «الأنصار».
إن الحزب الإسلامي الذي يعمل في الأمة الاسلامية لا يعتبر نفسه غريباً عن أمته، ولا يعتبر أمته غريبة عنه. ولذلك فإن قول يكن: (اعتماد الحركة على قواها الذاتية الصميمة) أي العناصر الحزبية، فقط هو قول خطأ، ويدل على عدم فهم القائل. إن العناصر الحزبية التي يخشى أن تعمل انقلاباً لا تسمح لها السلطة بالوصول إلى الأماكن الحساسة في الجيش أو غيره مما يمكنها من الاستيلاء على السلطة. والأمر العملي هو الاتصال بأهل القوة وهم في مراكزهم لإقناعهم ليس بأن يصبحوا أعضاء في الحزب، بل بأن يقوموا، بتوجيه من الحزب، بوصفهم مسلمين بالاستيلاء على السلطة ووضعها بيد الحزب لإقامة الخلافة وتطبيق الإسلام. والخلافة هي دولة الأمة الاسلامية وليست دولة حزب التحرير، ولا يكون الحكام فيها من حزب التحرير وحده، فهي ليست دولة حزبية. فلا يصح أن يحمل أي حزب على رقاب الناس.
كثير هم أهل القوة المستعدون للتعاون مع الحزب في القيام بعمل إسلامي جليل دون أن يكونوا أعضاء في الحزب. فالرجل المسلم من أهل القوة، وإن كان غارقاً في المعاصي، فإنه ليس ميؤوساً منه. بل إن الاتصال به، وأن يصدق حامل الدعوة الله فيه، قد يحوله في ساعة إلى تائب مستعد أن يبذل روحه في سبيل الله.
أما عبارة يكن بأن الحزب يعتمد على (عوامل خارجية) فإنه غمز، وهو يريد الإيحاء بأن الحزب يعتمد على دول كافرة مستعمرة.
وإنا ندعو الله أن يهيئ للأمة الاسلامية الآن أبطالاً يقتدون بالأنصار أمثال سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ليقيموا الخلافة الراشدة، ويطبقوا حكم الله في الأرض، ويعود المسلمين خير أمة أخرجت للناس.
نحن لا نحمل حقداً على يكن ولا على غيره ممن يسيئون إلى حزب التحرير، بل ندعو الله أن يعيدهم إلى رشدهم، وأن يغفر لهم. ربنا (وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاَّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
12 من شهر شعبان 1419هـ
01/12/1998م.
1999-01-25